نجا والدا عضو تنظيم داعش البريطاني المعروف باسم "الجهادي جاك" من عقوبة السجن على الرغم من إدانتهما بإرسال نقود إليه في سوريا.
وكان هذان الوالدان، جون ليتس وسالي لين، قد نفيا تهمة تمويل الإرهاب، لكن محكمة الجنايات المركزية، أولد بايلي، دانتهما في وقت لا يزال ولدهما قيد الاحتجاز لدى السلطات الكردية.
حكمت المحكمة عليهما بالسجن لمدة 15 شهراً مع وقف التنفيذ لمدة سنة نظراً للظروف المحيطة بالقضية، أي بمعنى آخر أن الحكم لن ينفذ إلا إذا ارتكبا جنحاً اخرى خلال فترة الحكم.
وقال القاضي، نيكولاس هيليارد، "الآباء غالباً ما يتفاءلوا بأبنائهم وأنا أفترض أن هذا ولدكما الذي تحبان ولكن يبدو أنكما أغفلتما الواقع وأضعتما البوصلة هذه المرة. حيث كانت المؤشرات التحذيرية واضحة أمام ناظريكما".
وفي حديث لهما خارج المحكمة قال الأبوان ليتس ولين، "حُكم علينا بأمر كان أي أبوين سيقدمان عليه إذا شعرا بأن ولدهما في خطر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووجد المحلفون أن الأبوين "مذنبان بتهمة إرسال مبلغ 223 جنيهاً إسترلينياً إلى ولدهما جاك ليتس في سبتمبر (أيلول) 2015، لكن لم تثبت عليهما تهمة إرسال حوالة مالية أخرى في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه.
حاول الأبوان نقض الحكم عبر طلب تحويل القضية إلى المحكمة العليا، على الرغم من أن القضية كانت ضمن مجموعة من قضايا مشابهة حوكم فيها أفراد عائلات كثيرة أرسلوا أموالاً إلى أقاربهم في سوريا.
وفي يناير (كانون الثاني) حُكم على شخص كان يعاني مشكلة عقلية- نفسية بالسجن لمدة سنتين ونصف، بتهمة إرسال مبلغ 2500 جنيه إسترليني إلى أخته بعد أن أقنعته أنها تحاول الهروب من زوجها المنتمي إلى داعش.
ونظرت المحكمة في تجاهل كل من ليتس، وهو مزارع منتجات النباتات العضوية، وعقيلته لين، وهي مسؤولة جمع تبرعات لصالح منظمة "أوكسفام"، تحذيرات بخصوص انتماء ولدهما إلى تنظيم داعش. ولكنهما اشتريا تذاكر سفر جوية له ليقوم "بمغامرة عظيمة" في الشرق الأوسط بعد اعتناقه الإسلام في سن المراهقة على الرغم من إعلامهما أنه انزلق إلى التطرف".
كما أُبلغت هيئة المحلفين أن رجلاً كان يعرف جاك في أحد المساجد المحلية في مدينة أوكسفورد، حث ليتس على أن يقوم بمصادرة جواز سفر ابنه بعد أن علم أنه يخطط لمغادرة المملكة المتحدة.
لكن في مايو (أيار) 2014 اشترت الوالدة لين تذكرة سفر من مطار هيثرو في لندن إلى مطار عمان في الأردن، وسافر جاك بعد الحجز بيومين وكان يبلغ من العمر 18 سنة في حينه.
قضى بعض الوقت في الأردن والكويت ثم العراق حيث تزوج بابنة أحد وجهاء القبائل قبل السفر إلى إقليم داعش في سوريا.
وكان جاك نشر صورته عبر شبكة الإنترنت بزي قتالي في جوار الرقة عاصمة تنظيم داعش، وأعرب بوضوح في صفحته على فيسبوك عن رغبته في شن هجوم إرهابي.
وتعليقاً على صورة لأحد أصدقاء الدراسة القدامى يظهر فيها مع زملائه من الجيش البريطاني كتب قائلاً، "أود أن أنفذ عملية استشهادية أقتل فيها كل من يظهر في الصورة... كم أود قتل أعضاء الوحدة التي ينتمي إليها صديقي لينوس. أوجه هذه الرسالة إليك يا أمي وأنت (يا شقيقي الأصغر) تايلر. بكل صراحة أود أن أقطع رأس لينوس". وأضاف "كم أتمنى أن يجد (لينوس) نفسه يوماً ما تائهاً إما في مدينة بيجي أو مدينة الفلوجة ليجدني واقفاً أمامه بسلاحي، عندها سأفرغ ست طلقات في رأسه".
كما أُبلغ المحلفون أن الشرطة داهمت منزل العائلة في مارس (آذار) 2015، وصادرت جميع أجهزة الكومبيوتر، وحذرت أبوي جاك أنهما قد يتعرضان للمحاسبة إذا أرسلا نقوداً إلى ولدهما.
عندما سمع جاك بخبر مداهمة الشرطة لمنزله علق على الحادثة قائلاً، "أرجو أن تبلغوا الشرطة البريطانية أني لا أخطط لمسألة العودة إلى بلدهم المفتت... وأبلغوهم مني هذه العبارة موتوا بغيظكم قريباً ستداهم بيوتكم".
استشار المتهمون خبيراً أكاديمياً أخبرهم أنه من "غير المرجح" ألا يكون جاك قاتل في صفوف داعش. على الرغم من الأدلة كلها، أرسلت لين 223 جنيهاً استرلينياً بعد أن تعهد جاك ليتس لها أنه لن يستخدم الأموال في "الجهاد".
ألحقت الشرطة تحذيرها الأول بتحذير ثانٍ حين أخبرت لين أن إرسال النقود إلى جاك يعني إرسالها إلى داعش.
في ديسمبر 2015 بدأ جاك يفكر في الخروج من سوريا حين أُعلم أن "داعش في ضلال".
كما أخبر ليتس أحد الضباط المسؤولين عن التواصل مع الأسرة أن أبنه كان "يبذل قصارى جهده للخروج"، وأنه كان في "خطر"، فقال له أن في إمكانه أن يرسل النقود إلى ولده ليساعده على الخروج.
إلا أن تلك النصيحة سرعان ما عُدِّلت، وأُبلغ المتهمان خطياً أن الشرطة لا تؤيد أو تأذن بإرسال النقود إلى جاك ليتس.
إلا أن الأم قالت لولدها "نحن نعلم أنك في خطر ونشعر أنه لا خيار أمامنا إلا أن نساعدك بإرسال النقود".
بعد ذلك، حاولت مرتين تحويل أموال إلى الإبن، لكن السلطات أوقفت التحويلين. ثم أُلقي القبض على المتهمين مباشرةً.
أخفق ليتس في تقديم أدلة مناسبة، إلا أن محاميه هنري بلاكساند أخبر هيئة المحلفين أن الادعاء كان "غير إنساني وبالغ القسوة".
وأطلعت المدعية العامة أليسون مورغان هيئة المحلفين على تجاهل والدي جاك "تحذيرات واضحة بخصوص أعمال جاك"، وكل النصائح التي وجهها إليهما رجال الشرطة وأكاديميون وعاملون في المنظمات الخيرية وكل محبي الخير، وتنبيههما إلى أن أرسال النقود قد يفضي إلى الادعاء عليهما".
لكن المتهمين من مدينة أوكسفورد أنكرا ثلاث تهم وجهت إليهما تتعلق بتمويل الإرهاب.
كما زعما أن ولدهما الذي يعاني مرض الوسواس القهري عالق في مدينة الرقة، وأنهما عندما حاولا إرسال النقود مرة أخرى في ديسمبر 2015 كانا مكرهين خشية أن تكون حياته في خطر.
بكت لين في قاعة المحكمة وهي تصف حال الذعر التي انتابتها عندما أُبلغت أن ولدها في سوريا، وتوسل ليتس إلى ولده ليعود إلى البيت وقال له "ليس عليك أن تموت لمساعدة أصحابك المسلمين".
كما اتهم الوالد ابنه أمام هيئة المحلفين بأنه "صار بيدقاً على رقعة شطرنج... يسهم في نشر الكراهية والألم والخوف والمعاناة والعنف".
تبادل كل من الأبوين رسائل مليئة بالمشاعر الأبوية مع ولدهما، إذ تعترف لين في إحدى رسائلها لولدها قائلةً "بالغت بدلالك... لقد كنت أماً سيئة، إذ منحتك حرية زائدة أكثر مما ينبغي أن تُمنح لولد".
استمرت مداولات هيئة المحلفين طوال 20 ساعة قبل التوصل إلى قرار يوم الجمعة، وفضت الجلسة من دون أن تتمكن من التوصل إلى قرار بخصوص التهمة الثالثة المتعلقة بمحاولة إرسال نقود في يناير (كانون الثاني).
وقالت المدعية العامة إن المحكمة لن تعيد فتح القضية، لكنها أصرت أن تسجل التهمة في الملف.
وقالت المحققة كاث بارنيز، رئيسة المباحث وشعبة مكافحة الإرهاب في جنوب شرقي المملكة المتحدة، إن المحققين يتفهمون حجم المعاناة التي مر بها ليتس ولين.
كما قالت لصحيفة الاندبندنت "حتماً أنتم تتفهمون طبيعة العلاقة بين الآباء وأبنائهم، لكن لا يُسمح لأحد بأن ينتهك القانون. وفي هذه القضية وُجّه كثير من التحذيرات والإشارات والتنبيهات إلى جون وسالي إلا أنهما غضا الطرف عنها".
وقالت "إن هذه القضية أظهرت بوضوح" أنه لا يحق لأيٍ كان أن يخرق القانون، مهما كانت صفته ودواعيه".
كما قالت "لا نريد أن تقع أي مبالغ مالية، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بأيدي الإرهابيين، لأننا نعلم جيداً ما الذي سيصنعونه بهذه الأموال". وأضافت "إنهم يستخدمونها في ارتكاب مزيد من الفظاعات وأعمال القتل والأذى وإرهاب الناس. شاهدنا هجمات 2017 والدمار الذي خلفته في شوارع بريطانيا. ولذا لن نسمح لأي مبالغ أن تصل إليهم".
واختتمت حديثها قائلةً "مهمتنا تكمن في تقليص تلك التهديدات في المملكة المتحدة، أو تلك التي تهدد مصالحنا في الخارج".
ولا يزال حتى هذه اللحظة جاك البالغ من العمر 23 سنة رهن الاعتقال لدى السلطات الكردية بتهمة الانتماء لداعش.
© The Independent