Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آل غور يكسر القاعدة لتتويج 40 عاما من النضال العنيد لأجل البيئة

أوسكار فيلم "الحقيقة المزعجة" يكشف عن استثنائية مسؤول سياسي أميركي رفيع

آل غور في مشهد من فيلم الحقيقة المزعجة" (موقع الفيلم)

يقال عادةً عن الرؤساء، وحتى عن كبار المسؤولين السياسيين الأميركيين، ولا سيما الديمقراطيين منهم، إنه ما إن يُصبحوا مسؤولين سابقين ويبتعدوا عن السلطة، حتى يتذكروا القضايا العادلة التي كانوا قد نسوها وهم في مراكزهم، لينشغلوا الآن بها بعد أن كفوا عن أن يكونوا أصحاب قرار في شأنها. ولعل المثال الأسطع هنا هو القضية الفلسطينية التي تعاني تجاهل أولئك الرؤساء وغيرهم من المسؤولين ما تعانيه وهم في السلطة، فإذا بهم يتبنونها، وأحياناً بصورة كلية، حين لا يعود في وسعهم فعل شيء من أجلها. وهذه كانت، مثلاً، حال تلك اللجنة التي شكلها "من أجل فلسطين" ثلاثة رؤساء سابقين (فورد وكارتر وكلينتون)، فلا كانت لا في العير ولا في النفير، بحسب ما قال مسؤول عربي يوماً. ومع ذلك لا شك أن حكاية نائب الرئيس الأميركي لولايتي الرئيس كلينتون آل غور، والمرشح الخاسر لاحقاً قسراً وظلما ضد جورج دبليو بوش، ونضاله ليس من أجل القضية الفلسطينية، حتى وإن كنا نعرف أنه في الحكم وخارجه قد اهتم بها أكثر من اهتمام أي مسؤول أميركي آخر، بل بالنسبة إلى قضية البيئة التي كانت ولا تزال شغل حياته الشاغل منذ ما يقرب الآن من نصف قرن، بل بدّاها على أية قضية أخرى حتى حين كان في الحكم وبالاتفاق مع الرئيس كلينتون الذي نعرف أنه اختاره كمرشح لنيابته في ولايتيه تحديداً بسبب نضاليته في سبيل البيئة، بالتالي يمكن القول إن غور يقف وحيداً لا تنطبق عليه تلك المعايير المثيرة للنقد التي افتتحنا بها هذا الكلام.

 سياسي ضد الاحتباس الحراري

والحال أننا إذا كنا نخص آل غور بالحديث هنا في زاوية مكرسة عادة للإنتاجات الإبداعية وأهلها، فما هذا إلا لأنه بالتحديد ساهم، ومن موقعه المميز كمناضل في سبيل البيئة وضد الاحتباس الحراري والجرائم التي ترتكب ضد الطبيعة، عبر عدة أعمال إبداعية من أبرزها فيلمان وكتاب، ناهيك بالمحاضرات والعروض التي لا يتوقف عن تقديمها، وذلك منذ عام 1976 حين لم يكن أحد يعرفه، وكان لا يزال في بداياته السياسية عضواً في الكونغرس وفي طريقه إلى البيت الأبيض. ولعل الأبرز في هذه النتاجات البيئية فيلم "الحقيقة المزعجة" الذي شارك فيه في عام 2007 وفاز الفيلم بأوسكار أفضل فيلم وثائقي كما دار في المهرجانات العالمية وتحدثت عنه الصحف بوفرة ما مكن قضية البيئة من أن تعود إلى الواجهة بعد أن كانت أحداث بدايات القرن الإرهابية والسياسية قد أبعدتها عنها. والفيلم الذي يبلغ زمن عرضه ما يزيد على الساعة ونصف الساعة أتى عملاً وثائقياً يدور بالتحديد حول الجولات التي اعتاد آل غور القيام بها من مدينة إلى أخرى في الجامعات والنوادي وحتى في الكنائس عارضاً أفكاره قارعاً نواقيس الخطر ضد ما يقترفه الناس أفراداً وجماعات وحكومات ضد البيئة والطبيعة. وهو الفيلم الذي سيعود ويعرض بكثافة في تلك الآونة التي انسحب فيها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الجهود العالمية لحماية البيئة والكون، وهي جهود أبرزت يومها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوصفه النقيض التام لشاغل البيت الأبيض حينها، كما جعلته يبدو على صورة الحليف الموضوعي لآل غور ونضالاته وجهوده.

نضالات متواصلة

وطبعاً نعرف أن نضالات وجهود آل غور بدأت قبل الفيلم بعقود، ولا تزال تتواصل بعد الفيلم، كما تواصلت بعد فيلم أول سبقه، وأعمال أخرى تلته في الموضوع نفسه، كما بالتزامن مع كتاب حول الموضوع ذاته أصدره آل غور ليدافع عن جهوده والطبيعة ضد منتقديه والمسيئين إلى هذه الأخيرة. ومع ذلك، يمكن القول إن فيلم "الحقيقة المزعجة" كان له وقع مختلف تماماً، حيث إن فوزه بالأوسكار وعروضه المهرجانية، إذ أتت في وقت ثار فيه الضجيح أولاً من حول تلكؤ السلطات الأميركية، ومن ثم من حول انسحاب الرئيس ترمب كلياً من قضية البيئة، أدت إلى إضفاء شعبية عليه تجاوزت نخبويته المبدئية، ناهيك بأن الفيلم نفسه حقق بجماليات ولغة سينمائية مميزة. ولقد كان الفيلم من إخراج دايفيز غوغنهايم الذي بدا منذ اللقطات الأولى وحتى ختام الفيلم متبنياً تماماً لمواقف آل غور، ولا سيما خلال المشاهد العديدة التي راح فيها الفيلم يطرح على نائب الرئيس السابق أسئلة كان يتعمد أحياناً أن تكون شائكة، بل حتى محرجة. ولقد أتاح هذا لغور أن يوضح مواقفه بلغة بسيطة تصل إلى الجمهور العريض بشكل أضفى على القضية البيئية مسحة شعبية مدهشة. ولعل أبرز ما أتى "تجديديا" هنا هو محاولة المتحدث في سياق الفيلم، وبين مشاهد عديدة تصور محاضراته وشروحه العلمية "النخبوية"، أن يتحدث ليس فقط عن المسؤوليات السياسية والجماعية ومسؤولية الصناعيين والتجار عما يحل بكوكبنا، بل كذلك وبشكل خاص، عن مسؤولية الأفراد كل الأفراد الذين أتى غور ليخبرهم عن تصرفات يقومون بها "في حياتهم اليومية"، وغالباً من دون أن يدركوا مغبة ذلك، تسهم، وربما أكثر من المصانع والحلقات السياسية، في تدمير البيئة والحياة الطبيعية والبحار والنباتات والحيوانات.

تجاوب مع اللغة البسيطة

وفي هذا السياق، بدا لافتاً كم أن المتفرجين قد تجاوبوا مع الفيلم ومتحدثه الرئيس (غور) حين راح يسهب في الحديث عن تفاصيل من الحياة اليومية تتعلق بواحدة من "الآفات الكبرى" التي تدمر البيئة، أي زيادة نشر انبعاثات الـCO2، في الجو. فتبين للمتفرجين أن المسألة هنا ليست مجرد قضية سياسية، بل بالأحرى وكما أفادهم فيلم آل غور، مسألة سلوك يومي: بدءاً من ضرورة استبدال المصابيح الكهربائية العادية بأخرى أقل استهلاكاً للطاقة، مروراً مثلاً بإبقاء سياراتهم نزيلة المرائب والاستعاضة عنها في الأحوال العادية بالدراجات الهوائية ووسائط النقل العام، والعمل أكثر وأكثر على إعادة تحوير النفايات والمواد البلاستيكية، والتحقق من انتفاخ عجلات سياراتهم بشكل متواصل، مروراً بتخفيف استهلاك المياه الساخنة وإطفاء الأدوات الكهربائية المنزلية في حال عدم الحاجة إليها، وما إلى ذلك. في البداية، بدا الأمر أقرب إلى المزاح والكلام البديهي، لكن أسلوب الفيلم، وطريقة آل غور في شرح أفكاره وتبسيطها بلغة عادية تصل إلى القلوب وبفضل ما كشف عنه الفيلم من تمتعه بكاريزما لافتة، كل هذا جعل من "الحقيقة المزعجة" عملاً فنياً ونضالياً استثنائياً وعلامة على الكيفية التي يمكن بها للإنسان أن يناضل مخاطباً إخوته في البشرية بلغة يفهمونها. ويقول الأمور الأكثر خطورة بالإبداعات الأكثر بساطة. ولعل ما يمكن التوقف عنده هنا هو أن السنوات التي شهدت عروض هذا الفيلم وتلت تلك العروض، كانت السنوات التي حقق فيها المرشحون البيئيون في أوروبا، ولكن خاصة في فرنسا وألمانيا وبلدان الشمال الأوروبي، أكبر نجاحات انتخابية لهم في تاريخهم النضالي الطويل. صحيح أنه ليس من المنطقي القول هنا إن فيلم "الحقيقة المزعجة" هو الذي فعل ذلك كله، لكن مساهمته فيه كانت لافتة، وبخاصة أن الفيلم اعتبر نموذجاً لسينما يمكنها أن تكون شيقة مفيدة وغير ثرثارة في الوقت نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هزيمة تشبه الفوز وأكثر

ولا شك أن آل غور لعب دوراً أساسياً في تلك الحكاية كلها هو الذي لا بد من القول إنه تميز عن غيره من الرؤساء والمسؤولين الأميركيين وغير الأميركيين بمواصلته وهو في السلطة نضالات كان قد انطلق فيها قبل وصوله إلى مركزه، ثم ما إن بارحه حتى عاد إلى مواقفه وحراكه بكل قناعة. والحقيقة أن ما ضاعف من الاهتمام الشعبي المحلي والعالمي بآل غور و"قضيته" هو أن الرجل كان في انتخابات عام 2000 حين كان مرشحاً ديمقراطياً للرئاسة الأميركية ضد جورج دبليو بوش، فاز أول الأمر بالفعل فوزاً لا لبس فيه، لكن المحكمة العليا التي كانت تحت سيطرة خصومه الجمهوريين "حكمت عليه" بالسقوط بخمسة أصوات مقابل أربعة في سابقة ندر ما يشبهها في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية!

المزيد من ثقافة