Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستبدو بريطانيا إذا جددت الحياة البرية فيها؟

ما سيحصل إن اجتهدنا حقيقة في إرجاع 30 في المئة من الأراضي إلى حالة أكثر طبيعية؟ ما سيكون شكل بلدنا حينها؟ ربما ليس وفق ما تتخيل الآن

لن تكون استعادة الحياة البرية مجرد قصيدة رعوية يتنزه جميعنا فيها بين حيوانات على شاكلة شخصيات رواية "الريح في الصفصاف" (عن بيتر جولي)

صدرت أخيراً في المملكة المتحدة "مراجعة داسغوبتا" Dasgupta Review حول اقتصادات التنوّع البيولوجي [قاد بحوثها البروفيسور بارثا داسغوبتا أستاذ الاقتصاد في "جامعة كامبريدج"]. وأشادت المراجعة التي أُعدّت بتكليف من الحكومة البريطانية بما وصفته بـ"المكاسب الكبيرة في التنوع البيولوجي" التي أحرزتها "ملكية نيب" Knepp Estate  [تبلغ مساحتها 3500 فدان وتتوسطها قلعة نيب وتعدّ أكبر مشاريع استعادة البرية في تاريخ بريطانيا] الواقعة في مقاطعة "ساري" Surrey. كذلك ذكرت أنّ "السماح للنظم البيئية بالتجدّد ضمن أقل قدر ممكن من التدخّل [من جانب الإنسان]، قد أثبت أكثر فأكثر أنّه ناجع وأقل تكلفة".

نأمل في أن يؤذن ذلك باندفاع كبيرة صوب تجديد الطبيعة البرية في بريطانيا، بعدما، وفق الحال حاضراً، التزمت الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتقديم 40 مليون جنيه إسترليني (حوالي 60 مليون دولار أميركي) لاسترداد مساحات خضراء في البلاد، وعقب وعد قطعته في سبتمبر (أيلول) بإعادة الحياة البرية إلى 30 في المئة من مساحة البلاد في 2030.

ربما يظنّ الناس أنّ لدينا فعلاً كثيراً من الأراضي البرية، ويُعزى ذلك إلى أنّ متنزهاتنا الوطنية و"المناطق ذات الجمال الطبيعي الأخّاذ" [اختصاراً "إيه أو إن بي إس" AONBs] وغيرها من أراض محمية، تشكل حالياً 26 في المئة من إنجلترا. ولكن، في الواقع، لا تكتسي المناطق المذكورة آنفاً في وضعها الحالي، قيمة خاصة في ما يتعلق بالحفاظ على الطبيعة.

في الواقع، يوفر كثير من تلك المناطق الدعم لمساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة، والخالية في معظمها من الحياة البرية. مثلاً، تتسم التلال التي ترعى عليها الخرفان بتنوع بيولوجي ضئيل. لذا، فإن مساحة المناطق المحمية فعلاً بكل معنى الكلمة حفاظاً على الحياة البرية الطبيعية، تقارب الـ10 في المئة من مساحة بريطانيا حاضراً. ما سيحدث إذا اجتهدنا فعلاً لإعادة 30 في المئة منها، إلى حالة أكثر طبيعية؟ كيف سيكون شكل بلدنا حينها؟ ربما ليس وفق ما تتخيله الآن.

لن تكون بريطانيا المُستعيدة طبيعتها البرية عبارة عن قصيدة رعوية غنائية قصيرة أبطالها رعاة ماشية تستحضر حياة ريفية خالية من المتاعب، حيث نتنزّه جميعاً بين حيوانات على شاكلة شخصيات رواية "الريح في الصفصاف" Wind In The Willows [رواية قصصية للأطفال بقلم المؤلف والروائي البريطاني كينيث غراهام]. ولن تكون مكاناً خطيراً حيث تتجوّل بحريّة حيوانات مفترسة من قبيل الذئاب والوشق والقطط البرية، وتغزو أحلامنا.

في الحقيقة، تكون الأرض التي أُعيدت إليها طبيعتها البرية أكثر أماناً وأقل تهديداً من ذلك كله. وفي المقابل، من الجائز أيضاً أن تبدو فوضوية بعض الشيء ومكروهة، كرقعة من الأهوار، أو أشبه بغابة يتعذّر عليك أن تشق طريقك فيها بسهولة عبر شجيرات تحوّلت أجمة منيعة.

واستطراداً، تقتضي استعادة البرية تجاوز هوسنا بترتيب المناطق الريفية، وأن ننظر إلى الطبيعة المتروكة على سجيتها بوصفها جانباً جيداً من المشهد الطبيعي. يلزمنا أيضاً إدراك أنّ استعادة الطبيعة البرية تشكّل في جوهرها ممارسة لتحفيز مجموعة واسعة من النباتات والفطريات والطيور وحياة الحشرات، لا تقتصر على استقدام أنواع جديدة من الحيوانات الثديية ذات الجاذبية الشعبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحريّ، الوعي بالفائدة الكبرى في الأرض المُستعيدة طبيعتها البرية، لا تكمن في ازدهار التنوع البيولوجيّ فحسب، والمتعة التي تغدقها علينا، إنّما أيضاً في "خدمات النظام البيئي" الأخرى التي توفِّرها الأرض التي استرجعت طبيعتها. كثيرة ومتنوعة تلك الفوائد، هواء نقي، ومياه غير ملوثة، وتربة سليمة، وحتى حماية من الفيضانات لأن في مقدورها احتجاز مياه الأمطار في تربتها الطينية الشبيهة بالإسفنجة. الأهم من ذلك، الموئل البري المتروك لوسائطه الخاصة يغدو قادراً بصورة طبيعية على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

وإذا أعادت بريطانيا تجديد الحياة البرية في 30 في المئة من أراضيها، فستتيح ظهور موائل طبيعية بالقرب من المناطق الحضرية مفتوحة أمام عامة الناس لينعموا بفوائدها الاستجمامية والتثقيفية ومزاياها المتصلة بسلامة الإنسان ورفاهه وعافيته. وفي المقابل، قد يلزم إغلاق مساحات أخرى من الأراضي البرية أمام الناس.

لعل السبب في ذلك يرجع إلى أنّ تلك المناطق أصبحت موطناً لأنواع حية لن تتكاثر إذا تعرّضت لأي اضطراب [يأتي من جانب الإنسان]، أو لأنّ علماء البيئة الذين يعملون على تحضير الموئل لاستعادة الطبيعة البرية قد أطلقوا فيها سراح أبقار بقرون طويلة، أو تلك المخلوقات المخربة جداً، مثل خنازير "تامورث"، لتعيش بشكل دائم على تلك الأرض وتدوس كل ما يعترض طريقها، وسيكون ضرورياً تطويق محيطها كله بالأسوار.

استكمالاً لتلك الصورة، ستكون الأراضي التي أعتقها الإنسان من استغلاله أكثر تنوّعاً وإفادة من حقول المحاصيل والمراعي التي تقطعها أحياناً الأحراج وأسيجة الأشجار، وفق ما نشهد في بريطانيا حاضراً. ستبدو البقرة الغريبة ذات القرنين الطويلين، أثناء تخبطها في مستنقع كأنها من عصور ما قبل التاريخ.

ويستلزم نجاحنا في حمل البلاد على بلوغ تلك الحالة الجديدة، زيادة الشراء من المزارعين، إذ يخشى كثير منهم أن تترجم استعادة الطبيعة البرية على شكل إعادة إدخال الحيوانات المفترسة الرئيسة إليها، وتجريدهم من الأراضي المُنتِجة.

في ذلك الصدد، ليس على هؤلاء تطبيق عملية إعادة الطبيعة البرية في الأراضي المُنتِجة، إنما هذه المسألة حول إنشاء الموائل وحياة الحشرات. في المقابل، بوسع المزارعين تحويل الأجزاء غير المُنتجة من مزارعهم إلى موائل محايدة غنية بالأنواع الحية، بل أيضاً ممرات قادرة على الربط بين مناطق واسعة استعادت بريتها.

واستطراداً، ثمة دور يستطيع عامة الناس الاضطلاع به. وفي مقدورك إعادة ترميم العمليات البرية الطبيعية في حديقتك الخاصة لتشكِّل "نقطة انطلاق" في هذه المسيرة، ما يُمكّن الطيور والحشرات الطائرة من الاستراحة واقتيات طعامها فيها أثناء عبورها من منطقة إلى أخرى. جلّ ما تتطلبه تلك الخطوة، بركة وعلبة بذور للزهور البرية، وجهد وطني جماعي.

(جون ديفيس عالم بيئة ورئيس مشروع "آر أس كي ويلدينغ" RSK Wilding)

© The Independent

المزيد من بيئة