Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خطة رواندا"... الحلم الوردي البريطاني لترحيل المهاجرين

الملك تشارلز الثالث يصادق على الخطة لكن تحديات حقوقية ومالية تتنظرها

الحكومة البريطانية دفعت إلى رواندا 220 مليون جنيه إسترليني قبل البدء بتنفيذ خطة الترحيل (غيتي) 

ملخص

صادق الملك تشارلز الثالث على خطة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين في المملكة المتحدة إلى دولة رواندا. لكن تحديات قانونية وحقوقية كثيرة تعترض تنفيذ الخطة. كما أن كلفتها التي تزداد مع استمرار تأخر الترحيل، قد تبدد حلم حزب المحافظين في إغلاق هذا الملف قبل الانتخابات العامة المقبلة. أما بالنسبة للمعارضة فـ "العمال" يرفضون المضي في "خطة رواندا" إلا في حال أثبتت جدواها بنقل آلاف اللاجئين قبل وصول الحزب إلى السلطة.

بعد مصادقة القصر الملكي يوم الخميس 25 أبريل (نيسان) 2024، لم يعد هناك "نظرياً" ما يعيق تنفيذ "خطة رواندا" التي أقرها البرلمان أخيرا لترحيل المهاجرين غير الشرعيين من المملكة المتحدة. إلا أن واقع الحال، يقول إن الطريق أمام إقلاع أول طائرة محملة بـ "مهاجري القوارب" إلى الدولة الأفريقية، معبدة بالأشواك. وقد لا تبصر النور في عهد حكومة حزب المحافظين التي يرأسها ريشي سوناك. أما بعد ذلك فمصيرها مرتبط بمن يسكن المنزل رقم 10 على ضوء انتخابات برلمانية لم يحدد موعدها حتى الآن.

السؤال الأولي هو لماذا لجأت المملكة المتحدة إلى خيار ترحيل المهاجرين غير الشرعيين؟ والإجابة يختصرها وزير الخارجية ديفيد كاميرون، بسببين، الأول فشل التعاون مع باريس في وقف ما يسمى بـ "هجرة القوارب" بين السواحل الفرنسية والشواطئ البريطانية عبر بحر المانش. والثاني تعثر الوصول إلى اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي بشأن إعادة المهاجرين، بعد تنفيذ "بريكست" وطلاق لندن وبروكسل في عام 2020.

تشير أرقام نشرتها صحيفة "ذا غارديان" إلى أن المملكة المتحدة دفعت لفرنسا أكثر من 700 مليون جنيه استرليني لوقف "هجرة القوارب" بين 2014 و 2024. كما أنه من المتوقع أن تنفق لذات الغرض أكثر من نصف مليار جنيه إضافية بحلول 2026. أما النتيجة فهي فشل فرنسا في منع أكثر من نصف القوارب التي حاولت عبور القنال الإنجليزية بشكل غير قانوني منذ عام 2018، وفقاً لإحصاءات نشرها موقع "بوليتيكو".

وفق بيانات وزارة الداخلية الفرنسية، منع خفر السواحل الفرنسي 3400 قارب تقل 81 ألف مهاجر من الوصول إلى الشواطئ البريطانية بين 2018 وأغسطس (آب) 2023. ولكن في الفترة ذاتها وصل 3500 قارب حملت 111 ألف مهاجر. وتقول ذات البيانات إن باريس فككت 55 عصابة لتهريب البشر خلال عامي 2022 و2023. 

ما أنجز وينجز، عن طريق باريس لم يكف لوقف "هجرة القوارب" إلى بريطانيا. ليس هذا فقط وإنما وجدت لندن نفسها اليوم أمام استحقاق جديد يتمثل بضرورة دفع الأموال إلى روما لأن فئة من المهاجرين تصل إلى كالييه، المدينة الفرنسية الأقرب إلى شواطئ إنجلترا، انطلاقاً من السواحل الإيطالية. وبالتالي كلفة مواجهة الظاهرة مرشحة للازدياد. 

تحديات داخلية

جملة الظروف التي تعقد عملية وأد الهجرة غير الشرعية خارج الحدود، دفعت بالحكومة البريطانية إلى البحث عن حل ينزع جاذبية المملكة المتحدة من أعين المهاجرين الذين يركبون الموت للوصول إلى السواحل الإنجليزية. فجاء مشروع ترحيل القادمين بغير صيغة قانونية، إلى أوطانهم أو دولة ثالثة "آمنة" يعيشون فيها إلى أجل غير مسمى، وولدت "خطة رواندا" خلال ولاية رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون عام 2022.  

التحديات التي تواجه ترحيل المهاجرين كثيرة، منها ما هو قانوني وحقوقي، ومنها ما هو لوجستي ومالي. وبسبب ضخامة هذه التحديات وجديتها، قال سوناك إن أول دفعة من اللاجئين سوف ترحل في غضون 10 إلى 12 أسبوعاً. متجاهلاً وعوده السابقة التي تعهد فيها بتنفيذ "خطة رواندا" في الربيع، أي قبل نهاية مايو (أيار) المقبل.  

مخاوف التعطيل القانوني والحقوقي لـ "خطة رواندا"، تحصنت الحكومة ضدها عبر تمرير القانون الذي يحمل اسم الخطة في البرلمان البريطاني قبل أيام. فالقانون يسلب اللاجئين أي حق للاعتراض على ترحيلهم. كما يغلق الباب أمام المحامين والمحاكم لوقف التنفيذ بحجة انتهاك حقوق الإنسان، أو عدم توافر الشروط الملائمة لعيش وإقامة المهاجرين في الدولة الأفريقية، حتى يبت في طلبات لجوئهم في المملكة المتحدة.

على رغم تمرير "قانون رواندا" عبر البرلمان، هيأت السلطة القضائية البريطانية خمس وعشرين قاعة محكمة للتعامل مع قضايا الطعون في قانونية "خطة رواندا". وهذا يعني جبهة واسعة بين الحكومة والمحامين سواء في الخطة ككل، أو في الدعاوى المتعلقة بعدم جواز ترحيل حالات فردية أو عائلية، لأسباب إنسانية أو صحية أو قانونية. كما تقول المحامية المختصة بشؤون المهاجرين سالي ديفيز، في حديث مع "اندبندنت عربية".

 

قيود أوروبية

والحصانة التي يوفرها "قانون رواندا" للحكومة، تنتهي داخل حدود المملكة المتحدة. حيث يمكن لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية أن توقف الترحيل كما فعلت في 5 يونيو (حزيران) عام 2022. حيث كانت الطائرة يومها تهم بالإقلاع من مطار هيثرو بعدد من المهاجرين، لكن المحكمة الأوروبية أصدرت قراراً بوقف الرحلة فوراً.

لا سبيل أمام لندن لرفع يد بروكسل عن "خطة رواندا"، إلا بالانسحاب من اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية. وهو أمر لم يستبعده سوناك على رغم أنه غير مفضل لدى الشارع البريطاني، وغير مستساغ برلمانياً أيضاً حتى بين نواب حزب المحافظين الحاكم. فالمملكة المتحدة من المؤسسين لتلك الاتفاقية ولا يفضل معاملتها كاتفاقية أجنبية.

وزيرة الدولة السابقة للشؤون الداخلية سارة داينز، قالت لصحيفة "التايمز" إن حكومة لندن لن تكون قادرة على وقف الهجرة غير القانونية، والسيطرة على حدود المملكة المتحدة، من دون مغادرة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولكن وزير الخارجية ديفيد كاميرون "لا يرى ضرورة لذلك، وهو لا يتوقع إعاقة أوروبية لخطة رواندا".

وأصدرت دار النشر العالمية "بريل" أخيراً، تقريراً حول النزعة البريطانية لمغادرة الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الأوروبية. منوهة إلى أن هذا الطرح كان من المحرمات حتى عام 2012، ولكنه تزايد منذ ذلك التاريخ واستدعي في محطات مختلفة من قبل الساسة في المملكة المتحدة. كما ارتبط في مناسبات وأحداث مختلفة.

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، هيئة قضائية دولية مقرها ستراسبورغ. وتتألف من 47 قاضياً ينتمون إلى الدول الموقعة على اتفاقية "حماية حقوق الإنسان والحريات الفردية" في القارة العجوز. القضاة مستقلون عن دولهم، ولا يمثلون إلا موكليهم في القضايا ذات الشأن. وفي مواجهة خطة "خطة رواندا"، كل مهاجر يرى أن حقوقه المنصوص عليها في الاتفاقية، مست وانتهكت، يمكنه التقدم بدعوى أمام المحكمة الأوروبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الكلفة الباهظة  

بعيداً من العقبات القانونية والحقوقية، يؤخذ على "خطة رواندا" كلفتها الباهظة. فبحسب بيانات أصدرها مكتب التدقيق الوطني مطلع مارس (آذار) 2024، تصل مدفوعات الحكومة البريطانية المباشرة لنظيرتها الرواندية حتى أبريل (نيسان) 2026، إلى 370 مليون جنيه استرليني. تسلمت كيجالي منها 220 مليون جنيه على رغم أن الخطة لم توضع في حيز التنفيذ، ولم ترسل لندن مهاجراً واحداً إلى الدولة الأفريقية حتى الآن.  

بيانات مكتب التدقيق تستند إلى معلومات قدمتها وزارة الداخلية في فبراير (شباط) 2024. وتظهر أنه سيتم دفع المزيد من الأموال إلى رواندا بناءً على عدد طالبي اللجوء الذين قد يتم نقلهم، بما في ذلك 20 ألف جنيه استرليني للفرد و 120 مليون جنيه استرليني كدفعة إضافية بمجرد نقل 300 شخص، يمثلون الدفعة الأولى من المرحلين.

وتلفت البيانات أيضاً إلى أن المدفوعات إلى رواندا لتغطية تكاليف التجهيز والتشغيل، ستصل إلى نحو 150 ألف جنيه استرليني لكل شخص تم نقله، على أن يتم دفعها على مراحل خلال 5 سنوات إذا بقي المهاجر في الدولة الأفريقية. إضافة إلى ذلك، يبلغ إجمالي التكاليف المباشرة السابقة والمستقبلية لوزارة الداخلية، مثل تكاليف الموظفين والتدريب والرسوم، أكثر من 33 مليون جنيه. وإذا تم إرسال 300 شخص إلى رواندا، فسيتم إنفاق 3.3 مليون جنيه أخرى في سياق تكاليف إضافة للرحلة المرتقبة.  

نفقات "خطة رواندا" تدفع من أموال دافعي الضرائب، وعدم إنجازها سيضع الحكومة أمام مساءلة شعبية وبرلمانية حول مصير مئات ملايين الجنيهات التي "ذهبت مع الريح". أما إذا وضعت الخطة في حيز التنفيذ فحينها، سيأخذ السجال الاقتصادي طابعاً سياسياً من حيث مدى تلبية الخطة لمطالب البريطانيين. بخاصة أن وقف الهجرة غير الشرعية، لا يزال من أبرز العناوين التي تهم الناخبين، وفق استطلاعات رأي مختلفة.

 

ديمومة الخطة

وفي حين أن "المحافظين" حولوا وعود ضبط الهجرة إلى "مقدسات" منذ توليهم السلطة عام 2010، وجعلوها العنوان الرئيسي للخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2020، يبرز السؤال الأهم حول حجم تأييد المعارضة لـ "خطة رواندا". ومدى استعداد حزب العمال لإلغائها في حال فوزه في الانتخابات العامة المتوقعة خلال 2024؟

وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر، قالت في حديث مع "اندبندنت" يوم الثلاثاء الماضي، "إن حزبها لن يرحل لاجئاً واحداً إلى الدولة الأفريقية إذا وصل إلى المنزل رقم 10 في لندن عبر الانتخابات البرلمانية المقبلة". لافتة إلى أن "العمال" سوف يستبدلون "خطة رواندا" بدعم وحدة شرطية عابرة للحدود، تتعاون مع دول القارة لوقف الهجرة غير الشرعية، ووضع آلية لإعادة المهاجرين غير الشرعيين.

بعد تصريحات كوبر بيومين فقط، قالت جيني تشابمان، المستشارة السابقة لزعيم حزب العمال كير ستارمر، إن "العمال" قد يبقوا على "خطة رواندا" بعد وصولهم للسلطة إذا ثبتت جدواها. والجدوى المنشودة وفق حديث تشابمان مع صحيفة "التلغراف"، تتمثل بترحيل 10 آلاف مهاجر إلى الدولة الأفريقية قبل موعد الانتخابات المقبلة.

استناداً إلى تصريحات تشابمان، تكمن مشكلة المعارضة بـ "خطة رواندا" في جدواها، وليس في جوانبها الحقوقية. وبحسب أرقام وزارة الداخلية فإن حزب "العمال" رحَّل أكثر من 14 ألف مهاجر سنوياً عندما كان في السلطة بين 1997 و 2010. بينما تراجع هذا الرقم في عهد "المحافظين" إلى نحو 11 ألفاً سنوياً بين 2010 و2021.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير