Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"محنة اليورو" تفاقم أوجاع تونس الاقتصادية

خبراء: ارتفاع الدولار يزيد كلفة الديون ويرفع عجز الميزان التجاري ويجعل استقرار الدينار على المحك

معظم التقارير المالية الدولية ترجح تأخر تونس عن سداد أقساط من القروض الخارجية (أ ف ب)

يتواصل تهاطل المشكلات الاقتصادية على تونس التي تعاني أزمة اقتصادية جد مركبة منذ بضع سنوات، لكنها تعمقت في العامين الأخيرين بشكل أثر في معيشة التونسيين باهتراء مقدرتهم الشرائية مع ارتفاع كبير للأسعار وتراجع لافت لقيمة الدينار التونسي.

الإشكالية الجديدة التي أطلت برأسها في الأيام الأخيرة هي الارتفاع التاريخي للدولار أمام اليورو، وما سينتج عنه من تداعيات على المعاملات الجارية للبلاد وسط تسجيل ارتفاع قياسي جديد للعجز التجاري الذي ناهز 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) خلال النصف الأول من العام الحالي.

وتراجعت قيمة اليورو في مطلع الأسبوع لتبلغ دولاراً واحداً، في مستوى لم يسجل منذ طرح العملة الموحدة للتداول قبل عشرين عاماً، في ظل المخاطر الناجمة عن قطع إمدادات الغاز الروسي على الاقتصاد الأوروبي.

مؤشرات قاتمة

يرى معز الجودي رئيس الجمعية التونسية للحوكمة أن التوازن بين اليورو والدولار سينعكس سلباً على مستوى المعاملات والمبادلات التجارية بين تونس وأوروبا، إذ إن ارتفاع سعر صرف العملة الأميركية سيكون مكلفاً لتونس لأنه سيجعل تكلفة إرجاع الدين أقوى. مشيراً إلى أن الاقتصاد الأوروبي يعيش وضعية صعبة بسبب التضخم ونقص المواد الأولية والحرب الروسية - الأوكرانية.

من جانبه أكد بسام النيفر الخبير المالي والوسيط بالبورصة التونسية، أن الارتفاع التاريخي للدولار مقابل اليورو سيكون له حتماً انعكاسات على الاقتصاد التونسي. وأول التأثيرات على مستوى المواد الأولية بما أن تونس بلد مورد لهذه المواد بالدولار الأميركي، وفي المقابل فإن كل صادرات البلاد تقريباً موجهة للاتحاد الأوروبي (الإنفاق بالدولار والمقابيض باليورو) وهو ما سيسهم في زيادة عجز الميزان التجاري التونسي.

وقال النيفر، "توريد المواد الأساسية بالدولار الأميركي سيكون له انعكاسات أيضاً على مستوى موازنة الدعم التي من المنتظر أن ترتفع أكثر في ما تبقى من سنة 2022". أما الانعكاس الثالث فسيكون على مستوى ديون تونس وسدادها في 2022 بالدولار، ما سيسهم في ارتفاع خدمة الدين أكثر مما كان متوقعاً لهذا العام بما يعمق أزمة ديون تونس، وكلها عوامل ستسهم في التضييق على هامش تحرك الحكومة في الأشهر المقبلة، لا سيما على مستوى تطلعها للخروج إلى الأسواق المالية العالمية لتعبئة الموارد لتمويل الموازنة التي ستكون حتماً بالدولار الأميركي.

وتتطلع تونس، بحسب ما جاء في موازنة هذا العام، إلى تعبئة 19 مليار دينار (6.20 مليار يورو) منها 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) من الأسواق الخارجية.

في المقابل، اعتبر بسام النيفر أن ارتفاع الدولار الأميركي مقابل اليورو سيسمح لتونس بخفض قائم الدين بما أن 59 في المئة من الديون التونسية باليورو، و9 في المئة بالين (العملة اليابانية) الذي بدوره عرف انخفاضاً كبيراً مقابل الدولار الأميركي، والدولار الذي يمثل 25 في المئة من ديون البلاد.

وبناء على هذه المعطيات خلص النيفر إلى أن حجم الدين التونسي مقارنة مع الناتج الداخلي الخام سينخفض ليسجل نسبة أقل من توقعات وكالات التصنيف العالمية وفق تقديره.

ارتدادات كبيرة

من جانبه، يرى محسن حسن، وزير التجارة التونسي السابق، أن تونس تقع تحت تأثير أزمة اليورو، وأن ارتدادات هذه الأزمة ستكون مباشرة على الاقتصاد المحلي، مشيراً إلى أن تراجع قيمة العملة الأوروبية الموحدة يرفع آلياً خدمة الدين نظراً إلى تركيبة الدين العمومي التونسي.

وأفاد أن معظم التقارير المالية الدولية ترجح تأخر تونس عن سداد أقساط من القروض الخارجية، لافتاً إلى أن الحكومة والبنك المركزي التونسي مطالبان بإحكام السياسة النقدية وتقييد واردات المواد الاستهلاكية من أجل الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار.

ووفق اعتقاده يفضي ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار بنسبة 1 في المئة إلى زيادة حجم الدين العمومي بنحو 766 مليون دينار (247 مليون دولار)، أي نحو 0.55 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما اعتبر حسن أن بلوغ عجز الميزان التجاري مستوى قياسياً بقيمة تناهز 12 مليار دينار (4 مليارات دولار) في نهاية يونيو (حزيران) من  السنة الحالية، سيرفع العجز الجاري والضغوط على ميزان المدفوعات، ما يعني مزيداً من تراجع سعر صرف الدينار وارتفاع التضخم وهبوط المقدرة الشرائية للمواطنين والقدرة التنافسية للمؤسسات والاقتصاد الوطني عموماً.

وأضاف أن أغلب واردات تونس تتم أساساً باعتماد الدولار كوسيلة للدفع، ما سيزيد من عجز الميزان التجاري على الرغم من تحسن عائدات تصدير الفوسفات والمواد المصنعة وعائدات القطاع السياحي.

وبلغت نسبة التضخم في تونس خلال الشهر الماضي مستوى 8.1 في المئة مسجلة أعلى معدل لها، وهي مرشحة للصعود أكثر في ظل تواصل التوريد وتأثيره في مستوى الأسعار الداخلية وعدم اتخاذ الحكومة إجراءات صارمة توقف ارتفاع الأسعار.

يشار إلى أن البنك المركزي التونسي رفع منذ شهرين نسبة الفائدة في خطوة منه لتطويق التضخم الآخذ في الصعود منذ مطلع العام الحالي.

بدوره اعتبر الخبير المالي آرام بالحاج أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أن ارتفاع الدولار إلى مستويات قياسية واستمرار الاضطرابات في سوق المواد الأولية بسبب الحرب في أوكرانيا مع تواصل الضبابية السياسية وعدم وضوح الرؤية المستقبلية ستكون لها تداعيات كبيرة على المالية العمومية ونتائج كارثية على الوضع الاقتصادي في تونس.

اقرأ المزيد