Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تريد الولايات المتحدة فعلا تنمية أفريقيا؟

نفط القارة السمراء يشكل مصلحة حيوية للأمن القومي الأميركي ما يدفع واشنطن لإعادة الانتشار الاقتصادي والعسكري

لم تغير الولايات المتحدة نظرتها للقارة الأفريقية إلا حديثاً بعد أن كانت تعتبرها قارة الفقر والمآسي (أ ف ب)

تسعى الولايات المتحدة بشكل مستمر لتنويع مصادر الطاقة، وذلك بهدف ضمان أمنها الطاقي في ظل التغيرات المتتالية للوضع الجيوسياسي عبر العالم. واهتمام الولايات المتحدة بالقارة الأفريقية يطرح التساؤل حول وجود دافع المصلحة في تلك الشراكة؟ أم أن أميركا تكترث فعلاً لتنمية واستقرار القارة السمراء؟

تغيير السياسة

"لم تغير الولايات المتحدة نظرتها للقارة الأفريقية إلا حديثاً. فبعد أن كانت تعتبرها قارة الفقر والمآسي التي تحتاج فقط للمساعدات، أصبحت منذ تسعينيات القرن العشرين تتعامل مع أفريقيا على أساس الشراكة الاقتصادية"، بحسب غازي فيصل حسين، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الذي أشار في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أن الرئيس بيل كلينتون أعاد إطلاق سياسة واشنطن الأفريقية وفق فلسفة جديدة، تعتمد الانتقال من المساعدات إلى التجارة. وتحركت الإدارة الأميركية باتجاهين، تمثل ذلك في تبني الكونغرس الأميركي "لائحة النمو والفرص" عام 1997، ثم إعلان البيت الأبيض عام 1998 مبادرة "الشراكة من أجل النمو والفرص في أفريقيا". بناء عليه استضافت الولايات المتحدة اللقاء الأول بين مسؤولي المنظمات الأفريقية الإقليمية الثماني، في 15 حتى 18 مارس (آذار) 1999، بمشاركة 83 وزيراً من القارة السمراء مقابل نظرائهم من الأميركيين، موضحاً أن الهدف من هذا الاجتماع الذي عقد في واشنطن تمثل في "دعم الشراكة بين أفريقيا والولايات المتحدة"، و"تشجيع المزيد من التنمية الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثمارات والإصلاح السياسي والنمو الاقتصادي المتبادل في القرن الحادي والعشرين". ويضيف الباحث في المجال الاستراتيجي أن الاجتماع أفضى إلى تبني "قانون النمو والفرص الأفريقية"، والتشديد على أطروحة التنمية بدل المساعدات، وتحرير السوق الأفريقية واندماج أفريقيا بالاقتصاد الدولي، لتوسيع فرص دخول المنتجات الأفريقية إلى السوق الأميركية.

ويشير غازي فيصل أن الرئيس بيل كلينتون ربط السياسة الاقتصادية الأميركية بمبدأ ولسون، أي ربط التعاون الاقتصادي بهدف تعزيز الديمقراطية والتنمية، بقوله "إذا تعاونا لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإننا نستطيع مساعدة هذه القارة لبلوغ ذروة إمكانياتها لبناء عظمتها الحقيقية التي حرمت منها لمدة طويلة في القرن الحادي والعشرين". لذا تبنى كلينتون خطة أميركية تستهدف تخفيض الرسوم على المنتجات الأفريقية، وإلغاء نظام الحصص على منتجات النسيج، وتوسيع فرص وصول السلع الأفريقية إلى السوق الأميركية  لمدة عشر سنوات، بالإضافة إلى إنشاء صندوق لدعم المشاريع الاستثمارية في أفريقيا، والسعي لإقامة مناطق حرة أميركية - أفريقية، فضلاً عن تأسيس منتدى لمناقشة القضايا الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.

وبخصوص نظرة الإدارة الأميركية الحالية للقارة السمراء، قال وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن في وقت سابق، "تدرك الولايات المتحدة أنه بالنسبة لمعظم التحديات والفرص الملحة الماثلة أمامنا، ستلعب أفريقيا دوراً حاسماً، لا يمكننا تحقيق أهدافنا في جميع أنحاء العالم... من دون قيادة الحكومات والمؤسسات الأفريقية والمواطنين"، موضحاً أن "الولايات المتحدة مقتنعة بأن الوقت قد حان للتوقف عن التعامل مع أفريقيا كموضوع جيوسياسي، والبدء في التعامل معها على أنها اللاعب الجيوسياسي الرئيسي الذي أصبحت عليه الآن"، مضيفاً أن أفريقيا في طريقها لأن تصبح واحدة من أهم المناطق الاقتصادية في العالم عندما يتم تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، المكونة من 54 دولة، بالكامل. حينها ستكون خامس أكبر كتلة اقتصادية في العالم، وتمثل مصدراً ضخماً للوظائف والمستهلكين والابتكار والقوة لتشكيل الاقتصاد العالمي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إحصائيات

وبخصوص حجم التجارة بين الطرفين، يشير مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية إلى أن الاستيرادات الأميركية من الدول الأفريقية بلغت معدل 13 مليار دولار عام 1990، وارتفعت إلى 22.5 مليار عام 1997، ثم وصلت إلى 29.4 مليار عام 2000، موضحاً أن السوق الأميركية تحتل المرتبة الأولى للصادرات من المنتجات الأفريقية التي تصل إلى 19 في المئة من إجمالي الصادرات الأفريقية، ثم بريطانيا التي تستورد 6.8 في المئة وأخيراً فرنساً بنسبة 6.4 في المئة، وأن 80 في المئة من الاستيرادات الأميركية تأتي من نيجيريا وجنوب أفريقيا والغابون والكونغو، مضيفاً أن النفط يشكل أول اهتمامات التجارة الأميركية. ففي عام 1999، استوردت الولايات المتحدة من النفط ما قيمته 8.1 مليار دولار، وفي عام 2000، وصلت استيرادات النفط إلى 16.3 مليار دولار، كما ارتفعت الصادرات الأفريقية للسوق الأميركية من المعادن والملابس الصوفية بعد خفض التعرفة الجمركية وزيادة حصة المنتجات الأفريقية في السوق الأميركية. 

ويوضح الباحث العراقي حينها أن "المشهد الجيو-اقتصادي النفطي أخذ منحى أكثر وضوحاً في الاستراتيجية الأميركية. كما أشارت تقديرات مجلس الأمن القومي الأميركي إلى أن أميركا ستستورد (كلامه وقتها) من أفريقيا عام 2015 ما نسبته 25 في المئة من مجموع استيراداتها النفطية، في إطار سياسة تستهدف تنويع مصادر الطاقة والنفط وعدم الاعتماد كلياً على نفط الشرق الأوسط". مضيفاً أن ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في تقريره حول السياسة القومية للطاقة عام 2001، ذكر أن "أفريقيا واحدة من المصادر النامية بسرعة للنفط والغاز للسوق الأميركية"، ما يمنح القارة بعداً جيو-اقتصادياً حيوياً في استراتيجية الأمن القومي الأميركي. وهذا الأمر يتطلب جهوداً دبلوماسية وسياسات عسكرية خاصة بأفريقيا، التي تلعب دوراً متزايداً في القوة الاقتصادية الأميركية، وفق اعتقاد وزير الطاقة سبنسر أبراهام، مضيفاً أن روبين ويست، مدير شركة "بتروليوم فاينانس"، لفت إلى أن أفريقيا ستكون من الناحية الجيو-اقتصادية "أكثر أهمية من روسيا الاتحادية كمصدر للطاقة في السوق العالمية على المديين القريب والمتوسط". لذا أوضح الباحث حينها أن الاستثمارات الأميركية النفطية في غرب أفريقيا ستصل إلى 10 مليارات دولار عام 2003، وأن اعتقاد واشنطن بأن أفريقيا تشكل "مصلحة حيوية" للأمن القومي سيدفعها لإعادة هيكلة انتشار وجودها العسكري والاقتصادي. فالنفط الأفريقي وفق قناعة الرئيس جورج بوش الإبن، "يجب أن يعامل كأولوية في الأمن القومي الأميركي، لأن مصادرنا التقليدية للنفط ليست آمنة مثلما كنا نعتقد في السابق".

منظور المصلحة

ويرى محللون أن نجاح الشراكة الأفريقية- الأميركية يتطلب شروطاً عدة، وأن أولويات الولايات المتحدة في تحديد الشراكات الاقتصادية يتحكم فيها دافع المصلحة. من جهته، يشير الباحث في العلاقات الدولية، هشام معتضد، في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى أن نجاح الشراكة الأفريقية- الأميركية رهنٌ بمدى إشراك كل الفاعلين الحقيقيين في الرؤية الكاملة المرتبطة بديناميكية مناخ الأعمال لدى الجانبين، مشدداً على ضرورة تقوية تلك الشراكة والدفع بها نحو أهداف استراتيجية أكثر تنوعاً على مستوى الأعمال، وأكثر انفتاحاً بخصوص مجال الاستثمار وآليات التعاون التجاري والمالي. وقال إن "تقوية الرافعات الأساسية لهذه الشراكة الثنائية مرتبطة بمدى استعداد الولايات المتحدة على تكييف رؤيتها لمجال الاستثمار والأعمال، وذلك لكي تستجيب لانتظارات الفاعلين الاقتصاديين والماليين في أفريقيا، خصوصاً أن القارة الأفريقية كمنصة استثمارية، تحت ضغط العديد من الفاعلين الدوليين والمؤسسات التنموية والاستثمارية العابرة للقارات".

احتضنت مدينة مراكش الدورة 14 لقمة الأعمال الأفريقية – الأميركية التي اختتمت يوم الجمعة 22 يوليو (تموز) الجاري،  وركزت أشغال القمة على أولويات القارة السمراء بخصوص الأمن الغذائي والسيادة الصناعية والدوائية والطاقية، إضافة إلى مجال التكنولوجيا الحديثة وإمكانيات التعاون والشراكة، وذلك في إطار تنمية مستدامة ومنظمة. وتنعقد القمة في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تعتمد على النفط الروسي ولا القمح الأوكراني، إلا أنها تعاني من ارتفاع كبير في أسعار المواد الاستهلاكية، إضافة إلى التضخم وعرقلة الحرب لبعض مجالاتها الصناعية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير