Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقعات اقتصادية متشائمة وشبه يائسة عن الاقتصاد البريطاني

نشرها معهد بحوث طالب بتحرك حكومي حيال تضخم أسعار البيع بالتجزئة

التضخم يرتفع بسرعة صاروخية لكننا سنرى الأسوأ (أ ف ب)

يحوز "المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية" كثيراً من الاهتمام بأحدث بيان صادر منه، لأنه يندرج في قائمة المؤسسات البحثية المرموقة ولأن آخر توقعاته بائسة بالفعل.

نحن لا نتحدث هنا عن "ألعاب الجوع" [سلسلة أفلام هوليوودية ظهر أولها في 2012. وتتسم بالتشاؤم حيال المستقبل، خصوصاً في الاقتصاد والعيش اليومي للناس]. في المقابل، إن الجوع صفة مناسبة لأن عدد الأسر التي تفتقر إلى مدخرات "من المتوقع أن يتضاعف إلى 5.3 مليون أسرة بحلول عام 2024"، وفق ذلك البيان. وهذا يعني أن ما لا يقل عن 2.6 مليون من هذه الأسر سترى أن المبالغ الصغيرة التي وضعتها جانباً لمساعدتها في عبور الأزمة الحالية قد تآكلت قبل انتهاء الأزمة.

وثمة مزيد من الأمور، إذ يحذر المعهد من إمكانية تراجع مداخيل الأسر المتاحة الحقيقية المتوسطة بواقع 2.5 في المئة عام 2022 وستظل أقل بسبعة في المئة من الاتجاه الذي كانت تسير فيه قبل جائحة "كوفيد"، بل ستستمر على ذلك النحو حتى بعد عام 2026.

وهنالك مزيد من الأمور [وفق البيان]. سيدخل اقتصاد المملكة المتحدة في ركود خلال هذا الفصل، ويظل فيه حتى الفصل الأول من عام 2023. وسيصيب ذلك ملايين الأسر الضعيفة، إذ يحدث بالترافق مع الأسعار المتزايدة والمداخيل الحقيقية المتراجعة.

من المناسب أن يعمد خبراء في التوقعات الاقتصادية في هذه القامة إلى تليين توقعاتهم، باستخدام كلمات من نوع إذا وربما ولكن. وكالعادة، استخدم البيان لغة حذرة وجافة. في المقابل، يصوب البيان الصحافي الصادر من المعهد على شرايين الرقبة مباشرة مثل المجرم الأكبر في فيلم عن عصابات "ياكوزا" [المافيا اليابانية].

وحتى لو لم تصل الأمور إلى القدر نفسه من السوء الذي تقترحه توقعات المعهد، لا تزال التوقعات تبدو كئيبة. وكذلك تعد حجته المعبر عنها بقوة حول ضرورة أن تقدم الحكومة مساعدة إلى الأكثر ضعفاً على وجه السرعة، حجة متينة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المحتم أن تفيد تخفيضات حزب المحافظين الضريبية التي يعد بها بأشكال مختلفة ليز تراس وريشي سوناك، الثنائي المخيب للآمال الذي يتنافس على قيادة الحزب، الأشخاص الأفضل حالاً نسبياً أكثر من غيرهم.

إذ تكمن الحاجة الحقيقية بل الماسة في صفوف الأكثر فقراً والأكثر ضعفاً ممن لا يدفعون ضرائب كبيرة، أو أي ضرائب، ويواجهون سلسلة من المعضلات الرهيبة ليست معضلة "الدفء أو القوت" سوى واحدة منها [إشارة إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء معاً، دفع الأسر الأضعف إلى أن تختار بين التدفئة وسد الرمق].

وبالفعل، لقد طالب المعهد بزيادة الائتمان الشامل [التقديمات الاجتماعية] بواقع 25 جنيهاً استرلينياً (30 دولاراً تقريباً) في الأسبوع "لستة أشهر في الأقل" بين أكتوبر (تشرين الأول) ومارس (آذار). وسيكلف ذلك نحو 1.3 مليار جنيه. [يعتبر الائتمان الشامل من أنواع الضمان الاجتماعي، ويقدم الدعم إلى من يقدر أن ليس لديهم سوى قدرة محدودة في الحصول على دخل، كالطلاب مثلاً].

وعلى الرغم من ذلك فإن الأموال التي توظف في حماية العائلات من الجوع هي أموال مرحب بها. إن الأمر بهذه البساطة حقاً.

كذلك يحض المعهد على زيادة منحة الطاقة من 400 جنيه إلى 600 جنيه لصالح 11 مليون أسرة منخفضة الدخل، بتكلفة إجمالية قدرها 2.2 مليار جنيه. إن الأموال التي توظف في حماية العائلات من البرد هي أيضاً أموال مرحب بها.

بوسعنا أن نناقش الدعوة إلى "تحويل بعض الخطابة حول تحقيق المساواة عبر رفع المستوى إلى واقع ملموس" من خلال مضاعفة الدعم المقدم إلى "صندوق البلدات" إلى 9.6 مليار جنيه ورفع رأس مال مصرف البنية التحتية البريطاني إلى 50 مليار جنيه. إن تحقيق المساواة عبر رفع المستوى لا يزال شعاراً أكثر منه سياسة، وبعض المشاريع المعلنة هي على عكس الأموال المرحب بها.

لكن، يجب أن يكون الاقتراحان الأولان ملزمين لأي مسؤول حكومي يملك ومضة من التعاطف. ومن المؤسف حقاً أن هذه الصفة لا تشمل في ما يبدو المسؤولين الحاليين.

وفي حين كان "بنك إنجلترا" يستعد للإعلان عن قراره في شأن معدلات الفائدة، مع احتمال كبير بتطبيق زيادة بواقع 0.5 في المئة [رفعها الخميس إلى 1.75 في المئة]، إلا أنه تجدر ملاحظة أن المعهد يتوقع أن يصل معدل التضخم، وفق ما يقيسه "مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين" الرسمي، إلى 11 في المئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. ويعتقد البعض أن المعدل سيكون أسوأ من ذلك [توقع بنك إنجلترا الخميس أن يبلغ المعدل 13 في المئة].

بيد أن هذا ليس سوى المقياس الرسمي، إذ يعتقد المعهد بأن "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة"، وهو مقياس أقدم [من مؤشر أسعار المستهلكين]، يكرهه بعض الإحصائيين بشدة ويجادلون بأنه قديم وغير دقيق، يمكن أن يصل إلى 17.7 في المئة.

وبالتالي، تكمن المشكلة هنا في أن "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة" لا يزال مهماً، إذ يؤثر مثلاً في سعر تذاكر القطار، وقروض الطلاب، وعقود الهاتف المحمول. إن من يشتري هذه المنتجات أو يحتفظ بها سيخسر إلى حد سيئ بسبب استمرار وجود المؤشر (المشكوك فيه).

تجدر الإشارة إلى أن تعديل "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة" يميل إلى أن يطبق في وقت معين، وهكذا ليس بالضرورة عندما يقفز، لكن خطر حدوث ذلك يظل موجوداً طالما أن هذا المقياس القديم [البائت] لا يزال مستخدماً.

لقد اضطرت الحكومة بالفعل إلى التدخل كي تبين أنها ستضع سقفاً للفائدة على القروض الطلابية عند 7.3 في المئة في سبتمبر (أيلول)، نزولاً من مستوى الـ12 في المئة الذي واجهه الخريجون لو بقيت معدلات الفائدة الأساسية ضمن حدود اثنين في المئة. وللمقارنة، لا يزال من الممكن العثور على صفقات في شأن الرهن العقاري في نطاق 3.5 في المئة، إذا بحث المرء جيداً.

إذاً، لقد شكل استخدام مؤشر أسعار البيع بالتجزئة لحساب الفائدة على هذه القروض في المقام الأول، خدعة قذرة بالفعل.

وهناك حتماً فائزون أيضاً من النتائج غير الطبيعية التي يقدمها "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة"، تشمل قائمتهم حاملي برامج معاشات التقاعد النهائية، وأولئك المحظوظين بالقدر الكافي كي يضعوا أيديهم على ديون حكومية معينة مرتبطة بالمؤشر (دافع الضرائب خاسر كبير للغاية من ارتفاع مؤشر أسعار البيع بالتجزئة).

في المقابل، من الصعب تبرير مكاسبهم نظراً إلى عيوب ذلك المؤشر [عن أسعار البيع بالتجزئة]، إضافة إلى أنه سيلغى تدريجياً في شكل رحيم، من دون تعويض الخاسرين، لصالح "مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين" بما فيها تكاليف الإسكان التي يتحملها المالكون المقيمون [في بيوتهم]، إذ يعتبر "مكتب الإحصاءات الوطنية" أن "مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين" أفضل بكثير من "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة".

وكذلك يسعى "مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين" إلى احتساب تكاليف الإسكان، على غرار "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة"، لكن الحساب الفعلي يأتي مختلفاً، بل إنه يقل عما يظهر في "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة"، تماماً على غرار حاله مع "مؤشر الأسعار الخاصة بالمستهلكين".

لقد أعلن سوناك حين كان وزيراً للمالية عام 2030 موعداً للتخلص من "مؤشر أسعار البيع بالتجزئة"، على الرغم من أن خيار إجراء ذلك التبديل في عام 2025 كان مطروحاً على الطاولة.

والآن، يبدو ذلك القرار موضع شك بالنظر إلى التشوه الذي قد يسببه هذا "المقياس الرديء" إذ يتضخم إلى 18 في المئة، وهو مستوى لم تعرفه البلاد منذ عام 1980.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 04 أغسطس 2022

© The Independent