أقرّ مجلس النواب الأردني قانون الأحزاب الجديد، الذي سيمثّل انفراجة للعمل الحزبي في البلاد بحسب مراقبين، بعد أعوام من التضييق والملاحقات الأمنية ومحاولات التدخل الرسمي في عمل الأحزاب وتوجهاتها.
ففي عام 2018، قال العاهل الأردني عبد الله الثاني عبارته الشهيرة للشباب الأردني "إذا أردتم الإصلاح فارفعوا صوتكم ولا تصمتوا"، لكن هذا التوجيه الملكي لم يقابل بجدّية من قبل السلطات، وظل الانتماء الحزبي جريمة غير معلنة، يواجه صاحبها بالتضييق حيناً وبالاعتقال أحياناً أخرى.
قبل ذلك، كان الملك عبدالله يردد عبارات تشجّع الشباب على الانخراط في العمل الحزبي، كقوله "أنا يميني في الدفاع ويساري في التعليم".
لكنه في الوقت ذاته، شنّ هجوماً عنيفاً على الأحزاب الأردنية، معتبراً أنها ضعيفة ولا تملك قواعد شعبية تمكّنها من العمل على الدخول في الحياة السياسية بفاعلية عالية، ومشيراً إلى أنها لا تمثل كل أطياف الشعب.
تحديث سياسي
العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، اعتبر أن إقرار مشروع قانون الأحزاب السياسية من مجلس النواب خطوة مهمة في مسيرة التحديث السياسي، التي تنتظر أيضاً إقرار مشروع قانون الانتخاب.
ويطمح العاهل الأردني إلى أحزاب قائمة على البرامج لا على الأشخاص، مطمئناً المترددين بتوفير الحماية لمشاركتهم في الحياة السياسية، خلافاً لأعوام سابقة كان يجري التضييق فيها على المنتمين إلى الأحزاب.
ودعا الشباب إلى المشاركة السياسية والانخراط في أحزاب تستند إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، يكون فيها للشباب صوت قوي، مؤكداً أنه لا يوجد أي خوف من التقدم بالإصلاح السياسي في البلاد، بينما قال رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي إن مجلس النواب ماضٍ في مسيرة التطوير والتحديث، وقد أنجز التعديلات الدستورية وقانون الأحزاب، وسينجز قريباً مشروع قانون الانتخاب، وهو ما سيُسهم في تحديث المنظومة السياسية.
حكومات حزبية
ويهدف قانون الأحزاب السياسية للوصول إلى تشكيل حكومات حزبية، أو المشاركة فيها، إضافة إلى توسيع تمثيل الأحزاب للمجتمع الأردني وتحفيز الأردنيين على تشكيل أحزاب سياسية برامجية، والمشاركة فيها بحرّية وفاعلية، وتعزيز الدور السياسي للمرأة والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة الحزبية والعامة.
وينص القانون على مواد عدة، من بينها أن للأردنيين الحق في تأسيس الأحزاب والانتساب إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن البند الأبرز هو منع التعرّض لأي أردني، بما في ذلك المساس بحقوقه الدستورية أو القانونية أو مساءلته أو محاسبته، إضافة إلى منع التعرّض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بسبب الانتماء والنشاط الحزبي والسياسي.
ويتيح القانون لمن يتعرّض للمضايقة بسبب انتمائه الحزبي، اللجوء إلى المحاكم المختصة لرفع التعرّض والمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي.
ويدعو القانون إلى تأسيس الأحزاب على أساس المواطنة والمساواة بين الأردنيين، والتزام الديمقراطية واحترام التعددية السياسية.
قلق من الأحزاب الدينية
في المقابل، يحظر تأسيس الحزب على أسس دينية أو طائفية أو عرقية أو فئوية، أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل.
وهو الأمر الذي يدفع مراقبين إلى القول إنه قد يجري حظر الأحزاب الدينية في الأردن، وفقاً لهذه المادة في المستقبل، كحزب جبهة العمل الإسلامي، الذارع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين".
ويشترط القانون أن يتقدم 300 من الأردنيين على الأقل، الراغبين بتأسيس حزب، بطلب خطي، وأن يكونوا غير منتمين لأحزاب أخرى أو تنظيمات سياسية غير أردنية، وهي اشتراطات يُفهم منها أنها تستهدف آلاف الأردنيين الذين يدينون بالولاء لأحزاب عربية كحزب البعث بشقَّيه السوري والعراقي وحركة "حماس" وغيرها من الفصائل الفلسطينية، التي تضم في صفوفها المئات من الأردنيين.
كما يشترط القانون ألا تقل نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة والنساء عن 20 في المئة من عدد المؤسسين لكل منهما، وأن يكون من بين المؤسسين واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويبدو حجم التخوف الرسمي واضحاً من الأحزاب الدينية من خلال اشتراط القانون عدم اللجوء إلى العنف أو التحريض عليه بجميع أشكاله، والامتناع عن إقامة أي تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، إضافة إلى حظر استخدام دور العبادة والمدارس لأي نشاط حزبي.
تزاحم حزبي
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، وعلى نحو غير مألوف، ازدحمت الساحة السياسية في الأردن بدعوات متتالية للانخراط في الأحزاب، فيما تسابقت شخصيات نخبوية ووازنة وقريبة من النظام السياسي، للإعلان عن تشكيل أحزاب سياسية جديدة خلال أيام عدة، في مؤشر واضح إلى دخول المملكة في مزاج إصلاحي سياسي كبير، عنوانه السعي لتشكيل أول حكومة حزبية في البلاد، وكسر هيمنة جماعة "الإخوان المسلمين" على الشارع لأعوام طويلة، وقطع الطريق على سيطرتها الحزبية في بلد لا يزيد عدد المنتمين فيه تحت لواء العمل الحزبي على 35 ألف شخص فقط.
يشار إلى أن التحوّل الديمقراطي في المملكة بدأ عام 1989 في أعقاب مرحلة الأحكام العرفية، ويبلغ عدد الأحزاب الأردنية المرخصة 53 حزباً، إضافة إلى 17 حزباً تنتظر دورها بالترخيص.