Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إيغاد" تنزع فتيل الأزمة بين السودان وإثيوبيا وتعويل على قمة مرتقبة

البلدان أكدا حرصهما على إنهاء القضايا الخلافية بالحوار ومراقبون يتهمون كليهما بالتباطؤ وعدم الجدية

المدير التنفيذي لمنظمة "إيغاد" توسط لتقريب وجهات النظر بين رئيس الوزراء الإثيوبي ورئيس مجلس السيادة السوداني (أ ف ب)

أزمة الحدود السودانية - الإثيوبية في منطقة الفشقة أبعادها متعددة، لكن طرفها المباشر هو عدم الاستقرار السياسي في البلدين، وانعكاس ذلك على تحديات الأوضاع الأمنية. فبقدر خضوع الجغرافيا للتاريخ في القسمة الاستعمارية التي رسمت الخريطة السياسية للبلدين، فإن التغيرات السياسية المحلية تلعب دورها في تجديد الأزمة، فهل ينجح نظاما البلدين في ظل قناعات الحوار السلمي الحالية في تجاوز الأزمات؟

لقاء نيروبي

كان اللقاء الذي جمع بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الحاكم في السودان، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في العاصمة الكينية نيروبي في الخامس من يوليو (تموز) الحالي، على هامش القمة الاستثنائية لقادة مجموعة شرق ووسط أفريقيا (إيغاد)، بادرة تفاؤل لنزع فتيل الأزمة السياسية، بعد اتهام السودان إثيوبيا بإعدام سبعة من العسكريين السودانيين ومواطن مدني داخل الحدود الإثيوبية في منطقة الفشقة في يونيو (حزيران) الماضي.

وكادت الأزمة تقود إلى حرب بعد تعهد البرهان بأخذ الثأر لمقتل مواطنيه، ما استدعى تدخلات ووساطات إقليمية ودولية، حيث قاد الاتحاد الأفريقي، إلى جانب بعض دول الجوار الإقليمي، مبادرات لتهدئة الأوضاع المتفجرة بين البلدين. ومثلت منظمة إيغاد (التي تضم السودان وإثيوبيا إلى جانب دول أفريقية أخرى) دوراً مباشراً ضمن مهامها في درء النزاعات، وتماشياً مع وظيفتها في خلق مناخ موات للدول الأعضاء تجاه متطلبات التنمية والاستقرار.

وكشف المتحدث باسم السكرتير التنفيذي للهيئة (إيغاد) نور محمود شيخ، لصحيفة "The East African" الكينية، عن أن القنوات الخلفية الدبلوماسية أنقذت البلدين من الانهيار الداخلي في المرة الماضية.

وقال شيخ "تم استثمار كثير من الدبلوماسية المكوكية في هذه العملية التي أدت إلى إظهار البلدين الشقيقين تفضيلاً قوياً للحوار"، مشيراً إلى أنه تحدث مع كل من آبي أحمد والبرهان، بينما كان يتشاور مع قادة آخرين، وأدى ذلك إلى إحراز تقدم في غضون فترة قصيرة، واتفق رؤساء الدول على عقد قمة قريباً، في اجتماع استثنائي للمنظمة بكينيا.

من جهته صرح السكرتير التنفيذي للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) ورقنه غبيهو أن إثيوبيا والسودان أكدا "حرصهما على حل القضايا الخلافية والعالقة بين البلدين بالطرق السلمية والحوار". وأشار إلى أن مشكلة الحدود التي شهدت أعمال عنف متفرقة لسنوات ستتطلب مناقشات يحددها الزعيمان فقط.

الخيار السلمي

 تأتي هذه التصريحات كتأكيد للخيار السلمي لقادة البلدين في مواجهة التوترات، وتشكل قضية أراضي الفشقة ذات الخصوبة العالية بؤرة خلاف ظل لما يزيد على 60 عاماً، وظلت المنطقة ضمن حدود السودان بعد خروج المستعمر البريطاني عام 1956، وإبرامه اتفاقية الحدود لعام 1902، والتي رسمت الواقع الحدودي الحالي بين السودان وإثيوبيا، وظلت المنطقة ولسنوات عدة تعيش واقعاً متنازعاً في ظل اتفاقيات أهلية بين السكان على حدود البلدين، وتوترات واشتباكات متبادلة بين الفينة والأخرى، كما مثلت واقع تجاذبات تنافسية بين ما يعرف بعناصر الشفته على الحدود الإثيوبية-السودانية بشريط الفشقة الحدودي، وهي الجماعات المحسوبة على قومية أمهرا وقومية تيغراي المنافسة في ظل سياسات نظام الإنقاذ السابق لعهد الرئيس المخلوع عمر البشير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفشل البلدان خلال الحقب الماضية في رسم اتفاق حدودي يحقق سلاماً دائماً في المنطقة، على الرغم من التزامهما الحوار، وتشكيلهما لجاناً حدودية باشرت أعمالها على الحدود بين البلدين. وفي حين ظل خيار السلام هو السائد، لم تحقق اللجان المشتركة إنجازاً ملموساً لمشروع السلام الحدودي. وتصف بعض الأوساط السياسية عدم إكمال التزام العلامات الحدودية بين البلدين بالتباطؤ وعدم الجدية، ليعقب ذلك ظروف التحولات السياسية في البلدين وسيادة أنظمة جديدة، ومن ثم نشوء ظرف سياسي وفق قناعات جديدة.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، فرض السودان واقعاً مباشراً بعد نشر جيشه في المنطقة باعتبارها جزءاً من حدوده وسيادته. وقال البرهان في تصريحات متعاقبة إن "الفشقة أرض سودانية خالصة"، وإن "السودان ليس في حالة عداء مع إثيوبيا"، وأكد الالتزام "بحماية السودانيين في الفشقة من أي تهديدات".

حقيقة الأمور

وضمن التطورات الإيجابية بعد لقاء نيروبي والشروع نحو وضع التصورات السلمية لتجاوز الخلافات الحدودية وإحلال السلام والاستقرار، شدد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبي، تسفاي يلما، على الحاجة إلى إعادة تنشيط اللجان المشتركة بين البلدين لمواصلة الحوار وحل الخلافات على أساس الهياكل والآليات القائمة. وصرح لوكالة الأنباء الإثيوبية أن إثيوبيا والسودان لديهما لجان مشتركة عدة (لجنة حدود، ولجنة فنية، ولجنة خاصة، ولجنة وزارية) وآليات قائمة يجب إعادة تفعيلها لاستئناف الحوار بعد المناقشة بين قادة البلدين.

وقال يلما "ليس هناك حاجة إلى تشكيل هياكل جديدة، بل علينا العمل على أساس الهياكل الموجودة"، موضحاً أن قادة الدول فتحوا الطريق للحوار لحل الخلافات، وأن استخدام الهياكل والآليات القائمة أمر مهم. وأشار إلى أنه "من المهم التوصل إلى اتفاق على حقيقة الأمور، والحوار هو السبيل الوحيد".

من جهته، يقول معتصم عبد القادر الحسن مدير المركز الأفريقي للدراسات، إن مسيرة المحادثات الحدودية بين السودان وإثيوبيا قطعت في مرحلة سابقة شوطاً بعيداً في اتفاق البلدين، ولم يتبق سوى الالتزام الجدي بعلامات الحدود الفاصلة، سواء في منطقة الفشقة أو غيرها من مناطق، وإنه "ينبغي في معاودة أي نشاط تفاوضي إكمال ما تبقى، والشروع الفوري في اعتماد الحدود الدولية، وفق ما هو متعارف عليه بين دول العالم".

ويضيف "في إطار الواقع الحالي، فإن المطلوب الالتزام باتفاقيات ترسيم الحدود الدولية لعام 1902، التي تم التصديق عليها بأديس أبابا في 15 مايو (أيار) عام 1902، وصيغت باللغتين الإنجليزية والأمهرية، وهي الاتفاقيات نفسها التي ضمت إقليم بني شنقول المقام عليه سد النهضة الإثيوبي، وهي ذاتها التي تمسكت بها إثيوبيا في رسم حدودها مع دولة إريتريا بعد استقلالها".

ويرى الحسن أن "الظرف الحالي لا يتطلب رجوعاً للجان سابقة بقدر حاجته إلى صياغة سلام شامل لمناحي الحياة المشتركة بين الشعبين، في ظل إخاء سياسي يلتزم بالاتفاقيات الموقعة والقانون الدولي".

المزيد من تقارير