Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المتوسط" يدفن أحلام الشباب التونسي

حالة من الإحباط تعم البلاد التي تعاني أزمة اقتصادية واجتماعية 

مهاجرون على متن قارب خشبي بينما يتم إنقاذهم من البحرية التونسية (رويترز)

مركب جديد يغرق في عرض البحر المتوسط في سواحل الشابة التابعة لمحافظة المهدية، وعلى متنه 37 مجتازاً للحدود البحرية باتجاه إيطاليا بطريقة غير شرعية، جميعهم من الجنسية التونسية، ليلة السادس والسابع من سبتمبر (أيلول) 2022، مخلفاً عدداً من القتلى الذين تم العثور على جثثهم (12 جثة) وإنقاذ 14 شخصاً، بينما تواصل وحدات الحرس البحري والجيش الوطني عمليات البحث والتمشيط في المنطقة.

وتنامت ظاهرة الهجرة السرية خلال الفترة الأخيرة بشكل لافت، حيث اجتاز الحدود البحرية بين تونس وإيطاليا نحو أربعة آلاف تونسي وتونسية في أقل من شهر، بينما فقد العشرات.

وتكتوي العائلات التونسية بنيران فقدان أبنائها وسط حالة من البؤس والإحباط التي تعم البلاد التي تعاني أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية، بينما تنعدم الحلول لمعالجة الظاهرة وتقييم تبعاتها. 

ترك طفلين وركب البحر

بصوت متقطع وبنبرة حزينة تحدث صالح العيساوي قريب المفقود نبيل العيساوي (44 سنة) من معتمدية بوحجلة في محافظة القيروان والذي ترك طفلين (سبعة أشهر وعشر سنوات).

وأضاف العيساوي لـ"اندبندنت عربية" أن "قريبه (ابن خالته) يشتغل عاملاً يومياً وقد وصل شقيقه إلى الأراضي الإيطالية عن طريق هجرة سرية، وكان كل أمله أن يصل هو أيضاً إلى إيطاليا لتحسين وضعه العائلي".

وعاب صالح العيساوي على السلطات المحلية والجهوية "عدم اهتمامها بالموضوع بخاصة أن عدد المتوفين في الجهة فاق الأربعة، بينما ما زال ثلاثة مفقودين من دون أن يتم العثور على جثثهم". 

وخلص إلى أن "الوضع الاجتماعي في معتمدية بوحجلة متدهور، وسط انعدام موارد الرزق وتنامي البطالة والفقر".

"نهش الحوت قدميه"

من جهته، قال عبدالرزاق السالمي والد الشاب أشرف السالمي البالغ من العمر 26 سنة، الذي تم إنقاذه صحبة خطيبته التي رافقته في "رحلة الموت"، إن ابنه قرر الإبحار خلسة إلى إيطاليا من دون استشارته، ونسق العملية مع أحد أعضاء شبكات "الحرقة" في منطقة بوحجلة، لافتاً إلى أن "تكلفة الرحلة تتجاوز خمسة آلاف دينار تونسي (1500 دولار) للشخص الواحد".

وعن الحالة الصحية لابنه أكد عبدالرزاق السالمي أنه في حالة انهيار نفسي، بخاصة أن "هذه هي المحاولة الثانية للوصول إلى إيطاليا، وقد تعرض لبعض الخدوش بسبب نهش الحوت قدميه".

ويضيف السالمي أن "أوروبا تبقى حلم أغلب الشباب التونسي، لأنه يرى من خلالها المستقبل والآفاق الرحبة عكس ما يعيشونه في تونس".

شهادات عائلات وأقارب المفقودين والناجين من جحيم الهجرة السرية تجمع على الأوضاع المتردية التي تدفع الشباب والأطفال وحتى العائلات إلى الهجرة.

ويغامر عشرات التونسيين يومياً ويركبون البحر على رغم مخاطره، وأملهم هو الوصول إلى الأراضي الإيطالية.

أربعة آلاف في أقل من شهر

وحسب تقديرات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقد بلغ عدد التونسيين الواصلين إلى السواحل الإيطالية عبر الهجرة غير النظامية 3730 شخصاً في ظرف أقل من شهر، من 15 أغسطس (آب) إلى 8 سبتمبر 2022.

ووصف الناطق الرسمي باسم المنتدى والمكلف ملف الهجرة رمضان بن عمر هذا الرقم بـ"المفزع"، بحسب قوله.

وأضاف رمضان بن عمر أن عدد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس الماضيين بلغ 7745 شخصاً، وتم منع 8939 آخرين وفقدان 49 شخصاً وقدر عدد القصر منهم بـ1775. 

واعتبر بن عمر أن "مشروع الهجرة لم يعد يعتمد على العوامل الاجتماعية والاقتصادية بل يشمل غياب رؤية وخارطة طريق واضحة تؤسس لبوادر انفراج ممكنة في تونس، وهو ما رسخ حسب تقديره في أذهان البعض حالة من عدم اليقين في المستقبل".

وبين أن "مشروع الهجرة غير النظامية عند التونسي هي نتيجة تراكمات كثيرة يصبح فيها خطر ركوب قوارب الموت سهلاً أمام صعوبة العيش في تونس"، لافتاً إلى أن "بعض العائلات أصبحت تؤسس لمشروع الهجرة لدى أبنائها منذ الصغر بمختلف الطرق النظامية منها وغير النظامية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشار في هذا الصدد إلى أن المسح الوطني للهجرة قد أظهر أن نحو مليوني تونسي يريدون الهجرة، وهو ما يمثل نحو خمس التونسيين. وتعتبر الدول الأوروبية لا سيما ألمانيا وفرنسا وإيطاليا الوجهة المفضلة لغالبية الراغبين في الهجرة من التونسيين.

انعدام الأفق الاقتصادي

وللبحث في الأسباب الكامنة وراء تنامي ظاهرة الهجرة السرية نحو إيطاليا، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية جلال التليلي، في تصريح خاص أن "السبب الأبرز هو حال الإحباط وانعدام الأفق الاقتصادي وتدهور الوضع الاجتماعي لغالبية التونسيين الذين باتوا تحت خط الفقر، بينما يتطلع الشباب إلى حياة الرفاه، وهو ما يدفعهم إلى الهجرة ولو بطريقة غير شرعية".

ويضيف التليلي أن "الشباب في تونس لم يجدوا ضالتهم، فهم عازفون عن المشاركة السياسية وغير منخرطين في برامج الدولة، علاوة على أن السياسات العمومية للبلاد لا تستهدف الشباب في مستقبلهم وفي اندماجهم بسوق العمل".

دولة عاجزة 

وأوضح أن "الدولة عاجزة عن إيجاد حلول للبطالة وبقي شعار (حرية، كرامة وطنية) الذي رفع عام 2011 صالحاً إلى اليوم وحتى بعد 25 يوليو لم تتغير الأوضاع بل زادت سوءاً".

ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن "فئة كبيرة من الشباب من حاملي الشهادات العليا يفتقرون إلى المهارات الكافية التي تؤهلهم للاندماج السلس في سوق العمل سواء الوطنية أو الدولية لذلك يتجهون إلى الهجرة السرية".

كما يعتبر التليلي أن "الشباب الذين وصلوا إلى إيطاليا وعلى رغم عدم تسوية أوضاعهم فإن وضعهم الاقتصادي أفضل بكثير مما هو في تونس، لذلك تستقطب الهجرة السرية الأطفال والعائلات والنساء"، لافتاً إلى أن من يجتاز الحدود يستغل أوضاع العائلات لتسويتها.

ويشدد المتخصص في علم الاجتماع أن "العولمة وانسيابية المعلومة وتوافرها عبر المنصات الاجتماعية جعلت الشباب ينجذب إلى نمط الحياة في أوروبا". 

المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي 

وبخصوص الحلول الممكنة للتعاطي مع ظاهرة الهجرة السرية يؤكد التليلي أن "تونس اختارت المقاربة الأمنية من دون سواها وهو خيار مفروض من الاتحاد الأوروبي لجعل تونس سداً أمام الهجرة غير الشرعية"، داعياً إلى "اعتماد مقاربات أكثر عمقاً تمتد على عقود على غرار الإصلاح التربوي، ووضع سياسات اقتصادية ناجزة وقادرة على خلق الثروة وتقنين الهجرة إلى أوروبا وتسهيلها". 

ويشار إلى أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن "خمس التونسيين سيلتحقون بفئة الفقراء باستخدام خط الفقر 5.5 دولار (نحو 15 ديناراً تونسياً) في اليوم".

إحباط نحو 1500 هجرة سرية

في الأثناء، تكتفي وزارة الداخلية بإحصاء عدد محاولات الهجرة السرية، حيث أعلنت أنها أحبطت في الفترة الممتدة من الأول من يناير (كانون الثاني) إلى غاية التاسع من سبتمبر الحالي أكثر من 1489 عملية هجرة غير نظامية.

وأكد المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الجبابلي "تواصل عمليات البحث عن المفقودين بعد غرق مركب على متنه مهاجرون تونسيون غير نظاميين بسواحل الشابة". 

يذكر أن الأمم المتحدة سجلت أكثر من 21 ألف وفاة في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2014، ليصبح المتوسط "أكبر مقبرة في المنطقة".

في المقابل شدد رئيس الجمهورية قيس سعيد في وقت سابق على ضرورة اعتماد "مقاربة شاملة توافقية في مجال الهجرة غير الشرعية ترتكز أساساً على محاربة الفقر والبطالة ودعم جهود التنمية والتشجيع على الهجرة النظامية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير