Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا بات المغرب وجهة المهاجرين الأفارقة؟

ينقسمون إلى نظاميين وسريين ودائماً ما يعملون في مهن شاقة ويقطنون "أحياء خاصة"

يتوزع المهاجرون الأفارقة غير النظاميين المقيمون في المغرب إلى صنفين (أ ف ب)

عادت قضية المهاجرين المنحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى واجهة الحديث في المغرب، بعد الأحداث الدامية التي شهدتها قبل أيام مضت الحدود البرية بين مدينتي مليلية والناظور في الشمال المغربي، عندما اقتحم مئات المهاجرين الأفارقة بعنف سياج مليلية ليصطدموا مع القوات العمومية المغربية والحرس الإسباني، ويسقط 23 قتيلاً وعدد من الجرحى بين الجانبين.

وينقسم الوافدون من دول أفريقية على المغرب إلى مهاجرين نظاميين يمتلكون أوراقهم القانونية ويعيشون بشكل مندمج داخل المجتمع، ومهاجرين غير شرعيين دخلوا البلاد بطرق التفافية وغير قانونية، سواء عبر الحدود مع الجزائر، أو مع موريتانيا.

ويتوزع المهاجرون الأفارقة غير النظاميين المقيمون في المغرب إلى صنفين أيضاً، الأول جاؤوا إلى المملكة للاستقرار فيها والبحث عن فرص عمل، ثم تسوية أوضاعهم القانونية بعد ذلك، والآخر يعتبرون المغرب محطة عبور إلى الضفة الأوروبية، خصوصاً الأراضي الإسبانية.

الاندماج في المجتمع

يعمل عدد من المهاجرين الأفارقة النظاميين في المغرب بكدّ لضمان مكانتهم وسط المجتمع والاندماج فيه تدريجاً، باعتبار أنهم في الغالب يأتون من أجل إنجاز مشاريع خاصة، أو للبحث عن وظائف تناسب كفاءاتهم.

المهاجر المالي موسى تامبادو، أحد هؤلاء المهاجرين الأفارقة النظاميين، دخل المغرب قبل أعوام ليتخرج في جامعة الرباط، وينجح في إنشاء شركة صغيرة بضواحي مدينة سلا المحاذية للعاصمة الرباط.

وفي تصريح لـ"اندبندنت عربية"، قال موسى إن الاندماج المعيشي والنفسي داخل المجتمع المغربي لم يكن صعباً، بحكم روابط الدين واللغة والعمق التاريخي الأفريقي للمغاربة، فضلاً عن الطابع الصوفي الذي يربط المغرب ومالي.

وأضاف أن النجاح المهني في المغرب بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة لم يكُن سهلاً، فالأمر تطلب منه جهداً كبيراً لتأسيس شركة، وإزالة الصورة النمطية عن المهاجرين الأفارقة، وأيضاً لإقناع المغاربة بجودة عمله، ثم التموقع بشكل قوي في السوق.

خطة الدولة للهجرة

تختلف قصة المهاجرين غير النظاميين، الذين يلجون التراب المغربي خلسة عبر الحدود الجزائرية أو الموريتانية، كثيراً عن قصة موسى تامبادو ومهاجرين آخرين، ذلك أنهم يتجرعون مرارة العيش بين الخوف من توقيفهم من طرف الأمن بسبب مخالفة قوانين الهجرة، وبين تحيّن الفرصة للهجرة إلى إسبانيا التي لا تبعد كثيراً عن السواحل الشمالية المغربية.

وحاولت السلطات المغربية أن تتعامل مع ملف الهجرة برؤية إنسانية، تمثلت في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء عام 2013، التي ارتكزت على تسوية وضعية عدد من المهاجرين، بهدف اندماجهم بيسر في المجتمع المغربي.

وتفيد أرقام رسمية، كشف عنها مدير الهجرة ومراقبة الحدود في وزارة الداخلية خالد الزروالي، بأن المغرب قام بتسوية أوضاع أكثر من 50 ألف مواطن، بحيث أصبحت وضعيتهم الإدارية سليمة، كما استفادوا من مخطط وطني للإدماج يمكّنهم من الولوج بشكل تام إلى الخدمات الاجتماعية والتربوية والطبية والاقتصادية، وذلك على غرار المواطنين المغاربة".

وعمدت السلطات المغربية أيضاً إلى إعادة آلاف المهاجرين الأفارقة إلى بلدانهم، حيث إنه وفق الزروالي، استفاد منذ عام 2018، أكثر من 8.100 مواطن أفريقي من عمليات العودة الطوعية عن طريق البر أو الجو، وتمت إعادة 2.400 شخص عام 2021 و1.100 شخص عام 2020.

 

أحياء "خاصة"

الملاحظ أن المهاجرين الأفارقة غير النظاميين الذين يُعدّون بالآلاف، في غياب أرقام رسمية عن عددهم الحقيقي، يعيشون في الغالب جماعات داخل أحياء بعينها في ضواحي المدن الكبرى بالخصوص.

وتشتهر أحياء شعبية معروفة في هذه المدن الكبرى بإيوائها لأعداد ضخمة من المهاجرين الأفارقة غير النظاميين، ومن بينها حي مسنانة أو منطقة بوخالف في مدينة طنجة شمال البلاد، أو حي الفرح وحي الانبعاث في ضاحية العاصمة الرباط، أو حي سيدي موسى أو القرية بمدينة سلا، أو منطقة أولاد زيان في مدينة الدار البيضاء، أو في أحياء مدينة الناظور والغابة المحاذية لها...إلخ.

ويتجمع هؤلاء المهاجرون غير القانونيين في بيوت للإيجار داخل هذه الأحياء الشعبية في محيط عدد من المدن، وقد يتكدس أكثر من خمسة أو حتى عشرة أشخاص في غرفة واحدة، وهو ما يتسبب في كثير من المشكلات والمشاحنات بين المهاجرين أنفسهم، ولكن خصوصاً بينهم وسكان الحي المغاربة.

ويعزو المهاجر غير النظامي الآتي من السنغال براهيمو بابا في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، تكدس المهاجرين في أحياء بعينها وداخل بيوت إيجار بشكل جماعي، إلى أسباب عدة، بينها أن هذه الأحياء شعبية ورخيصة المعيشة، وأنها أحياء عادة لا تكون فيها المراقبة الأمنية كثيفة.

وأضاف بابا سبباً ثالثاً بخصوص السكن جماعات داخل بيوت في هذه الأحياء، وهو أنه بهذه الطريقة يخففون وطأة الواجب المادي للإيجار، فيتقاسمونه بينهم، كما يتقاسمون مصاريف الأكل والشرب والماء والكهرباء، نظراً إلى صعوبة تدبّرهم لقمة العيش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مهن المهاجرين

يتجه عدد من المهاجرين المنحدرين من دول أفريقيا إلى الاشتغال في مهن معينة أيضاً، وغالباً ما تكون مهناً تطلب القوة البدنية والجلَد والتحمل الجسدي، مثل مهنة البناء أو الإسكافي أو الحمال، وغيرها من المهن الشاقة.

أما المهاجرات الأفريقيات، فغالباً ما يتجهن إلى مهن بيع الإكسسوارات المختلفة، أو العمل منظفات أو عاملات في الأسواق التجارية وغيرها من المهن.

في هذا الصدد، قال مقاول البناء عبدالله أمهال، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه يعمل على تشغيل مهاجرين أفارقة معه في مجال البناء، لأنها مهنة تتطلب القوة البدنية التي  يتميز بها المهاجرون الأفارقة لطبيعتهم الفيزيولوجية التي وهبهم إياها الله.

وأضاف أمهال أن "المهاجر الأفريقي يعمل في العادة بجد وكد، ولا يقدم الأعذار الواهية للتغيب عن العمل في البناء، مثل عدد من المستخدمين المغاربة"، مضيفاً أن "راتبهم أيضاً يكون أقل من أجر المغاربة، بالنظر إلى أن هؤلاء تكون لديهم أسر ومتطلبات معيشية أكبر".

وفي كثير من الأحيان، يستعين هؤلاء المهاجرون الأفارقة بالتسول من أجل كسب لقمة العيش، إذ لا يكاد شارع أو مقهى أو مطعم يخلو من وجود أو مرور أحدهم يطلب صدقة، مستعطفاً المارة والمواطنين بعبارات من قبيل "الحاج صدقة الله يرحم والديك" بدارجة مغربية ممتزجة بلكنة أفريقية.

مغامرات الهجرة وتفكيك الشبكات

ظروف العيش الصعبة هذه التي يواجهها عدد من المهاجرين الأفارقة، على الرغم من محاولات الاندماج الاجتماعي والإدماج الرسمي، تدفع كثيراً منهم إلى التربص وتحيّن الفرص السانحة للهجرة نحو أوروبا، تحديداً إسبانيا التي تبعد عن سواحل الشمال المغربي 15 كيلومتراً فقط.

ويمضي هؤلاء المهاجرون أوقاتهم بين مزاولة مهن بسيطة أو التسكع في الشوارع، أو التسول، وأحياناً ارتكاب السرقات والاعتداءات، لكنهم يضعون أعينهم على الأوقات التي تنشط فيها الهجرة السرية، إما عبر "قوارب الموت" أو عبر اقتحام سياجات مدينتي سبتة ومليلية.

وإذا كانت الهجرة السرية عبر قوارب الموت مكلفة مادياً، لأن "عصابات الاتّجار بالبشر" التي تقف وراءها تطلب مبالغ مالية لتوفير القارب وإيصال المهاجرين إلى الضفة الإسبانية، فإن كثراً يختارون مغامرة اقتحام السياج الشائك على الرغم من خطورته وتشديد المراقبة الأمنية، وهو ما حصل يوم الجمعة الماضي، عندما تسبب تدخل القوات المغربية والإسبانية في مصرع 23 مهاجراً أفريقياً.

وتورد الأرقام الرسمية تفكيك أكثر من 1300 شبكة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، من ضمنها 625 شبكة عام 2021 و100 شبكة إلى غاية مايو (أيار) 2022، وفق أرقام وزارة الداخلية المغربية.

وتبعاً للمصدر ذاته، تم صدّ أكثر من 145 عملية اقتحام حول مدينتي سبتة ومليلية منذ عام 2016، من بينها 50 اقتحاماً عام 2016 و12 اقتحاماً حتى مايو 2022، كما تم إجهاض أكثر من 360 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية منذ عام 2017، من بينها 63 ألفاً عام 2021 و26 ألفاً حتى مايو 2022.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات