Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثمة إمكانية لظهور روسيا مختلفة

في النهاية سوف يتعب الكرملين من اعتماده على الصين

الميدان الأحمر في موسكو، ديسمبر (كانون الأول) 2021 (رويترز)

بينما تستمر حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا وتعيد تنظيم الجغرافيا السياسية العالمية، تحتاج الولايات المتحدة إلى مراجعة وتعديل استراتيجيتها الطويلة المدى تجاه روسيا. وعلى غرار استراتيجية الاحتواء الأصلية في حقبة "الحرب الباردة" [امتدت من بعيد الحرب العالمية الثانية إلى تسعينيات القرن العشرين، وتميزت بالصراع بين الاتحاد السوفياتي وأميركا] التي عبّر عنها السياسي الأميركي جورج كينان في هذه المجلة قبل 75 عاماً، يجب أن ينصبّ التركيز الأساسي لهذه الاستراتيجية مرة أخرى على "احتواء الميول الروسية التوسعية بصبر ولكن في الوقت نفسه بحزم وحذر". [الجملة الأخيرة الاقتباس من نص تلك الرسالة التي رسم فيها كينان صورة الحزب الشيوعي السوفياتي باعتباره نقيضاً عدائياً للكل القيم الغربية في الثقافة والدين والسياسة والاجتماع. تعتبر من وثائق الحرب الباردة].

خلال "الحرب الباردة"، سعت الولايات المتحدة إلى كبح الدوافع التوسعية للاتحاد السوفياتي من دون الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة، في انتظار انهيار النظام السوفياتي غير الطبيعي في موسكو. وفي الوقت الحاضر، ثمة هدف مختلف من احتواء روسيا. فمن السذاجة توقع تفكك روسيا مثلما حصل مع الاتحاد السوفياتي. ووفق اعتراف كينان نفسه، "لن يدوم الاتحاد السوفياتي، لكنّ روسيا ستبقى".

عوضاً عن ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل بجد اليوم من أجل كبح توسّع روسيا في أوروبا وأماكن أخرى، إلى أن تدرك القيادة الروسية، سواء الحالية أو واحدة مشابهة لها في المستقبل، أن ميولها الإمبريالية المدمرة تقودها إلى مستقبل كئيب ستصبح فيه تابعة للصين. ومع ازدياد انعزال موسكو عن الغرب، ستصير مدينة بالولاء لبكين كشريك تجاري وراعٍ دولي رئيس، وهي علاقة ليست بين أنداد بل بين متوسّل ومتبرع. إذا فكّر الكرملين بهذه الطريقة في ما يتعلّق باعتماده على الصين، فقد يعيد النظر في سعيه وراء السياسات الخبيثة المعادية للغرب ويضبط عدوانيته.

بطريقة موازية، يجب ألا تتوهم الولايات المتحدة أن مثل هذا التحول سيؤدي إلى علاقة ودية مع روسيا، ولا إلى نسج تحالف معها مناهض للصين، أو أن تغييراً في سلوك روسيا سيحدث بسرعة. في الواقع، قد تمرّ سنوات قبل أن يتبنى القادة الروس موقفاً أقل تصادمية تجاه الغرب. ومن المستبعد تماماً أن تصبح روسيا مندمجة في المجتمع الغربي، وليس من غير المحتمل أن تضحّي بعلاقتها مع الصين من أجل علاقات أكثر ودّاً مع الولايات المتحدة وأوروبا. بالتالي، سيتعين على واشنطن قبول الاختلافات الجوهرية بين القيم الأساسية والمصالح الروسية على المدى الطويل، وبين ما يقابلها من قيم أساسية ومصالح تتعلق بالغرب، على غرار دعم حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن للكرملين في النهاية أن يستنتج أن سياسة المعاملة المتساوية، المتمثلة في الحفاظ على علاقات مثمرة مع الصين والغرب معاً، تصبّ في مصلحته. إذاً، من الممكن ظهور روسيا أخرى مختلفة. ويعني ذلك أن تكون روسيا دولة ذات سياسة خارجية أكثر توازناً تتجنب العلاقات التشابكات اللصيقة مع الصين أو الغرب، وتحترم وحدة أراضي الدول الأخرى، وتتقيّد بالتزاماتها القانونية الدولية. لذا، يجب أن تتحلى الولايات المتحدة بالصبر، وتكون على استعداد للانتظار إلى أن تدرك روسيا أنها لن تحقق سوى مكاسب ضئيلة من مستقبل تعتمد فيه على الصين بتذلّل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جمود وتبعية

بعد مرور ستة أشهر على غزو روسيا لأوكرانيا، لا يزال مسار الحرب المستقبلي غير مؤكد. وبينما فشل بوتين فشلاً ذريعاً في تحقيق تغيير النظام في كييف، نجحت روسيا في الاستيلاء على خُمس أوكرانيا تقريباً. وفي الواقع، لقد فاق أداء الجيش الأوكراني كل التوقعات، بيد أنه قد لا يكون في وضع يسمح له بدحر المكاسب الروسية بشكل سريع وكامل، ويبدو أن احتمال الوصول إلى جمود على المدى القريب يزداد.

وفي الحقيقة، لا يمكن مطلقاً أن تكون سيطرة روسيا على شرق أوكرانيا آمنة تماماً. فلنتذكّر مثلاً، أن الاتحاد السوفياتي استغرق أكثر من عشر سنوات لقمع التمرد الأوكراني بعد أن أعاد بسط سيطرته على أوكرانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية. وعلى نحو مشابه، لن تتعافى الأراضي التي احتلتها روسيا بالكامل من الخراب الاقتصادي الذي خلّفته الحرب. وكذلك لا تملك موسكو المال لإحياء المناطق المدمرة التي احتلتها، لكنها على الأرجح ستحاول النهوض بذلك على أي حال، ما سيؤدي إلى إنفاق مواردها الشحيحة.

ستدرك روسيا أن ليس لديها الكثير كي تكسبه من مستقبل التبعية للصين

وفي مواجهة حلف ناتو أكثر قوّة، إذ سيضمّ إليه السويد وفنلندا قريباً، ستضطر روسيا إلى إنفاق أموال على جيشها أكثر من أي وقت مضى، ما سيؤدي إلى استنزاف خزينتها وإجبارها على التخلي عن الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية والعلوم والتعليم. وفي نهاية المطاف، ستتحوّل روسيا إلى مكان أكثر فقراً وحزناً وقمعاً وأقل أمناً وجاذبية للعيش بسبب مغامرات بوتين الإمبريالية الفاشلة التي تهدف إلى الاستيلاء على الأراضي. وحتى لو شق بوتين طريقه نحو ما يمكن أن يسميه نصراً قصير المدى في أوكرانيا، إلا أنه سيكون قد خسر روسيا على المدى الطويل. وإذا استمرت العقوبات الغربية، فسوف يصاب الاقتصاد الروسي بالركود والضعف، ما سيزيد من اعتماده على بكين، وهو احتمال لا يستمتع به سوى قلّة في موسكو.

وفي سياق متصل، سبق أن بدأت روسيا في تحويل صادرات الطاقة والمعادن من الأسواق الأوروبية المعادية لها إلى الصين. بالتالي، سيعتمد المستهلكون الروس بشكل متزايد على الواردات الصينية كي تكون بديلاً من المنتجات الغربية التي لم يعد من الممكن الوصول إليها. وبطريقة موازية، يؤدي اليوان، العملة الصينية، دوراً رئيساً الآن في المعاملات في بورصة موسكو، وسيزداد حجم ذلك الدور. في الواقع، سيعتمد استقرار الاقتصاد الروسي على ضخ النقد والسلع الصينية، وستتيح تلك الديناميكية لبكين قدراً كبيراً من النفوذ على موسكو.

في ظل هذه الظروف، يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في بناء قدرات الجيش الأوكراني، مع الحفاظ في الوقت نفسه على العقوبات المفروضة على روسيا وتعزيزها، بما في ذلك ضوابط التصدير على التقنيات المهمة التي تحتاج إليها روسيا لكنها تجد صعوبة في الوصول إليها، على غرار أشباه الموصلات [تعتبر أشباه الموصلات المكوّن الأساس في الصناعات الإلكترونية]. ستساعد هذه الإجراءات في الحفاظ على المجهود الحربي الأوكراني وفي غضون ذلك ستُضعف روسيا، لكنها لا تشكل استراتيجية طويلة المدى. ومن أجل تمهيد الطريق أمام روسيا غير منحازة في المستقبل، يجب على الولايات المتحدة تجنّب التصعيد في أوكرانيا، وتفادي زعزعة استقرار روسيا بشكل كامل، وتزويد موسكو ببديل عن اعتمادها المفرط الخطير على بكين.

نهج طويل الأمد

مع استمرار الحرب في أوكرانيا، فإن الأولوية القصوى بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، كانت وستظل، منع أي نوع من التصعيد الذي قد يؤدي إلى صراع مباشر بين الناتو وروسيا. وفي ذلك الإطار، أعطى الناتو إشارات إلى روسيا، بحكمة وعلى نحو متكرر، بأنه يرغب في تجنب صدام حول أوكرانيا. وكذلك تحلّت الولايات المتحدة بالصبر وضبط النفس. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الرغبة تشكّل السبب في مقاومة الناتو مناشدات كييف الداعية إلى فرض منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه أن يخاطر بإقحام الطيارين المقاتلين التابعين لحلف شمال الأطلسي في قتال جوي مع القوات الروسية.

على الرغم من ذلك، تختبر روسيا وحلف شمال الأطلسي باستمرار خطوط بعضهما البعض الحمراء. في المقابل، ازداد الغرب جرأةً تدريجياً وأصبح أكثر انخراطاً في الصراع. إذ قدم معلومات استخباراتية مهمة استخدمها الأوكرانيون لمهاجمة السفن الروسية وأهداف استراتيجية أخرى. وعلى نحو مماثل، قدم حلفاء الناتو لأوكرانيا أسلحة متطورة، على غرار "أنظمة الراجمات الصاروخية العالية الحركة" High Mobility Artillery Rocket Systems ["هيمارس" HiMARS]، التي يستخدمها الجيش الأوكراني في إلحاق أضرار جسيمة بمخازن الذخيرة الروسية والقواعد البعيدة عن الخطوط الأمامية. حتى الآن، امتلك الحلفاء تحليلاً صائباً مفاده أن بوتين، بعد أن فقد ما يقدر بنحو 20 إلى 30 في المئة من قوته القتالية، لم يعد في وضع عسكري يسمح له بتصعيد الصراع، وأنه طالما يمكنه تجنب فقدان ماء الوجه علناً، فمن غير المرجح أن يرد بقوة على الإمدادات الغربية من الأسلحة والاستخبارات لأوكرانيا.

في المقابل، يشكّل الاشتباك المباشر لقوات الناتو جواً أو براً أو في البحر الأسود بالقرب من أوكرانيا، أمراً مختلفاً تماماً، إذ إن أنشطة من هذا النوع قد تدفع قائداً روسياً عدوانياً ومتحمساً للرد على أدنى استفزاز في ساحة المعركة إلى اتخاذ إجراء يتسبب في مقتل أو إصابة أفراد من الناتو. وقد تثير تلك النتيجة رد فعل من حلف الناتو، ما قد يؤدي إلى إطلاق دوامة من التصعيد يمكن في أسوأ السيناريوهات أن تبلغ ذروتها وتصل إلى صراع نووي. ويجب تجنب سيناريو من هذا النوع بأي ثمن.

 

واستكمالاً، تتمثّل النتيجة الأخرى التي يجب على الولايات المتحدة تفاديها بالانهيار المطلق داخل روسيا. في الواقع، ينبغي أن تستمر الولايات المتحدة في معاقبة بوتين على الحرب في أوكرانيا، لكن من دون أن تغيّب عن بالها حقيقة أن زعزعة استقرار روسيا أو حتى تفكيك البلاد، مثلما طالب بعض المعلقين، ليس من مصلحة واشنطن. خلال الجزء النهائي من الحرب الباردة، أبدى الرئيس جورج دبليو بوش قلقاً بشأن الانهيار السوفياتي، ليس لأن هناك ما يستدعي الحفاظ على الاتحاد السوفياتي، بل لأن تفكك قوة نووية كبرى قد يخاطر بإطلاق العنان لتفلّت في استخدام الأسلحة النووية والمواد الانشطارية، ما يشجع على الانتشار النووي بين دول ما بعد الانهيار السوفياتي، ويحفّز ظهور شبكات إرهابية وجرائم منظمة جديدة. وبعد أربعة عقود، لا تزال هذه المخاطر مستمرة. ومن الممكن أن يؤدي انهيار روسيا إلى صراع أهلي دموي قد يزعزع استقرار أوراسيا طيلة سنوات مقبلة.

واستطراداً، لا تزال إمكانية حدوث انتفاضة شعبية في روسيا منخفضة، إذ إن قبضة بوتين على السلطة، مدعومة بجهاز قمع محلي مموّل بشكل جيد، تبدو محكمة كحالها دائماً. وعلى الرغم من أن العقوبات المفروضة حتى الآن على روسيا قد أضعفت القوة الاقتصادية الروسية، إلا أنها لم تتسبب في أي شيء يشبه الدمار والإذلال اللذين عانى منهما الروس في تسعينيات القرن الماضي خلال الأزمة الاقتصادية التي نجمت آنذاك عن انهيار الاتحاد السوفياتي.

في المقابل، تشير التجارب السابقة إلى أن الهدوء الذي يبدو مسيطراً حالياً قد يكون مضللاً. وربما لا يعرف المسؤولون الأميركيون إلى أي مدى يمكن أن يحدث طعن في الظهر في الدائرة المقربة من بوتين، ولا يمكنهم التنبؤ بنوع الفوضى التي قد تنشأ بمجرد أن يبدأ الحاكم المستبد القوي في فقدان السيطرة. من المرجح أن مغادرة بوتين النهائية، أكانت طوعية أو غير ذلك، سيتبعها صراعٌ مرير على السلطة، يشبه إلى حد كبير ذاك الذي أعقب وفاة ستالين في عام 1953. وبغضّ النظر عمّن سيحل محله، من المحتمل أن تستمر سياسات بوتين القومية والانتقامية حتى بعد رحيله، تماماً على غرار مواصلة الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف سياسات ستالين المناهضة للغرب، بل تعزيزها، ما أدى في النهاية إلى أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962.

يجب على الولايات المتحدة ألا تتهور، مدركةً أن الانهيار الاقتصادي والفوضى السياسية تشكّلان خلفية سيئة لبناء أنظمة سياسية ليبرالية. وينبغي ألا تعتبر ظهور دولة ديمقراطية ليبرالية في روسيا ما بعد بوتين حتميةً تاريخية. في الحقيقة، يلقي الماضي بظلاله الثقيلة على روسيا، ليس بمعنى أن المؤسسات القمعية الروسية تمتلك قوة بقاء ملحوظة فحسب، بل أيضاً بسبب الانصياع المستمر واللامبالاة السياسية لدى الشعب الروسي الذي علقت عليه الولايات المتحدة بسذاجة آمالاً كبيرة في حدوث تحول ديمقراطي في روسيا. إذاً، لا يمكن للولايات المتحدة أن تسمح بأن تستند سياستها الطويلة المدى إلى توقعات حدوث تحول ديمقراطي في روسيا في نهاية المطاف، إذ إن تحقيق ديمقراطية روسية حقيقية يمثّل مهمة تقع على عاتق الشعب الروسي نفسه، وقدرة واشنطن على التأثير في مثل هذه النتيجة، كانت دائماً وستظل محدودة للغاية.

روسيا المحايدة

شهدت السنوات الثلاثين الماضية فشل روسيا في ترسيخ نفسها في الغرب. خلافاً لألمانيا واليابان، اللتان حصلتا على موقعٍ ثابت ومستقر في النظام الغربي بعد هزيمتهما خلال الحرب العالمية الثانية، رفضت روسيا أن تتقبّل تراجع مكانتها في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي. وبالاسترجاع، حاولت الولايات المتحدة إشباع توق موسكو للاحترام من خلال دعوة روسيا للانضمام إلى مجموعة السبع (لكن الأمر انتهى بطردها) وإنشاء مجلس مشترك بين الناتو وروسيا. وعلى الرغم من ذلك، تستمر روسيا في تذكّر أوجاعها القديمة المتعددة، وتستسلم لسموم القومية والإمبريالية.

وفي المقابل، يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة مواصلة استكشاف سبل تؤدي إلى تسريع ظهور روسيا أقل عدوانية، على الأقل من أجل تقليل التوترات بين أكبر دولتين نوويتين، وفي الوقت نفسه كي تصعّب على الصين الاستفادة من ضعف روسيا.

تتشارك روسيا والغرب مصلحة بناء روسيا غير تابعة للصين

كذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجع الروس على تخيّل مستقبل تكون فيه روسيا جهة فاعلة مؤثرة ومستقلة على المسرح العالمي تسعى إلى التعايش السلمي والمفيد مع الغرب. وفي الواقع، تجمع بين روسيا والغرب مصلحة مشتركة تتمثل في بناء روسيا لا تتبع الصين ولا تتوسّل إليها، وربما يكون الحياد المحتمل لروسيا، أي عدم انحيازها في المنافسة الاستراتيجية الحالية مع الصين، أكبر إغراء يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة. وفي ذلك السياق، يجب أن تعمل رسائل الولايات المتحدة إلى روسيا على تعزيز الحقيقة التي تعرفها نخب السياسة الروسية أصلاً، وهي أن الصين لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة ولا ترى في روسيا إلا أداة لتحقيقها.

من المرجح أن يحظى الغرب بمساعدة في هذه المهمة مِنْ قِبَلْ الصين نفسها. في الواقع، بدأت بكين بالفعل في عقد صفقة بشروط صعبة على موسكو، مستفيدةً مثلاً من حاجة روسيا الماسة إلى بيع الطاقة كي تفاوض على تخفيضات كبيرة. في الماضي، تسامحت الصين مع العلاقات الروسية المستقلة مع الهند وفيتنام واحترمت على مضض دور الكرملين المهم في آسيا الوسطى. ولكن بعد فهم الصين تأثيرها الهائل على روسيا، ستسعى إلى تشكيل السياسة الخارجية الروسية بطرق تخدم مصالحها الخاصة.

واستكمالاً، تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه السياسة الصينية القاسية ستمنح المؤسسة السياسية الروسية سبباً كافياً لإعادة التفكير في عدائها المزمن تجاه الغرب. وفي النهاية، ستدرك موسكو أنها تستطيع توسيع نفوذها الدولي وزيادة تأثيرها على القوى الأخرى (بما في ذلك الصين) من خلال كبح دوافعها العدوانية في أوروبا.

ومن المفارقات أن روسيا كان بإمكانها تأمين مستقبل تتعايش فيه بسلام مع الغرب لولا مخططات بوتين الإمبريالية الأخيرة. وعوضاً عن ذلك، فإن عدوانه في أوكرانيا جعل مهمة روسيا والولايات المتحدة، أكثر صعوبة بكثير. ولكن لا تزال هناك فرصة لتصحيح أخطاء بوتين التافهة والإجرامية، حتى لو كان لا بد من معاقبة روسيا أولاً. ويتعيّن على روسيا أن تقرر ما إذا كانت تريد الاستمرار في العيش في عزلة غاضبة، وفي المقابل، يمكن لواشنطن أن تُذَكِّر موسكو بأن هناك خيارات أخرى متاحة إذا أظهرت روسيا رغبة حقيقية في تصحيح ميلها إلى تدمير نفسها وغيرها. وإلى أن يأتي ذلك اليوم، يجب على الولايات المتحدة احتواء أسوأ سلوك لروسيا، وانتظار أن يتغيّر مجرى الأمور.

* دميتري ألبيروفيتش، رئيس "مُسرِّع سياسات السلفادور"، وضيف لدى بودكاست "جيوبوليتكس ديكانتد"، إضافة لكونه مؤسس مشارك والمسؤول الرئيس السابق للتكنولوجيا في شركة الأمن السيبراني "كراود سترايك"

 ** سيرغي رادشينكو، بروفيسور متميّز في معهد "ويلسون شميت" التابع لـ"معهد جامعة جون هوبكنز للدراسات الدولية  المتقدمة"، ومؤلف كتاب "أصحاب الرؤى غير المرغوب فيهم، الفشل السوفياتي في آسيا مع نهاية الحرب الباردة"

فورين أفيرز

يوليو (تموز)/ أغسطس (آب) 2022

المزيد من آراء