Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دخان المعارك ينجلي في طرابلس كاشفا عن خسائر مرعبة

دعا نشطاء مدنيون إلى إخلاء العاصمة الليبية من المظاهر المسلحة

عاد الهدوء إلى شوارع العاصمة الليبية طرابلس، غداة يوم دام شهد معارك هي الأعنف منذ توتر الأوضاع الأمنية في المدينة على خلفية الصراع على رئاسة السلطة التنفيذية بين رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، وخلفه المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، سقط فيها عشرات القتلى والجرحى من الطرفين والمدنيين وتركت دماراً كبيراً في الممتلكات الحكومية والمدنية، وارتفع عدد القتلى في حصيلة جديدة إلى 32 قتيلاً و159 جريحاً جراء اشتباكات طرابلس.

وبحسب مصادر متطابقة في طرابلس، فإن أطرافاً سياسية وعسكرية بذلت جهوداً للتهدئة نجحت في إقناع الفصائل المسلحة المتنازعة على وقف إطلاق النار وتحديد أماكن مؤقتة لتمركزاتها، مع بدء فرق الطوارئ والإنقاذ في معاينة الأضرار الجسيمة التي خلفتها المعارك التي استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة بما فيها الثقيلة وسط الأحياء السكنية.

ومع صمت أصوات البنادق والمدافع، بدأ سكان طرابلس المطالبة بنزع سلاح كل الميليشيات التي أزهقت صراعاتها عشرات الأرواح من بينهم، وإخراج كل المعسكرات من مدينتهم، وتجنيبهم تكلفة الصراع السلطوي الذي دفعوا ثمنه غالياً على مدار العقد الماضي.

هدنة

وقالت مصادر صحافية وعسكرية متطابقة في طرابلس، إن مفاوضات استمرت ساعات بين قادة قوات العمليات المشتركة التابعة لرئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة مع القائد الميداني الأبرز في القوات الموالية لفتحي باشاغا، أسامة الجويلي، أسفرت عن اتفاق بانسحاب كامل لقوات الأخير من مقارها وتمركزاتها في بوابة الجبس والدعوة الإسلامية ومعسكر 7 أبريل (نيسان) جنوب طرابلس، والسماح لقوات الأمن العام والداخلية التابعة لحكومة الوحدة بتأمين الطريق، وفي المقابل، تسحب حكومة الدبيبة كل القوات المتمركزة بالطريق الساحلي وتتسلم المنطقة العسكرية للساحل الغربي مواقعها.

وكادت الاشتباكات المسلحة التي شهدتها طرابلس تشعل حرباً شاملة بين قوات موالية لعبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، لحسم النزاع على رئاسة الحكومة الذي بدأ في مارس (آذار) الماضي، ولم يحسم حتى اليوم، مع تقدم قوات موالية لباشاغا من جنوب العاصمة، وتحرك قوة كبيرة تابعة له من مصراتة، لكن قوة موالية للدبيبة عرقلت تقدمها في ضواحي المدنية الغربية لتتراجع بعد اشتباكات قصيرة بين الطرفين.

وقالت رئيسة قسم الإعلام بوزارة الصحة وداد أبو النيران، إن "حصيلة ضحايا الاشتباكات في العاصمة طرابلس بلغ 23 قتيلاً، و140 جريحاً، بينهم 83 تلقوا الإسعافات الأولية وغادروا المستشفيات".

جولة للدبيبة

ونشر الدبيبة مقطع فيديو على موقع "تويتر" يوثق تفقده أحد التمركزات العسكرية بطرابلس أعلن فيه نهاية ما وصفه بـ"العدوان على العاصمة". وقال الدبيبة، إن "من يبحث عن الانقلابات نقول له زمن الانقلابات ولى، ومن يريد الانتخابات فنحن سنكون أول من يكون فيها، وهذه البلاد لا تصلح إلا بالانتخابات".

في الأثناء، أعلنت إدارة مطار معيتيقة الدولي، الأحد 28 أغسطس (آب)، أن العمل جار لإعادة حركة الملاحة الجوية بالمطار. وقالت الإدارة، في خطاب موجه إلى شركات النقل الجوي والمسافرين، إن "المطار مفتوح أمام حركة الملاحة الجوية، وجاري العمل على إعادة التشغيل بصورة طبيعية وفق جداول الرحلات المعتمدة".

تعليق قوات باشاغا

وعلق آمر غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية، المقال من رئيس حكومة الوحدة الوطنية اللواء أسامة جويلي على الاشتباكات التي كان طرفاً بارزاً فيها قائلاً، إن "محاولة إدخال الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، إلى العاصمة طرابلس ليست جريمة يعاقب عليها القانون"، وحض الجميع على "الوقوف إلى جانب الحكومة التي اختارها مجلس النواب وعدم الانجرار وراء رغبات أشخاص". وأكد جويلي أن "الاشتباكات لم تأت في إطار إدخال الحكومة المكلفة إلى طرابلس، بل جاءت جراء احتكاكات ومناوشات ناجمة عن تكدس المجموعات المسلحة في طرابلس وتداخل مقارها من دون وجود خطوط فاصلة بينها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورفض تحميله مسؤولية وقوع ضحايا جراء الاشتباكات، "عندنا وحدات جرى الاعتداء عليها وقمنا بالرد، وهذا جائز في قواعد الاشتباك، والمسؤولية تقع على من يكدس القوات العسكرية في طرابلس ويمدها بالمال". وأكد "استعداده التعاون مع لجنة لتقصي الحقائق لتوضيح المسؤولية عن هذه الاشتباكات"، وقلل جويلي من فرص وجود حل سياسي للخلاف الحالي على السلطة التنفيذية بقوله، "جلسنا أشهراً في محاولة إقناع الجميع باللجوء إلى الحل السلمي، ولكن كان هناك إصرار على استخدام السلاح بخاصة من (قوة حماية الدستور) التي شكلها أخيراً رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة". وشدد جويلي على أنه "من دون حل سياسي حقيقي، فإن المآل الطبيعي للأمور هو الحرب، ومن دون اتفاق مبني على قواعد يقبل ويلتزم بها الجميع سيكون هناك صدام جديد".

إزالة خرق أمني

في الطرف المقابل، علق "جهاز دعم الاستقرار" برئاسة عبدالغني الككلي التابع لحكومة الدبيبة على الاشتباكات التي شهدتها طرابلس، وأودت بحياة العشرات، واصفاً إياها بأنها "عملية أمنية هدفت لإزالة خرق أمني كان يهدد العاصمة". وقال الجهاز في بيان، إن "العملية جاءت بعد ورود معلومات مؤكدة حول قيام قائد كتيبة ثوار طرابلس هيثم التاجوري بالإعداد لزعزعة أمن العاصمة وإدخالها في دوامة صراع طويل وتجهيز العتاد والمعدات اللوجيستية لتحقيق ذلك". أضاف، "ذلك تم تأكيده بعد اقتحام المعقل الرئيس له بشارع الزاوية، بعد شروعه في تنفيذ مخططه عندما أقدمت مجموعة تابعة له بالرماية المباشرة على رتل تابع لجهاز الأمن العام ليلة الجمعة". وقال الجهاز، "عقب ذلك، تم إصدار التعليمات لبعض الوحدات القتالية بجهاز دعم الاستقرار لإعداد وتنفيذ عملية أمنية تهدف لإزالة هذا الخرق الأمني الذي يتهدد سلامة العاصمة وقاطنيها"، مضيفاً أن "العملية الأمنية هدفت للتعامل مع التهديد الأمني في أضيق إطار زمني ممكن للحد قدر الإمكان من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وتجنيب العاصمة الدخول في صراع قد يطول وتكون له آثار وخيمة على المواطنين والممتلكات العامة والخاصة".

هل انتصر الدبيبة؟

ومع هدوء الاشتباكات في طرابلس والبدء في حصر أرقام تكلفتها من الخسائر البشرية والمادية، شرع المحللون والمهتمون بالشأن السياسي الليبي في بحث تداعياتها ونتائجها على المستويين السياسي والأمني، وكان السؤال البارز الذي طرح للنقاش بعد انقشاع دخان المعارك، هل انتصر الدبيبة من جديد في معركة ثانية مع خصمه فتحي باشاغا، وهل سيلجأ الأخير للمهادنة والبحث عن حل سياسي لإنهاء هذا الصراع بعد فشل محاولته الثانية لدخول طرابلس؟

المحلل السياسي عبدالله الكبير رأى أنه "لا أمل لفتحي باشاغا وحكومته المكلفة من البرلمان في الوصول إلى السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة لذلك يعملون على إجهاضها". وقال الكبير، إن "باشاغا وحكومته سئم الشعب منهما، وأدركا أنهما فاشلان ووصلا إلى السلطة بمحض الصدفة أو بالصفقات لكنهما فشلا أثناء ممارستهما لها"، أما الباحث والأكاديمي فرج الجارح فيعتقد أن "باشاغا لن يرفع راية الاستسلام بسهولة، وستكون له محاولات جديدة لانتزاع السلطة بالقوة مع استمرار رفض الدبيبة تسليمها له بالطرق السلمية". أضاف، "باشاغا لن يفرط في الفرصة التي ركض خلفها سنوات طويلة، فالرجل معروف بطموحه السياسي ورغبته في اعتلاء هرم السلطة التنفيذية منذ أن كان وزيراً للداخلية في حكومة فايز السراج".

المزيد من متابعات