Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما جرى في أوكرانيا دفعني إلى إدراك أهمية الخدمة العسكرية

هناك حجة مقنعة مفادها أن على الجميع أن يمنح جزءاً من وقته خلال زمن السلم لاكتساب عادات ومهارات من شأنها يوماً إنقاذ حياته

أعطت الحرب لكثير من الناس إحساساً جديداً وحقيقياً بوجود هدف لديهم (أ ب)

إن الحرب في أوكرانيا فرضت على أجيال من الأوروبيين الذين عاشوا كل حياتهم في عصر السلم، رؤية ويلات النزاعات المسلحة ووحشيتها عن قرب.

امتلكت هذه الحرب عنصر التأثير المباشر في المواطنين بسبب النقل الحي على قنوات التلفزيون الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتماس مع ملايين اللاجئين الذين حملوا معهم إلى دول المنفى القصري ذاكرتهم التي لا يمكن محوها [عن هذه الحرب وويلاتها]، لكن ووسط كل هذا الرعب بالإمكان ملاحظة تأثير إيجابي يتيم يتعلق بعملية التعبئة الكبيرة التي أظهرها الأوكرانيون، خصوصاً في صفوف الشباب، وقيامهم بالتطوع مباشرة للإسهام في الجهود المطلوبة للحرب، مقدمين كل ما يمكنهم تقديمه [من أجل حرية بلادهم].

كثير منهم، وليس فقط الشبان، قاموا بحمل السلاح، واتجهوا مباشرة لمحاربة العدو حيثما وجد، ولم يقم الجميع بحمل السلاح بالطبع، فكثير من بينهم عملوا على المساعدة في تنظيم عمليات إجلاء المدنيين، وإيصال المساعدات الطبية إلى محتاجيها أو توزيع المساعدات الغذائية، وهناك أيضاً "جيش من قوات العلاقات العامة" الذين يقصفون (مجازياً) أشخاصاً مثلي بالمعلومات عن الحرب وتطوراتها.

ومهما كان حجم القتل والدمار من حولهم فليس مستغرباً ملاحظة أن الأوكرانيين يبدون إن لم نقل سعداء، لكنهم وبشكل مفاجئ (بالنسبة إلى شخص من خارج السياق) يظهرون متفائلين ومقتنعين [بعدالة قضيتهم]، فهم يرون مشاركتهم في هذه الأحداث كتجربة تعزز خبرتهم، فهم منشغلون ويشعرون بأن ما يقومون به مفيد، وربما بعضهم يختبر هذا الشعور للمرة الأولى في حياته.   

لقد أتاحت الحرب لكثير من الأشخاص أن يشعروا بأن هناك هدفاً جديداً وحقيقياً يعملون من أجله، وهذا يشمل جيل الشباب الذي ربما لم ينجح حتى الأمس القريب في المغامرة والسفر إلى خارج المنطقة التي يقيم فيها، وكان يعاني في مساعيه إلى إيجاد وظيفة، وفي هذا الإطار يبدو أن معدلات الجريمة قد انحسرت بشكل ملاحظ.

إن المحن بالطبع تبرز إلى الواجهة أبطالها الخاصين. هل تتذكرون الجهود التطوعية التي ظهرت في بدايات أشهر جائحة كورونا في المملكة المتحدة كما في دول كثيرة أخرى، وعمليات المساعدة العفوية التي قدمت في بولندا ودول أخرى لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين؟

وإذا عدت إلى الماضي القديم فإنني وكثير مثلي سيستغرقون في الذكريات عن كيف كانت النساء من أقربائي مثلاً يتكلمن بحنين وحتى بنفحة من الشوق إلى "عملهم خلال زمن الحرب العالمية الثانية"، من قيامهن بدور سائق سيارة لضباط الجيش إلى عملية إعداد مظلات القفز أو المشاركة في صناعة الذخائر أو التطوع للقيام بفترات مراقبة تطور الحرائق [بعد عمليات القصف].

أي شخص قادر على الإسهام ويشعر بقدرته على المساعدة، هذا إضافة إلى التضامن الهادئ، هو ما كانت عليه ببساطة "روحية مواجهة القصف" Blitz spirit.

أنا لا أود هنا التقليل من أثر الصدمات القاسية جداً التي ترافق هكذا أحداث وعاناها من اضطر إلى القتال أو من اختبر النزاعات، هي صدمات تعيش مع بعضنا لمدة طويلة، وهي لا بد ستؤثر أيضاً في الأوكرانيين وستبقى لفترة طويلة معهم في المستقبل.

لكن أليس هناك ما يمكننا أن نتعلمه من الجهود التي تبذل في زمن حرب وطنية تؤدي إلى تجييش الجميع، منطلقة من الإيمان، الإيمان الضروري بأن الجميع يمكنه أن يسهم بشكل من الأشكال، وأن هذه الجهود المبذولة لا بد من أن تثمر مردوداً على المستوى الشخصي والصالح العام أيضاً؟

لذلك كنت في الماضي أدعم مبدأ وجود نوع من الخدمة الوطنية، ولهذه الأسباب ربما كان مشروع رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون لإنشاء "خدمة أبناء الشعب الوطنية" National Citizen Service قد لقي ترحيباً إيجابياً من المواطنين، وكان ذلك جزءاً مما تضمنته مبادرته لإنشاء ما سماه مبادرة المجتمع الكبير  Big Society initiativeعام 2010.

عدم نجاح المشروع إلى درجة أن الموازنة المخصصة لتنفيذه تم خفضها، ووصفه تحقيق مستقل بمثابة "مخيم ترفيهي لأبناء الطبقات المتوسطة"، يبرز ببساطة بعض الصعوبات التي تواجه عملية تنظيم مثل هكذا مبادرات في زمن السلم، لكن لا يجب أبداً أن نعتبر مثل تلك المشاريع غير مجدية تماماً.

إحدى مشكلات الفكرة هي أن من يميل للانضمام إلى جهود تطوعية منظمة من صغار السن الشباب هم إلى درجة كبيرة، وأنا أعلم مسبقاً أن في ما أقوله تعميماً، من ميسوري الحال إلى حد ما، وهم ممن تكون فرصهم في بناء حياتهم جيدة أصلاً، أما الذين من المحتمل أن يستفيدوا إلى أقصى درجة من عملية مغادرة بيوتهم ومحيطهم وأن يحاولوا تجربة شيء جديد فهم في الغالب الأقل حظوة في الحصول على مثل تلك الفرصة، وهو السبب الذي جعلني أدعم ليس مبدأ فرض نوع من الخدمة الوطنية وحسب، لكن أيضاً جعلها إلزامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نعم أنا أقول بضرورة أن تكون الخدمة الوطنية إجبارية للجميع، وهذا سببه لا يعود إلى شيء من التزامي بمبادئ المساواة المجتمعية، فأبناء ميسوري الحال ومن يتمتعون بعلاقات خاصة لا يجب أن يكون بإمكانهم شراء الإعفاء من الخدمة أو أن يناوروا للتهرب منها، كما لا يجب أن يشعر هؤلاء ممن لا يملكون الإمكانات بأنهم لن يتمكنوا من الاندماج، بل أيضا كي نبرهن عن جدوى ما نرى آثاره الفعّالة جداً حالياً في أوكرانيا، حيث إن الجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية، يمكنهم أن يقدموا شيئاً بشكل من الأشكال.

لكن وبالطبع قد تعترضون بالقول إن الأمر يختلف بالنسبة إلى أوكرانيا التي تخوض مواجهة عسكرية من أجل بقائها، ولماذا على المملكة المتحدة مثلاً ودول أخرى تعيش في زمن السلم أن تقوم بتبديد إمكاناتها المادية إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن إمكان وقوع حرب [قريباً] هو أمر مستبعد؟

ربما، ولكن لا يجب علينا أن نتوقع وقوع نزاع مسلح ما في الأفق كي نؤمن بأنه من الممكن أن تكون هناك حال طارئة من نوع ما أو غيرها في المستقبل القريب، وفي ذلك الحين من الأفضل للمواطنين الذين لم يعرفوا سوى حال السلم أن يكونوا مهيأين.

إذا ألقينا نظرة من الخارج على المملكة المتحدة فإن البلاد تتمتع بدرجة عالية تحسد عليها من مقومات الصمود، فالناس في هذه البلاد يميلون إلى الحفاظ على رباطة جأشهم ولديهم العزيمة، ويميلون لتقديم العون كما رأينا في رد الفعل الشعبي على تفجيرات السابع من يوليو (تموز) 2005 التي استهدفت وسائل النقل في لندن واعتداءات أخرى واجهتها البلاد تقف شاهدة على ذلك. لكن أليس من الممكن أن يكون مفيداً لو أن عدداً أكبر من الناس، عدد أكبر بكثير، كانوا قد تلقوا التدريبات اللازمة في فترة باكرة من حياتهم على مجموعة من المهارات الخاصة بالتعامل مع أحوال الطوارئ؟ 

تعليم مبادئ الإسعافات الأولية والدفاع المدني للمبتدئين، ويمكنني الآن أن أسمع التحفظات على ما أقوله، كيفية استخدام السلاح الناري؟

إنه أمر روتيني بالنسبة إلى الصحافيين والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية وآخرين يضطرون إلى الذهاب لمناطق النزاعات أن يمروا بدورات تدريبية تعرف بدروس للبقاء على قيد الحياة في بيئات معادية، هل ذلك النوع من المعرفة والخبرة عن كيفية تفادي الاعتداءات أو الرد عليها، أو كيفية التمييز بين صوت انطلاق القذائف أو انفجارها، وكيفية الدفاع عن النفس، أليس ذلك مفيداً للجميع، وليس فقط لمن يتوقعون أن يجدوا أنفسهم في يوم من الأيام في منطقة تشهد حرباً؟  

إن الحفاظ على اللياقة البدنية وأن نتعلم السباحة (فثمانية شبان غرقوا خلال موجة الحر التي شهدتها [بريطانيا] أخيراً)، وأن نتدرب على كيفية قراءة الخرائط، واستخدام جهاز تحديد المواقع GPS، تعلم مهارات الملاحة الأساس. كم من الأشخاص من بيننا يعرفون كيفية القيام بذلك؟ كم من بيننا يمكنهم الاستفادة من مثل تلك المهارات؟ إن برنامج خدمة وطنية جديد لا يجب أن يعتمد بالضرورة على التدريبات العسكرية فقط، وهو يمكنه ألا يشمل أي شيء عسكري مطلقاً. 

وأنا لا أعتقد أنه إذا اعتمدت المملكة المتحدة مثل هكذا مشروع ستكون وحيدة في ذلك، فعدد أكبر من الدول مما نعتقد لم تقم بإلغاء قوانين الخدمة العسكرية حتى، أو أنها قامت بتبني برامج مشابهة [للخدمة العسكرية الإلزامية] تضم عناصر تدريب مدنية وعسكرية في الوقت نفسه، لقد قامت السويد أخيراً وتحديداً في العام 2017 بإعادة تفعيل التجنيد الإجباري، وهو في جزء منه تدبير يهدف لتدعيم الوئام المجتمعي، وقضية إعادة التجنيد هي موضوع ساخن تتم مناقشته في كل من هولندا وألمانيا.

إن المعارضة الأقوى لمثل هذا الطرح غالباً ما تأتي ليس ممن يرفضون فكرة قضاء عام أو أكثر من عمرهم بهذا الشكل، لكن من قبل كبار القادة العسكريين الذين يجادلون بأنهم لا يحتاجون في مثل هذه الأيام والزمان إلى "أطفال" يتم وضعهم في حضانتهم لبضعة أشهر بل محترفين ملتزمين، ومع ميل الدولة هذه الأيام إلى طلب المساعدة بين الوقت والآخر من القوات العسكرية لردف بعض قطاعات الخدمة العامة [في أحوال الطوارئ]، فلربما عليهم إعادة درس القضية برمتها.

وفيما يتم افتتاح دورة ألعاب دول الكومنولث الرياضية في مدينة برمنغهام في وسط إنجلترا، وتعبر لندن عن حنينها إلى ذكريات إقامتها لدورة الألعاب الأولمبية قبل 10 سنوات، فإنني سأضيف تعليقاً في الهامش عن الدور الذي لعبه صغار المتطوعين خلال تلك الفعالية، إذ اكتشف العديد منهم العزيمة الموجودة لديهم، التي لم يكونوا ليكتشفوها في أنفسهم أبداً [لو لم تسنح لهم فرصة المشاركة بذلك الحدث العالمي].

وعلى وجه التحديد أنا أذكر كيف أنني رأيت قيام مراهقين اثنين من المرشدين يقودون جموعاً غفيرة من البشر لعبور الطريق المعقد في منطقة ماربل آرش Marble Arch في لندن، وكلهم ثقة وجاذبية وهي صفات قد تخدمهم في محاولاتهم المستقبلية لتحقيق النجاح في مساعيهم الحياتية.

إن المسافة بعيدة جداً بين منطقة ماربل آرش عام 2012 والحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا، لكن صلة الوصل المخفية بين هذا وذاك هو أن توفر الفرصة للناس كي يشعروا بأن هناك حاجة لوجودهم ولقدرتهم على خدمة هدف ما، كما كان السيناتور الأميركي الراحل جون ماكين يقول، تجعلهم قادرين على القيام بأمور أعظم من أنفسهم.

نعم هناك نقطة يمكن إثباتها هنا وهي أن بإمكان الجميع أن يخصصوا وقتاً قليلاً في زمن السلم لكي يتسلحوا ببعض العادات والمهارات التي قد تحدث في يوم من الأيام الفرق بين الحياة والموت، وحتى في حالات الطوارئ التي تكون أقل من الحرب الشاملة.

 نشر في اندبندنت بتاريخ 29 يوليو 2022

© The Independent

المزيد من آراء