Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخريب لوحات أمازيغية بالمغرب... تطرف أم جهل؟

يرى مراقبون أنه على الرغم من تبديل القوانين فإنه لا يزال تغيير بعض العقليات العنصرية يتطلب أجيالاً

لوحة للفنان المغربي عثمان أومبا تعرضت للتخريب (اندبندنت عربية)

توالت أحداث تعرض جداريات ولوحات فنية للتخريب وطمس معالمها في المغرب، كان آخرها ما حصل لجدارية فنية كبيرة تتضمن وجه سيدة أمازيغية بمدينة أزرو لصاحبها الفنان الشاب رشيد العمراني.
وتثير عمليات تخريب اللوحات والجداريات الفنية خصوصاً التي تحمل وجوهاً أمازيغية، تذمراً كبيراً وسط الرأي العام المغربي، في ما لم تثبت فيه بعد مسؤولية أي شخص أو جهة وراء تخريب هذه الأعمال الفنية.
وسبق أن تعرضت لوحة للفنان الشاب عماد أعروص، مرسومة على جدار أحد شوارع مدينة الحسيمة (شمال)، للتخريب قبل بضعة أشهر، حيث تم طمس ملامح الرسم الذي يظهر سيدة بزي أمازيغي، ما أثار موجة استنكار كبيرة حينها.
وتعرضت قبل أسابيع، جدارية للفنان عثمان أومبا، بمدينة "سوق الأربعاء"، عبارة عن وجه سيدة بملامح أمازيغية، كما تم تدنيس وطمس جداريات تحمل العلم الأمازيغي بمدينة الناظور.

تخريب ملك عام

وكشف الفنان رشيد العمراني عن تعرض لوحته الفنية التي تحمل عنوان "السيدة الأمازيغية" للتخريب عبر طمس وجهها، من دون المساس بباقي أجزاء الجدارية، وهو ما يبدو أنه دفع الفنان إلى ترجيح بأن هناك "أيادي متطرفة" وراء هذا الحادث.
وكتب العمراني في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك"، أن ما حصل لجداريته الفنية "تهديد وترهيب لمدينة أزرو"، موجهاً كلامه ضمنياً إلى من اعتبرهم "متطرفين" بالقول، "من لديه عقدة من الفن يتعين عليه أن يتربى".
وأعلن الفنان الشاب أنه تقدم بشكاوى قضائية في شأن "تخريب جداريات تعتبر ملكاً عاماً للمدينة"، مردفاً أنه يمتلك "أداة الجريمة التي تركها المخرب في عين المكان، الشيء الذي يتيح فك اللغز ومعرفة الجناة الحقيقيين".

تطرف أو جهل
من جهته، عبر الباحث أبو حفص رفيقي عن استيائه حيال تلك الظاهرة فقال، إنه "من المؤسف جداً أن يقع هذا التلويث والتخريب لأعمال فنية بذل فيها أصحابها جهداً إبداعياً متميزاً".
وتابع رفيقي، أنه "يمكن تفسير وقائع طمس وتخريب أعمال ولوحات فنية بأمرين، الأول قد يكون وراءه "التطرف الديني" الذي يكن عداءً كبيراً لكل ما هو فن، أو كل ما هو تعبير عن الذوق والجمال".
وأكمل رفيقي شارحاً، إن "المتطرفين الدينيين يعتبرون رسم الوجوه بأنها محاكاة لخلق الله، ويعتبرون طمس الوجوه في ذوات الأرواح عملاً شرعياً يؤجر فاعله ويثاب عليه. وأما العامل التفسيري الثاني، فهو أن يكون وراء هذه الأفعال جهل بالفن وأهميته في حياة الشعوب، إذ يعتقد البعض خطأً أنه ترف أو ثقافة بورجوازية لا تدخل في أولويات الرجل العادي داخل المجتمع".
وشدد رفيقي على أنه "من الإشكالات التي يتعين الاشتغال عليها توعية الناس بأهمية الفن وضرورته في الحياة وقيمته في نهضة الشعوب، وبأن هذه الأعمال الفنية لا تمثل تهديداً للدين الإسلامي ولا تخالف الشرع".
ويرد الناشط الإسلامي عبد الرحيم الغزالي على التهمة الموجهة إلى "إسلاميين" بكونهم وراء تخريب وتدمير لوحات وجداريات فنية، برفض ما سماه "شيطنة هذا المكون الأساسي من مكونات المجتمع المغربي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عنصرية وكره الجمال

في المقابل، رأى الكاتب والنشاط الأمازيغي أحمد عصيد أن "هناك سببين لمثل هذه الجرائم، سبب عام وسبب خاص، فأما العام فهو كره الفن والجمال عموماً في المغرب وفي بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بسبب مشكل تربوي يعود إلى ترويج ثقافة بدوية معادية للحضارة من خلال تيارات الإسلام السياسي".
وشرح عصيد أن "هذه التيارات تلصق كل ما هو جميل بالغرب وبالانحلال الخلقي، مما جعل كل ما هو جميل يبدو ممجوجاً لدى التيار العام والذوق العام، وكل ما هو مثير للنفور يبدو شيئاً طبيعياً ومقبولاً، إلى درجة أن الناس يمرون على أكوام المزابل أمام بيوتهم ويعتبرونها عادية بينما يقفون بالمرصاد لمن يريد زرع أزهار أو ورود أو تحويل المزبلة إلى حديقة".

أما السبب الثاني، وفق عصيد، "فهو العنصرية تجاه الأمازيغية هوية ولغة وثقافة على مدى نصف قرن، فالتمييز السلبي الذي عاملت به الدولة المغربية المكون الأمازيغي أدى إلى شعور الأمازيغ بعقدة نقص من جهة، كما أدى إلى احتقار المواطنين المغاربة عموماً للغة والثقافة الأمازيغيتين".
وخلص المفكر الأمازيغي إلى أن "سبب تخريب لوحة أمازيغية هو عدم قبول اللوحات الفنية الجميلة التي تزين الفضاء العمومي من جهة، ثم من جهة ثانية، العنصرية التي ترسخت في النفوس ضد كل ما هو أمازيغي".
وزاد، "إذا كانت الدولة المغربية قد تداركت خطأها بترسيم الأمازيغية وإدراجها في العديد من قطاعات الحياة العامة، إلا أننا بحاجة إلى وقت طويل لتطهير عقول الناس من الأفكار والمواقف السلبية التي ترسخت منذ الاستقلال، ذلك أنه إذا كان تغيير القوانين يقتضي بضع سنوات، فإن تغيير العقليات يتطلب أجيالاً".

"فوبيا الأمازيغية"؟

من جهته يقول الباحث الأمازيغي لحسن أمقران بخصوص واقعة تشويه جدارية "المرأة الأمازيغية" بمدينة أزرو، إن "صاحب الفعل الشنيع قد يكون من الغلاة الذين يؤولون الدين بحسب هواهم المرضي ويعادون الفن، أو إنه ضحية من ضحايا الاستيلاب الهوياتي الذي يعاني فوبيا الأمازيغية".
ولفت الباحث إلى ما سماه "حجم الاغتراب الذي تعيشه الأمازيغية في بعض المدن الصغرى بمنطقة الأطلس المتوسط بالخصوص"، مسجلاً "محاولة الشباب التهرب والتنكر لأصولهم الأمازيغية بخاصة بعد أن حرموا من اللسان الأمازيغي لظروف موضوعية". وأضاف أمقران أن "هؤلاء الشباب أضحوا يدافعون عن هويات دخيلة ويحقدون على هويتهم الحقيقية، كما أنهم باتوا يعيشون احتقار الذات، بالتالي قد يقدمون على أفعال مماثلة لجهلهم بحقيقة الأمور، واستهلاكهم لخطابات كانت سائدة خصوصاً في سياقات لم تعد قائمة".
ودعا المتحدث ذاته الدولة إلى "تربية المواطن على الذوق السليم والمنفتح، وتنتبه إلى مثل هذه الانزلاقات التي من شأنها أن تهدد السلم الاجتماعي الذي يعتبر رأسمال البلاد".
وخلص المتحدث إلى أن "المغرب وطن يسع للجميع، ولا يمكن إلا أن يكون مغرب التعدد والتنوع، وهو ما يستدعي تجند المؤسسات الرسمية والنسيج المجتمعي وعموم المواطنين لترسيخ قيم التعايش والتسامح التي كانت، عبر التاريخ، من مميزات المجتمع المغربي".

المزيد من متابعات