Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجة التشديد الكمي تغرق الأسواق في سيل من الغموض

توقعات بانكماش الموازنات العمومية للبنوك المركزية الأكثر تضرراً بنحو 4 تريليونات دولار مع نهاية 2023

البنوك المركزية تطبق سياسة "التشديد الكمي" لتقليل السيولة النقدية في الاقتصاد (رويترز)

لم يكن يونيو (حزيران) شهراً رائعاً للعمل كمدير لأحد صناديق الأسهم والسندات، إذ تراجعت الأسهم العالمية 8.8 في المئة، وهو ثاني أكبر انخفاض خلال عقد.

وفي غضون ذلك تتجه السندات نحو أسوأ عام منذ 1865، وجاءت هذه الضربات من اتجاهات عدة، أولاً الصعود السريع لأسعار الفائدة ثم تزايد المخاوف من حدوث ركود بالولايات المتحدة، لكن بعض المستثمرين يقولون إن "هناك عاملاً آخر كان يلعب دوره أيضاً، فقد أزال أقوى بنك مركزي في العالم شبكة الأمان الخاصة به". 

ومنذ العام 2008 أدرك مديرو صناديق الأسهم والسندات أن الاحتياط الفيدرالي الأميركي يشتري الديون كجزء من برنامجه للدعم الاقتصادي الذي بدأ بعد الأزمة المالية، وعندما ضربت جائحة كورونا دعم بنك الاحتياط الفيدرالي، في ما يُعرَف بخطة "التيسير الكمي"، لإنقاذ الأسواق من حافة الكارثة، وساعد ذلك في تغذية اندفاع ضخم في كل شيء من السندات الحكومية إلى العملات المشفرة. 

والتشديد الكمي (QT) أداة سياسة نقدية انكماشية تطبقها البنوك المركزية لتقليل كمية السيولة أو المعروض النقدي في الاقتصاد، وينفذ البنك المركزي تشديداً كمياً من طريق تقليل الأصول المالية التي يحتفظ بها في موازنته العمومية من طريق بيعها في الأسواق المالية، مما يؤدي إلى خفض أسعار الأصول ورفع أسعار الفائدة.

وهو عكس التيسير الكمي أو (QE)، إذ يطبع البنك المركزي النقود ويستخدمها لشراء الأصول من أجل رفع أسعار الأصول وتحفيز الاقتصاد، ونادراً ما تستخدم البنوك المركزية التشديد الكمي. 

واليوم وعلى الرغم من ارتفاع التضخم أُرغم صناع السياسة على رفع أسعار الفائدة بقوة، وفي المقابل دفعهم ذلك إلى تقليص مخزونهم الهائل من الأصول، وهي العملية التي بدأها بنك الاحتياط الفيدرالي أوائل الشهر الماضي جنباً إلى جنب مع بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي، ويخطط بنك الاحتياط الفيدرالي أولاً للتوقف عن إعادة استثمار الأصول الناضجة، ويعتقد بعض الاقتصاديين أنهم قد يبيعون في النهاية بعضاً مما لديهم في دفاترهم.

وأخيراً ستنكمش الموازنات العمومية للبنوك المركزية الأكثر تضرراً بنحو 4 تريليونات دولار بحلول نهاية العام المقبل، وفقاً لتقديرات "مورغان ستانلي"، والانعكاس جار الآن، ففي الأسبوع الماضي فقط تقلصت الموازنات العمومية للبنوك المركزية بنحو 20 مليار دولار، في حين يقول المستثمرون إنها بدأت تتأذى بالفعل. 

السيولة والبنوك المركزية

يقول غولهام سافري الذي يعمل بالحلول متعددة الأصول في شركة" يونيجيستشن" السويسرية لإدارة الأصول لــ "فايننشال تايمز"، إن "السيولة مدفوعة بالبنوك المركزية، فعلى مدى السنوات الـ 10 الماضية كانت هناك سيولة كبيرة في الولايات المتحدة وفي كل مكان آخر، والآن يعرف المستثمرون أنها انتهت".

ونتيجة لذلك أصبح إنجاز الصفقات أكثر صعوبة كما يقول سافري، وعانت استراتيجيات التداول من المضاربة.

ويشير سافري إلى أنه ليست لديه فكرة واضحة عن كيفية تأثير التشديد الكمي، وهو الاسم المثير لعملية خفض الموازنة العمومية على الأسواق، قائلاً، "لم نر التأثير الكامل بعد ولا نعرف التفاصيل الكاملة، لكننا نعرف الاتجاه وهو سلبي".

أفضل وأسوأ الأوقات 

بدأ عصر شراء الأصول من البنوك المركزية عام 2001 عندما وضع بنك اليابان تلك السياسة في محاولة لتحفيز الاقتصاد الضعيف بالبلاد، بينما كانت أسعار الفائدة القياسية قريبة بالفعل من الصفر. 

ومن أطراف مجموعة أدوات السياسة النقدية انتقلت الممارسة إلى الاتجاه السائد عام 2008 عندما أنشأ بنك الاحتياط الفيدرالي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي في ما بعد برامج شراء السندات الخاصة بها، استجابة إلى الأزمة التي اجتاحت النظام المالي العالمي، ومن خلال عمليات الشراء واسعة النطاق للأوراق المالية الحكومية ساعدت البنوك المركزية في زيادة كمية الاحتياطات المتدفقة حول النظام المالي، وكان الهدف هو تشجيع البنوك على زيادة إقراضها للأسر والشركات إلى درجة من شأنها أن تشجع الإنفاق والاستثمارات والأنشطة الأخرى للمساعدة في تحفيز النمو. 

ولطالما كان بعض الاقتصاديين غير مرتاحين من "التيسير الكمي" لعدة أسباب، بما في ذلك القلق من أنه قد يؤدي إلى أن يكون للبنوك المركزية بصمة كبيرة في الأسواق المالية، مما قد يؤدي إلى تشويه عملية تسعير الأصول، 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن شدة التأثير الاقتصادي لتفشي جائحة كورونا عام 2020 طغت على أي مخاوف، وبدأ بنك الاحتياط الفيدرالي عمليات شراء غير محدودة لسندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري للوكالة، كما غامر بالدخول في التسهيلات التي مكنت من شراء سندات الشركات والديون البلدية للمرة الأولى. 

وتقول نائب رئيس الاستثمار في مجموعة "توبام" الفرنسية لإدارة الأصول تاتجانا بوهان، إن "الزيادة في حجم ونطاق التيسير الكمي عام 2020 مقارنة بعام 2008 كانت جنونية تماماً"، فعلى مدى عامين اقتطع بنك الاحتياط الفيدرالي نحو 3.3 تريليون دولار من السندات الحكومية الأميركية و1.3 تريليون دولار من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري للوكالات، واعتباراً من مارس (آذار) الماضي ترك ذلك للبنك المركزي الأميركي امتلاك ربع جميع ديون الخزانة المستحقة، وثلث وكالة "أم بي إس" التي تعتبر واحدة من ثلاث وكالات شبه حكومية، وهي الرابطة الوطنية للرهن العقاري والجمعية الفيدرالية الوطنية للرهن العقاري والمؤسسة الفيدرالية لقروض الرهن العقاري فريدي ماك. 

ويمتلك كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا ما يقرب من 40 في المئة من السندات الحكومية، في حين أن بنك اليابان المركزي الفريد من نوعه في عدم وجود نية لوقف مشترياته، يمتلك بالفعل ما يقرب من نصف ديون طوكيو الحكومية المستحقة.

وإضافة إلى توسيع القاعدة النقدية فإن عمليات شراء الأصول الرسمية تؤدي أيضاً إلى إزاحة المستثمرين التجاريين عن الأصول الأكثر أماناً في العالم، وتجبرهم على دعم الأجزاء الأكثر خطورة من الاقتصاد التي قد تواجه صعوبات بخلاف ذلك.

إعادة كتابة القواعد للمستثمرين

لكن أكثر من عقد من التيسير الكمي العالمي أعاد كتابة القواعد للمستثمرين من جميع الأنواع، بينما ساعدت البنوك المركزية في تعزيز أسعار السندات وسحق عوائدها إلى الصفر، أو حتى أقل من ذلك، كما تم دفع مديري الصناديق بشكل فعال إلى تحمل أخطار أكبر من أي وقت مضى لتحقيق العوائد التي توقعها مستثمروهم النهائيون. 

ويقول كبير محللي الاستثمار في "بلو باي" لإدارة الأصول في لندن ديفيد رايلي، "لقد كانت أفضل الأوقات وأسوأ الأوقات لمديري الصناديق".

وأضاف، "في الائتمان كان لديك فقط بحث دؤوب عن العائد ويمكنك إلقاء نظرة على سندات شركة وشرائها، لأن البنك المركزي الأوروبي كان على وشك شرائها". 

ويقول استراتيجي الاستثمار العالمي في "أم إف أس" روب ألميدا إن "هذا قلل من قدرة عدد من المستثمرين على تقويم ما تستحقه الأسهم والسندات حقاً، وأحد أغراض الأسواق المالية هو تسعير الأخطار، فنحن نخصص الموارد وفقاً لذلك لكننا لم نعد نقوم بتسعير الأخطار بعد الآن".

منطقة غير مدونة على الخريطة

لقد أدرك المستثمرون أن عملية الانفصال بدأت منذ أشهر، ويشير النصف الأول الكئيب من العام بالنسبة إلى معظم مناطق الأسواق المالية إلى أن بعض التأثير على الأقل قد تم تحقيقه بالفعل في أسعار الأصول، لكن عملية الخراب التي أجراها عدد من البنوك المركزية الرئيسة في الوقت نفسه لم يتم اختبارها بجدية من قبل، إذ أجرى بنك الاحتياط الفيدرالي بروفة لـ "التشديد الكمي" بداية من عام 2017 مما أدى إلى تقليص موازناته العمومية تدريجياً، ثم قالت رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي جانيت يلين إنه سيكون متوقعاً جداً لدرجة أنه سيكون مثل "مشاهدة الطلاء يجف". 

في الواقع، انتهى الأمر بالتخلي عنها بعد سبتمبر (أيلول) 2019 عندما ارتفعت الأسعار في النظام المالي وارتفعت كلف الاقتراض بين عشية وضحاها في شكل كبير، وهذه المرة لا أحد يعرف حقاً كيف ستعمل ولا حتى الاحتياط الفيدرالي نفسه، وتؤكد كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة "راسل" للاستثمارات كيت الحلو أنها أمضت "وقتاً مع أشخاص أكثر ذكاء مني في هذا الأمر، في محاولة لتحديد ما إذا كان تدفق مشتريات الأصول مهماً للغاية أو إجمال رصيد موازنة الاحتياط الفيدرالي، وما قد يعنيه ذلك كله بالنسبة إلى معدل وصول السندات الحكومية الجديدة إلى السوق". وتضيف، "هي ليست قريبة من اليقين وليست لدي قراءة جيدة حول كيفية سير الأمور".

إن الجهود المبذولة لتحديد كيفية تأثير التشديد الكمي بالضبط في الأسواق المالية معقدة بسبب عوامل عدة من بينها خطط بنك الاحتياط الفيدرالي لتقليص موازنته العمومية في شكل أكثر شراسة من محاولة العام 2017، إذ يهدف بحلول سبتمبر المقبل إلى زيادة وتيرة تقليص محفظته لسرعة قصوى تبلغ 95 مليار دولار شهرياً، مقسمة بين 60 مليار دولار من سندات الخزانة و35 مليار دولار لوكالة "أم بي إس"، وهذا ضعف الوتيرة التي استهدفها بنك الاحتياط الفيدرالي خلال تجربته التي استمرت عامين وبدأت العام 2017 بعد الأزمة المالية العالمية، وسيصل البنك المركزي إلى معدله الأقصى بشكل أسرع بكثير من المرة السابقة، فيما ستستخدم سندات الخزانة التي تستحق في عام واحد أو أقل للملء، بمعنى أن الاحتياط الفيدرالي سيستبعد حيازاته من الديون قصيرة الأجل عندما يكون مبلغ السندات طويلة الأجل المستحقة أقل من الحد الأقصى الشهري. 

وما هو غير واضح اليوم هو ما سيفعله بنك الاحتياط الفيدرالي في شأن ممتلكاته من وكالة "إم بي إس"، وما إذا كان البنك المركزي سيصبح بائعاً مباشراً، كما لمّح عدد من كبار المسؤولين إلى أنه قد يكون ضرورياً، وستكون هذه خطوة غير مسبوقة تثير مخاوف في شأن قدرة الأسواق على استيعاب الديون الجديدة التي تم إطلاقها في السوق.  ومن غير الواضح أيضاً مدى فاعلية أداة السياسة النقدية للتشديد الكمي في الواقع، إذ أكد رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي جيروم باول هذه النقطة أخيراً، مشدداً على "عدم اليقين الذي يكذب أي تقدير حول تأثيرها المحتمل".

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة