في انعكاس للانقسام العميق الذي يعيشه العراق، تظاهر مئات من مناصري الإطار التنسيقي، المنافس لزعيم التيار الصدري، اليوم الاثنين قرب المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، وفي المقابل، يواصل مناصرو الصدر اعتصامهم في البرلمان لليوم الثالث.
تصاعد التوتر منذ عدة أيام في العراق، إذ اقتحم مناصرو التيار الصدري البرلمان مرتين، وباشروا داخله اعتصاماً منذ يوم السبت، رفضاً لترشيح محمد شياع السوداني (52 عاما) من قبل الإطار التنسيقي، لرئاسة الحكومة.
وأظهر الصدر الذي يملك قاعدةً شعبية واسعة أنه لا يزال قادراً على تحريك الجماهير لأهدافه السياسية.
في المقابل، وقرابة الساعة الخامسة عصراً اليوم الاثنين، ملأ متظاهرون مناصرون لخصوم الصدر في الإطار التنسيقي، الجسر المعلق المؤدي إلى المنطقة الخضراء التي تضمّ مؤسسات حكومية ومقرات دبلوماسية غربية ومقر البرلمان.
وقامت قوات الأمن العراقية برش المياه على المتظاهرين لمنعهم من عبور الجسر المؤدي إلى المنطقة الخضراء، بحسب صحافي في فرانس برس.
تأهب في بغداد
ومنذ الصباح تأهبت بغداد لتظاهرات تنظمها جماعات شيعية متناحرة مرتبطة بفصائل مدججة بالسلاح، مما أثار مخاوف من اندلاع اشتباكات مع تصاعد التوتر في شأن تشكيل حكومة.
ويعيش البلد منذ ما يقرب من عشرة أشهر من دون حكومة بعد انتخابات جرت في أكتوبر (تشرين الأول). وأدى أطول مأزق بعد انتخابات في العراق إلى اضطرابات شملت احتجاجات من أنصار رجل الدين مقتدى الصدر، الذين يحتلون البرلمان في اعتصام مفتوح.
ويضم معارضو الصدر مجموعة من الأحزاب والفصائل المسلحة المتحالفة في الغالب مع إيران. وكان هذا التجمع المعروف باسم "الإطار التنسيقي" الشيعي قد دعا إلى احتجاجات مضادة مساء اليوم الإثنين بالقرب من البرلمان، قائلاً إن ذلك يهدف إلى حماية مؤسسات الدولة من الاضطرابات الأهلية بسبب التيار الصدري.
"جاهزون لأوامر الصدر"
وقال أحد أنصار الصدر ويدعى كاظم هيثم، وهو في طريقه للانضمام إلى اعتصام البرلمان "نحن جاهزون لكل ما يأمر به الصدر. نحن ضد الإطار. كل ما لديهم هو التصريحات ولا يوجد دعم شعبي. لا نعرف ما إذا كان احتجاجهم سيكون مسلحاً لكنهم خائفون".
ويقع البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء المحصنة ببغداد، التي اقتحمها أنصار الصدر بسهولة مرتين الأسبوع الماضي مع تراجع قوات الأمن. ومن المقرر تنظيم احتجاجات الإطار التنسيقي بالقرب منه عند مدخل المنطقة الخضراء.
وقال قائد بفصيل مسلح موالٍ لإيران إنه يخشى حدوث اشتباكات ويأمل في أن يسود الهدوء. وأضاف رافضاً نشر اسمه لأنه غير مخول بالتحدث إلى الإعلام، "الوضع في العراق صعب للغاية. نتمنى أن يسلمنا الله من القتال بين الأخوة. إذا تدهورت الأمور ستدمر المنطقة كلها".
وحل أنصار الصدر في المرتبة الأولى في انتخابات أكتوبر، لكنه سحب جميع نوابه من البرلمان بعد أن أخفق في تشكيل حكومة تستبعد منافسيه الشيعة.
ضغوط سياسية
ويمارس الصدر منذ ذلك الحين ضغوطاً سياسية من خلال حشد أتباعه ومعظمهم شيعة من الطبقة العاملة من أحياء فقيرة في بغداد وجنوب العراق، معقل الأغلبية الشيعية في البلاد.
ومنعت تصرفات الصدر منافسيه، بمن فيهم خصمه اللدود، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، من تشكيل حكومة. ويجب على البرلمان اختيار رئيس للبلاد ورئيس للوزراء، ولا يمكنه الانعقاد بينما يحتله أتباع الصدر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا الصدريون إلى انتخابات جديدة وإنهاء النظام السياسي القائم منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، والذي أطاح صدام حسين.
ويوزع هذا النظام السلطة حسب الطائفة والحزب، ويلقي كثير من العراقيين باللوم عليه في الفساد المستشري والخلل الإداري، الذي حال دون حدوث أي تقدم جاد لسنوات، على الرغم من ثروة بغداد النفطية والسلام النسبي بعد هزيمة تنظيم "داعش" في عام 2017.
"الفرصة الذهبية"
ودعا زعيم التيار الصدري في العراق يوم الأحد إلى توسيع التظاهرات ومواصلتها وإلى دعم واسع للمحتجين المعتصمين في أروقة البرلمان العراقي، بدون أن يظهر أي مؤشر الى التراجع في ظلّ تصاعد الأزمة السياسية.
وفي بيان نشره رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على حسابه بتويتر، قال إن "الثورة العفوية السلمية التي حررت المنطقة الخضراء كمرحلة أولى لهي فرصة ذهبية لكل من اكتوى من الشعب بنار الظلم والإرهاب والفساد والاحتلال والتبعية"، مؤكدا أن هذه "فرصة عظيمة لتغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات".
ونصب أنصار الصدر خياما واستعدوا للدخول في اعتصام مفتوح في البرلمان العراقي يوم الأحد في خطوة قد تطيل أمد الجمود السياسي أو تدفع البلاد إلى أعمال عنف جديدة.
وحذر الصدر من "أن لا تتكرر مأساة تفويت الفرصة الذهبية الأولى في عام 2016".
ووجه في بيانه الدعوة إلى "أبناء الشعب العراقي الأبي الحر المحب للإصلاح والديمقراطية"، قائلا "إنكم مسؤولون وكلكم على المحك، إما عراق شامخ بين الأمم وإما عراق تبعي يتحكم فيه الفاسدون"، محذرا "حينها ليس إمامي إلا الدعاء والبكاء على نهاية العراق التي باتت قريبة"، داعيا الشعب إلى طلب الإصلاح "تحت لواء العراق وقرار الشعب وإن أدعي البعض أن الثورة الحالية صدرية"، مؤكدا على عدم تفويت الفرصة لإنقاذ الوطن.
"شأن داخلي"
من ناحية أخرى، اعتبرت إيران، الإثنين، أن التطورات الأخيرة في العراق، المتمثلة في اعتصام مؤيدي الصدر داخل مبنى البرلمان، هي "شأن داخلي" يجب حله بالحوار.
وللمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، اقتحم مؤيدو زعيم التيار الصدري البرلمان تعبيراً عن رفضهم اسم مرشح لرئاسة الوزراء، طرحه خصوم سياسيون للصدر يعدون مقربين من طهران.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، خلال مؤتمر صحافي، "نحن نتابع بعناية وحساسية التطورات الراهنة في العراق".
وأضاف "نعتبر أن التطورات الراهنة جزء من الشؤون الداخلية في العراق"، مشدداً على أن إيران "تحترم خيار الشعب العراقي وتؤكد أن الحوار هو الطريقة الأمثل لحل الخلافات الداخلية".
ويشهد الجار الغربي لإيران أزمة سياسية حادة منذ الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر 2021، تخللتها مفاوضات معقدة بين الأحزاب السياسية لم تفض إلى تفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة.
وحصد التيار الصدري العدد الأكبر من المقاعد النيابية، وسعى لتسمية رئيس للوزراء وتشكيل حكومة أغلبية بالتحالف مع أحزاب سنية وكردية، لكنه لم يتمكن من ذلك لعدم تحقيقه الغالبية اللازمة في البرلمان.
واستقال نواب التيار الصدري الـ73 في يونيو (حزيران) الماضي من البرلمان، بعد أن كانوا يشغلون ككتلة أكبر عدد من المقاعد فيه.
السوداني يزيد تعقيد الأزمة
وزادت الأزمة تعقيداً في الفترة الأخيرة بعد طرح اسم محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء من قبل "الإطار التنسيقي"، الذي يضم كتلاً شيعية على خصومة مع الصدر، أبرزها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والفتح الممثلة لفصائل الحشد الشعبي المؤلف من تشكيلات قريبة من إيران.
وأعرب كنعاني عن اقتناع طهران بأن "التيارات والأحزاب والتنظيمات السياسية العراقية قادرة على تجاوز المرحلة الراهنة بالعمل في إطار الدستور والإجراءات القانونية لهذا البلد وبطريقة سلمية ضمن الاحترام المتبادل، والمساعدة على نمو العراق من خلال تشكيل حكومة شعبية".
وتحظى إيران بدور وازن في العراق المجاور، وقدمت دعماً للفصائل المسلحة والقوات العراقية ضد تنظيم "داعش" بعد سيطرته على مساحات واسعة من البلاد في 2014.