قررت ليز تراس، وزيرة الخارجية ورئيسة الوزراء الأكثر حظوةً بالفوز في الانتخابات، أن تمعن في الأذى بعد أن أشارت سابقاً إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يكون "عدواً" لبريطانيا، فهددت هذه المرة بتطبيق المادة 16 ذائعة الصيت من بروتوكول إيرلندا الشمالية، ومن الجدير التذكير به أن البروتوكول يشكل جزءاً من معاهدة ملزمة قانونياً بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد دفع رفض بريطانيا للعمل بأحكام المعاهدة في مجال التفتيش الجمركي الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات قانونية.
لقد تسببت المملكة المتحدة في زعزعة استقرار الوضع من خلال صياغة تشريع أحادي الجانب من شأنه أن ينفي البروتوكول بأكمله تقريباً، مع فرض (أو من دون فرض) نظام معتمد من الحكومة لضبط الحدود على الاتحاد الأوروبي الذي لا يرغب به.
ومن باب التغيير، فإن احتمال أن تقوم تراس بتفعيل المادة 16 رسمياً، التي تسمح بتعليق عمليات التفتيش الجمركي من جانب واحد في الظروف القاسية، تظل إحدى أفضل أفكارها، أو على الأقل، ليس الأمر سيئاً مثل تجاهل المملكة المتحدة المتعمد لآلية التحكيم الواردة في بروتوكول إيرلندا الشمالية. يبدو أن بوريس جونسون، كعادته، يقامر على أن استعراض القوة بطريقة مقنعة وتغيير "الحقائق على الأرض"، من شأنه أن يختصر اللجان المشتركة المرهقة والمداولات المضنية للقضاة الأوروبيين. ومن المأمول أن يؤدي العمل السياسي من قبيل مشروع قانون بروتوكول إيرلندا الشمالية الجديد واستعادة السلطة التنفيذية في إيرلندا الشمالية بمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي، إلى إجبار الاتحاد الأوروبي على قبول الوضع الراهن.
كانت هناك مشكلتان رئيستان على الأقل في مقامرة جونسون الكبيرة الأخيرة، أولاً، على الرغم من أن زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي جيفري دونالدسون وحزبه سيمرون عبر أحد الأبواب للانضمام مرة أخرى إلى ترتيبات تقاسم السلطة، كانت هناك فرص كثيرة لخروج ميشيل أونيل وحزبها، الشين فين، من الباب الآخر وإطلاق مقاطعتهم الخاصة، لذلك فإن الفائدة الرئيسة لإلغاء البروتوكول لن تتحقق.
ثانياً، كانت تصرفات حكومة جونسون صارخة للغاية من حيث اختياراتها لدرجة أن المملكة المتحدة ستنتهك بالتأكيد التزاماتها، وفي مثل هذه الظروف (وربما قبل ذلك) سيكون للاتحاد الأوروبي دافع يبرر أفعاله من حيث فرض عقوبات تجارية متناسبة، وبعبارة أخرى، ستدخل المملكة المتحدة في حرب تجارية مع أكبر سوق تصدير لها وسيتعرض الاقتصاد للركود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حتى بالنسبة إلى السيدة تراس العدوانية، سيكون ذلك أكثر من اللازم، والآن أمامها حتى 15 سبتمبر (أيلول) للرد على الادعاء القانوني للاتحاد الأوروبي، حيث يريد الاتحاد الأوروبي رداً قانونياً ملائماً وليس خطاباً حول الدفاع عن بريطانيا. سيكون تفعيل المادة 16 خطوة ذكية من الناحية التكتيكية، ومن شأن هذه الخطوة أن تمنع أي انتقام تجاري من بروكسل، ويمكنها أن تحاول قانوناً إثبات أن البروتوكول يتسبب بالفعل في "صعوبات اقتصادية أو مجتمعية أو بيئية خطيرة يمكن أن تستمر" أو "تتسبب في تحول التجارة وتغيير وجهتها".
تقدم التعرفة الجمركية التي فُرضت أخيراً على الحديد الصلب البريطاني الذي يدخل إيرلندا الشمالية دراسة حالة مثيرة للاهتمام لطالما دعا النواب المتشككون في الاتحاد الأوروبي في مجموعة الأبحاث الأوروبية والحزب الديمقراطي الاتحادي الحكومة البريطانية إلى تفعيل المادة 16، حتى لا يتمكنوا من تقديم الشكوى عندما يقوم رئيس الوزراء الجديد بهذه الخطوة.
ومن هنا جاء قرارها، وبلا شك عقب مشورة قانونية قوية باستنفاد الإجراءات التعاهدية القائمة قبل التفكير في أي شيء أكثر جذرية، ستمنح هذه الخطوة مزيداً من الوقت الثمين لتراس بينما ستحاول التعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة وأزمة تكلفة المعيشة والحرب في أوكرانيا. ستكون الحرب التجارية مع الاتحاد الأوروبي والعودة إلى العنف في إيرلندا الشمالية بمثابة قضايا لن تستطيع الحكومة حتى لوكانت مؤهلة وفي ذروة سلطتها وشعبيتها التعامل معها، لا سيما في ظل القضايا الأخرى الجارية.
ربما تظهر تراس بعض علامات الحذر العملي على الرغم من تحريضها الطائش للرئيس ماكرون، لكن ستظل هذه القضية مؤجلة وغير محسومة مجدداً.
© The Independent