Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بنوك طعام بريطانية تتوقف عن قبول المعوزين بعد نفاد المساعدات

حصري: جمعيات خيرية فرغت رفوفها تؤكد عدم قدرتها على مجاراة الطلب المتزايد على المساعدات الغذائية

بنوك الطعام تقف عاجزة أمام التدفق المطرد للمعوزين الذين يجدون مصاعب في تأمين طعامهم (أ ب)

بدأت إمدادات بنوك طعام في المملكة المتحدة تنفد، وسط موجة "عارمة" من طالبي المساعدة الجدد الذين وقعوا في مصاعب مادية أثناء أزمة ارتفاع كلفة المعيشة، واضطرار بعض الجمعيات الخيرية الناشطة في هذا المجال إلى رفض دعم أسر محتاجة للطعام.

وأكد عدد من مدراء "بنوك الطعام" لـ"اندبندنت" أن كميات الطعام التي في مراكزهم نفدت هذا الصيف، فيما عمد بعضهم إلى تقليص حجم المساعدة وتقديم طروح "مؤلمة" حول إمكانية وضع سقف لعدد الأشخاص الذين يمكن مساعدتهم.

"الشبكة المستقلة للمساعدات الغذائية" Independent Food Aid Network (Ifan) [تجمع في عضويتها مقدمين مستقلين للمساعدات الغذائية، يعملون تحت شعار "ضمان الأمن الغذائي للجميع"]، وهي مؤلفة من نحو 550 مجموعة منتشرة في مختلف أنحاء بريطانيا، نبهت إلى أن شبكة الأمان باتت "على وشك الانهيار"، بسبب الارتفاع المستمر في عدد الأفراد الذين ينشدون الدعم الغذائي ونفاد الرفوف من الموارد على نحو متزايد.

في المقابل، أكدت مؤسسة "تراسل تراست"Trussell Trust ، التي تدير شبكة تضم أكثر من 1300 بنك طعام، أن "كثيراً" من مراكزها تأثرت بالنقص في الطعام نتيجة ارتفاع الطلب. ودعت الحكومة إلى المبادرة "بصورة عاجلة" إلى زيادة مدفوعات الرعاية الاجتماعية، كي يتمكن مزيد من الناس من تحمل كلف شراء حاجاتهم الضرورية.

وحض ائتلاف من 70 جمعية خيرية المرشحين المتنافسين على قيادة حزب "المحافظين" [ليز تراس وزيرة الخارجية وريشي سوناك وزير المالية السابق] على مضاعفة الدعم المالي الطارئ للأسر ذات الدخل المنخفض، تجنباً لوقوع "كارثة" هذا الشتاء، في وقت انضم فيه حزب "العمال" المعارض إلى حزب "الليبراليين الديمقراطيين" في الدعوة إلى تجميد سقف أسعار الطاقة.

وفي وصف للوضع الذي آلت إليه بنوك الطعام، قالت تانيشا برامويل، مديرة إحدى هذه المؤسسات في دوسبيري، التي اضطرت إلى التوقف عن تسليم الطرود لأيام عدة في شهر يونيو (حزيران)، إن "إبعاد الناس كان أمراً مزعجاً للغاية، لأننا بتنا بمثابة الأمل الأخير بالنسبة إليهم".

أمام هذا الواقع، عمدت جمعيات خيرية محلية إلى التبرع بأموال لبنك الطعام لشراء إمدادات غذائية، بغية دعمه على مواصلة تقديم مساعداته على المدى القصير، لكن السيدة برامويل والمتطوعين الذين يعملون معها، ما زالوا يجدون صعوبات في الحصول على مواد غذائية وتبرعات مالية كافية لتلبية الطلب المتزايد عليها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المؤسسة الخيرية تستقبل في الوقت الراهن ما بين 120 و150 فرداً وأسرة في الأسبوع،  أي أكثر من ضعف عدد الأشخاص الذين كانت تساعدهم في الفترة ذاتها من العام الماضي، والذين كان عددهم ما بين 50 و60 شخصاً في الأسبوع. وتقول برامويل "نحن نواجه حالة صعبة من البؤس والعوز. وهناك مخاوف جدية من عدم تمكن كثيرين من تسديد فواتير الطاقة في فصل الخريف المقبل. ويعبر كثيرون عن هذا الإذلال بدموع الحرقة".

وفي عودة إلى الأسباب، أدى صعود معدلات التضخم في المملكة المتحدة إلى معاناة ملايين الأسر من ارتفاع فواتير الغذاء والغاز والكهرباء، التي من شأنها أن تزداد حدة مع الارتفاع المرتقب لأسعار الطاقة في الخريف المقبل. ومن المتوقع أن يزيد متوسط فواتير الوقود المنزلية السنوية إلى نحو 3600 جنيه استرليني (نحو 4356 دولاراً أميركيا) في اكتوبر (تشرين الأول)، وإلى أكثر من 4200 جنيه استرليني (نحو 5082 دولاراً) في يناير (كانون الثاني)، وربما تتجاوز خمسة آلاف جنيه استرليني (نحو 6050 دولاراً) بحلول أبريل (نيسان) من العام المقبل.

وتقول السيدة برامويل "نجد أنفسنا عاجزين تماماً أمام التدفق المطرد للمعوزين الذين يجدون مصاعب في تأمين طعامهم. فالأفراد الذين لديهم عمل وكانوا في السابق يتبرعون لنا بالطعام، مثل بعض ممرضات ’الخدمات الصحية الوطنية‘ (أن إتش أس) NHS والعاملين في الرعاية المنزلية، أصبحوا هم الذين يأتون إلينا طلباً للمساعدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ليفربول، نفد بنك الطعام "ميكا"Micah  من المواد الغذائية مرات عدة على مدى ثلاثة أسابيع هذا الصيف. واضطر المتطوعون إلى توزيع طرود صغيرة مؤلفة من بعض السلع المعلبة، قبل أن يلجأ إلى إغلاق أبوابه باكراً في بعض الأيام.

ويقول مديره التنفيذي بول أوبراين لـ"اندبندنت"، "كان الوضع كارثياً، إذ لم يتوافر لدينا سوى قليل جداً من الطعام. واضطر أشخاص أكثر من أي وقت مضى على اللجوء إلينا للحصول على الطعام، في أسوأ الأوقات التي كنا نمر فيها وكانت رفوفنا خالية. إن نفاد الطعام يمثل وضعاً كئيباً وقاتماً للغاية".

بنك الطعام "ميكا"، الذي يفتح يومين في الأسبوع، شهد ارتفاعاً في الطلب على المساعدة من نحو 220 أسرة في الأسبوع العام الماضي، إلى قرابة 400 أسرة أسبوعياً الآن. واضطر بول أوبراين وفريقه إلى التفكير في "قرارات صعبة ومؤلمة" حول الاكتفاء بالعمل يوماً واحداً فقط في الأسبوع.

ويقول المدير التنفيذي في هذا الإطار "بات علينا أن نبحث في ما إذا كنا سنضع حدوداً لاستقبال الأشخاص الوافدين للحصول على الطعام، وإلا لن يكون لدينا ما يكفي من الموارد لتقديم طرود غذائية مناسبة. لا يجوز أن يتوقع منا أن نكون شبكة أمان بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص، فذلك ليس حلاً مستداماً. وما نقوم به هو أشبه بوضع ضمادة صغيرة مؤقتة على جروح عميقة".

الدكتورة ناعومي مينارد، مديرة تحالف "فيدينغ ليفربول" Feeding Liverpool للجمعيات الخيرية الغذائية تشير إلى أن "هذا الوضع المتمثل في تقليص بنوك الطعام سلاتها الغذائية، أو نفاد مواردها في مرحلة معينة، أصبح أمراً شائعاً يطاول مختلف أرجاء المدينة. وبات ضرورياً أن تؤمن الحكومة أموالاً لدعم الناس قبل حلول شهر أكتوبر لأن بنوك الطعام لم يعد في إمكانها التعامل مع هذا الارتفاع الهائل في الطلب".

ويليام ماكغراناغن، مدير بنك طعام "دادس هاوس" Dad’s House في غرب لندن، أكد هو الآخر نفاد موارده مرات عدة خلال الأشهر الأخيرة، موضحاً أنه اضطر إلى تقديم بعض المعلبات فقط لأسر يائسة.

ويضيف أن "الوصول إلى حالة بات فيها عملنا يقتصر على توزيع أكياس من فتات الخبز وعلب من الحمص، أمر مثير للكآبة. إننا نعاني من صعوبات جمة في القدرة على مواكبة هذا التزايد المستمر في عدد طالبي المساعدة. كما أن الاحتفاظ بما يكفي من طعام على رفوفنا يمثل كفاحاً حقيقياً ومعركة مستمرة بالنسبة إلينا".

وبلغة الأرقام، ارتفع الطلب على طرود جمعية "دادس هاوس" من نحو 400 إلى 700 أسرة كل شهر، منذ نهاية العام الماضي. ويقول ماكغراناغن إن التبرعات الغذائية انخفضت بنسبة 50 في المئة في الأشهر القليلة الماضية، موضحاً أن الجهات المانحة من "الطبقة الوسطى" باتت تضطر إلى شد أحزمتها لتجنب أن تقع هي الأخرى في براثن الجوع.

ويجد ماكغراناغن نفسه، شأنه شأن سائر مديري بنوك الطعام، في حيرة من أمره إذا كان يتعين عليه أن يخفض عدد الطرود الغذائية أو يحد من عدد الأشخاص الجدد الذين يمكن لمؤسسته الخيرية أن تساعدهم. ويقول إنه "يشعر بقلق وبقشعريرة من التفكير في هذا الواقع الأليم".

ويضيف: "إن الناس يعانون أساساً من أوضاع رديئة للغاية. نراهم يجهشون بالبكاء لدى وصولهم إلينا لاضطرارهم إلى قطع الغاز وإطفاء الكهرباء في منازلهم، كي يتمكنوا من توفير المال لتسديد فواتير الدفع المسبق للعدادات. وعندما سترتفع أسعار الطاقة، ستكون هناك مأساة لا محالة".

ماندي امرأة تبلغ من العمر 57 سنة، لجأت إلى بنك الطعام "دادس هاوس"، كي يكون "منقذاً" لها، لأن مدفوعاتها من المساعدات الحكومية المعروفة بـ"الدعم شامل" Universal Credit [معونة تمنح شهرياً لأصحاب الدخل المنخفض أو للعاطلين من العمل لمساعدتهم في تحمل كلف معيشتهم]، لا تكفي لتغطية كلفة الطعام وفواتير الكهرباء التي ارتفعت من نحو 100 جنيه استرليني (نحو 121 دولاراً)، إلى 250 جنيهاً (نحو 303 دولارات) في الشهر.

وتصف الوضع الراهن بأنه "صعب للغاية"، وتقول "اضطررت في بعض الأحيان إلى ترك أكياس الطعام ومغادرة متجر ’ساينزبوري‘، لأنني أدركت أنني لا أملك ما يكفي من المال لتأمين حاجاتي الأساسية".

وتضيف أن مدفوعاتها الأخيرة البالغة 326 جنيهاً (نحو 394 دولاراً) والمخصصة لتغطية كلف معيشتها، ذهبت لسداد ديون مستحقة ولدفع مصاريف ملابس حفيدتها. وتخشى ألا يغطي المبلغ الذي تمنحه الحكومة لمرة واحدة، وهو عبارة عن 650 جنيهاً استرلينياً (نحو 787 دولاراً) تقدمها الحكومة للأفراد الأكثر تضرراً من ارتفاع الفواتير، كلفة استهلاك الكهرباء.

وتقول "ليكن الله في عوننا هذا الشتاء، فالوضع مخيف جداً. وبدأت منذ الآن إطفاء الأنوار، والتخفيف من استخدام الغسالة، ولا أدري صراحة ما إذا كنت سأتمكن من تشغيل نظام التدفئة إذا ما ارتفعت أسعار الطاقة".

وكانت مجموعة من نحو 70 جمعية خيرية ومراكز أبحاث، بعثت يوم الأحد الفائت برسالة إلى المرشحين المتنافسين على قيادة حزب "المحافظين"، تطالبهما فيها أقله بمضاعفة كلف الدعم المعيشي، البالغة1200  جنيه استرليني (نحو 1452 دولاراً)، التي تم التعهد بها للأسر الضعيفة، هذا الشتاء.

وذكرت الرسالة التي تولت "مؤسسة جوزيف راونتري الخيرية" Joseph Rowntree Foundation إرسالها إلى المعنيين، ما يلي "إن مجموعة كبيرة من منظماتنا التي تعمل بشكل مباشر مع هذه الأسر، أصيبت بالإرهاق تحت وطأة الأعباء المتفاقمة، وغالباً ما تجد نفسها عاجزة عن تقديم الدعم الذي هي بأمس الحاجة إليه"، لافتة إلى أنه "لا يجوز السماح لهذا الوضع بأن يستمر".

ريشي سوناك أوضح أنه يبحث في تأمين مزيد من المدفوعات المباشرة، إذا ما فاز في السباق على قيادة حزب "المحافظين". في حين أن منافسته ليز تراس المرشحة لمنصب رئيس الوزراء المقبل، لم تتعهد بعد بمنح أي "هبات" إضافية، على الرغم من قولها إنها ستفكر في تقديم مزيد من الدعم لموازنة الطوارئ.

يشار إلى أن أربعة من كل خمسة بنوك طعام (78 في المئة) تعاني من نقص في الإمدادات بسبب تراجع التبرعات، وذلك بحسب نتائج أحدث استطلاع للرأي أجرته "الشبكة المستقلة للمساعدات الغذائية" (آيفان).

سابين غودوين، منسقة شبكة "آيفان"، أكدت أن الوضع يزداد سوءاً منذ الربيع، داعية الحكومة البريطانية إلى دعم الناس بمزيد من المساعدات المالية. ولفتت إلى أنه "من غير المقبول والمبرر أن يستمر الاعتماد على بنوك الطعام المنهكة، لسد هذه الفجوة الآخذة في الاتساع".

أخيراً، رأت بولي جونز، مديرة السياسات في مؤسسة "تراسل تراست"، أن أكثر ما يثير الصدمة هو الطلب المتزايد على الحزم الغذائية التي تقدمها بنوك الطعام في شبكتنا، بحيث باتت الآن تقدم طرداً كل 13 ثانية. ونتوقع أن تتسارع وتيرة هذا العدد خلال الأشهر المقبلة".

نشر في"اندبندنت" بتاريخ 15 أغسطس 2022

© The Independent

المزيد من تقارير