Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أقدم نظام ري في التاريخ لا يزال معتمدا في الجزائر

معتقدات مرتبطة بشرب هذه المياه في المجتمع الصحراوي

"الفقارة" عبارة عن نظام ري يستخدم لنقل المياه الجوفية إلى سطح الأرض (الإذاعة الجزائرية)

ملخص

يجسد "الفقارة" مبدأ التعاون الاجتماعي والتضامن ويحقق العدل والمساواة وصنفته منظمة "اليونيسكو" ضمن التراث اللامادي العالمي.

يحدد "الكيال" نصيب كل عين بدقة متناهية وهو المتخصص بأسرار وحسابات مياه "الفقارة"

وبعد الانتهاء من توزيع حصص المياه تحفظ الحسابات في "الزمام"، وهو السجل الخاص بتقييد عمليات التوزيع والكيل تفادياً لأي خلاف أو نزاع قد ينشب بين القبائل.

لا تزال حياة الإنسان القديم تثير الإعجاب والتأمل في آن، بسبب قدرته على الاختراع والابتكار، ويبقى نظام السقي "الفقارة" الجزائري واحداً من بين أهم الإبداعات التي لامسها الجيل الغابر، وهو الذي صُنف من طرف "اليونيسكو" كأقدم نظام ري في التاريخ، لكن يستمر اعتماده في البلاد... فما قصته؟

نظام ري من القرن الرابع قبل الميلاد

ويجسد "الفقارة" الذي يعتبر نظام ري يستخدم لنقل المياه الجوفية إلى سطح الأرض من أجل استعمالها في الشرب والسقي، مبدأ التعاون الاجتماعي والتضامن بين الشركاء داخل المجتمع، إذ إن عمليات الحفر أو الصيانة يشارك فيها الجميع بصورة إلزامية، كذلك فإنه يحقق العدل والمساواة بين الأفراد، إذ يحافظ الشخص على حقوقه من المياه وفق معايير حسابية دقيقة.

وتعتبر صحراء الجزائر المنطقة التي شهدت ولادة هذا النوع من السقي لاعتبارات عدة، أهمها ضمان استقرار السكان واستمرارية الحياة في مناخ حار وجاف، على عكس الشمال الذي يحاذي الساحل البحري ويعرف تساقطاً فصلياً منتظماً للأمطار.

وترجع نشأة "الفقارة" وفق كتب التاريخ، إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وأطلق عليها "هنو" ثم "أرمول" و"مزز" و"تكرزيت" و"التغجم" وهي كلها أسماء أمازيغية.

طريقة العمل والتوزيع

وتأخذ "الفقارة" شكلاً منحدراً باتجاه الواحات وتمر بآبار سطحية تدعى "أغوسرو"، ومنها يتدفق الماء ليصل إلى القسري، على حافته توجد العيون المستعملة لصرف المياه باتجاه البساتين، بعدما يحدد نصيب كل عين بدقة متناهية من قبل "الكيال"، وهو المتخصص بأسرار وحسابات مياه "الفقارة"، إذ يكون الكيل عبارة عن حساب نصيب كل عائلة أو فرد، وذلك باستخدام "الحلافة" أو "الشقفة" وهي وحدة قياس عبارة عن مسطرة ذات ثقوب ونوافذ، وكل ثقبة كبيرة تحوي 24 قيراطاً.

وبعد الانتهاء من توزيع حصص المياه تحفظ الحسابات في "الزمام"، وهو السجل الخاص بتقييد عمليات التوزيع والكيل تفادياً لأي خلاف أو نزاع قد ينشب بين القبائل مما يجعل منه وثيقة حساسة ومهمة في تعزيز استقرار المجتمع.

تسمية "الفقارة" أقرب إلى "التفجير"، أي بمعنى فجّر الماء، فيما تذهب آراء أخرى إلى أنها من "الفقرة" التي تشكل العمود الفقري على اعتبار أن تقسيمها يشبه هذا الجزء من الهيكل العظمي للإنسان.

التكنولوجيا وهجرة الشباب

ويعاني نظام الري "الفقارة" خطر الاندثار بسبب التكنولوجيا وهجرة الشباب نحو المناطق الحضرية بعيداً من الصحراء، لا سيما أمام تراجع الأعيان وكبار السن الذين يمنحون هذا النظام أهمية كبيرة على اعتبار أنه كان منقذهم وأجدادهم ووسيلة استقرار مجتمعهم، وهو مما دفع إلى إنشاء مرصد وطني للحفاظ على هذا النظام من النضوب، واستحداث تخصص تكويني لصيانة "الفقارة"، ووضع برامج وموازنات للحماية.

وحسب وكالة الموارد المائية في الجزائر، تشير المعطيات إلى وجود 679 فقارة حيّة نشطة، و28 فقارة حيّة لكن مياهها لا تصل إلى الواحات، و369 فقارة ميتة، و758 فقارة نضبت مياهها كلياً، غير أن أرقاماً متداولة تذكر أن ما نسبته 10 في المئة فقط من مجموع الفقارات تعمل حالياً، بينما اختفت عشرات بين الإهمال وفوضى الميراث.

وفي السياق، يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر أمين رمال، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن نزوح الشباب نحو المدن الكبرى جعل الآباء والأجداد من كبار السن عاجزين عن القيام بأعمال متعبة مثل متابعة عمل "الفقارة" وصيانتها، وأمام اهتراء بعضها يواجه نظام الري هذا الاندثار والاختفاء، موضحاً أن الأمطار الطوفانية التي تظهر من حين إلى آخر، والجفاف الذي ضرب البلاد في الأعوام الأخيرة وتسبب في انحسار المساحات المزروعة، جعل أغلب أنظمة "الفقارة" تتضرر، ومنها ما اختفى في ظل غياب الصيانة والاهتمام، وشدد على ضرورة إعادة الاعتبار لهذا التراث المادي الذي أبهر العلماء ودفع "اليونيسكو" إلى تصنيفه ضمن التراث العالمي، وذلك من خلال تشجيع الشباب على الاستثمار في الفلاحة، وكذا الاستقرار في المناطق الصحراوية مع ضرورة تحسين ظروف المعيشة.

قانون الحماية

رسمياً، وضعت الحكومة الجزائرية نصوصاً قانونية لحماية الفقارة ومنها القرار الحكومي الذي ينص في كل بنوده على ضرورة حفظ وحماية الفقارة الحية منها والميتة، وجاء في 13 مادة من أهمها، أنه في حال إنشاء فقارة جديدة لا بد من أن يكون عمقها يوازي عمق أقرب فقارة، وأن لا يتم أي تنقيب على الماء إلا بعد مشورة ومصادقة المصالح التقنية المتخصصة وممثلي الفقارة.

ولا يجوز إقامة أية بناية سكنية من دون مراعاة المعطيات التقنية، وفي كل الحالات لا تقل مسافتها عن 10 أمتار من محور الفقارة، ولا يرخص إقامة أي بناء عند المنبع الرئيس أو الفرعي للفقارة على مسافة تقل عن 35 متراً من كل الجوانب، كما يمنع القرار إقامة المساحات الخضراء فوق الفقارة، ورمي القاذورات إلى جانب أو داخل فوهاتها، ويلزم القرار تجميع وبناء فوهات الفقاقير على شكل دائري داخل النسيج العمراني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معتقدات قديمة

إلى ذلك، يرى أستاذ الجامعة الأفريقية بمحافظة أدرار جنوب الجزائر، محمود الجعفري، أن الفقارة ارتبطت أيضاً بمعظم عادات وتقاليد المجتمع الصحراوي، فإذا حل إنسان بقصر - بيت - جيء له بماء الفقارة ليعاود المجيء مرة أخرى، لأنهم يعتقدون أن من شرب ماء فقارة عاد إليها ولو بعد مدة، مضيفاً أن العروس تتوجه إلى الساقية إشارة إلى التشبث بالأرض، وبعد ذلك تغرف منها ما تشربه أملاً في الاستقرار والطمأنينة، وتسقي جميع البنات من حولها أملاً في زواج قريب.

كما أن الصبي حين يحفظ القرآن الكريم يتوجه صوب الساقية أيضاً ليشرب هو الآخر، يضيف الجعفري، أنه في حال وفاة شخص ما فإن جميع ملابسه تخرج إلى الساقية علناً لتغسل وتنشر هناك، وفي يوم عاشوراء من كل عام تتوجه النساء إلى السواقي لملء الأواني، والتوجه بها إلى القبور في محاولة لبعث روح الحياة من جديد في جسد الميت، كما يقال ويُعتقد.

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة