Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل كردستان بمنأى عن الصراع في بغداد؟

ماذا لو طالت التداعيات الإقليم وما شروطه لتغيير الدستور والنظام السياسي؟

تلقي الأوضاع المتوترة في بغداد مع استمرار الصراع بين القوى الشيعية والمخاوف من نشوب اشتباك مسلح، بظلالها على إقليم كردستان الذي يعيش قلقاً من تداعيات متعددة الاحتمالات مع بروز مطالب بإجراء تغيير على مستوى دستور البلاد والنظام السياسي القائم.

الأوساط السياسية في الإقليم تخوض سجالاً حول مدى خطورة "انتقال العدوى" إلى الشارع الكردي، بسبب بعض أوجه التشابه في صيغة الصراع على إدارة الحكم.

الأزمة السياسية في بغداد بلغت مرحلة حرجة منذ اقتحام أنصار التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر لمبنى البرلمان وإعلانهم اعتصاماً مفتوحاً، السبت الـ30 من يوليو (تموز)، في محاولة لعرقلة خطوات خصومهم من القوى الشيعية المنضوية في ائتلاف "الإطار التنسيقي" المقربة من إيران لتشكيل الحكومة الجديدة، رافعين مطالب بإجراء تعديلات على الدستور والنظام السياسي.

يبدو أن موافقة الكرد على إجراء أي تعديل على الدستور ستكون مشروطة بتحقيق حوار وطني معمق وجامع يحقق حداً مقبولاً من التوافق على النقاط الخلافية "من دون فرض إرادات طرف بعينه".

كما يكمن التوجس في أن "تنتزع" مكاسب إقليمهم شبه المستقل المتحققة في الدستور الحالي بعد سقوط النظام السابق عام 2003، على الرغم من أنهم غالباً ما كانوا يتهمون بغداد بعدم تطبيق مضامينه، عبر "فرض" مواد من شأنها تعزيز مركزية الدولة.

خلل في التطبيق

مع بروز مخاوف من نشوب "حرب أهلية" بين الأطراف الشيعية في بغداد، تتباين الرؤى في الوسط الكردي حول ما ستخلفه التداعيات المحتملة على الإقليم.

مسؤول الفرع الخامس للحزب "الديمقراطي" في بغداد شوان محمد طه لم يخفِ القلق الذي يسود الإقليم بكونه جزءاً من العراق، وبديهياً يتأثر بأحداثه، سواء كانت سلبية أو إيجابية.

وقال طه "لنتذكر ما حصل عندما سيطر تنظيم (داعش) على مناطق واسعة من البلاد، وما خلفه من أزمات أمنية وإنسانية عندما نزح مئات الآلاف من المواطنين نحو الإقليم، وكذلك على المستوى الاقتصادي، لذا فإن أي تدهور سيكون للإقليم نصيب فيه".

وأضاف "من هذا المنطلق جاءت مبادرة رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني في دعوته الأطراف الشيعية إلى الحوار في أربيل".

وفي شأن المطالب بإجراء تعديل على الدستور، والمخاوف من انتقال الصراع إلى الإقليم، قال إن "المشكلة ليست في مضامين الدستور أو احتمالات فرض نظام مركزي بقدر ما هي في بنية عقل القادة السياسيين العراقيين".

وأجمعت مواقف صدرت عن قادة في الحزبين على أن "تعديل الدستور يحتاج إلى سلسلة من الإجراءات والخطوات القانونية"، مع التلميح إلى "استحالة إجراء تغيير في النظام السياسي بناءً على مزاج شخصي أو برغبة جهة بعينها".

شروط كفلها الدستور

رئيس كتلة "الاتحاد الوطني" هريم كمال آغا يتفق مع وجهة نظر طه بأن "الصراع داخل البيت الشيعي سينعكس سلباً على العراق وخارجه، وقد تدخل البلاد في نفق مظلم مع امتلاك الأطراف فصائل مسلحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد آغا على "ضرورة أن يجري أي تغيير، سواء على الدستور أو النظام السياسي، عبر المؤسسات الشرعية، وقبل ذلك من خلال توافق بين الأطراف"، لافتاً إلى أن "كل ما حققه الإقليم من مكاسب كانت ثمرة وحدة الصف الكردي، وما فقده كان بسبب التقاطعات بين قواه".

وتتوافق رؤية "الاتحاد" مع نظيره "الديمقراطي" في الموقف من مطالب التعديل، حيث غرد القيادي في "الديمقراطي" هوشيار زيباري عبر "تويتر" قائلاً إن "الدستور والنظام السياسي الحالي لن يتغيرا إلا عبر الآليات الدستورية، هذا التوجه غير خاضع لأمزجة شخصية، لا سيما أن أكثر من 60 في المئة من العراقيين صوتوا لهذا الدستور عبر استفتاء شعبي حظي بدعم المرجعية الدينية والمجتمع الدولي". ونوه إلى استحالة "تعديل العقد الاجتماعي إلا بعد إجراء مشاورات ونقاشات مكثفة".

مخاوف من انتقال العدوى

في المقابل، هناك وجهات نظر لا تستبعد أن تنتقل الاحتجاجات في بغداد إلى الشارع الكردي، الذي يعاني منذ سنوات تدهور الأوضاع الاقتصادية في ظل استمرار أزمة مرتبات موظفي القطاع العام، وارتفاع غير مسبوق في مستوى الأسعار والضرائب عموماً.

رئيس "حراك الجيل الجديد" رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد دعا إلى إعلان "تنظيم تظاهرات احتجاجية حاشدة يوم السبت المقبل"، بينما استبعد آخرون حصول مشهد مماثل، لكون "الصراع يدور في فلك خلاف شخصي بين زعيمي التيار الصدر وائتلاف دولة القانون"، وكذلك لاعتبارات تتعلق بـ"الفارق في مستوى الاستقرار الأمني والخدمي في المدن الكردية، مقارنة مع بقية المناطق العراقية".

فمنذ نشوب التوتر في بغداد صدرت عدة تحذيرات عن القيادي البارز في حزب "الاتحاد الوطني" ملا بختيار من التداعيات، حيث قال "هناك قلق من نشوب مواجهة في بغداد، أطراف الصراع بحاجة اليوم إلى الكرد، لكن السؤال الأهم هو لماذا لا يتفق الكرد في ما بينهم؟ لماذا ينتظرون ويضيعون الفرصة والوقت؟".

ودعا بختيار الحزبين إلى "التخلي عن عقد الماضي، والدخول في حوار واتفاق جديد لأنه الحل الوحيد، وفي حال خروج الأوضاع عن السيطرة سيكون لنا نصيب من نيران الحرب من جهات عدة، بما فيها مناطق موضع النزاع".

وحذر من أن البلاد "تقف على حافة الحرب الأهلية، وإذا ما لجأت القوى الشيعية إلى السلاح ضد بعضها بعضاً، كونوا على ثقة بأن الدماء ستسيل بشكل غير مسبوق طيلة تاريخ العراق، سواء في بغداد أو في بقية المناطق".

وفي بيان سابق لم يخفِ بختيار الأخطاء التي ارتكبها ساسة الإقليم "عندما انقسموا في بغداد إلى أربعة اتجاهات، وقد تزمت الحزبان (الحاكمان في الإقليم) في مواقفهما على الرغم من بلوغ العملية السياسية في العراق مرحلة خطيرة من الانسداد".

وأضاف أن "ما يحصل في بغداد أبعد المخاطر جزئياً عن الكرد، لتؤجل التفاهمات التي يمكن أن تحصل على حساب الكرد"، واستدرك "لكن إذا ما اندلعت حرب أهلية في بغداد، فإن من شأنها أن تزيد من الانقسام بين الحزبين، حيث سيفرض الواقع نشوء حكومة بإدارتين متعارضتين".

ترابط استراتيجي

عضو الحزب "الديمقراطي" ريبين سلام يشارك بعض الهواجس من الأحداث وانعاكساتها على الإقليم "بحكم أن بغداد تمثل عمقه الاستراتيجي". وقال "إن تعرض هذا العمق إلى أزمة سيخلف الضرر وسينعكس على المستويين الجيوسياسي والاقتصادي".

وإزاء الموقف من مطالب تعديل الدستور قال سلام "لا مانع إذا تمت وفق السياقات القانونية والمحددة وفق المادتين 142 و126 لتعديل النصوص اللتين تمنحان لثلاث محافظات حق رفض أي تعديل كان".

وأشار إلى أن "دستور البلاد كان مؤقتاً منذ عام 1970 لغاية عام 2005، بعدها تم تبني دستور دائم، لكنه بقي معطلاً، واليوم يريدون تعديله، هذه المراوحة تعني أنه كان في الغالب غير فاعل، وعليه يكون السبب في نشوب التوترات وعدم الاستقرار. مطالب الكرد بتنفيذ الدستور ليست نابعة من كونه يضمن مصالح الكرد الذين لهم فيه الحد الأدنى من الحقوق، على الرغم من تضحياتهم عبر التاريخ".

وأوضح أن "المخاوف في الإقليم جدية، لنتذكر احتجاجات تشرين في بغداد عام 2019 التي استمرت مدة 70 يوماً ومطالبها بتغيير روح وفحوى الدستور، كان يمكن أن تنسف ما ناضل من أجله الشعب الكردي في 70 سنة". وفي شأن انتقال التوتر إلى الإقليم قال إن "كردستان شكلت وما زالت درعاً لصد الإرهاب نيابة عن العالم".

 

المحلل السياسي الكردي جمال بيرا يعزو أسباب الأزمة إلى "التداخل بين الخلاف الشخصي والصراع على السلطة"، مؤكدا أن "الإقليم سيتأثر حال بقية المناطق العراقية"، ويعتقد أن "الخلاف في بغداد يغلب عليه الطابع الشخصي، ليس بسبب الاختلاف في التفكير السياسي والإداري، بل من أجل السلطة والمكاسب الحزبية الضيقة، ولا أحد مستعداً للتخلي عن الامتيازات، ومن أجل ذلك يتم استغلال المشاعر الدينية والمذهبية ونقمة الشارع لإقحامها في الصراع، الذي يبدو أنه لن يتوقف بسهولة، فالموقف يحتاج إلى تنازلات، وعداه فإن الوضع قد يخرج عن السيطرة".

وعن قراءته للموقف الكردي، يرى بيرا أن "القوى الكردية الرئيسة تحاول أن تكون بعيدة من هذا الخلاف، لكنها في الواقع مقسمة بين طرفي الأزمة، لذا فإن أي تغيير في بغداد سينعكس على الإقليم، لأن خلافات الحزبين الحاكمين في الإقليم كان لها تأثير سلبي في حياة المواطن الكردي، وعلاقة الحزبين مع نظرائهما في بغداد، فقد أخفقا في التفاهم على تقاسم المناصب السيادية وانقسما على جبهتين متضادتين، وعليه لا ضمانات في أن يكون الإقليم بمأمن من الأزمة إذ ما تطورت". 

الصراع الدولي القائم

أستاذ التاريخ المعاصر وفلسفة العلاقات الدولية في جامعة صلاح الدين بأربيل كامران منتك ينظر للحدث من باب آخر، حيث ربطه بالصراع الدولي القائم وشكل الخريطة السياسية للمنطقة.

وقال منتك إن "ما يجري ليس مجرد خلاف في سياق العملية الديمقراطية، فالبلاد ومن ضمنها إقليم كردستان، تقع في قلب مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين القوى العظمى، التي بدأت في سوريا عام 2017 ويبدو اليوم أنها انتقلت إلى العراق، في محاولة لإخراجه من تحت الهيمنة الأميركية أو إضعافها، كما حصل في سوريا".

وأضاف أن "حال العراق تشبه المرحلة التي عاشها خلال أوج الحرب الباردة الأولى في النصف الثاني من القرن الـ20 لغاية عام 1991، لكن بصيغة مختلفة، كان العراق خلال 40 عاماً ساحة لحروب داخلية وخارجية، لكن ما يختلف في الحرب الآنية عن السابقة يكمن في تطور أدوات الحرب واتساع مساحتها، كما يمكن بسهولة استخدام جماعات لتخوض الحرب بالإنابة".

وأشار منتك إلى أن "البيت الكردي لن يكون بمنأى عن الأضرار وانتقال العدوى إليه في حال تفاقم الصراع ببغداد، فهو يعاني صراعاً داخلياً أيضاً كما في البيتين الشيعي والسني، فأقطابه الرئيسة منقسمة على الأطراف الدولية ضمن معادلة الصراع الدائر على الهيمنة بالمنطقة، علماً بأن أسباب وأرضية المواجهة المحتملة في بغداد هي نفسها نجدها في أربيل".

ويرى أستاذ التاريخ المعاصر وفلسفة العلاقات الدولية في جامعة صلاح الدين بأربيل أن "أسباب التصعيد أو التهدئة في بغداد مرتبطة بمعادلة التوازنات الدولية أكثر من كونها خلافاً بين القوى المحلية، والأخيرة تبدو كأداة ولاعب معدوم الإرادة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير