Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأدوية مفقودة في غزة وارتفاع أسعارها يضاعف معاناة المرضى

تعد هذه المرة الثالثة التي يرتفع فيها ثمنها في القطاع خلال العامين الماضيين

نقص شديد في الأدوية التي توفرها وزارة الصحة الفلسطينية (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

دار نقاش طويل داخل الصيدلية بين المريض تحسين والعامل الصحي المشرف على وصف الدواء، حول أسعار أصناف العلاج التي طلبها المريض، والتي لم تكن مرضية بالنسبة إليه، ولا تتناسب مع وضعه المالي.

غادر تحسين الصيدلية باحثاً عن أخرى يشتري منها علاجه لكن بسعر أقل، وهو يقول إنه يعاني مرض ارتفاع منسوب السكر في الدم، وكذلك من فرط ضغط الدم في المرحلة الثانية، فضلاً عن الرعشة في يديه نتيجة التهاب حاد أصاب أعصابه الطرفية. وجميع ما يعانيه يعد من الأمراض المزمنة التي تتطلب المتابعة المستمرة على العلاجات من دون انقطاع مدى الحياة.

ارتفاع الأسعار بإذن من وزارة الصحة

وزار تحسين أكثر من 20 صيدلية أغلبها خارج منطقة سكنه حتى تمكن من شراء أصناف علاجه بالثمن الذي اعتاد شهرياً عليه. يضيف "وجدت اختلافاً في أسعار الأدوية من صيدلية لأخرى، لكن بالعموم باتت الأثمان أغلى من الشهر الماضي، وهذا يتنافى مع ما تروج له وزارة الصحة بأنها تراقب الأسعار.

في الواقع، منذ شهر فبراير (شباط)، بدأ قطاع غزة يشهد ارتفاعاً في أسعار الأدوية التي تباع داخل الصيدليات، وجاء ذلك بإذن من الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة التابعة للسلطات المحلية في غزة، التي نشرت تعميماً علنياً طلبت فيه من شركات استيراد العقاقير الطبية تحديث أسعار جميع الأصناف المتداولة في السوق الدوائية المحلية، مبررة ذلك بأن العلاجات تغيرت أثمانها عالمياً العام الماضي.

في السوق الدوائية المحلية في غزة نحو 3700 صنف علاجي، من بينها أكثر من 1110 أصناف يجري استيرادها من شركات عالمية. وشهدت هذه القائمة زيادة في الأسعار بنسب متفاوتة ما بين ثمانية إلى 30 في المئة، مقارنة مع سعر البيع نهاية عام 2020.

ثلاث مرات ارتفع سعر الدواء

وتعد هذه المرة الثالثة التي يرتفع فيها ثمن الدواء في غزة خلال العامين الماضيين، إذ كانت الأولى مع بداية تفشي فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية، ثم نهاية عام 2021 حين ارتفعت أسعار نحو 750 صنفاً علاجياً، وفي نهاية يونيو (حزيران) لوحظ ارتفاع آخر.

ووصلت فاتورة علاج تحسين هذا الشهر إلى 90 دولاراً أميركياً، في حين كان يدفع بداية العام نحو 75 دولاراً، أما قبل ذلك كانت لا تتعدى 60 دولاراً. ويقول إنه بات يشعر بالإحباط لعدم وجود مراقبة على قطاع الأدوية، وهو متخوف من عدم قدرته على شراء أدويته الشهر المقبل، في ظل الظروف المالية الصعبة التي يعيشها كما هو حال المواطنين كلهم.

ويبدي سكان غزة تذمراً شديداً بسبب الارتفاع الملحوظ في أسعار الأدوية. ويؤكد تحسين أنه لمس مضاربات في أسعار العلاج وتفاوتاً في التكلفة، وهذا يدل على إمكانية بيعها بسعرها الطبيعي المعتاد عليه، والذي أيضاً يحقق ربحاً للصيدليات وشركات استيرادها.

ارتفاع عالمي

وتقول مديرة عام الصيدلة في وزارة الصحة الفلسطينية رانيا شاهين، إن الارتفاع في أسعار الأدوية مسألة عالمية وهي في تزايد بشكل يومي، والأمر ليس مقتصراً على الأراضي الفلسطينية، وهذا نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج والمستحضرات الطبية، وانخفاض حجم المنافسة بين الشركات المصنعة، فضلاً عن تأثر سعر الدولار، وارتفاع تكاليف الشحن عالمياً.

وتوضح شاهين أن أزمة كورونا إلى جانب النزاع الروسي - الأوكراني، أثرا بشكل كبير على أسعار الأدوية، خصوصاً الأصناف التي تستخدم في علاج الأمراض المزمنة، مثل أدوية علاج الضغط والسكر والقلب، لكن على الرغم من ذلك تبقى فلسطين أقل سعراً لدى مقارنة ثمن العلاج مع الدول المجاورة.

أسباب أخرى لغزة

وبحسب دائرة الصيدلة في الصحة الفلسطينية، فإنهم يراجعون بداية كل عام الأسعار في السوق الفلسطينية، والتي يتم تحديدها بعد دراسة التكلفة الإنتاجية أو الاستيرادية، ونسبة الربح للشركات العاملة في قطاع الأدوية والصيدليات، على ألا تتخطى نسبة الربح لكل القطاعات المذكورة 30 في المئة من ثمن الدواء الأساسي.

هذه العوامل ليست وحدها سبب ارتفاع سعر الدواء في غزة، ويضاف إليها إجراءات تتخذها السلطات المحلية تؤدي إلى رفع ثمن العلاج. ووفقاً لحديث الصيدلي مؤمن العجل، فإن زيادة فرض الضرائب على الأدوية، وصعوبة توريدها للقطاع، وعدم مراعاة وزارة الصحة في غزة أوضاع السكان، كلها أثرت في ثمن العقاقير الطبية.

وتفرض إدارة الجمارك في غزة التي تديرها "حركة حماس"، ضريبة على الأدوية الواردة من الضفة الغربية وإسرائيل بنسبة 2.5 في المئة، فيما تحصل السلطة الفلسطينية 14.5 في المئة ضريبة على العلاجات. ويقول مدير مبيعات الأدوية في القطاع أمجد الدواهيدي إن الازدواج الضريبي سبب زيادة مركبة على أسعار الأدوية، وبالعادة المستورد يكون شركة ربحية، ويحمل هذا الارتفاع على كاهل المواطنين، لافتاً إلى أن الحل يكمن في إزالة الضريبة التي فرضتها إدارة المعابر في غزة، لأنه لا يعقل أن تدفع الشركة نفسها ضريبة مرتين.

العلاج المستورد من مصر أقل ثمناً

بالعادة يحصل السكان على العلاجات من ثلاثة مصادر، الأول ما توفره وزارة الصحة الفلسطينية ويغطي تكاليفه التأمين الصحي ويوزع مجاناً لكن فيه نقصاً شديداً، والثاني من البرامج الطبية للاجئين الفلسطينيين والذي تشرف "أونروا" على إدارته، فيما الثالث الذي يستورده القطاع الخاص الذي يبيع أدوية لا يوفرها المصدران.

وتستورد غزة أدويتها من إسرائيل والضفة الغربية ومصر ومن شركات عالمية أخرى، فيما يصنع في القطاع جزء محدود من العلاجات الطبية، كما يسمح للمواطنين العائدين من السفر بإدخال أدوية معهم، وتشتري الصيدليات أصنافاً كثيرة منهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب منير البرش مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة التابعة لغزة، فإنهم أعفوا الأدوية التي تدخل عن طريق مصر من الضرائب، وحددوا هامش ربح بسيطاً للشركات المحلية، وهذا جعل قيمتها المالية منخفضة، عند مقارنتها مع العلاجات التي تستورد من الضفة الغربية وإسرائيل ودخول أخرى.

ويشير البرش إلى أنهم يعملون بالتنسيق مع الشركات الدوائية إلى زيادة الأصناف العلاجية المستوردة من مصر، وخصوصاً تلك المتعلقة بالأمراض النادرة والتي عادة ما تكون أسعارها باهظة وعالية التكلفة، لافتاً إلى أن وزارته أطلقت مبادرة لخفض أسعار الأدوية المصرية المتعلقة بأمراض القلب والشرايين والأمراض المزمنة وأمراض الجهاز التنفسي العلوي، من باب المسؤولية الاجتماعية والشعور بالمواطن المثقل.

سعر الدواء غير ملزم

في غزة، يجري تحديد السعر النهائي للأدوية بواسطة اللجنة الفنية الدوائية، والتي تشترك فيها الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة، ونقابة الصيادلة، والضابطة الجمركية، ودائرة حماية المستهلك، واتحاد الموردين، واتحاد الصناعات الدوائية. وبعد إتمام المهمة تضع النقابة ملصقاً على علبة الدواء مكتوباً عليه السعر، وبحسب قانون عملها فإنه إلزامي ويمنع تجاوزه أو إجراء أي خصم عليه.

لكن ذلك الواقع غير مطبق، إذ تمنح معظم الصيدليات خصماً بنسبة عشرة في المئة أو أكثر على أي صنف علاجي، يؤكد مواطنون أنهم يحصلون على خصم عند كل عملية شراء دواء، ولا ينفي أي صيدلي ذلك.

ويقول الصيدلي إبراهيم لبد إنه يمنح خصماً على أصناف علاجية لأسباب عدة، أولها أن وضع السكان الاقتصادي صعب جداً، كما أن بعض الأدوية يكون قد اشتراها من أفراد، أو يملك وكالة خاصة في استيرادها، وله مطلق الحرية في بيعها بأي ثمن يراه مناسباً.

نقص شديد

ارتفاع سعر الدواء هو جزء بسيط من الأزمة، إذ يعاني السكان عدم توفر العلاج، الناتج عن المعاناة المستمرة منذ سنوات في الواقع الدوائي. ويقول منسق القطاع الصحي في منظمة الصحة العالمية في غزة، عبد الناصر صبح، إن القطاع يعاني مزيداً من النقص في العلاج، ووصل نقص الأدوية إلى 50 في المئة من القائمة الأساسية.

ويوضح صبح أن 516 صنفاً من الأدوية الأساسية في غزة رصيدها صفر في المستودعات، وهي بحاجة إلى تنسيق مستمر من أجل إدخال الأدوية والمستلزمات سواء من المانحين أو المنظمات الإنسانية أو من وزارة الصحة في رام الله، وهذه الخطوة تخضع لعمليات تنسيق وعبور تستغرق وقتاً وجهداً لإدخالها، ما يزيد المعاناة.

وحول رفع سعر الأدوية، يشير إلى أن هناك تحديات مرتبطة بهذا الملف، أبرزها مدى سرعة التنسيق لدخول العلاج لغزة وفتح المعابر وموافقة الجانب الإسرائيلي على دخولها، وعمليات الشحن والتأخير الذي قد يكلف الموردين أموالاً، ما قد يزيد من أسعار هذه الأدوية.

المزيد من تقارير