Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحافة التونسية "رهينة محبسين"... الإنترنت وكورونا

شهدت على مختلف المحطات التاريخية من الاستعمار إلى مرحلة بناء الدولة وصولاً إلى سقوط بن علي

تراجعت أعداد الصحف إلى 21 بينما كانت قبل سقوط نظام بن علي في حدود 250 (اندبندنت عربية)

ارتبطت الصحافة المكتوبة في تونس بالواقع السياسي في البلاد، حيث تزدهر في مناخ الانفتاح السياسي، وتضمر كلما تم التضييق على الحريات، لذلك يعتبر المؤرخون أن الصحافة التونسية شاهدة على مختلف الحقب التي مرت بها البلاد في تاريخها المعاصر.

مع المشروع الإصلاحي

يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية عبد الجليل بوقرة لـ"اندبندنت عربية"، أن "الصحافة المكتوبة في تونس ظهرت مع بداية المشروع الإصلاحي الذي بدأه خير الدين التونسي، عندما تم إصدار جريدة "الرائد التونسي" كأول جريدة تنشر قرارات الإدارة التونسية في 23 يوليو (تموز) 1860، وهي مستمرة إلى اليوم تحت عنوان (الرائد الرسمي للجمهورية التونسية)".

ويضيف أستاذ التاريخ أن "الصحافة التونسية بدأ نطاقها يتسع وتتعدد عناوينها على أثر دخول الاحتلال الفرنسي، حيث صدرت جريدة "الحاضرة" في 12 أغسطس (آب) 1888، ثم أسس عبدالعزيز الثعالبي جريدة "سبيل الرشاد" عام 1895، كما ظهرت جريدة باللغة الفرنسية تحت عنوان "Le Tunisien" عام 1907".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير بوقرة إلى أن "النخبة الإصلاحية في ذلك الوقت كانت تعتبر أن الوسيلة الرئيسة للوصول إلى الرأي العام التونسي وإيصال رسائلها إلى سلطات الحماية الفرنسية هي الصحافة الورقية".

ومثلت الصحف وسيلة لمختلف التشكيلات السياسية التي ظهرت في نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20 للتعبير عن مواقفها السياسية إزاء الاحتلال الفرنسي.

ويقول أستاذ التاريخ إن "الشيوعيين في تونس أصدروا عدداً من العناوين التي تعرضت للمصادرة من قبل القوات الاستعمارية الفرنسية، وكانوا يلجأون إلى تغيير عنوان الصحيفة لتفادي مصادرتها".

أوج الصحافة التونسية

كذلك، يشدد بوقرة على أن "تاريخ الصحافة في تونس يقدم فكرة عن تاريخ الحياة السياسية في البلاد، فكلما وقع التضييق على الحياة العامة والسياسية تقلص عدد الصحف، وكلما شهدت البلاد انفتاحاً سياسياً ازدهرت الصحافة المكتوبة وتعددت العناوين العربية والفرنسية".

ويشير إلى أنه "يمكن اعتبار فترة الثمانينيات من القرن الـ20 أوج الصحافة التونسية لتعدد عناوين صحافة الرأي وظهور عدد من المجلات والجرائد، بينما تراجع حضور الصحافة المكتوبة منذ التسعينيات بعد أن تم التضييق على الحريات العامة وتعرضت صحف المعارضة إلى صعوبات كبيرة على أثر تجفيف مصادر الإشهار والتحكم في توزيعه وحرمان صحف المعارضة من أي مورد مالي".

مع ظهور الإنترنت

في السياق، مثّل ظهور الإنترنت والثورة الصناعية الرابعة منعرجاً في تاريخ الصحافة التونسية وفي العالم، حيث احتجبت عناوين وتحولت أخرى إلى مواقع إلكترونية بعد أن باتت عاجزة عن تغطية تكاليف ورق الطباعة والتوزيع وسط انحسار الاشتراكات وتراجع عدد القراء وتوجههم أكثر إلى الصحافة الإلكترونية.

ويعيب بوقرة على المسؤولين عن الصحافة المكتوبة أنهم "لم يبتكروا أساليب جديدة للتأقلم مع الثورة التكنولوجية بينما استطاعت صحف أخرى في العالم التأقلم مع هذا الواقع الجديد"، لافتاً إلى أن "الصحافة المكتوبة تلعب دوراً مهماً في البحث العلمي والتاريخي لمصلحة الباحثين والمؤرخين في المستقبل".

وعلى أثر انهيار نظام بن علي عام 2011، ظهر عدد من الصحف الجديدة كــ"الأولى" و"عرابيا" و"التونسية" و"الجرأة". واعتقد مصدرو عدد من الصحف أن رفع القيود على الصحافة وانتهاء التضييقات على الحريات سيعيد إلى الصحافة المكتوبة وجاهتها، لكنهم اصطدموا بصعوبات كبيرة في النشر والتوزيع وضعف الموارد المالية فلم تعمر هذه الصحف طويلاً.

واستمر قطاع الصحافة المكتوبة في تونس يكابد المصاعب، وتراجعت العناوين إلى حدود 21 عنواناً اليوم، بينما كانت قبل سقوط نظام بن علي في حدود 250، بينها عناوين علمية متخصصة، وأخرى جهوية، وثالثة باللغات الأجنبية كالإنجليزية والإيطالية.

وضع كارثي للقطاع

ويؤكـد المدير التنفيذي لـ"الجامعة التونسية لأصحاب الصحف" محمد العروسي بن صالح، أن "القطاع اليوم يعيش وضعاً كارثياً لأسباب عدة أولها مادي، ولا أخفي مخاوفي من اندثار هذا القطاع كلياً في حال لم يتم إنقاذه"، لافتاً إلى أن "هذا القطاع يمثل رصيداً رمزياً وذاكرة للوطن والشعب، ومن المفترض أن تعمل الدولة على حمايته والحفاظ عليه".

يستنكر بن صالح "غياب الإرادة السياسية لدعم الصحافة المكتوبة"، مشيراً إلى أنه منذ عام 2012 تخلت الدولة نهائياً عن الصحف بعد أن اتخذت قراراً بوقف كل الاشتراكات معها، ومنح الحرية للوزارات في اقتناء الصحف بحسب ما تحتاج إليه، الأمر الذي فتح الباب أمام الزبونية والمحسوبية لتنتعش صحف وتندثر أخرى.

ويضيف أن "فيروس كورونا قصم ظهر قطاع الصحافة في تونس، بعد أن تم تداول معلومة مفادها بأن الورق ناقل للعدوى، وهو ما أثر سلباً في عمليات توزيع وشراء الصحف الورقية".

وأجبر الحجر الصحي العام الذي فرضته الحكومة في 22 مارس (آذار) 2020، أكشاك بيع الصحف على الإغلاق، ما أدى في مرحلة أولى إلى التقليص من عمليات الطباعة، وفي مرحلة ثانية إلى إيقاف المطابع بشكل تام والاكتفاء بالنشر على المواقع الإلكترونية، الأمر الذي تسبب في خسائر ضخمة.

تنظيم الإشهار العمومي

من ناحية ثانية، دعا المدير التنفيذي لـ"الجامعة التونسية لأصحاب الصحف" إلى "تنظيم قطاع الإشهار العمومي، وتوزيع موارده البالغة نحو 21 مليون دينار (سبعة ملايين دولار) بالعدل بين مختلف مؤسسات الإعلام"، لافتاً إلى "تدني أسعار الإعلانات ما أثر في الموارد المالية للصحف".

وأبرز العروسي أن "غلاء الورق في السوق الدولية، علاوة على كلفة النقل التي تضاعفت بخاصة بعد انتشار فيروس كورونا، مقابل تراجع المبيعات والاشتراكات، أثقل كاهل الصحف التونسية التي بدأت في تسريح أعوانها، إذ بلغ عدد المسرحين نحو ثلاثمئة بين صحافيين وتقنيين".

وذكر أن المطالب التي تقدمت بها "جامعة أصحاب الصحف" هي رصد الدولة مبلغ ثلاثة ملايين دينار (مليون دولار) لشراء الصحف، يتم توزيعه بالعدل بين الصحف التونسية التي تحترم قانون الشغل، وتدفع الضرائب، وتنتج صحافة مهنية بعيدة من التناحر ونشر الكراهية، إضافة إلى ضرورة تنظيم الإشهار العمومي".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي