Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات "التجريد" عصا الحكومات الموريتانية لإخضاع موظفيها؟

إجراء عقابي يعطيه القانون للسلطة التنفيذية لمحاسبة المقصرين واتهامات باستغلاله سياسياً لردع المعارضين

تجمع وزراء موريتانيين في افتتاح نشاط رسمي بنواكشوط (اندبندنت عربية)

يتندر الموريتانيون دائماً على المسؤولين البارزين الذين يجردون من مهماتهم، ويذاع الخبر عبر وسائل الإعلام الرسمي ثم تمنح الثقة لهم من جديد من طرف الحكومة نفسها التي جردتهم، وتحتفظ ذاكرتهم بعدد من النوادر حول تلك الظاهرة التي يطلقون عليها "تبديل الجلود"، في إشارة إلى أن الموظف السامي الجديد القديم قدم فروض الطاعة والولاء، وبالتالي منح فرصة جديدة للتبتل في محراب السلطة.

ويعد التجريد إجراء عقابياً عادياً يمنحه المشرع الموريتاني لجهة الاختصاص، إذ يعطيها القانون سلطة تقديرية واسعة في ما تراه مناسباً من إحلال العقوبة بمن يقترف خطئاً جسيماً، سواء في مجال التسيير أو في استغلال النفوذ.

ويرى الكاتب الصحافي موسى حبيب أنه "نادراً ما تلجأ الحكومات الموريتانية إلى تجريد موظفيها الساميين من مهماتهم، غير أنها قد تضطر إلى ذلك في حال الخطأ الجسيم الذي قد يكون مرتبطاً بتهم تتعلق بالفساد أو بسوء استخدام السلطة، لكنه في الأعم يكون مرتبطاً بخلفية سياسية من نوع ما، باعتبار أن أنظمتنا يمكنها التساهل مع أي شيء باستثناء عدم إظهار الولاء والإخلاص".

وظهرت خلال العقود الأخيرة حالات تجريد يتداخل فيها السياسي مع القانوني، إذ يتأثر موقع المجرد من ميوله السياسية التي طرأت عليه أو خسارة الحزب الحاكم الذي يمثله في منطقته للانتخابات، فيجد نفسه مجرداً من مهماته.

ونظام الحكم المعمول به في موريتانيا يمنح لرئيس السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة ومن بينها التجريد، ويوضح حبيب تلك الجزئية بقوله إن "قرار التجريد لا يثير أي إشكال، ذلك أن الجهة المخولة لاتخاذه ليست مقيدة بأخطاء ومخالفات محددة تتخذ قرارها بناء عليها، وإنما هي صاحبة سلطة تقديرية واسعة في المجال، لأن الأمر يتعلق بجرائم تأديبية لا تتطلب أن يكون منصوصاً عليها مسبقاً مثل الجرائم الجنائية، بل هي من صميم اختصاصات رئيس الجمهورية الذي يرجع إليه وحده الحق في التعيين في الوظائف السامية والعزل أو التجريد منها".

معايير غير واضحة

وتختلف التفسيرات للإجراءات الخصوصية لمجلس الوزراء الذي تصدر عنه التعيينات والتجريد، حتى إن بعض المجردين من مهماتهم لا يعرفون الأسباب، ويرى النائب البرلماني المعارض الصغير العتيق أن "التجريد أشد عقوبة قد تحل بالموظف، فهو بالنسبة إليه أقسى وقعاً من السجن، إلا أن ما تقوم به الحكومات الموريتانية في حق موظفيها لا يعتبر تجريداً، لأنها حكومات غارقة في الفساد وتستحي من أن تقيل مسؤولاً بسببه بل تتستر عليه".

ويضيف النائب العتيق "أنه لو كانت المعايير القانونية للتجريد مطبقة في موريتانيا لجرد معظم الموظفين لأنهم لا يتمتعون بالكفاءة ولا الاستقامة، لكن ما يتم التعيين على أساسه هو الولاء للحاكم وإظهار الدعم الكامل له، وهذا هو عامل الإبقاء على الموظف وسلامته من التجريد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتعجب المتابعون للشأن المحلي الموريتاني من سرعة عودة المبعدين بقرارات تتعلق بالتجريد، إذ جرت العادة على تعيين أسماء تمت الإطاحة بها من مجلس الوزراء.

ويشرح الكاتب الصحافي موسى حبيب هذه الظاهرة بقوله "في حال إدارة ضعيفة الذاكرة مثل الإدارة الموريتانية فقد لا يعني التجريد من المهمات الشيء الكبير، لأنه لا يعني دائماً التأثير في المسار المهني للموظف ولا حرمانه من تقلد الوظائف لفترة معينة قد تصل خمس سنوات".

ويضيف موسى أن "الموظف المجرد يدرك أكثر من غيره أن الأمر لا يتعلق بقرار إداري يجب الطعن فيه أمام القضاء للحصول على رد الاعتبار، بل بقرار سياسي ينبغي العثور على القنوات السياسية المناسبة لمحو آثاره والحصول على وظيفة جديدة قد تكون أسمى من سابقتها".

مواسم التجريد الجماعي

ويرتفع منسوب التجريد ويهبط تبعاً للحال السياسية العامة في البلاد، ويتصاعد مؤشره خلال المواسم التي ترتفع فيها الانتقادات للعمل الحكومي وكذلك عند نشر أخبار عمليات الفساد التي تخرج للعلن من طريق الصحافة أو يتم تداولها في الأوساط الرقابية للدولة.

ويرى رئيس مركز رؤية للدراسات والتدريب سليمان الشيخ حمدي أن "التجريد الذي تتخذه الحكومات المتعاقبة في موريتانيا استخدمته كإجراء عقابي صادر عن تحقيقات إدارية أو تفتيش لجهة رقابية يبين أن الموظف المذكور ارتكب مخالفات تستوجب التجريد".

ويخلص حمدي إلى أن "بعض الحكومات الموريتانية تجرد أحياناً الموظفين الذين لا يتماشون مع سياساتها من حكام المقاطعات وولاة المحافظات، ومن يتولون مناصب كبيرة في الدولة ويظهرون تعاطفاً مع المعارضة، بحسب تقارير الاستخبارات وبرقيات الإدارة الإقليمية، فيتم عقابهم".

الفساد والتجريد

وحين تنشر الجهات الرقابية تقاريرها يتوقع المراقبون موجة تجريد على الأبواب للموظفين الذين لاحظت الجهات المعنية ارتكابهم خروقات تسييرية أثناء ممارستهم لمسؤولياتهم، كما هي الحال هذه الأيام في موريتانيا، فقد أعلنت المفتشية العامة للدولة أنها أرسلت أخيراً 19 بعثة تفتيش زارت 178 تجمعاً سكنياً وعاينت 180 مشروعاً أو منشأة للوقوف على حقيقة معايير التنفيذ.

وأوضح المفتش خلال مؤتمر صحافي عقده في نواكشوط قبل أسابيع أن "20 شخصاً أحيلوا إلى السجن بسبب تورطهم في عمليات فساد ورفضهم إعادة الأموال".

وعلى رغم ارتباط التجريد بالفساد عادة في موريتانيا إلا أن معظم المتابعين للشأن المحلي يرونه فزاعة تستخدمها الحكومات في أوجه موظفيها ترهيباً وترغيباً بحسب السياق السياسي العام لكل نظام يحكم موريتانيا.

المزيد من تقارير