Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق ميدان إيران!

"لا أعتقد أن طهران ستقوم بضرب أي من دول الخليج وخصوصاً في المراحل الأولى لأية مواجهة"

"يحسب الإيرانيون للمواجهة مع الولايات المتحدة ويتوقعون ضربات انتقائية لمواقع نووية وعسكرية" (أ.ف.ب)

يحسب المسؤولون في النظام الإيراني للاحتمالات كافة، أو هكذا هم يعتقدون ويعملون على نشر وتعزيز هذا الانطباع، خصوصاً لدى مؤيديهم الذين يؤمنون بأن مرشد الثورة إمام معصوم لا يخطئ أبداً، ومع تصاعد التوتر والمواجهات في منطقتنا بسبب تدخلات إيران بالدرجة الأولى في شؤوننا العربية، فإن الإيرانيين يحسبون لأسوأ السيناريوهات والمواجهة العسكرية مع أميركا. صحيح أن المراقبين لا يرون حرباً شاملة في الأفق بين أميركا وإيران، ولكن الأصح أن التوتر على أشده، والتحرشات وبالونات الاختبارات والتصريحات المتبادلة والحرب النفسية على قدم وساق، والأصح أن هذا هو الشرق الأوسط حيث على المراقب أن يتوقع غير المتوقع، وكما قالت العرب قديماً "الحرب أولها كلام".

ويحسب الإيرانيون للمواجهة مع الولايات المتحدة، ويتوقعون ضربات انتقائية لمواقع نووية وعسكرية كأسوأ الاحتمالات خلال هذا العام أو العام المقبل، وليس في حساباتهم غزو شامل لبلادهم، على الأقل ليس في المستقبل المنظور، ولذلك فقد حددوا ساحة المواجهة بانتقائية أيضاً، بل أعلنوا أين سيكون ميدان منازلتهم لأميركا، وهذه هي السيناريوهات لمسرح المواجهة في حال تعرضت إيران لضربات أميركية، لا شك بأنها ستكون ساحقة ماحقة إن حدثت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 لا أعتقد أن إيران ستقوم بضرب أي من دول الخليج، خصوصاً في المراحل الأولى لأية مواجهة عسكرية، لأن ذلك يعني إعلانها حرباً شاملة على كل دول جيرانها في الساحل الغربي من الخليج العربي، وهو ما سيقود لمزيد من العزلة الدولية لإيران، وربما دخول دول أكثر في المواجهة العسكرية معها، لكن العنصر الأهم في دول الخليج هو غياب ميليشيات شيعية سياسية مسلحة "علنية" مرتبطة علناً بإيران وعلى استعداد للقتال نيابة عنها.

لن تقدم إيران على ضرب السعودية، فضرب السعودية ليس بالأمر الهين وليس نزهة يمكن أن تنتهي بالاعتداء عليها، فإن كان لإيران صواريخها بعيدة المدى، فصواريخ "رياح الشرق" السعودية أبعد مدى، وطيرانها الحربي يمكن أن يسيطر على سماء المواجهة سيطرة تامة، وليس بها قواعد أميركية وضربها للسعودية يعني أيضاً جرّ باقي دول الخليج، وربما مصر ودول عربية وإسلامية أخرى للمواجهة معها.

ولن يقدم الإيرانيون على ضرب الإمارات العربية المتحدة في حال تعرضها لهجمات أميركية، للقوة الجوية الضاربة التي تمتلكها الإمارات إضافة إلى جيش تمرّس على القتال طيلة السنوات السبع الماضية، ناهيك عن أن ضربها يعني ضرب السعودية والبحرين والكويت معاً، ما يعني مواجهة شاملة مع الطرف الغربي لدول الخليج وذلك أمر ستعمل إيران على تحاشيه لأنه قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب شاملة معها، ما لا مقدرة لإيران على تحمله، والأمر ذاته ينسحب على البحرين التي يعني التعدي عليها تعدياً على باقي دول الخليج وعلى الأسطول الخامس الأميركي.

ومن المستبعد أن تتعدى إيران على الكويت، فعلى الرغم من توتر العلاقات بين البلدين على إثر اكتشاف شبكة تجسس إيرانية وخلية العبدلي المسلحة المرتبطة بإيران، وسحب السفير الكويتي من طهران منذ سنوات، فستحاول إيران إبعاد الكويت عن المواجهة طمعاً في دور كويتي معتدل، قد يلعب دوراً في وساطة إنهاء الصراع إذا ما اشتعل... لا قدّر الله. ويعزز هذا الاعتقاد الزيارة التي قام بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح هذا الأسبوع إلى بغداد في محاولة لخلق أجواء للتهدئة وتخفيف حدة التوتر.

ولن تقوم إيران بضرب قطر التي فيها قواعد أميركية نتيجة للعلاقات المتميزة التي تربط الدولتين، خصوصاً بعد مقاطعة قطر عام 2017، فإيران ترى في قطر بعد المقاطعة موطئ القدم لها في الساحل الغربي للخليج، إضافة إلى ارتباط الدولتين بحقول الغاز المشتركة. ومن المستبعد أن تشن إيران عدواناً على عمان بسبب السياسة العمانية الثابتة بالحياد في صراعات المنطقة كافة.

إذاً، سيكون العراق هو الميدان الذي اختارته إيران لمواجهة أميركا، ففي العراق حشد شعبي تشكلت غالبية فصائله وتدربت وتسلحت وتمذهبت سياسياً على ولاية الفقيه، وتدين بالولاء لطهران علناً من دون مواربة أو خجل، وبالتالي فالحشد الشعبي استمرار لاستراتيجيتها للحروب والتدخل بالوكالة، وقد بدأت رسائل هذا الميدان تصل تباعاً وآخرها هجمات فجر الأربعاء على مجمع لشركات نفطية غربية جنوب البصرة وعلى قاعدة عسكرية أميركية بالقرب من الموصل، وذلك خلال ساعات من إعلان الولايات المتحدة إرسال ألف جندي إضافي إلى المنطقة بعد الهجمات على ناقلات نفطية، أشارت أصابع الاتهام بعدها إلى إيران بارتكابها.

 وكنت مخطئاً حين غردت منتقداً موقف العراق "المنفرد" برفض البيان الختامي للقمة العربية التي عُقدت في مكة الشهر الماضي، إذ كنت أظن أنه جاء نتيجة ضغط إيراني، ولكن تبين أنه محاولة يائسة من قبل بعض ساسة العراق بالنأي به عن المواجهة المحتملة بين إيران وأميركا وتعزيز الحياد، لكن الأوان قد فات، وقرار بغداد أصبح في طهران.

ومن المفارقات اللغوية أن كلمة ميدان أصلها فارسي، فهل ثمة علاقة بين الملكية اللغوية والسياسية للقرار في بغداد، فرضت استحقاق الميدان؟ أشك طبعاً في ذلك، ولكن "الميدان" عربي هذه المرة وليس فارسياً.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء