تتجه الحكومة العراقية إلى إبرام صفقة مع فرنسا لشراء سرب من طائرات "رافال" طال الحديث عنها منذ عام 2020 وحتى الآن، عبر سلسلة من التصريحات الرسمية، وزيارات مسؤولي وزارتي الدفاع في البلدين المتعددة للانتهاء من هذه الصفقة، التي ستعيد العراق من جديد إلى سوق السلاح الفرنسية للمرة الأولى منذ غزو الكويت في أغسطس (آب) 1990.
وتخطط الحكومة العراقية لتعزيز قدراتها النارية عبر سلسلة من العقود التي وقعتها لتوريد مدافع ومسيّرات ودبابات وعجلات مدرعة لسد النقص الحاصل في بعض فرق الجيش بسبب حرب السنوات الثلاث ضد تنظيم "داعش".
قرض لشراء "رافال"
وكشف وزير الدفاع العراقي جمعة عناد في لقاء متلفز عن نجاح العراق في الحصول على قرض محلي لشراء 14 طائرة "رافال" الفرنسية الصنع، مبيناً أن سعر الطائرة الواحدة هو 200 مليون دولار أميركي، وكان الوزير العراقي قد أجرى زيارة إلى فرنسا في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021 جاءت كجزء من خطط بغداد لتنويع مصادر السلاح العراقي، وتمخضت الزيارة، حسب عناد، عن تفاهم أولي لشراء أسلحة فرنسية أهمها طائرات "رافال" ومنظومة دفاع جوي ومروحيات.
ولدى العراق حالياً 95 طائرة مقاتلة من أصول أميركية وروسية وكورية جنوبية وتشيكية، وكلها تعاقدت عليها البلاد بعد عام 2003، إلا أن هذا العدد، بحسب متخصصين، غير كاف لتأمين الأجواء العراقية والقيام بضربات ضد أهداف معادية، خصوصاً أن البلد يمتلك مساحات واسعة من الصحراء.
ولعل الأزمات الاقتصادية التي عانى منها العراق خلال السنوات الماضية نتيجة انخفاض أسعار النفط أرجأت التوجه لشراء أسلحة جديدة، إلا أن زيادة أسعار النفط والوفرة المالية التي تتمتع به احتياطات البلاد من الدولار خلال هذا العام، والعام الماضي، شجعتا العراق على التحرك مجدداً نحو الجانب الفرنسي من أجل شراء طائرات "رافال" المتطورة.
وخلال السنوات الماضية، عقدت بغداد عدداً من صفقات التسلح لتطوير قدراتها العسكرية الجوية المقاتلة والمروحية مع الولايات المتحدة التي تربطها معها اتفاقية إطار استراتيجي، فضلاً عن عقود مع روسيا وكوريا الجنوبية، امتلكت بموجبها مجموعة من أسراب الطائرات، إلا أن الحرب ضد "داعش" الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق عام 2014، أظهرت حاجة البلاد إلى تطوير قواتها الجوية، لا سيما بعد الاستعانة بالتحالف الدولي بقيادة أميركا لمحاربة التنظيم الإرهابي.
التنويع مهم
وقال المستشار والخبير العسكري صفاء الأعسم إن من المهم تطوير منظومة السلاح العراقية بخاصة سلاح الجو العراقي وتنويع مصادره، وأضاف، أن "عقيدة السلاح العراقي كانت منذ سبعينيات القرن الماضي عقيدة شرقية تعتمد على السلاح الروسي، لكن بعد 2003، اعتمد الجيش العراقي على السلاح الغربي خصوصاً المجهز من الولايات المتحدة".
سلاح قديم
وأوضح الأعسم أن العراق لم يطمئن خلال 19 عاماً إلى السلاح الأميركي لوجود نقص كبير في تجهيزه في كثير من الصنوف، فضلاً عن قدم بعض أسلحة الجيش العراقي الذي يرجع تاريخ بعضها إلى عام 2013، وأكد وجود ضعف لدى العراق في القوة الجوية لكون البلاد بحاجة إلى طائرة مراقبة لضعف الجانب الاستخباري لديها، لافتاً الى أن عدم جدية الولايات المتحدة في تجهيز السلاح للعراق، جعلته يتحول إلى بلدان أخرى مثل فرنسا، ومن دون موافقة واشنطن.
حالة غير صحية
وأشار إلى أن التحول في مناشئ السلاح يعني زيادة المدربين ومراكز التدريب وكثيراً من الأمور اللوجيستية، معتبراً أن التشعب في شراء السلاح يعد حالة غير صحية وتنتج جراءه زيادة في فرق الصيانة والتدريب والخبراء، وبين الأعسم أن الطيار الذي يقود طائرة "أف 16" يختلف عن تدريب الطيار الذي يقود مثلاً طائرات "رافال"، لذلك، هناك تقييد في حركة المنتسب في الصنف نفسه.
التوجه إلى واشنطن
ودعا مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز محيي عبد الحميد إلى ضرورة اعتماد العراق استراتيجية وطنية دفاعية، والاتجاه نحو الولايات المتحدة لشراء طائرات وتحديث طائراته الحالية، وقال إن البلاد اعتمدت على طائرات "أف 16" التي تعتبر جيدة، وتم تدريب الطيارين العراقيين في الولايات المتحدة على استخدامها، مشيراً إلى أن العراق مرتبط باتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة، ومن الأفضل أن يطلب طائرات أميركية الصنع ويحدث الموجودة لديه، وشدد على ضرورة اعتماد العراق استراتيجية دفاعية وطنية تضعها وزارة الدفاع والعمل على تحديث ما لدى الجيش العراقي، مبيناً أن الأسلحة التي دخلت الحرب ضد "داعش" استنزفت بشكل كبير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأدت المعارك العنيفة مع التنظيم الإرهابي لتحرير المدن العراقية إلى تضرر نسبة كبيرة من آليات الجيش العراقي ومعداته، بشكل يصعب إرجاع بعضها إلى الخدمة، ويتكون الجيش العراقي من 14 فرقة عسكرية وقيادات القوة الجوية والبحرية والبرية والدفاع الجوي ومديرية الاستخبارات العسكرية ودوائر أخرى، ويبلغ عدد منتسبيه 350 ألفاً بين جندي وضابط، وتنتشر قطاعاته في مختلف المدن العراقية باستثناء مدن إقليم كردستان العراق.
قواعد ومدربون
وتابع عبد الحميد، أن العراق لم يستورد أسلحة مشاة جديدة بل حافظ على الأسلحة القديمة التي تسلّمها من الجانب الأميركي، مشدداً على ضرورة أن يهتم العراق بشراء منظومة دفاع جوي جديدة لحمايته من الطائرات المسيرة وغيرها، ومنذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، لم يتم تجهيز العراق بمنظومات دفاع متطورة وحديثة قادرة على منع أي خروقات جوية، واقتصر الأمر على تزويد العراق بمنظومات دفاع جوية ذات مديات قصيرة، إضافة إلى مدافع مضادة للطائرات من مخلفات الجيش السابق تمت إعادة تأهيلها، وأوضح أن طائرات "رافال" متطورة ولها مواصفات خاصة تحتاج إلى مدرجات وقواعد ذات مواصفات معينة، لافتاً إلى أن العراق كان يستخدم الطائرات الروسية والأميركية، والتوجه إلى الطائرات الفرنسية يعني حاجتنا إلى فنيين وخبراء جدد وتدريب الطيارين على تلك الطائرات.
خطوة استراتيجية
وقال الصحافي باسم الشرع، إن صفقة "رافال" ستمثل تعزيزاً للعلاقات العراقية الفرنسية ودعماً لها بعد أن تحسنت خلال الأعوام القليلة الماضية، وأضاف، أن "فرنسا سعت بكل الوسائل لامتلاك العراق هذه الطائرات لكونها ترى في التعاون العسكري بين البلدين دوراً مهماً في استقرار المنطقة وتعزيز وجودها فيها، خصوصاً أنها تمتلك علاقات جيدة مع جميع الفرقاء العراقيين بمن فيهم حلفاء إيران".
ثقة المجتمع الدولي
وأوضح الشرع أن الصفقة ستعزز إمكانيات سلاح الجو العراقي وتجعله أكثر قوة في التعامل مع المنظمات الإرهابية والجماعات المسلحة، كما أنها تمثل رسالة ثقة واطمئنان واضحة إلى المجتمع الدولي أن الدولة العراقية يمكن الوثوق بها في قضايا التعاون الأمني الاستراتيجي، مشيراً إلى أن العراق فقد ثقة المجتمع الدولي، أحياناً كثيرة، بسبب تحوله إلى ورقة ضغط إيرانية في نزاعها مع الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة.
صفقات أخرى
وتابع الشرع أن الحكومة العراقية نجحت في تمرير هذه الصفقة عبر قرض مالي من مصارف عالمية بضمانة البنك العراقي للتجارة التابع للحكومة العراقية بعد عدم تضمينها في قانون الموازنة لعام 2021 وقانون الأمن الغذائي، مرجحاً أن تقوم بغداد بتوقيع سلسلة عقود جديدة مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لشراء أسلحة مختلفة تطور إمكانات الجيش العراقي التي تراجعت كثيراً خلال الحرب ضد تنظيم "داعش".