Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم في منطقة اليورو يضع "المركزي الأوروبي" في الاختبار

اقترب من 10 في المئة ولاغارد: "يتعين على استجابتنا السياسية أن تأخذ في الحسبان طبيعة الصدمات التي نواجهها"

البنك المركزي الأوروبي في حال من التأهب بينما يدرس رفع أسعار الفائدة (أ ف ب)

من المحتمل أن يكون معدل التضخم في منطقة اليورو سجل رقماً قياسياً آخر الشهر الماضي أقل بقليل من 10 في المئة، مما يبقي البنك المركزي الأوروبي في حال من التأهب الشديد بينما يدرس مدى الجدية في رفع أسعار الفائدة.

وتوقع جميع الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع من قبل "بلومبيرغ" ارتفاعاً جديداً في أسعار المستهلك وبلغ متوسط التوقعات 9.7 في المئة.

ومن المقرر صدور بيانات منطقة اليورو التي تضم 19 دولة يوم الجمعة المقبل بعد تقارير من أكبر ثلاثة اقتصادات في المنطقة وتقييم لمعنويات الأعمال حول الكتلة.

ومع القراءات السابقة التي أعطت دفعة رئيسة لتوسيع التشديد في اجتماعي البنك المركزي الأوروبي الماضيين، من المرجح أن يكون التقرير الجديد أحد أهم المكونات للقرار التالي المقرر اتخاذه في غضون شهر.

هذه الخلفية، إلى جانب أية آثار سياسية من الانتخابات الإيطالية، يوم الأحد المقبل، ستكون بالتأكيد موضوعاً مهيمناً لرئيسة البنك كريستين لاغارد عندما تدلي بشهادتها أمام المشرعين في بروكسل في اليوم التالي.

ومن المحتمل أن تواجه لاغارد أسئلة حول المكان الذي ستستقر فيه أسعار الفائدة بعد ارتفاع 1.25 نقطة مئوية حتى الآن والطريقة التي سيتبعها المسؤولون إذا كان عليهم الاختيار بين مكافحة التضخم وحماية الوظائف.

ويأتي ظهور رئيسة البنك الأوروبي خلال أحد أكثر الأسابيع ازدحاماً بخطابات البنك هذا العام، ومن المقرر أن يدلي جميع زملاء لاغارد الخمسة في المجلس التنفيذي، إضافة إلى 10 من 19 من رؤساء البنوك المركزية الوطنية، بتعليقات عامة.

يقول اقتصاديو "بلومبيرغ" إن "من المرجح أن يكون التضخم في منطقة اليورو قد وصل إلى مستوى جديد مرتفعاً بنسبة 9.6 في المئة في سبتمبر (أيلول) مع استمرار صعود كلف الغذاء والطاقة، كما أن إنهاء إجراءات التخميد في الأسعار الألمانية التي تم إدخالها في بداية الصيف سيزيد أيضاً من ضغوط الأسعار".

صدمات غير مسبوقة

في محاضرة ألقتها لاغارد أمام جمعية "فرانكفورت" للتجارة والصناعة والمعلومات نشرت على موقع البنك المركزي الأوروبي قالت "بعد فترة طويلة عندما كان التضخم في منطقة اليورو منخفضاً للغاية، لكنه أصبح الآن مرتفعاً جداً. نحن في الشهر العاشر على التوالي من معدلات التضخم القياسية المرتفعة وقد نشهد استمرار هذا الخط على المدى القريب".

وأرجعت لاغارد سبب التضخم إلى سلسلة من الصدمات غير المسبوقة التي أدت إلى نقاط تحول في الاقتصاد العالمي، وقالت "نتيجة لذلك أثبتت ضغوط الأسعار أنها أقوى بكثير وأكثر ثباتاً مما كان متوقعاً في الأصل".

ودعت رئيسة "المركزي الأوروبي" صانعي السياسة النقدية إلى التأكد من أن التضخم لن يصبح راسخاً وأنه سيعود كما كان على المدى المتوسط، وقالت "سيتعين على استجابتنا السياسية أن تأخذ في الحسبان التركيبة الخاصة من الصدمات التي نواجهها في منطقة اليورو"، وتطرقت في حديثها إلى قضيتين، الأولى طبيعة صدمة التضخم التي تواجهها منطقة اليورو اليوم والثانية انعكاسات ذلك على السياسة النقدية اليوم ومستقبلاً.

وقالت لاغارد "في استراتيجية سياستنا النقدية تعتمد الاستجابة المناسبة لانحراف التضخم عن هدفنا على ثلاثة عوامل هي مصدر هذا الانحراف وحجمه واستمراره. فعندما ينبع مصدر الصدمة التضخمية بشكل أساسي من الطلب ستستجيب السياسة النقدية بشكل استباقي لمنع الاقتصاد من الإنهاك. وعندما نواجه صدمات العرض إلى الحد الذي ينظر إلى مثل هذه الصدمات على أن ليس لها تأثير دائم في التضخم فإن البنوك المركزية تمدد أفق السياسة على المدى المتوسط ​​إذا لزم الأمر".

وأضافت "لكن مثل هذا التصنيف الدقيق لا يعكس بشكل كاف الوضع الذي نواجهه في منطقة اليورو اليوم. فنحن لا نشهد نوعاً من الإنهاك الناتج من الطلب الذي يمكن رؤيته في الولايات المتحدة وعلى رغم سوق العمل الضيقة، يبدو أن خطر دوامة أسعار الأجور حتى الآن لا يزال محتوماً".

وبدلاً من ذلك تشهد منطقة اليورو زيادة في التضخم مدفوعة بصدمتين غير مسبوقتين، الأولى تمثلت في الوباء، بحيث عززت اختناقات العرض المرتبطة به ارتفاع الأسعار واستجابت الشركات لخطر النقص من خلال الطلب أكثر وأكثر في وقت أبكر مما أدى إلى ارتفاع الأسعار على طول سلسلة التسعير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردفت لاغارد "في الوقت ذاته نجحت استجابة السياسة المالية والنقدية للوباء في دعم التعافي السريع للطلب عندما أعيد فتح اقتصاداتنا، كما أدت مرونة الدخل بدورها إلى تقلبات كبيرة في الطلب عبر القطاعات"، وأشارت إلى أنه خلال فترة الإغلاق وبفضل التجارة الإلكترونية بشكل خاص تركز الاستهلاك على السلع المعمرة. ثم عندما أعيد فتح الاقتصاد رأينا طلباً قوياً مكبوتاً على الخدمات.

وتابعت "منذ بداية الوباء كان تقلب استهلاك السلع المعمرة أعلى بنحو 10 أضعاف مما كان عليه خلال العقدين الماضيين ونحو 30 مرة أعلى بالنسبة إلى الخدمات. وأدى ذلك إلى توسع التضخم في كل من السلع الصناعية والخدمات. واليوم نحو ثلاثة أرباع البنود في سلة التضخم الأساسية لديها معدلات تضخم أعلى من اثنين في المئة".

أما الصدمة الثانية، على حد قول لاغارد، فكانت في الهجوم الروسي غير المبرر على أوكرانيا. فحتى قبل حدوث هذه الحرب كانت تخفيضات إنتاج "أوبك+" والقيود الرأسمالية على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة تقيد إمدادات الطاقة. وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة الأمر الذي كان عاملاً رئيساً في التقليل من تقدير الكتلة الأوروبية للتضخم.

وأضافت "لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا أسفر عن تفاقم أزمة العرض بشكل كبير ودفع أسعار الطاقة إلى مستويات غير عادية، مما جعل التنبؤ بالتضخم أكثر صعوبة. كما ارتفعت أسعار الغاز والكهرباء في أوروبا بنسبة 105 في المئة و75 في المئة على التوالي منذ الأشهر التي سبقت الهجوم ونحو 650 في المئة و450 في المئة على التوالي منذ النصف الأول لعام 2021".

ولفتت رئيسة "البنك المركزي الأوروبي" إلى أن الارتفاع في أسعار الطاقة أسهم بشكل مباشر بنحو 30 في المئة في معدل التضخم الرئيس منذ بداية هذا العام وبشكل غير مباشر زاد من اتساع ضغوط الأسعار عبر الاقتصاد، فيما تشير النماذج التي تستخدمها البنوك المركزية الوطنية إلى أن الآثار غير المباشرة لارتفاع كلف الطاقة تسهم حالياً بنحو الثلث في التضخم الأساسي.

ولادة خريطة عالمية جديدة

وقالت لاغارد "دفعت هذه الصدمات التضخم بعيداً من هدفنا، إذ ارتفع التضخم العام الذي كان سلبياً حتى ديسمبر (كانون الأول) 2020 بنسبة 9.4 نقطة مئوية من أدنى مستوى له خلال الوباء إلى ذروته الشهر الماضي وصعد معدل التضخم الأساسي 4.1 نقطة مئوية".

وأشارت رئيسة "المركزي الأوروبي" إلى أنه في الماضي القريب كان العرض العالمي المرن يعني أن صدمات الإنتاج أو الطاقة تبددت في نهاية المطاف واستشهدت بأسعار النفط في حقبة الغزو العراقي للكويت وقالت "في أعقاب الغزو خلال التسعينيات انخفضت أسعار النفط إلى ما دون مستواها قبل الحرب، لكنها عادت بعد نحو خمسة أشهر، لكن الصدمات التي أحدثها الوباء والحرب الأوكرانية خلقت أيضاً ما أسميته سابقاً ’خريطة عالمية جديدة‘ للعلاقات الاقتصادية".

وقالت لاغارد إن نقاط التحول الاقتصادية على هذه الخريطة العالمية الجديدة تشير إلى أن من المرجح أن تستمر قيود العرض لفترة أطول مما كانت عليه في الماضي وهذا يعني بدوره أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول حتى تتلاشى الآثار التضخمية لتلك الصدمات.

وأضافت أنه "على رغم أن استجابة الاتحاد الأوروبي اليوم ستخفف من ارتفاع كلف الطاقة فإن من المرجح أن تصعد أسعار الوقود الأحفوري بعض الوقت في حين يمثل استبدال الواردات الأوروبية بالكامل من الوقود الأحفوري الروسي تحدياً على المدى القصير، على رغم وجود عدد متزايد من الأمثلة على حدوث تأثيرات الاستبدال".

وعلى المدى الطويل رجحت لاغارد أن تؤدي الحرب إلى تسريع التحول الأخضر في أوروبا بما في ذلك التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وسيتطلب هذا استثمارات خضراء كبيرة، لكنه سيؤثر أيضاً في الاستثمار بإنتاج النفط والغاز خلال المرحلة الانتقالية، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط على أسعار الوقود الأحفوري بينما يظل الطلب على هذه الأنواع من الوقود مرتفعاً.

وتقول لاغارد "إذا قفزت أسعار الطاقة بشكل دائم خلال الفترة الانتقالية فربما يكون لها تأثير في الإنتاج الصناعي بأوروبا، مما يؤثر في كل من العرض والأسعار"، وأردفت "هذه بالتأكيد هي الطريقة التي ترى من خلالها الشركات في منطقة اليورو الوضع"، واستشهدت بنتائج استطلاع حديث أجراه البنك المركزي الأوروبي، إذ توقع 80 في المئة في الأقل من المشاركين أن الانتقال المستمر يجعل المواد الخام والطاقة التي يستخدمونها أكثر كلفة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار منتجاتهم.

العولمة تتغير وستتغير

وتطرقت لاغارد إلى الحديث عن مستقبل العولمة قائلة "يبدو أن الاضطرابات التي أحدثها الوباء وانكشاف نقاط الضعف والمشهد الجيوسياسي الجديد واحتمال ارتفاع كلف الطاقة والنقل ستؤدي إلى إعادة تقييم سلاسل القيمة العالمية".

وأضافت "بينما أشك في أننا سنرى تراجعاً عن العولمة، فمن المرجح أن تحتفظ الشركات بمخزونات أعلى على أساس دائم وتقصير سلاسل التوريد الخاصة بها لنقل الخدمات عالية القيمة ومراكز البحث والتطوير"، وأوضحت "هذا صحيح بشكل خاص عندما تدخل الاعتبارات الاستراتيجية وربما نشهد أيضاً نقل الإنتاج كثيف الطاقة بسبب التأثير غير المتكافئ لصدمة أسعار الطاقة الحالية، إضافة إلى ذلك، ستسهم سرعة الانتقال ومزيج الطاقة الجديد في التحولات المادية".

وأشارت إلى أن دراسة استقصائية حديثة توصلت إلى أن نحو 60 في المئة من الشركات زادت مخزوناتها من المنتجات المهمة بحلول نهاية 2021 وأن ما يقرب من 90 في المئة كانت تتوقع إضفاء الطابع الإقليمي على إنتاجها خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

ومن المحتمل أن يقلل هذا من الكفاءة ويزيد الكلف، مما قد يخلق ضغوطاً تضخمية أثناء تعديل سلاسل التوريد، كما يمكن أن يجعل الدورة الاقتصادية أكثر تقلباً، على حد قول لاغارد، التي أضافت "مع ذلك يجب أن يؤدي التحول الأخضر على سبيل المثال في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار الكهرباء".

وقالت لاغارد "نحن نواجه حالياً موقفاً تكون فيه قيود العرض المستمرة عاملاً مهماً يتسبب في استمرار التضخم فوق الهدف لفترة أطول ويتفاقم تأثيرها بسبب إطلاق الطلب المكبوت. وفي هذا الصدد تحتاج السياسة النقدية إلى تجنب ترسيخ الانحرافات عن هدفنا وإعادة التضخم إلى اثنين في المئة على المدى المتوسط"، وأضافت "هناك اعتباران مهمان هنا، الأول هو وجهة السياسة النقدية إذ إننا بحاجة إلى تطبيع السياسة وأن نكون مستعدين لتعديل الأسعار بالقدر الضروري للوصول إلى هدف التضخم لدينا على المدى المتوسط، والاعتبار الثاني هو وتيرة زيادات الأسعار وبما أن أسعار الفائدة ترتفع من مستويات منخفضة للغاية، فإن وتيرة زيادات الأسعار يمكن أن تحشد قناة التأشير للسياسة النقدية مباشرة".

ولشرح الاعتبارين تقول لارغارد "من وجهة السياسة النقدية، أولاً عندما يكون التضخم مرتفعاً ويكون النمو مقيداً بسبب العرض غير المرن لا يمكن للسياسة النقدية أن تظل توسعية وتزيد من الضغوط التضخمية عن طريق زيادة الطلب، لذلك من المناسب اتباع استراتيجية تطبيع السياسة النقدية، والتطبيع يعني إنهاء مشتريات الأصول الصافية ثم رفع الأسعار إلى مستويات محايدة".

وتتابع "لهذا السبب لم يبدأ البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة فقط، بل أعلن أيضاً توقعاتنا برفع أسعارها بشكل أكبر خلال الاجتماعات المقبلة. ولضمان فاعلية هذه التغييرات في موقف سياستنا اتخذنا عدداً من القرارات خلال الأشهر القليلة الماضية للحفاظ على النقل المنظم لموقفنا في جميع أنحاء منطقة اليورو".

وقالت لاغارد "بينما نمضي قدماً سنعيد تقييم ما إذا كانت استراتيجية التطبيع كافية لإعادة التضخم إلى اثنين في المئة على المدى المتوسط. وفي النهاية يجب أن يكون المعدل النهائي الذي تنتهي عنده دورة المشي لمسافات طويلة متوافقاً مع عودة التضخم بشكل دائم إلى هدفنا وسيعتمد هذا المعدل على كيفية تطور البيئة الاقتصادية من حولنا".

وأضافت "يتمثل أحد العوامل الرئيسة في كيفية تأثير استمرار الصدمات التي نواجهها في توقعات التضخم والإنتاج المحتمل. فإذا كان هناك دليل على أن التضخم المرتفع يخاطر بإلغاء تثبيت توقعات الفائدة، فإن معدل السياسة المتوافق مع هدفنا سيكون في المنطقة المقيدة. وبالمثل كان علينا أن نستنتج أن صدمات العرض المستمرة أدت إلى انخفاض دائم في الإمكانات الاقتصادية وعلينا التأكد من أن الطلب لا يزال متوافقاً مع العرض".

وقالت لاغارد "سيكون العامل الرئيس الآخر هو كيفية تأثير توقعات النمو في التضخم، إذ ستؤدي صدمات العرض السلبية إلى تباطؤ النمو الذي من المحتمل أن يكون له تأثير في معدل التضخم السائد"، وأشارت إلى أنه "في فترات الركود السابقة في منطقة اليورو التي تعود إلى السبعينيات انخفض التضخم العام بنحو 1.1 نقطة مئوية بعد عام، بينما تراجع التضخم الأساسي بنحو نصف هذا المبلغ، لكن هذه ليست قاعدة صارمة، ففي بعض فترات الركود مثل تلك الناجمة عن تدهور ظروف العرض ظل التضخم على حاله أو حتى ارتفع".

وتطرقت لاغارد إلى سيناريو الجانب السلبي الذي يلتقط من بين صدمات أخرى تأثير الانقطاع الكامل للغاز الروسي إذ توقعت أن ينكمش الاقتصاد العام المقبل قبل أن ينتعش عام 2024، لكن من المرجح أن يكون التضخم أعلى في النهاية مما هو عليه في السيناريو الأساسي.

أما العامل الثالث، بحسب لاغارد، فسيكون تصرفات الحكومات "بحيث ستفعل السياسة النقدية كل ما هو مطلوب لإعادة التضخم إلى هدفنا، لكن النهج الأوروبي الحقيقي هو أن تكمل السياسة النقدية والمالية بعضهما البعض، الأمر الذي يمكن أن يحسن توقعات التضخم".

وأضافت "على وجه الخصوص ستلعب كيفية دعم السياسات المالية للشركات والأسر خلال فصل الشتاء الصعب المقبل دوراً مهماً في ديناميكيات التضخم. وهناك حاجة لاتخاذ تدابير محددة الهدف وموقتة ومصممة خصيصاً لحماية دخول الفئات الأكثر ضعفاً".