توالت مبادرات وقرارات في الفترة الأخيرة تروم النهوض بالهوية واللغة الأمازيغية في شتى مناحي الحياة الإدارية والسياسية والاجتماعية والثقافية بالمغرب، في أفق تفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة الحيوية التي أقرها الدستور المغربي لغة رسمية إلى جانب العربية.
ويقول الفصل الخامس من الدستور المغربي المعدل عام 2011، "تعد الأمازيغية أيضاً لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة من دون استثناء، ويحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجالات التعليم والحياة العامة ذات الأولوية، لكي تتمكن من القيام مستقبلاً بوظيفتها بصفتها لغة رسمية".
ومنذ هذا الإقرار الدستوري برسمية اللغة الأمازيغية تتعالى أصوات نشطاء وهيئات مدنية وسياسية ومنظمات أمازيغية بضرورة تسريع عملية تفعيله في مجالات الحياة جميعها.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات وأرقام رسمية في شأن عدد السكان الأمازيغ في المغرب أو عدد الناطقين باللغة الأمازيغية، غير أن عدداً من الدراسات غير الرسمية تشير إلى أن الأمازيغ يشكلون أكثر من نصف سكان البلاد الذين يتجاوزون 34 مليون نسمة حسب آخر إحصاء يعود إلى 2014.
مطالب أمازيغية
وتطالب الحركة الأمازيغية في المغرب بمطالب رئيسة، أبرزها تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وإدماجها في الإدارات والمقررات الدراسية بشكل ينسجم مع كونها لغة رسمية بجانب لغة الضاد والنهوض بأوضاع الأمازيغيين، علاوة على إقرار رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً وعطلة رسمية.
وبخصوص المطلب الأخير المتعلق باعتماد رأس السنة الأمازيغية المسمى بـ (إيض يناير) الذي يتم الاحتفال به في 13 يناير (كانون الثاني) بالمغرب، فإن الحركة الأمازيغية تصر على طرحه منذ سنوات على الحكومات المتعاقبة من دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ بشكل رسمي.
وتطالب أحزاب سياسية وجمعيات مدنية في كل سنة عند اقتراب موعد "رأس السنة الأمازيغية" بالمغرب بإقرار رأس السنة هذه عيداً وطنياً وعطلة رسمية في البلاد بهدف "ترسيخ البعد الأمازيغي للهوية المغربية".
وسبق للمتحدث الرسمي باسم الحكومة المغربية الحالية مصطفى بايتاس أن صرح أمام وسائل الإعلام في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بأن "ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية جار على قدم وساق"، كاشفاً عن أن "الحكومة خصصت مليار درهم لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية".
ويرى مراقبون أن قرار الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، فضلاً عن تفعيل الطابع الرسمي للغة يرتبط بالسلطات العليا في البلاد، وهو ما سبق للوزير السابق مصطفى الرميد أن أشار إليه تحت قبة البرلمان.
مبادرات حكومية
تضافرت مبادرات وقرارات تسير في سياق تطوير وضع الأمازيغية في المغرب، من بينها إعلان المغرب في شهر أبريل (نيسان) الماضي دمج اللغة الأمازيغية في الإدارات العامة بالبلاد، من خلال حث الوزراء وممثلي مختلف الإدارات الحكومية على اعتماد اللغة الأمازيغية وإدراجها في مراكز الاتصال والاستقبال والتوجيه، وفي المواقع الإلكترونية الرسمية للإدارات العمومية والبلاغات والبيانات الموجهة للعموم والسيارات والناقلات التي تقدم خدمات عمومية".
وقبل ذلك، أقر مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) اعتماد الترجمة الفورية إلى اللغة الأمازيغية، كثمرة لاتفاق بين البرلمان والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بهدف إدماج الأمازيغية في أشغال مجلس المستشارين وتيسير استعمالها كلغة رسمية.
ويطرح نواب مغاربة بين الفينة والأخرى أسئلة شفوية وكتابية على وزراء الحكومة بحرف "تيفيناغ" الأمازيغي، وهو ما كان يربك سير الجلسات البرلمانية بالنظر إلى أن عدداً من الوزراء لا يفهمون الأمازيغية، مما دفع نواباً إلى الإلحاح على توفير ترجمة فورية إلى اللغتين العربية والأمازيغية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المبادرات الأخرى إحداث تطبيق إلكتروني من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (مؤسسة حكومية تعنى بالثقافة الأمازيغية) يروم الترجمة من وإلى الأمازيغية، مع استحضار تنوع روافد اللغة، كما أن هناك حركية لافتة في النشر الأدبي والفني لأعمال روائية وشعرية وتلفزيونية بالأمازيغية.
واحتفلت بعض الهيئات والمنظمات الأمازيغية بهذه الحركية اللافتة، بخاصة إقرار دمج الأمازيغية في الإدارات العمومية، واعتماد البرلمان الترجمة الفورية إليها، إذ وصف التجمع العالمي الأمازيغي (منظمة غير حكومية) القرار الأخير بكونه "تاريخياً ولو جاء متأخراً، كونه سيمهد الطريق لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في البلاد".
انتقاد وثناء
في المقابل، يعلق الباحث والكاتب الأمازيغي لحسن أمقران على هذه المبادرات المتوالية بالقول إن من السابق لأوانه الحديث عن السير في الطريق الصحيح لتسريع ترسيم اللغة الأمازيغية في المغرب، بالنظر إلى معطيات عدة، أولها الطريقة التي أفرج بها عن القانون التنظيمي والمماطلة في استصداره لأسباب ذاتية أكثر من كونها موضوعية".
واستطرد أمقران أن "هناك غموضاً يلف نيات الحكومات، ومن ذلك تقديم الأمازيغية على شكل لهجات فيما سمي بث جلسات مجلس النواب بالأمازيغية بشكل فلكلوري مهين، في الوقت الذي كانت فيه العملية فرصة للوقوف على مدى نجاح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في تهيئة لغة أمازيغية حقيقية من عدمه، وهي المؤسسة التي استفادت من إمكانات مادية وبشرية مهمة يفترض أن تحقق طموح المغاربة في مأسسة لغتهم".
وبخصوص إصدار المعهد الملكي قاموساً إلكترونياً للترجمة إلى الأمازيغية، أفاد المتحدث أنه على الرغم من مجهودات هذه المؤسسة، فإن الأمر ليس جديداً، بل مجرد رقمنة لقاموس ألّف منذ مدة ولا يختلف عن سابقيه إلا من حيث الحجم".
وفي ما يتعلق بالإنتاجات الأدبية، أثنى أمقران على كل المبدعين من الأدباء الذي يستميتون من أجل إبراز اللغة الأمازيغية على الرغم من كل الإكراهات، بدءاً بالطباعة وانتهاء بتسويق الكتب"، مشيداً بهذا الزخم من المؤلفات التي تعتبر اللغة الأمازيغية في أمس الحاجة إليه قبل الحديث عن الدراسات التمحيصية والنقد الأدبي كما هو متعارف عليه.
وخلص الباحث إلى أن "الأمازيغية مجال خصب للاستثمار المركب ثقافياً ولغوياً وهوياتياً وتاريخياً، والذي من شأنه ترسيخ الخصوصية المغربية بما تحمله من معاني التعدد والغنى التي حافظت عليها قيم التعايش والتسامح التي تميز المجتمع المغربي.