Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الباب الشرقي" في بغداد... مبدأ الثورة ومنتهى السلم

موقع المنطقة المركزي وسط العاصمة العراقية جعلها قلب التظاهرات ومقصد الطبقات الفقيرة للعمل والشراء

تضم المنطقة أسواقاً وأبنية أثرية ومساجد وكنائس كما أنها نقطة التقاء وتوزيع للمواصلات من وإلى أطراف بغداد (أ ف ب)

تشكل منطقة "الباب الشرقي" وسط العاصمة العراقية بغداد أهمية كبرى لأبناء بلاد الرافدين، كونها تتوسط العاصمة وتوجد بها ساحة التحرير، منطلق التظاهرات التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية.

وتعتبر منطقة باب الشرقي أو كما يسميها العراقيون في لهجتهم المحلية "باب الشرجي" من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في بغداد، لا سيما من الطبقات الفقيرة والعاملة، حيث تضم أسواقاً وأبنية أثرية ومساجد وكنائس مثل كنيسة غريغور الأرمنية، كما أنها نقطة التقاء وتوزيع للمواصلات والحافلات القادمة من وإلى معظم أطراف العاصمة بغداد، كما لم تسلم من الهجمات الإرهابية التي شهدها العراق خلال السنين الماضية.

مبدأ التظاهرات

يقول الباحث السياسي نبيل جبار العلي إن "ساحة التحرير اختيرت في وسط بغداد كأفضل موقع لإقامة التظاهرات والاحتجاجات لأسباب عدة، فموقعها الجغرافي المتوسط للمدينة المترامية الأطراف ورمزية نصب التحرير المنحوت بيديّ جواد سليم والرامز لمراحل كفاح الشعب وتضحياته من أجل الكرامة، جعلها قبلة للمتظاهرين والمحتجين المفضلة على جميع الساحات الأخرى التي لم تستطع استيعاب حجم التظاهرات أو مرونة الانتقال من مناطق بغداد المختلفة وإليها. 

ويضيف، "مع مراجعة التظاهرات العراقية منذ العام 2003 ولغاية اليوم، نجد أن أبرز التظاهرات والاحتجاجات هي تلك التي أقيمت في ساحة التحرير بالباب الشرقي، متفوقة بفارق كبير على أية تظاهرة أخرى في الساحات الأخرى أو حتى تلك التظاهرات المقامة في المنطقة الخضراء المحصنة".

أحد أهم البوابات

الخبير الأثري العراقي إحسان فتحي أشار في مقالة عن تاريخ المنطقة وتكوينها إلى أن "الخليفة العباسي المستظهر بالله (1094-1118) كان قد أمر بتشييد سور منيع سنة 1095 ميلادية يحيط بالرصافة من جميع أطرافها، أي حتى جبهتها النهرية المطلة على الضفة اليسرى لنهر دجلة ليحميها من هجمات الأعداء والطامعين في هذه المدينة العظيمة".

وتابع فتحي، "لم تشأ الأقدار أن يفرح المستظهر ويرى مشروعه الجبار قد اكتمل، إذ وافته المنية سنة 1118 ميلادية وأكمله ابنه المسترشد بالله المشروع في 1119 ميلادية. واحتوى السور على ستة أبواب وهي باب المعظم أو السلطان الذي هدم سنة 1925، والباب الوسطاني ولا يزال قائماً، وباب الطلسم الحلبة الذي فجره الجيش التركي قبل انسحابه في مارس (آذار) 1917، أما "الباب الشرقي فهدمه أمين العاصمة أرشد العمري سنة 1937.

واختلفت تصاميم الأبواب الخمسة عن بعضها بحسب فتحي، لكنها تشابهت في تبنيها فكرة المدخل المنكسر الذي استخدم للمرة الأولى في بوابات بغداد المدورة وكان حلاً فعالاً ضد هجمات الأعداء، ومن حسن الحظ فإن الباب الوسطاني الذي نجا بأعجوبة من معاول الهدم يعطينا فكرة مدهشة على مهارة المصمم المعماري العباسي في تحقيق أقصى قدرة دفاعية ضد أي جيوش غازية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير فتحي إلى أن "الدراسات الميدانية التي قام بها المعماري الألماني لانجينيجر عام 1910 على سور وأبواب بغداد تعطينا فكرة جيدة عن تصميم وقياسات الباب الشرقي وموقعه الذي كان يبعد 275 متراً عن نهر دجلة".

وتابع، "كان الباب الشرقي أحد أهم البوابات في حياة المدينة لأنه كان باتجاه الطريق الجنوبي المؤدي إلى قرية كلواذي، ومن بعدها المدائن وواسط والبصرة وخليج البصرة المتصل بالهند وشرق آسيا، أما المساحة الكبيرة التي تقع مباشرة أمام الباب فبدأت تتزايد أهميتها كميدان لتجمع الناس خلال المناسبات المختلفة، وتعززت أهميتها جداً عندما شيدت مدرسة راهبات المتقدمة الفخمة من قبل مجموعة من الراهبات الفرنسيات (لاتين كاثوليك) سنة 1927، وفي سنة 1933 تم نصب تمثال لرئيس الوزراء العراقي عبدالمحسن السعدون (انتحر في 1929)، كما اكتسبت أهمية ملحوظة عندما شيدت بها أفخم دار سينما في العراق سميت بسينما الملك غازي سنة 1934، ثم هدمت سنة 1957 بسبب فتح شارع الملكة عالية، وعلى الرغم من كل هذه التحولات السريعة في الساحة المفتوحة والباب الشرقي إلا أنه بقي صامداً بسبب استغلاله ككنيسة للجالية البريطانية".

ويضيف، "كان أرشد حسن بيك العمري المولود في الموصل سنة 1888 والذي تخرج في مدرسة المهندسين العالية في إسطنبول سنة 1912 وعمل في بلديتها وتزوج من فتاة تركية سنة 1918، وكانت شهادته أقرب إلى الهندسة المدنية، تأثر بما يجري من أعمال تحديث كبرى ومشاريع بنية تحتية في كبرى المدن الأوروبية وإسطنبول أيضاً، ويبدو أنه لم يدرس تاريخ العمارة جيداً ولم تكن لديه أية فكرة عن الحفاظ على التراث المعماري على الرغم من معرفته الدقيقة باهتمام الأتراك بالحفاظ على آثارهم الإسلامية، وعندما أفرغ البريطانيون الباب الشرقي وانتقلوا إلى كنيستهم الجديدة في الصالحية سنة 1936، سنحت الفرصة له للتخلص منها، وكأنه كان متربصاً بها طول الوقت بحجة بأنها تعوق إعادة تنظيم هذه المنطقة كلها والتي بدأت تعرف بساحة الملكة عالية، وفي الحقيقة فإن البوابة لم تشكل أي عائق أبداً، بخاصة أن ربط شارع السعدون بالطريق الذي أصبح لاحقاً جزءاً من شارع الجمهورية يمر بجانبها وليس من خلالها".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات