Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إضراب نسائي فلسطيني عام ينادي "المجتمع يقتلنا والقوانين لا تنصفنا"

الحكومة الإسرائيلية خصصت 750 مليون دولار في الأعوام الخمسة المقبلة لمحاربة الجريمة المتفشية في البلدات العربية

"الإضراب النسائي العام في العالم العربي هو أقل ما يمكننا فعله في وجه الموجة المتصاعدة من القتل والعنجهية" (اندبندنت عربية)

يوم السابع من يونيو (حزيران) الماضي هز انفجار كبير مدينة شفا عمرو العربية داخل إسرائيل، ظن البعض أنها مناورة عسكرية عند الحدود، بينما اعتقد البعض الآخر أنها محاكاة لتدريب ما، ليتبين لاحقاً أنه صوت انفجار عبوة ناسفة وضعت أسفل مركبة الناشطة النسائية الفلسطينية جوهرة خنفيس (28 سنة) وأدت إلى مقتلها.

جرائم متصاعدة

وقع الجريمة على المجتمع العربي كان صادماً ومفجعاً، ليس فقط لأن خنفيس كانت ناشطة فاعلة تعمل بجهد على توعية النساء العربيات ضد العنف وتؤسس مرحلة جديدة لحمايتهن، بل لأن العبوات الناسفة التي تعمل من بعد باتت أسلوباً للجريمة المنظمة داخل إسرائيل، وبمثابة قفزة نوعية، أو تحول أكثر تقنية ودموية، فمنذ شهر مارس (آذار) العام الماضي، وحتى نهاية مارس 2022، قتل بتفجير عبوات ناسفة نحو ثمانية أشخاص عرب بينهم سيدتان، وبلغ عدد ضحايا جرائم القتل في البلدات العربية منذ مطلع العام الحالي 48 قتيلاً بينهم 14 خلال شهر يونيو الماضي، في حصيلة لا تشمل مدينة القدس ومنطقة الجولان .

وضاح خنيفس والد جوهرة يقول، "تفشي الجريمة بهذه الخطورة مسؤولية الجميع، نعم الشرطة والحكومة ومؤسسات الدولة مسؤولة عن هذه الظاهرة، ولكن القتلة للأسف هم من مجتمعنا، أين دورنا كمجتمع، ولماذا لا نأخذ المسؤولية على أنفسنا؟".

مقتل الشابة العشرينية جاء وسط ارتفاع ملحوظ في حوادث العنف المميتة بخاصة ضد النساء، ويمثل تصاعداً خطيراً في أعمال الجريمة، على الرغم من الوجود المكثف لقوات الشرطة التي عززت نشر عناصرها وفتح محطات شرطية في البلدات العربية، حيث شهدت، العام الماضي، مقتل 16 امرأة في جرائم مختلفة بالمجتمع العربي داخل إسرائيل، في حين سجل العام الحالي حتى اليوم مقتل ست نساء، ووفقاً لجمعية "نساء ضد العنف" في الناصرة، فإن 83 في المئة من ملفات جرائم العنف ضد النساء أقفلت من دون بذل الجهود المطلوبة من أجل معاقبة المجرمين، وأن 30 في المئة من النساء اللاتي يطلبن اللجوء إلى ملاجئ للنساء المعنفات في إسرائيل هن عربيات، ونوهت الجمعية بأن "هذه النسبة قد لا تعكس مدى العنف الحقيقي في المجتمع العربي، لأن العديد من النساء لا يتوجهن للسلطات."

وأشارت البيانات الصادرة من "شبكة النساء الإسرائيلية"، وهي مجموعة مناصرة لحقوق المرأة، إلى أن نحو 20 امرأة في المتوسط تقتل كل عام بسبب جنسها، وأكثر من نصفهن يعرفن شخصياً قاتلهن، وتقع أكثر من 200 ألف امرأة ضحية للعنف في إسرائيل كل عام، لكن ربعهن فقط يبلغن السلطات بتجربتهن، بحسب المنظمة.

ووفقاً لباحثين في "المرصد الإسرائيلي لقتل النساء" في الجامعة العبرية، كان شهر يونيو الأكثر دموية هذا العام حتى الآن في ما يتعلق بقتل النساء، ووجدت دراسة أجراها المركز في النصف الأول من عام 2022 زيادة بنسبة 71 في المئة في جرائم القتل مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذكر تقرير للمركز صدر في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه كانت هناك 16 حالة قتلت فيها نساء في إسرائيل على يد قريب أو شريك خلال عام 2021، وكانت هناك 21 حالة في 2020، كما أظهرت الأبحاث أن النساء العربيات شكلن غالبية ضحايا استعمال الأسلحة النارية، بالذات بعد عام 2007، وذلك بحسب معطيات وردت في تقرير لمراقب الدولة في إسرائيل.

إضراب عابر للحدود

جمعية "فلسطينيات ضد العنف" "فضا"، وهي ائتلاف نسوي مناهض للعنف ضد المرأة، يضم 21 مؤسسة نسوية فلسطينية حقوقية، تعمل في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وأراضي 48، أعلن، بدوره، البدء في إضراب نسائي عام، وشن حملة منظمة ومكثفة لمناهضة العنف ضد المرأة تحت شعار "تضامن عابر للحدود"، وذلك احتجاجاً على الموجة المتصاعدة من القتل والعنجهية ضد النساء في العالم العربي، وتم التنسيق بين الجمعيات الفلسطينية لتنظيم ثلاث وقفات احتجاجية في حيفا ورام لله وغزة مع رفع شعارات، ونشر وسم "أوقفوا جرائم قتل النساء"، تطالب المجتمع الفلسطيني بتحمل مسؤولياته "تجاه العنف القاتل بحق النساء، الذي يمر ويزيد من دون رادع" حسب الجمعية.

وقالت "فضا"، في بيان، إن "الإضراب النسائي العام في العالم العربي هو أقل ما يمكننا فعله في وجه الموجة المتصاعدة من القتل والعنجهية، التي لا يقابلها رد حازم من السلطات أو الشعب، إذ أضحى قتلنا في البيوت والأماكن العامة خبراً عابراً، يعلق عليه البعض بالأسف والتعاطف مع الضحية، فيما ينشغل البعض الآخر في التبرير للمجرمين وإلقاء اللوم على الضحايا". أضافت، "الجرائم أكثر عدداً وبشاعة مما يصلنا من أخبار. الكثيرات يختفين ولا يسأل عنهن أحد، والكثيرات لا يصلن الإعلام لأسباب مختلفة، لأن لهذا العنف جذوراً راسخة في العقلية الذكورية السائدة، ولا بد من استئصالها ومواجهة الثقافة والقوى التي ترويها، ويأتي هذا الإضراب صرخة ليقول بصوت ملايين العربيات إننا نأبى أن نبقى صامتات في انتظار دورنا، نحن أكثر وأقوى من أن نصفى الواحدة تلو الأخرى".

مركزة ائتلاف "فضا" ليان دريني تقول، "كثيرات من النساء يُقتلن بصمت ولا يعلم أحد بهن، لهذا فإن الإضراب جاء ليرفع صوتنا للمطالبة بمعاقبة القاتل قضائياً من خلال محاكمته، واجتماعياً من خلال مقاطعته، والإضراب النسائي العام في العالم العربي يجب أن يؤكد وحدة صوت ونضال المرأة العربية لرفض العنف ضدها ولإعلاء صوت الحق لكل إنسان بالعيش حياة كريمة، من دون النظر إلى الحدود والاعتبارات السياسية وغيرها من الانقسامات". أضافت، "نحن نعيش في منظومة مجتمع ذكوري وأخرى قانونية غير منصفة، وهاتان تمنحان القاتل الشعور بالأحقية للقتل والعنف، بالتالي علينا تحمل مسؤولية مجتمعية والوقوف ضده."

اتهامات للشرطة

والأسبوع الماضي، تظاهر العشرات احتجاجاً على العنف ضد النساء أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، وجاءت التظاهرة بعد مقتل أربع نساء في غضون سبعة أيام، وحمل المتظاهرون لافتات تحمل صور نساء قتلن خلال السنوات القليلة الماضية، وألقى مواطنو إسرائيل العرب باللائمة والغضب على الشرطة الإسرائيلية، التي يقولون إنها لم تنجح في قمع منظمات الجريمة وتتجاهل إلى حد كبير العنف، الذي يشمل نزاعات عائلية وحروب العصابات والعنف المتصاعد ضد النساء، لا سيما في الحالات المعروفة للسلطات.

وأفاد تقرير صادر من "مركز طاوب لدراسة السياسة الاجتماعية في إسرائيل" بأن قرابة 80 في المئة من جرائم القتل التي وقعت في إسرائيل، في العامين 2020 – 2021، كانت في المجتمع العربي، الذي يشكل 21 في المئة من السكان (يشمل القدس)، وبأن قسماً من أسباب استفحال العنف والجريمة في المجتمع العربي يكمن في نسبة الشبان بين سن 18 و22 سنة، الذين يعانون البطالة ولا يتوجهون إلى التعليم العالي.

ووفقاً لأبحاث الكنيست الإسرائيلي، يتم تداول نحو 400000 قطعة سلاح غير قانونية في إسرائيل، الغالبية العظمى منها في البلدات العربية، فيما أشارت منظمة "مبادرات إبراهيم"، التي ترصد العنف في الوسط العربي، إلى "أنه في عام 2021 قتل 125 عربياً، وهو رقم قياسي، نتيجة للعنف والجريمة"، واقترفت معظم الجرائم باستخدام السلاح الناري، وأخرى بالاعتداء والطعن بالسكاكين والآلات الحادة، والدهس، وتفجير عبوات ناسفة وغيرها من الوسائل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت جمعية "كيان" (تنظيم نسوي)، توجهت للشرطة الإسرائيلية في وقت سابق، مطالبة إياها بكشف معلومات عن 58 امرأة كن قد قتلن ما بين الأعوام 2015-2020، لكن الشرطة، حسب الجمعية، رفضت تزويدها بمعظم المعلومات المطلوبة، وبعد تقديم التماس إداري للمحكمة المركزية بالقدس، كشفت الشرطة عن أنه بين الأعوام 2015-2020، قتلت 73 امرأة عربية، فيما بينت المعطيات بأن "أكثر من ثلث النساء اللاتي قتلن بين الأعوام 2015-2018 كن قد تقدمن بشكوى للشرطة عن تعرضهن للعنف قبل أن يقتلن. ولوحظت زيادة في عدد الشكاوى المقدمة للشرطة، إذ وصلت نسبتها بين الضحايا عام 2019 إلى 50 في المئة، وإلى 60 في المئة في عام 2021". وأشارت الجمعية في بيان إلى "ازدياد أعداد الشكاوى المقدمة للشرطة التي لم تنقذ النساء من القتل، بل أبرزت فشل قدرة الشرطة على حمايتهن".

أولوية قصوى

من جانبه، أكد نائب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي يوآف سيغالوفيتش أن هناك تراجعاً في حوادث إطلاق النار داخل الوسط العربي، مشيراً إلى أن الحكومة وقوات الأمن تعمل بجهد على "محاربة ومصادرة الأسلحة غير القانونية"، وحسب سيغالوفيتش، شهدت الأشهر الخمسة الأخيرة في المجتمع العربي 42 جريمة قتل، مقارنة بـ56 في الفترة نفسها العام الماضي. وقال أمام لجنة الأمن الداخلي في الكنيست، "في إطار الجهود لكبح جماح العنف في الوسط العربي، قامت السلطات والشرطة بجمع قائمة تضم 631 مشتبهاً في قيامهم بنشاط إجرامي، تم اعتقال 166 شخصاً من بينهم، وتوجيه لوائح اتهام ضد 144". وقال إنه كان هناك ارتفاع في مصادرة الأسلحة غير القانونية في البلدات العربية، "على المجرمين أن يدركوا أن قواعد اللعبة تغيرت. هذه مهمة اجتماعية ذات أولوية قصوى. انتهت المناقشات، وننتقل الآن إلى العمل."

وكشفت الشرطة الإسرائيلية، نهاية العام الماضي، النقاب عن وحدة سرية جديدة مكلفة معالجة جرائم العنف في المجتمع العربي الإسرائيلي، وستتألف "وحدة سيناء" من 45 ضابطاً سرياً، سيستهدفون، حسب مسؤولين، النقاط الساخنة والجريمة المنظمة في المجتمعات العربية في جميع أنحاء إسرائيل.

رئيس الشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي كان قد ضغط من أجل تجنيد جهاز الأمن العام "الشاباك" في محاولة لمكافحة الجريمة في المجتمعات العربية الإسرائيلية، لكنه تلقى معارضة من المدعي العام وكذلك "الشاباك" نفسه، الذي قال إن "مثل هذه المهمة ليست ضمن صلاحياته"، فيما تم تخصيص محققين إضافيين في جرائم القتل للمناطق الساحلية والشمالية للتحقيق في جرائم القتل، كما أعلنت الشرطة أنه سيتم توفير دعم تكنولوجي إضافي للمحققين.

بدوره، قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف إن "جرائم القتل الأخيرة هي ضربة خطيرة لجهودنا ضد الجريمة، معركتنا ضد الجريمة في الشارع العربي صحيحة، وقد أثبتت نفسها في العام الماضي، لكنها أيضاً طويلة ومعقدة وصعبة، لذلك نحن مصممون على مواصلة المعركة ضد المجرمين بيد قوية وبكل الوسائل المتاحة لنا."

وفي كلمته أمام افتتاح المؤتمر السنوي العاشر لنقابة المحامين، أشار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، إلى موجة جرائم القتل في المجتمع العربي قائلاً، "أشعر أن ميلنا إلى استخدام مصطلحات تقلل من شأن الموقف، مثل عائلات الجريمة والنزاعات بين العشائر، وحتى جرائم شرف العائلة لوصف جرائم القتل التي لا علاقة لها بالشرف ولا بالعائلة، تصعب علينا مواجهتها، هذا الوضع ليس مقصوراً على فئة معينة ولا هامشياً، هذا إرهاب مدني بجميع المقاصد والأغراض، وتهديد لنا جميعاً"، مضيفاً، "هذه حالة طوارئ وطنية. لا يمكننا الاستمرار في العيش بهذا الشكل."

ميزانيات وتشريعات

وحسب ما هو معلن في وسائل إعلام إسرائيلية، من المقرر أن يصوت الكنيست الإسرائيلي قريباً على مشروع قانون يتعلق باستخدام التتبع الإلكتروني لفرض أوامر الإبعاد في حالات العنف المنزلي، وبموجب التشريع المقترح، سيتم استخدام تقنية التتبع "GPS" لضمان عدم اقتراب الجاني من ضحيته بموجب المسافة التي يحددها أمر الإبعاد، عضو الكنيست عن حزب العمل، نعمة لازيمي، رحبت بالتشريع، وكتبت في تغريدة، "بدلاً من فرار النساء والأطفال إلى ملجأ، سيكون بمقدورهم مواصلة حياتهم اليومية مع الحفاظ على سلامتهم وحريتهم."

يذكر أن الحكومة الإسرائيلية صادقت، العام الماضي، على خطة لتخصيص مبلغ 2.5 مليار شيكل (750 مليون دولار) في الأعوام الخمسة المقبلة لمحاربة الجريمة المتفشية في البلدات العربية.

المزيد من تقارير