Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا تستغل شبكات التهريب مآسي المهاجرين الأفارقة في المغرب

دعوات إلى "تعاون أمني بين الدول لوضع اليد على هذه العصابات لأن التهجير السري أصبح حاضنة خطيرة لانتهاكات حقوق الإنسان"

مهاجرون أفارقة يحاولون الفرار من قبضة القوات الأمنية المغربية والإسبانية (أ ب)

وحَّدت الأحداث المؤلمة التي شهدتها مدينة مليلية، الواقعة في الساحل الشمالي للمغرب، والخاضعة للسيادة الإسبانية الجمعة الماضية، والتي أفضت إلى مصرع 23 مهاجراً أفريقياً غير نظامي، مواقف الحكومتين في الرباط ومدريد، ومواقف منظمات وأحزاب سياسية مغربية.

وتطابقت مواقف المغرب وإسبانيا في شأن تورط شبكات أو "مافيا الاتجار في البشر" في أحداث مليلية الدامية، لكونها تتاجر بأحلام وآلام المهاجرين المنحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يعيشون في المغرب فترة من الزمن في انتظار اغتنام فرصة الهجرة إلى إسبانيا عبر ولوج مدينتي سبتة ومليلية.

ويتهم حقوقيون "مافيا الاتجار بالبشر" بممارسة الابتزاز وجرائم أخرى ضد المهاجرين السريين الأفارقة، وحتى المغاربة، مطالبين السلطات الأمنية المعنية بالضرب بيد من حديد على يد هذه العصابات، ذات الامتدادات داخل القارة السمراء.

مواقف الرباط ومدريد والأحزاب

ولم تتردد الحكومة المغربية على لسان ناطقها الرسمي مصطفى بايتاس، في اتهام شبكات الاتجار بالبشر بأنها تقف وراء الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة مليلية، بعد محاولة اقتحام المئات من المهاجرين الأفارقة السياج الحدودي بين مليلية والناظور المغربية.

واعتبرت الحكومة المغربية أن "شبكات تهريب المهاجرين السريين تتعمد القيام بمناورات لبيع الوهم لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين، واستغلال مآسيهم الإنسانية، ودفعهم إلى مغامرات غير محسوبة العواقب".

من جانبه، اتهم رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، شبكات تهريب البشر بحض المهاجرين غير النظاميين على اقتحام سياج مليلية. وقال في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإسبانية، "إذا كان ثمة مسؤول عن كل ما حدث على الحدود، فهي المافيات التي تتاجر بالبشر".

وحمّل حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي يقود الحكومة المغربية، في بلاغ له، مسؤولية حادثة مليلية إلى "شبكات تهريب البشر التي تستغل الظروف الاجتماعية لمواطني بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء"، داعياً السلطات إلى "التصدي الحازم لمثل هذه الأفعال التي تستهدف النيل من البلاد، والتشويش على تراكمها الإيجابي في معالجة قضايا الهجرة".

أما حزب "الأصالة والمعاصرة"، المشارك في الحكومة، فقد دعا إلى "التصدي بحزم قوي لشبكات الاتجار بالبشر، التي تقع عليها المسؤولية الأساسية في ما حدث، وإلى تمكين المهاجرين من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية لتحريرهم من قبضة وإغراءات هذه الشبكات الإجرامية".

وسجلت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة حقوقية مدنية) أن "الهجوم على السياج الحدودي كان سلوكاً منظماً ومدبراً من قبل عصابات الاتجار بالبشر"، موردة أن "هذه العصابات قامت بالتغرير بهؤلاء المهاجرين الضحايا، والدفع بهم نحو ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون، مثل إحراق جزء من غابة كوروكو، ومواجهة قوات حفظ الأمن بالحجارة والعصي، والتدافع الكبير نحو السياج".

"غيتوهات" في الغابات

وقال أمادو، مهاجر غيني غير نظامي يقيم في المغرب منذ سنتين، إن الأفواج الهائلة التي اقتحمت سياج مليلية كانت جامحة ويائسة بسبب الأبواب الموصدة أمامها، خصوصاً في خضم جائحة كورونا التي ضيقت عليهم فرص الشغل والعيش.

ووفق المهاجر ذاته، فإن أغلب هؤلاء المهاجرين غير القانونيين يدخلون المغرب بطرق مختلفة، أغلبها يتسم بالخطورة عبر الحدود الجزائرية أو الحدود الموريتانية، وهم يعتبرون المغرب محطة انتقالية فقط قبل العبور إلى الضفة الإسبانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واسترسل، "لما طال الأمد خصوصاً خلال سنوات الجائحة، وبالنظر إلى صعوبة المعيشة وعدم الاستقرار الاجتماعي، وخشية أن يقعوا في قبضة الأمن المغربي، فإن الحل الذي ظهر أمامهم هو اقتحام السياج بطريقة عنيفة غير مسبوقة"، مبرزاً أن هؤلاء المهاجرين اتخذوا في غابات مدينة الناظور مأوى لهم، عبارة عن مخيمات بعيداً من أعين السلطات.

وتعد غابة "كوروكو" ناحية الناظور أحد أشهر الملاجئ التي يتخذها المهاجرون غير النظاميين مأوى لهم، في انتظار استغلال أية فرصة للوصول إلى مليلية، ومن ثم بلوغ الأراضي الإسبانية.

وما فتئت منظمات وجمعيات مدنية تطالب بتفكيك مثل هذه المخيمات الغابوية، التي يلجأ إليها المهاجرون الأفارقة غير القانونيين، خشية خلق "غيتوهات" مع غيتو Ghetto)) داخل هذه الغابات في المستقبل.

حرب ضروس

وتشن السلطات الأمنية المغربية حرباً ضروساً ضد شبكات تهريب البشر، واستغلال المهاجرين السريين، إذ إنها أجهضت 42.071 محاولة للهجرة غير القانونية منذ بداية سنة 2021 حتى نهاية العام نفسه، كما فككت 156 شبكة إجرامية تعمل في مجال تيسير الهجرة السرية.

وأوقفت السلطات المغربية سنة 2020، أكثر من 9 آلاف مرشح للهجرة غير النظامية، بينهم 6162 من جنسيات أجنبية، إضافة إلى 466 من منظمي الهجرة يشتبه بتورطهم في 123 شبكة إجرامية للاتجار بالبشر، وفق أرقام رسمية.

وسبق لوزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، أن أكد أخيراً أمام مجلس النواب أن "السلطات تعمل على انتشال ضحايا الشبكات الإجرامية من مافيا الهجرة غير النظامية، وتعمل على إعادتهم إلى بلدانهم في ظروف آمنة"، وفق تعبيره.

وحدث في الأيام القليلة الأخيرة أن الأمن المغربي أوقف مواطناً نيجيرياً مطلوباً دولياً بتهمة الاتجار بالبشر عن طريق تسهيل هجرة المهاجرين السريين، بنيل مبالغ مالية مقابل تيسير تنقيلهم وتحركاتهم.

وفي 25 يونيو (حزيران) الحالي، اعتقلت السلطات الأمنية في مدينة كلميم ثلاثة أشخاص ينحدرون من دول جنوب الصحراء، يقيمون في المغرب بطريقة غير شرعية، جراء ارتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر.

عمولات مالية

ويعلق محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان الذي يهتم بملفات الهجرة، على الموضوع بالقول في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "شبكات تهريب البشر التي تنشط في شمال المغرب، والتي ينحدر جل أعضائها من دول جنوب الصحراء الأفريقية، أمر واقعي وقائم منذ سنوات".

واستطرد بن عيسى موضحاً، "سبق أن سجلنا خلال عملنا الميداني وجود تحولات في دينامية الهجرة، بوجود تنظيم غير رسمي داخل صفوف المهاجرين تسيطر القيادة فيه على كل شيء مقابل عمولات مالية، واستطاعت بفضل ذلك مراكمة ثروات كبيرة".

وزاد الحقوقي ذاته، "إن المشاركة في حملات اختراق الحدود يتطلب دفع مبالغ مالية تتجاوز 20 ألف درهم (2000 دولار)، يخصص جزء منها للمشاركين في الاقتحامات والمواجهات مع القوات العمومية".

ويكمل ابن عيسى، "هؤلاء يكونون في الصفوف الأمامية أثناء الاختراق، ويتميزون ببنية جسمية قوية، وهدفهم هو عرقلة عمل منفذي القانون من أمن ودرك، كما يعمدون إلى قطع الأسلاك الشائكة للسياج الحدودي، فيما تكون الصفوف الخلفية خاصة بالمهاجرين، الذين أدوا أتاوات لتلك المافيا"، حسب تعبيره.

وكشف الناشط المهتم بملف الهجرة عن أن "الانتماء إلى هذا التنظيم غير الرسمي يتطلب دفع عمولات مالية إلى قادته، عبارة عن عمولات أسبوعية أو شهرية ليستفيد المهاجر غير النظامي من الحماية".

انتهاكات حقوق الإنسان

من جهته، يقول عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن "ما جرى في المعابر الحدودية بين الناظور ومليلية مؤسف جداً، يحتاج إلى تحقيق شامل ودقيق"، مضيفاً، "نحن أمام قضية خطيرة تمس بأمن الدول وسيادتها، وتتحملها بالدرجة الأولى عصابات الاتجار بالبشر".

ويتابع، "هذه التجارة تشكل مورداً مهماً للأموال بالنسبة لهؤلاء المجرمين الذين لا تقتصر جرائمهم على تنقيل المهاجرين، بل يمارسون في حق الكثير من المهاجرين الأفارقة، وبالخصوص النساء والأطفال، جرائم الابتزاز والاغتصاب، وحتى القتل والاتجار بالأعضاء البشرية، لا سيما في الدول التي تشهد توتراً أمنياً مثل سوريا وليبيا وبعض الدول الأفريقية.

ودعا الحقوقي إلى "الضرب بيد من حديد للقضاء على تلك العصابات التي لها امتدادات في تخوم القارة الأفريقية وفي بعض المدن المغربية ونظيراتها الأوروبية"، مبرزاً أنه "يجب أن يكون هناك تعاون أمني بين الدول لوضع اليد على هذه الشبكات، لأن التهجير السري أصبح حاضنة خطيرة لانتهاكات حقوق الإنسان".

وتابع، "إذا كنا نلوم الدول على استعمال القوة تجاه المهاجرين، فاليوم بات من الضروري الاعتراف بأنه من حق هذه البلدان الدفاع على حدودها وسيادتها وأمنها، خصوصاً أن ممارسات عصابات الاتجار بالبشر أصبحت تشكل خطراً على الاستقرار والأمن، لا سيما في المغرب وإسبانيا".

وذهب الخضري إلى أنه "بات لزاماً على المغرب أن يقوم بحملة كبيرة ضد هؤلاء المتاجرين بمصير الأرواح البشرية"، مواصلاً بأن "الأمر لا يقتصر على ما جرى في مليلية للمهاجرين الأفارقة، والذين تبين أن بينهم أشخاصاً متمرسين على القتل وخوض الحروب، بل أيضاً بما يجري بمهاجرين مغاربة محتجزين في ليبيا لدى ميليشيات متعددة وفي أقبية تنعدم فيها شروط الحياة".

المزيد من تقارير