Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على قيد الحياة بعد التعرض للقصف الروسي 3 مرات: قصص نجاة أوكرانية

يوم الأحد تعرض آخر ملجأ وجدت فيه لاريسا للقصف ولكنها نجت من الموت مجدداً. تقرير للمراسلة الدولية بيل ترو من شمال سالتيفكا عن قصص نجاة استثنائية

سفيتلانا تبكي بجوار شقتها التي تعرضت للقصف في سالتيفكا (بيل ترو)

تقول لاريسا بأنها تأمل بألا يضرب البرق [القصف] مرتين [المكان نفسه]، ولكن في حالتها ضرب ثلاث مرات على الأقل، وتتحدر المرأة البالغة 60 عاماً من العمر من شمال سالتيفكا التي تعتبر إحدى الأحياء الأكثر تعرضاً للقصف في خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية والواقعة على بعد بضعة أميال من الحدود الروسية.

هربت لاريسا من منزلها في الحي الشمالي في مارس (آذار) عندما تعرض للقصف، ثم انتقلت إلى مدرسة مجاورة تعرضت هي أيضاً للقذائف في وقت لاحق.

صباح الأحد اخترق صاروخ آخر السماء كالرمح متسبباً بحفرة عرضها 15 متراً تبعد بضع خطوات عن ملجأ لاريسا الأخير الذي كان عبارة عن كوخ يملكه أحد الأقرباء في ما كان يفترض به أن يكون إحدى الضواحي السكنية الهادئة جنوب المدينة.

"نأمل باستمرار ألا تسقط القذائف في المكان نفسه مرتين"، تقول لاريسا وهي تقرع على الخشب [لإبعاد الحظ السيء] فيما يعمد عمال الإغاثة والسكان المذهولون إلى إزالة الركام خلفهم، وتقع الحفرة التي أحدثها القصف قرب بقايا المنزل المتهالكة.

تردد صدى الانفجار الذي تقول قوات الأمن إن سببه صاروخ بالستي روسي من طراز "إسكندر"، في أرجاء المدينة.

وتتابع السيدة المتقاعدة بكلمات متقطعة، "لم نسمع أي صفير ولم نحصل على أي تحذير. اهتز المنزل وارتجت الأرض وكان بوسعنا شم رائحة الدخان المتصاعد من الصاروخ، ولكن لحسن الحظ ولسبب ما لا زلنا هنا".

 

تشكل هذه القرعة المميتة [قصف يضرب خبط عشواء] الواقع اليومي لسكان خاركيف التي كانت تضم حوالى 1.5 مليون نسمة قبل اندلاع الحرب، ويشهد كل يوم قصفاً جديداً بالصواريخ والقذائف، فيما أصيب شخص واحد على الأقل جراء هذا القصف يوم الأحد. وتتزايد حدة القصف خطورة بشكل خاص شمال سالتيفكا التي تبعد بضعة أميال عن خطوط التماس.

يشار إلى أن المنطقة التي تستعيد هندستها العصر السوفياتي والمؤلفة بغالبيتها من الطبقة العاملة، بنيت في الأساس كي تؤوي العمال الصناعيين في المدينة وعائلاتهم، ووصل عدد سكان المنطقة في فترة من الفترات إلى نصف مليون شخص، واعتبرت على ما يبدو إحدى أكبر الأحياء السكنية في أوروبا، بيد أن المواقع الروسية [العسكرية] تبعد عنها حالياً بضعة أميال وحسب.

وعلى الرغم من أن لاريسا كانت قريبة للغاية من إحدى الضربات الثلاث التي طالت خاركيف صباح الأحد، إلا أنها تعتبر نفسها وزوجها يوري (68 عاماً) من المحظوظين، وهذا لأنه بوسعهما السكن من دون دفع إيجار في منزل أحد الأقارب داخل منطقة أكثر أماناً إلى حد ما من شمال سالتيفكا، ويكافح الزوجان كي يتمكنا من الاستمرار مع راتب تقاعدي بالكاد يصل إلى 2000 هريفنا أوكرانية (67 دولاراً) شهرياً، فيما تبلغ كلفة استئجار شقة بغرفة واحدة ثلاثة أضعاف هذا المبلغ شهرياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق، تضيف لاريسا "لذلك يضطر بعض الأشخاص إلى العودة لسالتيفكا لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل كلفة الإيجار وليس لديهم خيار سوى العودة".

وتشكل العودة إلى شمال سالتيفكا بحد ذاتها مشقة حقيقية، حيث تعتبر بلدة مهجورة ومدينة أشباح حقيقية تخلو من الماء والكهرباء والغاز.

واحتلت القوات الروسية مواقع في المدينة على بعد ميل (1.6 كيلومتر) من الحي لبضعة أشهر في بداية الحرب، ثم أجبرت بعدها على التراجع من خلال هجوم أوكراني مضاد نفذ بنجاح في المنطقة الشمالية الريفية لخاركيف، ولكن تكمن المشكلة في أن خاركيف وشمال سالتيفكا بخاصة تقع ضمن نطاق القذائف المدفعية، ولهذا السبب لا تزال تتعرض لوابل من القصف.

وتقول فالنتينا (74 عاماً) وهي مهندسة متقاعدة عادت لشمال سالتيفكا في مايو (أيار) عندما سمحت الهيئات العسكرية لها بذلك، "نتعرض لقصف شديد يومياً ويكون الليل مرعباً بكل ما للكلمة من معنى، إذ تحدث انفجارات مستمرة".

التقينا فالنتينا فيما كانت تنظف الركام الذي تسبب به القصف الأخير، وكانت تُسمع في الخلفية أصوات الأسلحة الرشاشة بما في ذلك القصف الصاروخي على وسط خاركيف.

وتتابع فالنتينا القول، "تكمن المشكلة في أننا كنا نسكن في قرية مع ستة أشخاص في غرفة واحدة، ومع ذلك لم نكن نتمكن من تسديد الإيجار"، وكانت كلفة إيجار غرفة واحدة 7500 هريفنا (254 دولاراً) شهرياً، أي مرتين ونصف أكثر من راتبها التقاعدي الشهري. "اضطررنا إلى العودة مجدداً ولم نستطع الاستمرار على هذا النحو".

وأخبرتنا بأن ثمانية أشخاص كانوا يعانون الفقر الشديد فلم يتمكنوا أبداً من مغادرة المنطقة، وأمضوا معظم الأشهر الخمسة الماضية في الطابق السفلي من مبناها، ومن بين هؤلاء رجل يبلغ 85 عاماً من العمر، بالكاد خرج منذ بدء الحرب. وتشرح باستهجان، "هناك حوالى 20 شخصاً يعيشون في هذا المبنى، ويعود الأشخاص رويداً رويداً لأنهم لا يملكون خياراً آخر".

يخلو حي شمال سالتيفكا من السكان بشكل مخيف، فقد تمت تغطية المتاجر بالألواح أو أقفلت أو تعرضت للقصف، فيما تظهر فجوات ضخمة في المباني السكنية وتبدو كأنها مخالب ناتئة، كما استفحلت الأعشاب الضارة فغطت الملاعب التي قصفت وتشوهت.

انفتحت المباني ولفظت موجوداتها على الطرقات الخالية، بيد أنه في وسط كل هذا الدمار التقينا أولينا (62 عاماً) التي عاد زوجها سيرهي (58 عاماً) للعيش في المنطقة، حيث وجد عملاً كسباك يحاول إصلاح مئات الأنابيب المكسورة.

حملت أولينا وعاء غسيل مليء بالأغراض الشخصية التي تمكنت من إنقاذها، ولكنها تقول إن البنى التحتية ما زالت مفقودة في المنطقة. وتضيف، "يقوم الأشخاص بالتخييم فعلياً داخل منازلهم".

وتقول سفيتلانا (50 عاماً) التي انتقلت إلى المنطقة مجدداً في مايو مع زوجها، إن غياب الماء والكهرباء والغاز مسألة تثير قلقهما قبيل حلول الأشهر الباردة. وأضافت فيما اصطحبتنا إلى شقتها المدمرة، "نشعر بالقلق من قدوم فصل الشتاء وكيف سنتمكن من التأقلم، وفي هذه اللحظة لا يمكن التنبؤ بسقوط القذائف فالأمر صعب، ولكن ماذا عسانا نفعل غير ذلك؟ لم يعد لدي عمل وكنت أعمل في محطة القطار التي تعرضت للقصف".

 

تمكنت هي وزوجها من إقناع ضابط عسكري محلي بإعادة وصل الشقة حيث يقطنان بمصدر لتوزيع الطاقة، وأصبحت شقتهما الوحيدة في المنطقة التي تملك بعض الطاقة الكهربائية، ويقع منزلهما الفعلي على بعد خطوات ولا يزال عبارة عن هيكل متفحم اللون.

تقول إن الجيش أتى لإزالة الألغام من المباني وإزالة الذخائر غير المنفجرة، بيد أن عمال الإغاثة لم يتحققوا بعد من الشقق كافة للبحث عن ضحايا من القاطنين. وتضيف، "المشكلة الأخرى تتعلق بما حصل للأشخاص المفقودين. نعرف أربعة أشخاص على الأقل من منطقتنا لم يُعثر عليهم بعد".

أحد هؤلاء الأشخاص رجل متقاعد مسن ومعوق كان يعيش في مبناها ولم يستطع الانتقال إلى الملجأ في الوقت المناسب، وتعتقد سفيتلانا بأن جثته وجثث ثلاثة أشخاص آخرين لا تزال في المبنى، أي بضعة أدوار نحو الأسفل، وتابعت بأن عمال الإغاثة لم يتمكنوا من تفتيش المباني كافة حتى الساعة.

ويعمل ابنها في إحدى المبادرات التي تحاول تحديد السكان الذين ما زالوا تحت الركام أو الذين وقعوا في أسر الجيش الروسي.

"حياتي كلها هنا"، تقول سفيتلانا فيما تنهمر الدموع من عينيها وهي تقف خارج ما تبقى من مبناها المدمر جراء القصف. "هذا منزلي، كيف عساي أغادر بهذه البساطة؟ نشعر بقلق بالغ حول قدوم الخريف والشتاء ولا نعرف ما سيكون مستقبلنا وكيف سنتمكن من النجاة".

نُشر في اندبندنت بتاريخ 11 يوليو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير