Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبدالمجيد الزنداني... "عراب" الخرافات الطبية و"هداية" العلماء

لم يقتصر رصيد الداعية اليمني على إنشاء حزب "الإصلاح" الإخواني بل كرس مشروعه بـ "المعجزات العلمية"

عبدالمجيد الزنداني (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل)

ملخص

ظل الشيخ الزنداني ذو الصوت الرخيم والابتسامة الساخرة يحض على "الجهاد" والدعوة في وجه العلمانية، ولكن عندما أطلت جحافل الحوثيين تقتحم صنعاء التي تقع فيها منازله المنيفة، كان وحزبه أول المغادرين، لتشاء أحداث التاريخ أن يموت في تركيا، البلد العلماني الذي غدا مهوى أفئدة رموز الإصلاح ورجال الأعمال من قادته.

كان بإمكان الشيخ اليمني الراحل عبدالمجيد الزنداني أن يحافظ على مكانته الدعوية واجتهاده العلمي الخاص به في محراب تنزيه الدين وإعلاء شأنه، إلا أن القيادي الإخواني أصر على شد وثاق "الدعوة" بالسياسة، وبدلاً من رفع الدين عن الصراع الدنيوي إلا أنه أنزله إلى ميدان السياسة المتغير على رغم نص الشرائع الثابت، ولكن في عرف الجماعة وأدبياتها فالإسلام "دين ودولة".

ومثلما جعلته هذه التغيرات يصعد ويهبط بمقتضى الموقف السياسي والمصلحة وأحداثها التي تلفعت بالدماء المعصومة في فترات الصراع اليمني المرير للوصول إلى السلطة و"المطامع الدنيوية"، فقد دفعته في المقابل إلى واجهة النقد واللوم الشعبي الذي يستذكر حشده ووعيده، خصوصاً عندما استخدم منابر المساجد التي يعلن فيها إعجازات علمية توصّل إليها قبل أن ينتقل برشاقة للحديث إلى ما يريد إيصاله سياسياً، مثل التبشير بخلافة الإخوان "من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً في دولة واحدة".

وأثناء وقوفه على ناصية الخطاب الصحوي الراديكالي لم ينفك عن مهاجمة أفراد الحزب الاشتراكي الماركسي الملحد الذين سماهم "عصابة الردة والانفصال"، في إشارة ضمنية للردة في التشريعات التي تستوجب "الجهاد" والقتل، والقول إن المساجد انتشرت في الجنوب اليمني عقب قيام دولة الوحدة، وهي الخطابات التي رددها في عدن وعدد من المحافظات تمهيداً لعملية الإزاحة المسلحة التي شنتها قوات الرئيس صالح وجماعة حليفه الزنداني وانتهت باجتياح عدن، وهي الحرب التي فتحت جرحاً جنوبياً على البحر حتى اليوم.

ويحتفظ الراحل برصيد محفوظ في الوعي اليمني من خلال جملة المفارقات التي استمات وجماعته في محاربتها، مثل العلمانية والتقدمية، عبر التكفير تارة والمواجهة المسلحة تارة أخرى، وفي مقدمها قوى التثوير والتنوير اليمني عبر مختلف مراحل حركاتها الوطنية التي اجترحت نضالات عسيرة توجتها بتفجير ثورتي سبتمبر (أيلول) 1962 والـ 14 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1967، والدفاع عنهما قبل أن يأتي الزنداني من مصر مسرعاً للانغماس فيها بداعي مناصرتها، وفي الوقت ذاته لا يتوقف عن مجابهة روادها المخلصين الذين رحلوا بلا أرصدة أو مزارع أو شركات أو جامعات.

وظل الشيخ ذو الصوت الرخيم والابتسامة الساخرة يحض على "الجهاد" والدعوة في وجه العلمانية، ولكن عندما أطلت جحافل الحوثيين تقتحم صنعاء التي تقع فيها منازله المنيفة، كان وحزبه أول المغادرين، لتشاء أحداث التاريخ أن يموت في تركيا، البلد العلماني الذي غدا مهوى أفئدة رموز الإصلاح ورجال الأعمال من قادته.

20 عاماً لا تكفي

ولم يقتصر رصيد الزنداني الذي درس الصيدلة قبل أن يقفز إلى واجهة المشهد السياسي على إنشاء حزب الإصلاح الإخواني الذي ولد بإيعاز ودعم مباشر من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عام 1990، لإقامة حلف بينهما لمواجهة الحزب الاشتراكي اليمني الذي دخل لتوه في وحدة طوعية مع الشمال اليمني، كما تقول مذكرات الركن الثالث في الحلف إياه الشيخ القبلي الراحل عبدالله الأحمر، بل راح يكرس مشروعه بالمعجزات العلمية من خلال اكتشافات وأبحاث طبية أعلن التوصل إليها للقضاء على عدد من المعضلات، مثل الفقر والجوع والأمراض المستعصية.

وعلى رغم المطالبات الشعبية والطبية بالكشف عن عقاقيره إلا أن الداعية المثير للجدل رفض الإعلان عن الاختراع خشية سرقة حقوق براءته، داعياً شركات الأدوية ومنظمة الصحة التابعة للأمم المتحدة إلى زيارة اليمن للاطلاع على الدواء ورؤية نتائج الفحوص، ورافضاً إعطاء تفاصيل عن العقار الذي قال إنه نجح في علاج 15 شخصاً.

 

ومنذ إعلانه عبر "قناة الجزيرة" اكتشاف العلاج من الأعشاب الطبيعية للشفاء من مرض الإيدز عام 2004 إلا أنه لم يتم حتى اليوم الإعلان الطبي الدولي عنه، ويبدو أن 20 عاماً ليست كافية للحديث عنه مجدداً كما يبدو.

وعقب حملات عبر عنها الحكي الشعبي الساخر والمتداول عبر وسائل الإعلام المختلفة، خرج الزنداني في لقاء مع "قناة الجزيرة" ليؤكد وجوده، مبيناً أن وصفة العلاج أخذت من أحاديث نبوية، وعندما سئل عنها رد بأنه سيعلن عنها في وقت لاحق حتى لا تحصل الشركات الغربية على الأسرار العلمية الواردة في هذه الأحاديث التي يجهلها المسلمون والعالم، وتفرد وحده بمعرفتها.

ابن تيمية والعالم الغربي

وظل الرجل يستدعي قصصاً عن الإعجاز العلمي من القرآن والسنّة كدليل دامغ على إفحام مناظريه من العلماء الغربيين كما يردد، أو محاجة من يسميهم بالقساوسة والرهبان والنصارى، وهي قصص تنتهي بإعلان اهتداء بعضهم على يديه.

غير أن اللافت استدلاله بشخصيات غربية تبين لاحقاً أنه لا وجود لها في الواقع أو أنها شخصيات علمية حقيقية جرى تحوير حديثها وتقديمه كدليل على نجاحه في إفحامهم أو هدايتهم.

وفي تفنيد استقصائي يقول الباحث اليمني محمد عطبوش إنه أجرى بحثاً عن دروس الإعجاز العلمي، ومنها قصة حواها منهج الصف الثالث الثانوي الذي ألفه الزنداني زعماً أنها منقولة عن عالم بريطاني اسمه سليبنج وله أبحاث تعلل علمياً حديث تحريم كل ذي مخلب وناب، "وكنت حينها مولعاً بالإعجاز العلمي وميالاً إلى تصديقه، إلا أن الادعاء هذه المرة كان مريباً، فلم أتقبل أن صفات أخلاقية واجتماعية تنتقل عبر الأكل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويكشف عطبوش خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أنه بحث عن اسم البروفيسور سليبنج في "غوغل"، وكما توقعت فلا أثر له سوى في مصدرين أولهما كتاب "الإعجاز العلمي في الإسلام" لمحمد كامل عبدالصمد، المنشور عام 1993، باسم س. ليبج، والثاني مقالة للشيخ الزنداني نشرت في موقع "جامعة الإيمان" التي أسسها، يقتبس فيها الدراسة عن كتاب محمد عبدالصمد، ويبدو أن للزنداني علاقة بغالبية مواضيع الإعجاز العلمي في المناهج الدراسية اليمنية كما لاحظت لاحقاً".

"وبما أن مؤلف الكتاب قد توفي فقد أرسلت إيميلاً إلى جامعة الإيمان وصفحتها على ’فيسبوك‘ أستفسر فيه عن البروفيسور س.ليبج ولم ألق جواباً".

ويكشف عن أنه وجد "المقالة مرة أخرى في أكبر موقع إسلامي للرد على الشبهات bayanelislam.net واستفسرت منهم عن البروفيسور ولو بصفحة أجنبية واحدة، فردوا علي بمقالة نشرت في موقع إنجليزي، لكنه أيضاً متخصص في الإعجاز العلمي ومصدره أيضاً كتاب محمد عبدالصمد".

ويتابع، "عندما أرسلت لهم مرة أخرى لم أتلق رداً، وبحثت عن الاسم بالإنجليزية ولم أجد عالماً واحداً بهذا الاسم واكتفيت عند هذا الحد، وبمحض المصادفة وقفت على مصدر دراسة هذه البروفيسور البريطاني، لكن هذه المرة كان اسم البروفسور ابن تيمية، فابن تيمية في "شرح عمدة الفقه" يقول كلاماً يكاد يطابق الكلام المنسوب للعالم البريطاني المجهول في المناهج الدراسية".

مونتاج واجتزاء

وكشف باحثون أن الزنداني الذي كان الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن استدعى علماء غربيين في الجيولوجيا لحضور مؤتمرات علمية، بينهم العالم الجيولوجي الأميركي وليم دبليو الذي تلقى دعوة عام 1983 لحضور مؤتمر علمي الهدف منه التقريب بين الدين والعلوم التجريبية، واعتذر من الحضور كون لا علم له بالأديان.

وبعدها زاره موفد من الزنداني ليقنعه بالحضور إلى المؤتمر الإسلامي الأول للإعجاز العلمي الذي أقيم في مدينة جدة، وطلب منه إلقاء محاضرة عن الأمواج الداخلية في المحيطات.

وفي نهاية المحاضر قال له الزنداني إن كل ما قلته موجود لدينا منذ 1400 عام، وعرض عليه آية "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان".

ومع أن العالم الأميركي جاء ببحث علمي لا علاقة له بإثبات أو نفي حقيقة القرآن، ولهذا قال للزنداني ممكن أن تقول إنه من عند كائن إلهي، ولكن لا بد أن تثبت أنه لم يذهب للبحر أو لم يقابل بحارة.

ويروي دبليو أنه عقب عودته للولايات المتحدة الأميركية تفاجأ بترحيب وحفاوة المسلمين الأميركيين فاستغرب، وعندما بحث عن السبب أخبره أحدهم أن الزنداني نشر فيديو لمحاورته معه ونشر عنه قوله "ممكن أن تقول إنه من عند كائن إلهي"، واجتزأ باقي الكلام ثم قام بتغيير السؤال في المونتاج، وأظهر أن دبليو يعترف للزنداني بأن ما سمعه من الآية التي قرأها له في محاضرة جدة بأنها كلام الله.

التدمير الذاتي

ولم يكن دبليو هو الضحية الوحيدة للزنداني فغيره كثر، ومن بينهم ما نشرته صحيفة "وول ستريت" عام 2002 بعنوان "علماء غربيون يلعبون دوراً في الترويج للإعجاز العلمي"، الذين استغلهم الزنداني للترويج لحديثه.

وفي مقطع قديم للزنداني يتحدث أن من بين الذين أقروا بما يقوله البروفيسور جوليو الذي قال إنه "يشعر بالعار من التصريحات السخيفة المنسوبة إليه التي عرضها الزنداني".

 

وفي مقطع آخر يقول الزنداني إنه عرض إعجازاً علمياً فاندهش له البروفيسور بالمن، ولكن بالمن نفى في تحقيق "وول ستريت" ذلك واتهم الزنداني بالمبالغة.

ولأجل المهنية ذهبت الصحيفة للقيادي الإخواني لتتيح له الرد على نفي العلماء إلا أنه عبر وسيط رفض التعليق بحجة انشغاله.

كما أن "يوتيوبر" بريطاني أجرى في عام 2012 سلسلة لقاءات مع علماء قال الزنداني إنه ناظرهم وغلبهم وأقنعهم بوجود الله والقرآن ودين الحق، لكن المثير نفيهم هذه الادعاءات.

ووفقاً لباحثين فهناك كثير من العلماء الأجانب الذين كان يسعى الداعية اليمني عبر شخصيات إخوانية إلى إقناعهم بالحضور لإلقاء محاضرات علمية، ثم ينشرها على أنها مناظرة في الإعجاز القرآني، غير أن المثير في الأمر إدخال كل هذه المواد عبر مؤلفات إلى المناهج الدراسية في اليمن منذ عقود من الزمن.

نوبل والصيام الإسلامي

عام 2018 ظهر في لقاء متلفز مع "قناة سهيل" الناطقة باسم حزبه، كشف خلاله عن "اكتشاف جديد يتحدث عنه العالم اليوم وهي معجزة الصيام".

وقال إن هناك عالماً يابانياً مشهوراً اسمه يوشي نوري أوسومي اكتشف أن الصيام الإسلامي المخصص بتناول وجبتين في اليوم هو الذي يؤدي إلى عملية التدمير الذاتي للخلايا، وبموجب اكتشافه نال "جائزة نوبل" عام 2016.

ويكشف الباحث اليمني يحيى السواري أنه تتبع بحث العالم الياباني الذي اتضح أنه ليس له علاقة بالصيام الإسلامي أو النظام الغذائي أساساً، ولكن أوسومي تميز كونه حدد الجين المسؤول عن عملية التدمير الذاتي للخلايا فقط، وعندما سألوا العالم الياباني عن الحمية الغذائية كالتي يفرضها الصيام قال "لا توجد أبحاث علمية حتى الآن".

ويشير السواري الذي نشر حلقته على "يوتيوب" بعنوان "الإعجاز الزنداني في القرآن" إلى أن العلماء أصبحوا يحذرون بعضهم من حضور المؤتمرات التي يدعوا إليها الزنداني، مؤكداً أن هذه الافتراءات أساءت لليمن.

مطر يهر

ومن بين المقاطع التي تداولها الناس على نطاق واسع فيديو قديم يظهر فيه الزنداني راوياً قصة عن الإعجاز العلمي حدثت معه شخصياً ورآها رأي العين في منطقة يافع التابعة لمحافظة لحج جنوب اليمن.

ويقول إنه زار لحج ربما عقب "حرب صيف عام 1994" ونزوله منطقة يهر بمديرية يافع التي ألقى فيها محاضرة على رغم حملات التشويه التي شنها ضده الاشتراكيون"، على حد قوله.

وفي تلك المحاضرة التي كانت عن قبول "دعوة المضطر"، طلب منه الناس الدعاء لنزول المطر كون مزارعهم ذبلت من العطش، وأمام هذا الحرج أبدى الزنداني خشيته من عدم نزول المطر "خشية أن تكون فتنة عليهم فوق ما هم عليه"، في إشارة لوقوعهم في فتنة كونهم اشتراكيون من قبل، وبالتالي لا يستجيبون لدعوته للهداية والدخول في دين الله، ولكنه قال إنه رأى المطر ينهمر في يهر عقب نحو ساعة وثلث الساعة، مبيناً أن الله استجاب دعاءه.

وفي مقطع آخر ظهر عام 2011 قال خلاله إن علماء اليمن أعلنوا أن لديهم برنامجاً وخطة للقضاء على الفقر في اليمن حتى لا يبقى فقير محتاج، وأضاف "هذا ما أعدكم به ويعدكم به علماء اليمن أنهم سيقدمون البيان الواضح كيف نقضي على الفقر"، ولكنه لم يكشف عنه وأين وصل تنفيذه منذ 13 عاماً، في حين تتفاقم الأوضاع الإنسانية التي تصنف بأنها الأسوأ على مستوى العالم وفقاً للأمم المتحدة.

مؤلفات الزنداني دفعت الباحث عطبوش إلى رحلة التحقيق في بقية دروس الإعجاز العلمي في المناهج الدراسية اليمنية، فأنشأ كتاباً سماه "نقد الإعجاز العلمي"، وفيه مزيد من هذه الخيانات العلمية التي لم تكن معلومات عابرة في منتدى عربي أو صفحة في التواصل الاجتماعي، بل هي جزء من 22 درساً موزعاً على المراحل الأربع الأخيرة من منهج دراسي معمم على 4.3 مليون طالب سنوياً منذ أكثر من 20 عاماً، وجهل يتم تلقينه في المدارس باسم الإعجاز العلمي وينشئ جيلاً مفصوماً معرفياً، يتعلم المعلومة في كتاب العلوم ثم يتلقن عكسها في كتاب الدين وهو على المقعد نفسه".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير