يشهد الأردن منذ بداية العام الحالي انفراجة حزبية غير مسبوقة في الحياة السياسية توجت بدعوة العاهل الأردني طلاب الجامعات للانخراط بقوة في الأحزاب بحيث تصبح الجامعات حاضنة للعمل الحزبي بعد سنوات من التضييق والملاحقة الأمنية للطلاب الناشطين وتفكيك الاتحادات والجمعيات الطلابية مقابل تعزيز النزعة العشائرية.
ويأمل العاهل الأردني أن تفضي رؤيته للإصلاح السياسي في بلاده إلى تشكيل أول حكومة حزبية برلمانية، وعلى الرغم من انتقاده المستمر لواقع العمل الحزبي في المملكة، فإنه يرى أن للشباب دوراً مهماً في المرحلة المقبلة.
وتضم الجامعات الأردنية 400 ألف طالب وطالبة، مما يؤهلها لتكون بمثابة خزان بشري للعمل السياسي النشط في المرحلة المقبلة التي ستشهد زحاماً حزبياً وسياسياً منقطع النظير.
ومنذ التحول الديمقراطي في المملكة عام 1989 في أعقاب مرحلة الأحكام العرفية، وصل عدد الأحزاب الأردنية المرخصة إلى 53 حزباً، إضافة إلى 17 حزباً تنتظر دورها بالترخيص.
التحديث السياسي
وفي عام 2019، وسعياً منه إلى تحفيز الطلاب الجامعيين للانخراط في الأحزاب، وجّه العاهل الأردني كلامه لمجموعة من طلاب جامعة اليرموك بالقول، "أنا يميني في الدفاع والسياسات، لكنني يساري في التعليم والصحة".
وقبلها بعام، قال الملك للشباب الأردني، "إذا أردتم الإصلاح فارفعوا صوتكم ولا تصمتوا"، لكن ذلك لم يحدث فرقاً على أرض الواقع بسبب عديد من العقبات.
لكن، اليوم يريد الملك عبدالله الثاني، وفقاً لمراقبين، إطلاق يد العمل الحزبي في الجامعات الأردنية، حيث وجّه رؤساء الجامعات الرسمية خلال الأيام الماضية لتحقيق ذلك، داعياً الشباب الجامعي إلى أن يكونوا جزءاً أساسياً في عملية التحديث السياسي، والانخراط في العمل الحزبي البرامجي بدلاً من الأحزاب القائمة على الأشخاص والأفراد.
يتحدث الملك الأردني عن تنظيم الأنشطة الحزبية بالجامعات، والعمل بشكل مؤسسي لمنع وضع أي حواجز أمام الشباب في المشاركة بالحياة السياسية، وتوفير بيئة جامعية إيجابية تسهم في التحديث السياسي المنشود.
عودة الجمعيات الطلابية
تعول رؤية التحديث السياسي على دور الأندية والاتحادات الطلابية في ثقافة الحوار لدى الطلبة، وتكريس العمل السياسي المبني على التنوع الفكري، وهذا يعني بالضرورة إعادة الجمعيات الطلابية إلى الواجهة بعد سنوات من التضييقات والتدخلات من قبل السلطة للحد من نفوذ التيار الإسلامي الذي كان يحظى في أغلب الانتخابات الطلابية بأصوات الأغلبية.
يؤكد وزير التربية وزير التعليم العالي والبحث العلمي وجيه عويس أنه تم اتحاذ عديد من الإجراءات لتطبيق ما نص عليه قانون الأحزاب، كالسماح لطلبة التعليم العالي الأعضاء في الأحزاب بممارسة العمل الحزبي داخل الحرم الجامعي، فضلاً عن تخصيص مساقات دراسية عن العمل الحزبي لطلاب الجامعات وإعادة هيكلة عمادات شؤون الطلبة.
لكن كل ذلك محكوم بتنظيم العلاقة بين الطلبة والإدارات الجامعية من دون أن يكون هناك تغول من طرف على الآخر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تغيب المدارس الأردنية عن خطط تدعيم الحياة السياسية المرجوة في السنوات المقبلة، حيث ستتم تهيئة طلبة المدارس عبر مناهج خاصة، وقبل دخولهم مرحلة التعليم الجامعي.
استقطاب حزبي
يفسر مراقبون توجه العاهل الأردني بخطابه إلى الجامعات بسبب مشكلات الاستقطاب الحزبي في الأردن، حيث شهدت المملكة في سنوات عديدة نشاطاً مثيراً للريبة بالنسبة للسلطات في بعض الأحزاب اليسارية والدينية التي تدين بالولاء للخارج ولا تعمل وفق برامج واضحة.
ففيما تحتكم جماعة "الإخوان المسلمين" على سبيل المثال للجماعة الأم، ترتبط أحزاب أخرى بالشيوعية والقومية والاشتراكية، وتعلي من شأنها على حساب الهم الداخلي.
ويوجه العاهل الأردني بين الحين والآخر انتقادات للأحزاب الأردنية، ويصفها بأنها ضعيفة ولا تملك قواعد شعبية تمكّنها من العمل على الدخول في الحياة السياسية بفاعلية عالية، كما أنها لا تمثل كل أطياف الشعب.
وتدخل المملكة اليوم في مزاج إصلاحي سياسي كبير قد يكون هدفه الأول كسر هيمنة جماعة "الإخوان المسلمين" على الشارع لأعوام طويلة، وقطع الطريق على سيطرتها الحزبية في بلد لا يزيد عدد المنتمين فيه تحت لواء العمل الحزبي على 35 ألف شخص فقط.
لا مساءلة بعد اليوم
يؤكد عميد شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية مهند مبيضين، أن 7 في المئة من طلبة الجامعات ينتسبون لأحزاب سياسية بشكل منظم، معتبراً أنها مشاركة خجولة، ويرى أن غالبية طلبة الجامعات يعبرون عن آرائهم السياسية على الرغم من قناعة بعض عمداء شؤون الطلبة في الجامعات بعدم وجود حياة سياسية داخل الجامعات".
ووفقاً لقانون الجامعات الجديد يمنع تجريم أي طالب يقوم بنشاط حزبي. ويبدو أن ثمّة عهداً جديداً في الأردن يقلل من سطوة أجهزة الأمن، إذ يقول عضو مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب رائد العدوان، إن المخاوف السائدة من المساءلة الأمنية وعدم التوظيف نتيجة الانتماء الحزبي لم تعد موجودة.
أحزاب الهم الأردني
أقر مجلس النواب الأردني في مارس (آذار) قانون الأحزاب الجديد، الذي يهدف بالأساس إلى الوصول لمرحلة تشكيل حكومات حزبية، أو المشاركة فيها، إضافة إلى توسيع تمثيل الأحزاب للمجتمع الأردني وتحفيز الأردنيين على تشكيل أحزاب سياسية برامجية، والمشاركة فيها بحرية وفاعلية، وتعزيز الدور السياسي للمرأة والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة الحزبية والعامة، لكن البند الأبرز هو منع التعرض لأي أردني، بما في ذلك المساس بحقوقه الدستورية أو القانونية أو مساءلته أو محاسبته، إضافة إلى منع التعرض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بسبب الانتماء والنشاط الحزبي والسياسي.
ويتيح القانون لمن يتعرض للمضايقة بسبب انتمائه الحزبي، اللجوء إلى المحاكم المختصة لرفع التعرض والمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي.
في المقابل، يحظر تأسيس الحزب على أسس دينية أو طائفية أو عرقية أو فئوية، أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، وهو الأمر الذي يدفع مراقبين إلى القول إنه قد يجري حظر الأحزاب الدينية في الأردن، وفقاً لهذه المادة في المستقبل، كحزب جبهة العمل الإسلامي، الذارع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين".
ويشترط القانون على الراغبين بالانضمام للأحزاب أن يكونوا غير منتمين لأحزاب أخرى أو تنظيمات سياسية غير أردنية، وهي اشتراطات يُفهم منها أنها تستهدف آلاف الأردنيين الذين يدينون بالولاء لأحزاب عربية كحزب البعث بشقيه السوري والعراقي، وحركة "حماس"، وغيرها من الفصائل الفلسطينية، التي تضم في صفوفها المئات من الأردنيين.