Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دول جنوب آسيا تترقب "كوب 27" ولكن هل يحقق لها شيئا؟

مع اقتراب انعقاد الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، يقول الخبراء إن دول نصف الكرة الجنوبي يجب أن تذكر البلدان الغنية بأنها ليست هي من تسبب بأزمة المناخ

التآكل يفتك ببلدة رامداسبور البنغلادشية (أ ب)

تتطلع دول جنوب آسيا، التي باتت تواجه بشكل مستمر ظروفاً مناخية قاسية وخارجة عن المألوف، إلى انعقاد الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 27)، وتسعى إلى الحصول على مزيد من التمويل من الدول الغنية في محاولة لتذكيرها بأنها ليست هي التي تسببت بالأزمة المناخية في المقام الأول.

فمن موجات حر وجفاف حطمت جميع الأرقام القياسية إلى فيضانات مدمرة، عانى ملايين الأشخاص في دول جنوب آسيا في الأشهر الأخيرة من تتالي الظروف المناخية الشديدة القسوة، وقد امتدت رقعتها على نطاق لم يسبق له مثيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 بالتالي، رفعت هذه الدول وتيرة مطالبة البلدان الأكثر ثراءً بتعويضات، سيما بعد أن طالت تداعيات الكوارث البيئية الناجمة عن أزمة المناخ، على غرار موجات الحر الشديدة، ونضوب مياه الأنهار، واندلاع حرائق الغابات المستعرة، وتعاقب العواصف الرعدية العاتية، مناطق كانت حتى ماض قريب بمنأى عن هذه العوامل الطبيعية.

ومع قرب انعقاد مؤتمر "كوب 27"، سيلتقي قادة العالم مرةً أخرى للتفاوض على سبل مواجهة أزمة المناخ المتفاقمة، في وقت من المتوقع أن ترتفع خلاله أصوات مطالبة بتعزيز الدعم من دول العالم لمساعدة ضحايا الكوارث.

يشار إلى أن منطقة جنوب آسيا لطالما كانت معرضة بشكل خاص لأضرار أكبر نتيجة هذه العوامل، مقارنةً مع غيرها من المناطق، وذلك بسبب موقعها الجغرافي وسكانها وغياب البنية التحتية المناسبة لمقاومة التغيرات المناخية والتكيف معها.

وقد تشرد ملايين الأشخاص في هذه المنطقة بسبب كوارث كالفيضانات التي دمرت بنى تحتيةً رئيسة مثل الطرقات والمدارس والمستشفيات، فيما شكل ارتفاع درجات الحرارة تحديات خطيرة بالنسبة إلى قطاعي الزراعة والطاقة في المنطقة.

 

وتجد الدول الأكثر فقراً، التي تتمتع بقدرة محدودة على إعادة هيكلة بنيتها التحتية، مضطرةً للقيام بخيارات أحلاها مر، فإما أن تنفق مواردها المحدودة أصلاً على مشاريع التنمية، أو تعمل على تعزيز قدرتها على التكيف مع تغير المناخ.

وفيما يعد الأشخاص الذين يتحملون الجزء الأكبر من العبء الذي تشكله أزمة المناخ هم المعنيين الأقل بأسبابه، فإن قضية التعويضات المناخية تصبح أكثر إلحاحاً ومرتبطة بالعدالة.

وفي هذا الإطار، أصبحت الرهانات المعقودة على " الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أكبر، سيما أن المفاوضات الدولية المتعلقة بالمناخ فشلت حتى الآن فشلاً ذريعاً في ما يتعلق بتقديم مساعدات مالية للكرة الجنوبية كي تتمكن من مواجهة التحديات المتزايدة.

وينتظر أن تتمحور المفاوضات المتعلقة بتمويل المناخ حول موضوعين رئيسين، الأول، دفع 100 مليار دولار سنوياً من التمويل المناخي للدول الفقيرة، كانت قد تعهدت به الدول الأكثر ثراءً في قمة الـ 15 للمناخ في كوبنهاغن، بحيث أنه بعد 13 عاماً من تلك القمة ما زالت الدول المعنية تفشل في الوفاء بوعدها.

ويرى خبراء أن هذا المبلغ أصبح الآن أقل مما هو مطلوب لمساعدة دول نصف الكرة الجنوبي على مواجهة الظروف المناخية المتدهورة، علماً أن هناك أملاً ضئيلاً في أن تفي الدول الغنية بوعودها قبل مؤتمر "كوب 27".

في الوقت نفسه، بات واضحاً على نحو متزايد، أن آثار أزمة المناخ تتجاوز قدرات الناس وإمكاناتهم على التخفيف من وطأتها أو التكيف معها، وهذا ما يثير مسألة رئيسة أخرى، وهي ضرورة تحديد مخصصات مالية جديدة للتعويض على ضحايا الكوارث الناجمة عن أزمة المناخ، التي ترد في المفاوضات ضمن خانة "الخسائر والأضرار".

لكن الدول الغربية الأكثر ثراءً (بما فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ومعظم بلدان الاتحاد الأوروبي) أخلت مراراً عدة بالأهداف الطموحة للتمويل المناخي والتعويض عن "الخسائر والأضرار" الناجمة عنه. فقد أخفقت قمة الـ 26 للمناخ العام الماضي (في اسكتلندا)، وكذلك قمة الأمم المتحدة في بون هذه السنة، في تحقيق أي تقدم حقيقي وملموس في شأن هذه القضايا.

لكن الزخم المتزايد من جانب الدول التي تعاني من خطر الكوارث الطبيعية المكثفة والمتكررة، قبيل انعقاد قمة شرم الشيخ، قد يجبر الدول الأكثر ثراءً على التعامل هذه السنة مع هذه المعضلة الكبرى التي لطالما تجاهلتها، وتحقيق توافق في الآراء في ما يتعلق بقضية التمويل المناخي، على الرغم من أن خبراء يقولون إن المؤشرات لا تدل على أن ذلك يمكن أن يحدث.

الدكتور أنجال براكاش مدير أبحاث وأستاذ في "معهد بهارتي للسياسات العامة" كان قد عمل على موضوع التكيف مع تغير المناخ في الهند وبنغلاديش، رأى أنه "سيتعين على دول جنوب العالم تذكير الدول الغنية، بأن تغير المناخ ليس من صنعنا".

ويلفت إلى أن "الدول التي ساهمت في تلويث البيئة، وقدمت التزاماً بدفع 100 مليار دولار سنويا، لم تفِ بوعودها، لا بل بعثت بأموالٍ في معظم الأحيان على شكل قروضٍ لن يكون في مستطاع الدول الفقيرة تسديدها".

في غضون ذلك، أكدت دول مثل باكستان، التي تواجه فيضانات لم يسبق لها مثيل، أن الأمر يفوق قدرتها على "التعامل مع هذا الحجم الهائل من الكوارث الطبيعية بمفردها". ولفتت وزيرة المناخ شيري رحمن إلى أن ثلث مناطق باكستان هي الآن عرضة لخطر الغرق تحت المياه.

يشار إلى أن الفيضانات الناجمة عن دورات الرياح الموسمية المتعددة هذه السنة، انعكست سلباً على حياة أكثر من 33 مليون شخص، وأزهقت أرواح أكثر من ألف فرد في بعض المناطق الأشد فقراً في باكستان. وبما أن هذه الدولة الآسيوية ليست مسؤولة إلا عن نسبة 0.8 في المئة من الانبعاثات الحرارية العالمية، فإنها أصبحت إحدى أكثر المناطق عرضةً للوفيات الناجمة عن الفيضانات على سطح الكوكب.

قال وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال بوتو زرداري ليلة الأحد الماضي في وصف المشاهد التي أعقبت الطوفان، إنه لم يشهد قط دماراً بهذا الحجم، وأن المأساة يعجز عنها الوصف. وأكد أن الوضع سيىء  للغاية، ويشكل "كارثة إنسانية مروعة غير مسبوقة". وأضاف "من الواضح أنه سيكون لما حصل تأثير في الوضع الاقتصادي برمته".

ما حدث في باكستان، طاول أيضاً جارتها أفغانستان، حيث دمرت الفيضانات البنية التحتية فيها كالمدارس والمستشفيات، الأمر الذي طرح تحدياً طويل الأمد للأفراد الذين يعانون منذ مدة من أزمة إنسانية.

وجرفت مياه الفيضانات مئات المنازل التي يعاني جزء كبير من سكانها من فقر مدقع، سببته أعوام من الصراع، ويعيش كثيرون في منازل طينية هشة مشيدة من مزيج من الطين والحجارة، وهي عرضة لأكبر مقدار من الضرر في حال حدوث كوارث.

وتقول شازيا أرشاد رئيسة الاتصالات في "منظمة الإغاثة الإسلامية في المملكة المتحدة" لصحيفة "اندبندنت"، "نشهد الآن طقساً سيئاً يضرب مناطق في أفغانستان وجنوب آسيا، بما في ذلك بنغلاديش وباكستان والهند. إن تأثيراته مدمرة، ومن الضروري الإقرار بأن أزمة المناخ تهدد حياة الناس الذين تعد مسؤوليتهم عنها هي الأدنى". 

واعتبرت أن "من واجب المجتمع الدولي ألا يدير ظهره لشعب أفغانستان، فمع تفاقم أزمة اقتصادية وفي ظل عقوبات مفروضة على إمكان حصول البلاد على أموال، ستفرض حال الطوارئ المناخية تحدياً مستمراً يتخطى قدرة هذا البلد على مواجهته".

أما بنغلاديش، وهي دولة ذات كثافة سكانية عالية، تقع في دلتا ثلاثة أنهار (الغانج وبراهمابوترا وميغنا)، فتعد إحدى أكثر المناطق المعرضة للفيضانات في العالم، في حين أنها مسؤولة فقط عن 0.48 في المئة من مجمل الانبعاثات الحرارية العالمية. وقد بدأ هطول الأمطار فيها في وقت مبكر جداً هذه السنة، ما تسبب بوقوع فيضانات أكثر تواتراً في مناطقها الشمالية والوسطى، بحيث انعكست الأضرار على أكثر من سبعة ملايين شخص هناك.

وأشار الدكتور براكاش إلى أن "تقلبات هطول الأمطار وشدة الأحداث المناخية، آخذة في الازدياد، ومن الواضح جداً أنها أحداث ناجمة عن أزمة مناخية"، وأضاف أن الناس في عدد من المناطق التي كانت في منأى حتى الآن عن مثل هذه الظواهر قد فوجئوا بها على حين غرة ولم يكونوا مستعدين لها".

أولكا كيلكار مديرة برنامج المناخ في "معهد الموارد العالمية" (منظمة بحثية عالمية غير ربحية تركز أنشطتها على الغذاء والغابات والمياه والطاقة والمدن والمناخ والمحيطات) قال لصحيفة "اندبندنت"، "إن الوضع مؤسف للغاية، لأن دولاً مثل بنغلاديش ونيبال وبوتان قد بذلت جهوداً كبيرة في إطار الاستعداد للتكيف مع المناخ".

لا بد من الإشارة هنا إلى أن عدداً من هذه الدول تنفق كثيراً من أموالها الخاصة على إدارة مثل هذه الأزمات، لكن في مرحلة معينة، إذا أخذت الأحداث المناخية منحى أكثر تطرفاً أو أصبحت ظواهرها أكثر شدةً وتواتراً  فقد تكون لدى الناس فيها قدرات محدودة على التعامل والتأقلم معها، حتى لو كانت لديهم الآليات والاستعدادات المجتمعية اللازمة في مجال التأهب للطوارئ".

في هذا السياق، أغرقت المياه أجزاء من مناطق في شمال شرقي للهند على نحو متكرر خلال الشهرين الماضيين، ما ألحق أضراراً بأكثر من مليون شخص، وتعاني أيضاً قطاعات كبيرة في الولايات الزراعية من الجفاف بعد تعرضها لموجات متكررة من الحرارة القاتلة التي زاد احتمال حدوثها 30 مرة أكثر في الهند وباكستان، وذلك وفق بيانات صادرة عن مجموعة "وورلد ويذر أتريبيوشن". 

وتظهر البيانات الحكومية أن نحو ثلثي سكان البلاد عانوا من الجفاف على مدى العامين الماضيين، وزادت المناطق المعرضة للجفاف في الهند بنسبة 57 في المئة منذ عام 1997. وعلى مدى العقد الماضي شهد ثلث مقاطعات البلاد التي تعتمد على الزراعة أكثر من أربع حالات جفاف.

ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج البلاد من القمح بنسبة ثلاثة في المئة هذه السنة، ما اضطر البلاد إلى وقف صادرات محصولها الرئيس في وقت سابق، وقد أثار ذلك موجةً من الانتقادات الدولية ضدها وسط أزمة نقص في الغذاء العالمي ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفيما تعد الهند ثالث أكبر مصدر للتلوث الآن، فإنها أيضاً دولة ذات موارد محدودة وتحتاج لدعم مالي لإخراج سكانها من براثن الفقر. ويقول خبراء إن الكوارث المتكررة التي تهدد قطاعاتها الرئيسة تشكل خطراً على الأمن الاقتصادي للبلاد وتجبرها على تفعيل الخطط الآيلة إلى تحقيق تكيف مع تغير المناخ على حساب الأهداف الإنمائية.

وتوضح السيدة كيلكار أحد تلك التحديات قائلةً إن المرحلة الانتقالية في مجال الطاقة التي كان من المفترض للبلدان النامية إنهاؤها على مدى عقد من الزمن، أصبحت تشكل الآن هدفاً فورياً في ظل تدهور وضع المناخ، الأمر الذي يجعل التحرك لمواجهة التغير المناخي وبالتالي مسألة التمويل المناخي، أمراً أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى (يقصد بالتمويل المناخي دعم الدول الصناعية جهود الدول الفقيرة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو مساعدة مجتمعاتها على التكيف مع آثار تغير المناخ).

وتضيف، "لقد أصبح التحرك المناخي، سواء لناحية التخفيف من آثار تغير المناخ أو لناحية التكيف معها، يشكل أولوية فورية للغاية، وكلاهما يتطلب تمويلاً إن لجهة التحول عن استخدام طاقة الوقود الأحفوري أو لناحية التعافي من الكوارث". ولا ترجح كيلكار على الإطلاق إمكان التوصل إلى تحقيق هذا الهدف قبل السنة 2023.

ويطالب خبراء البلاد الآن بإثارة قضية الخطر على أمنها الغذائي في مؤتمر "كوب 27". وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد قال خلال القمة الـ 26 للمناخ" العام الماضي، إن الدول الأكثر ثراءً يجب أن تدفع نحو تريليون دولار لتمويل المناخ.

ومن المتوقع أن تعكف الهند بقوة الآن على ضمان تحقيق مطالبها، خصوصاً أنها وضعت لنفسها أهدافاً مناخية أكثر طموحاً كجزء من خطتها لـ "الإسهامات المحددة على المستوى الوطني".

فقد فشل الاستثمار الأخضر في الهند حتى الآن إلى حد كبير في تحقيق الأهداف المناخية، وهو ما كشفت عنه دراسة حديثة أجرتها "مبادرة السياسات المناخية". ووفقاً لتقديراتها، فإن الهند تحتاج إلى ما يقرب من تريليون جنيه استرليني (نحو 1.17 تريليون دولار) سنوياً لتحقيق أهدافها.

وفي هذا الإطار، حذر علماء مراراً عدة من أن التأثيرات المشتركة الناجمة عن تدهور المواسم التي تواجهها المنطقة، في ظل أزمة الاحترار الراهن البالغ 1.1 درجة مئوية، من المتوقع أن تزداد سوءاً في السنوات المقبلة، ومن المحتمل أن يكون هذا الأمر صحيحاً حتى لو تمكنت جميع البلدان من تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين، التي كان قد جرى التوافق عليها في "اتفاقية باريس" التاريخية بشأن المناخ التي عقدت في عام 2015.

لكن إذا تمكنت الدول من تكثيف الجهود وحشد جبهة موحدة لمواجهة هذه الأزمة، فقد يتمكن صوت الدول الضعيفة من إحداث تغييرٍ فعال في المسار هذه المرة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة