ملخص
يحظى طائر الحسون بشعبية كبيرة في الجزائر نظراً إلى جمال شكله وألوان ريشه وتغريداته، لكن أخطاراً عدة، طبيعية ومن فعل الإنسان، تتهدده وقضت بالفعل على أحد أنواعه.
جماله وأناقته وألحانه الشجية جعلت من الحسون الطير الأكثر شعبية وطلباً لدى الجزائريين، لكنه أصبح ضحية لعمليات الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة والتهريب، إذ أصبح من النادر جداً مشاهدة هذا النوع في البرية مثلما كانت عليه الحال قبل أعوام، وهو أحد الأسباب التي أخلت بسلسلة التوازن البيئي بالبلاد.
لا يخلو أي سوق من الأسواق الشعبية في الجزائر من مئات الطيور المغردة المعروضة للبيع، التي يكثر عليها الطلب لاقتنائها بحرية من دون توجس من رقابة السلطات، على رغم مطالبة جمعيات حماية الحيوانات بإعطاء الأولوية لمكافحة المتاجرة غير المشروعة بـ"المقنين" كما يسمى هذا النوع من الطيور باللهجة الجزائرية. ولأنه يحظى بتقدير كبير بسبب ألوانه المتلألئة وألحانه المتنوعة، والأهم من ذلك تكيفه بصورة جيدة للغاية مع ظروف العيش في الأقفاص، بما في ذلك تلك الصغيرة المجهزة جيداً، ونظامه الغذائي المعتمد على الحبوب، أصبح راسخاً في الثقافة الشعبية، وهو بلا شك ملك الطيور في القفص بالجزائر.
وعلى رغم ذلك فإن أعداد الطيور من هذا النوع النافقة يومياً لا تعد ولا تحصى بسبب معاناتها من مشكلات صحية خطرة، مثل التهاب الأمعاء والتغيرات المفاجئة في نظامها الغذائي وبيئتها، وفق ما يقول الطاهري فؤاد، المهتم بتربية الحساسين وبيعها، مشيراً إلى أنه لجأ لنصب أقفاص تتجاوز مساحتها الـ100 متر لتوفير وضع مريح للحساسين لتتكاثر.
مميزات الحسون
وطائر الحسون هو طائر صغير موطنه الأصلي أوروبا الغربية وشمال أفريقيا، ويتميز بريش مميز، وبرأس يجمع بين ألوان الأبيض والأحمر والأسود، وأجنحته مزينة بخطوط صفراء.
وتشير معطيات الباحثين في جامعة قالمة الجزائرية إلى أن تعداد طيور الحسون المحبوسة في الجزائر يقدر بأكثر من 6 ملايين في حين أن تعدادها البري نادر جداً، بخاصة في شرق البلاد ووسطها.
ويعترض الأمين العام لجمعية "شفيع الله" لتربية الطيور وحماية البيئة والحيوان قزوري محمد نصرالله، على عادات الاعتناء به في ما يشبه السجون، "التي هي أحد أسباب انقراضه من الطبيعة عندما أصبح محتجزاً في أقفاص بالمنازل"، على حد تعبيره.
ويشرح قزوري أبرز أخطار غياب الحسون على البيئة في الجزائر، فهذه "الطيور من فصيلة الشرشوريات وغالبيتها مغردة تتغذى على البذور والحشرات وتسهم في تكاثر الأشجار، إذ تساعد في نقل زراعتها من مكان إلى آخر عندما تتناول الحبوب. أما الحشرات مثل الخنافس التي تأكل جذور الأشجار يتم القضاء عليها من خلال الحسون".
لكن قزوري يرى أن البيئة تعاني اليوم اختلالاً واضحاً، وضرب مثالاً بما تعرضت له الجبال المحيطة بمدينة وهران، 432 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائرية، مثل جبل "مرجاجو" الشهير الذي أصبح قاحلاً خالياً من الأشجار، في حال ربطها بندرة الطيور المغردة في المكان. وقد أجرت الجمعية الرائدة في المجال البيئي أول تجربة من نوعها في الجزائر من طريق وضع بعض الأعشاش في الأشجار بالجبل، ومرت فترة ليتبين أنها لم تتضرر بعدما قضى الحسون على "الدودة الجرارة" العدو الأول للصنوبر الحلبي.
وأكد المتحدث ذاته أن "السلسلة البيئية متكاملة لو تم تخريب جزء منها تنهار، وهو وضع حاولت جمعيات إيصاله عبر الحملات التحسيسية خصوصاً للفلاحين الذين يصعب مراقبة نشاطهم بصورة كافية، مثلما وقف عليه النادي الوهراني لمربي الطيور، حين تلقى شكوى عن اكتشاف نفوق المئات منها من دون معرفة السبب ليكتشفوا بعد جولة أن صاحب مزرعة أقدم على اصطياد الخنازير البرية بواسطة وضع السم في بركة مياه، كانت مصيدة قاتلة أيضاً لكل حيوان يروي ظمأه منها.
منتفعون يهددون
في السياق أكدت غالبية الجمعيات النشطة في مجال حماية الطيور التي تم التواصل معها تعرضها لتهديدات من طرف أشخاص منتفعين من صيد الحسون خلال قيامهم بحملات توعوية في الغابات أو الأسواق الشعبية، لكن حين يتحرك أعضاء الجمعيات المذكورة مع الضبطية القضائية ورجال الأمن تسهل مهمتهم.
يذكر أن "الطائر الأنيق" محمي بلوائح جزائرية ويمنع صيده وفق المرسوم رقم 12 الصادر في الـ24 من مايو (أيار) 2012 المتعلق بتحديد قائمة الحيوانات غير المنزلية المحمية.
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، فإن أعداده تستمر في الانخفاض بمعدل مثير للقلق في شمال أفريقيا، حيث اختفى النوع من 50 في المئة من أراضيه، تحت ضغط عمليات الصيد. والوضع أكثر إثارة للقلق في الجزائر، إذ يمكن تمييزه بين الحسون المحلي والمهاجر الذي تطرده البرودة في أوروبا، فيغادر موطنه ليستقر في الجزائر مع الطيور المهاجرة على غرار طائر النعار، لكن تزايد اصطياده من قبل البعض، وبيعه بأسعار باهظة في تجاهل تام لعقوبات السجن والغرامة المالية المفروضة قانوناً على من يتورط في التجارة غير المشروعة، كل ذلك عرضه ليس للانقراض فحسب، بل تسبب في انقراض صنف من الحساسين يتميز بتغريدات جزائرية لا نظير له في إسبانيا أو المغرب.
وأفضل تلك الأصناف هو "البارفة" المتميز بزقزقة نادرة، بحسب رئيس جمعية "شفيع الله" لتربية الطيور، الذي أضاف أنه "على رغم أن الحسون الإسباني أفضل من ناحية الشكل، لكن من حيث التغريد يعد الأسوأ، وبسبب انقراض الحسون الجزائري أصبح الإقبال على اقتنائه غير مسبوق ما رفع أسعاره".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ظاهرة "الطفرة"
كما يشير المتخصص في رعاية الطيور إلى بروز ظاهرة جديدة يطلق عليها المتاجرة بتربية "الطفرة" بأسعار خيالية، "وأشهرها حالياً في الجزائر الحسون الدمشقي ويصل سعره إلى 200 مليون سنتيم جزائري أي ما يعادل 8 آلاف يورو، حيث جلب أحدهم فصيلة من سوريا مهربة وتكاثرت من طريق التزاوج مع النوع الجزائري، مما أنتج طفرة نادرة تم تثبيتها وهي الأغلى الآن في السوق. ومعلوم أن قيمته ترتفع وفق نسبة اللون الأبيض في جناحيه، غير أن محبي هذه الطيور يختلفون في تفضيلهم لتفاصيل عن أخرى من حيث لون الذقن والرأس وريش البطن الأصفر"، داعياً إلى الأخذ بعين الاعتبار مزاج "المقنين" كطير يتميز عن غيره وهو نفسيته من حزن أو غضب أو فرح.
وتظل أساليب حمايته غير كافية، حيث تخصص له الجزائر يوماً خاصاً كل عام في الأول من مارس (آذار)، لذلك يوصي متخصصون من مختبر علم الحيوان التطبيقي بجامعة بجاية الجزائرية بضرورة تفعيل قائمة حمراء للأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض. ووفقاً لتوصيات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، فمن المستحسن تحديث القرار رقم 06-05 الصادر في الـ15 من يوليو (تموز) 2006 المتعلق بحماية وحفظ بعض الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض من ثم دمج الحسون الأنيق في هذه القائمة. كما تطالب بتحسين ظروف وتقنيات تربية طيور الحسون في الأقفاص من أجل زيادة إنتاجية ونجاح تكاثر هذه الطيور.
وعلى المدى الطويل، إذا كانت الإنتاجية مرتفعة بما يكفي، فيمكن التخطيط لعمليات إطلاقه في البرية بمناطق محمية معينة، لأغراض إعادة التكاثر.
وكثيراً ما عد الحسون في الجزائر وأجزاء أخرى من شمال أفريقيا رمزاً للحرية وللأمل، فقد تم استحضاره في القصائد والقصص كطائر حر، وبصورة خاصة خلال فترة الاستعمار الفرنسي، حتى إن الملحن والمجاهد محمد الباجي ألف أغنية عنه مشهورة بالجزائر، وهي "المقنين الزين" (الحسون الجميل) والقصيدة كتبها من السجن حين ألقي القبض عليه خلال إضراب الثمانية أيام في فترة الاحتلال عام 1957، وحكم عليه بالإعدام قبل أن يطلق سراحه.