Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قدر بريطانيا الشجار المستمر حول "بريكست" والحروب الثقافية

لم يكن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي مجرد مسألة علاقات تجارية فحسب بل جسد انقساماً ما زال يشتد ويتفاقم

قد لا يرى ناخبو الانسحاب أي منافع اقتصادية من "بريكست" ولكن ربما يقتنعون بما يقدم باعتباره فوائدها الثقافية مثل سياسة رواندا مثلاً (رويترز)

إن كنتم تتابعون السباق على زعامة حزب المحافظين عن كثب، فلا بد إذن أن تكونوا قد تساءلتم عن موضوع أو اثنين: مثلاً، عن سبب تشبث المرشحين بالشجار في شأن "بريكست" أو قضايا "الحرب الثقافية" كما تسمى مثل حقوق المتحولين جنسياً- عوضاً عن تكلفة المعيشة أو التضخم. والموضوع متعمد تماماً.  

حاولت ليز تراس ومناصروها تقديم صورة عنها على أنها المرشح المثلي لتنفيذ "بريكست"، مع أنها صوتت لصالح خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي، في ما زعمت بيني موردونت بأنها "ستعيد تنفيذ" "بريكست". بعدها، عرض ريشي سوناك أن يلغي مجموعة من قوانين الاتحاد الأوروبي التي "أعاقت تقدم بريطانيا" على ما يبدو. وكانت كيمي بادنوخ أكثر شخص يوشك أن يقول، إن الوقت حان لكي نتخطى الموضوع، ولكن المحافظين تجاهلوها. بعبارات أخرى، ستدور المنافسة في الانتخابات المقبلة كذلك حول "بريكست".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مجرد مسألة علاقات تجارية فحسب، بل جسد انقساماً ثقافياً حقيقياً، إذ أثار فينا غضباً شديداً لأن الاتحاد الأوروبي يرمز لسلسلة من القيم الثقافية- بالنسبة لمؤيدي البقاء فيه والانسحاب منه على حد سواء- التي إما تبنوها أو نبذوها. قيم مثل مبدأ الدولية، والتعدد الثقافي والليبرالية والعولمة- التي أصبحت مرتبطة بحس الهوية لدينا.

يمكنكم تسميتها لو شئتم: الهجرة والسيادة والتعاون وحرية التنقل وغيرها، ولكنها تظل مصطلحات ترمز إلى القيم الثقافية. لا يبلغ الناس هذه الدرجة من شدة الانقسام بسبب الاتفاقات التجارية، بل يبلغونها فقط عندما يتعلق الموضوع بهويتهم. لو كان موضوع "بريكست" لا يعدو كونه قضية اقتصادية، لربح مؤيدو البقاء في الاتحاد بكل سهولة.

لم يكن "بريكست"، ولا انتخاب ترمب، حدثاً شاذاً، أو واقعة لن تتكرر أو حلماً سيئاً يمكننا تخطيه. فكلا الحدثين شكلا نقطة الذروة في انقسام متنام لم ننتبه له- وهو انقسام لا يتعلق بالمستوى الاجتماعي قدر ارتباطه بالتعليم.

لست أول من يدلي بهذا التصريح: أظهر عدد متزايد من الخبراء السياسيين بأن أكثر عامل حدد الانقسام حول "بريكست" هو تخرج الإنسان في الجامعة من عدمه. في عام 2016، شرح العالم السياسي الأميركي نايت سيلفر أن "التعليم، وليس الدخل، هو العامل الذي حدد من سيصوت لصالح ترمب". بعد أربع سنوات، أوردت صحيفة "يو أس أي توداي" أن انتخابات عام 2020 "وسعت الاستقطاب التعليمي" و"أصبحت تحدد شكل السياسة الأميركية".

لم تخلق هذه الفجوة ببساطة من العدم، بل توسعت ببطء لتصل إلى موقع الهيمنة على مجتمعنا على امتداد الأعوام الثلاثين الماضية بسبب انتشار التعليم العالي. أصبح الخريجون يتبنون مجموعة قيم ثقافية واقتصادية تختلف عن تلك التي يعتنقها غير الخريجين، وقد انفجرت هذه الفجوة على الملأ عندما حان موعد هذه الانتخابات.

صوت الخريجون بشكل كبير ضد ترمب و"بريكست"، فيما صوت غير الخريجين لصالحهما. كان التعليم المؤشر الأكبر على ميول الأفراد أو المناطق في التصويت، وكان مؤشراً أفضل بكثير من المستوى الاجتماعي أو العمر. بعبارات أخرى، ليس "بريكست" وترمب حدثاً يقع مرة واحدة بقدر ما هو صندوق مصائب باندورا الذي لا يمكن إغلاقه بسهولة.

تحتم السياسة خوض هذه المعارك مرة تلو الأخرى. فحزب المحافظين مضطر للجوء مرة جديدة إلى "بريكست" من أجل حشد ناخبيه الذين اختاروه في عام 2019. وسوف يظل حزب العمال في المقابل متهماً بمحاولة هدم "بريكست"، مهما تمادى ستارمر، ولكن "بريكست" الذي يتحدث عنه المحافظون لا يتعلق باتفاقات التجارة أو بروتوكول إيرلندا الشمالية- التي تعتبر قضايا جانبية مزعجة بالنسبة لمناصري بريكست الحقيقيين- إنما بهويتنا كأمة.

قد لا يرى ناخبو الانسحاب أي منافع اقتصادية من "بريكست"، ولكن ربما يقتنعون بما يقدم باعتباره فوائدها الثقافية- مثل سياسة رواندا مثلاً. ففي النهاية، ما يريده مناصرو "بريكست" هو المزيد من إغلاق الحدود ويريدون للجميع أن يعلموا ذلك.

ما الذي جعل حقوق المتحولين جنسياً تعلق في هذه المعركة؟ أعتقد أن المحافظين يعتبرون هذا الموضوع إشارة جديدة على العصبية الثقافية لليسار وطريقة تسمح لهم باستقطاب النسويات اللاتي ينتقدن النوع الاجتماعي إلى صفهم. وهم يعتبرونها طريقة لخلق شقاق وسط اليسار والحصول على المزيد من الأصوات. وسبق أن عرفوا رسمياً بتشددهم بسبب رفضهم منع العلاج التحويلي التصحيحي للمتحولين جنسياً.

أعتقد أن ريشي سوناك هو العقدة الوحيدة في خطة مناصري "بريكست"، إذ يركز المرشح الأوفر حظاً على الاقتصاد أكثر من قضايا الحرب الثقافية، ولهذا لا يزال غير محبوب على مستوى القاعدة الشعبية وبين كثير من نواب المحافظين.

كتب زميلي جون رينتول الأسبوع الماضي أن ريشي سوناك هو نسخة حزب المحافظين عن ديفيد ميليباند: المرشح الممل إنما الذي يركز على الاقتصاد ولا ينسجم مع حزبه عقائدياً. ولهذا السبب أظن أن قاعدة المحافظين ستضمن خسارته أمام موردونت، أو تراس أو حتى كيمي بادنوخ.

ما يريده المحافظون هو رجل "بريكست". يريدون محارباً ثقافياً (بشروطهم). وليس لأن ذلك سيساعدهم على إبقاء الناخبين في صفهم فحسب، إنما لأنهم يريدون إعادة تشكيل البلاد على صورتهم ولهذا السبب، ستستمر هذه المناظرات بمطاردة بريطانيا ورئيس الوزراء المقبل.      

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء