Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون يهدد بتمزيق اتفاق "بريكست" والاتحاد الأوروبي قد يقاضيه

غالبية برلمانية في إيرلندا الشمالية تعتقد بوجود تهور بشأن إعادة صياغة البروتوكول المتعلق بحدودها

ماروس سيكوفيتش، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، أثناء مؤتمر صحافي في مقر المفوضية في بروكسل، عقب إطلاق الأخيرة إجراءً قضائياً جديداً ضد بريطانيا اتهمتها فيه بالسعي إلى زعزعة السلام في إيرلندا الشمالية. الصورة بتاريخ 15 يونيو 2022 (أ ف ب)

من المحتمل أن يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دعوى قضائية جديدة من جانب الاتحاد الأوروبي في موعد لا يتعدى، الجمعة المقبل، وذلك رداً على تشريع نشر، الثلاثاء، ويتعلق بتراجع المملكة المتحدة عن التزاماتها في ما يتعلق بالترتيبات الخاصة بإيرلندا الشمالية، التي جرى الاتفاق عليها كجزء من اتفاق "بريكست" [الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي].

وسيمنح مشروع القانون المشار إليه آنفاً الحكومة البريطانية سلطات شاملة جديدة تؤهلها للقفز فوق بنود "بروتوكول إيرلندا الشمالية" [يهدف إلى عدم إقامة حدود صلبة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي]، إضافة إلى إعطاء صلاحيات جديدة للمملكة المتحدة في ما يتعلق بالضرائب والإعانات الحكومية في المقاطعة، من دون موافقة بروكسل [عاصمة الاتحاد الأوروبي].

واستطراداً، أثار التشريع المقترح الذي طال انتظاره رد فعل غاضب في بروكسل ودبلن، إذ اعتبر رئيس وزراء جمهورية إيرلندا مايكل مارتن، أن "من المؤسف للغاية أن تتراجع دولة كالمملكة المتحدة عن معاهدة دولية" جرى التفاوض في شأنها والموافقة عليها من قبل السيد جونسون نفسه في عام 2019.

وفي وقت سابق، وقعت غالبية أعضاء "جمعية إيرلندا الشمالية" (المجلس التشريعي)، بمن فيهم نواب حزب "شين فين"، و"الحزب الاشتراكي العمالي"، في المجلس، رسالة مشتركة بعثت بها إلى رئيس الوزراء البريطاني. وقد حضته فيها على التخلي عن إعادة الصياغة "المتهورة" للبروتوكول، التي تعتقد حكومة بريطانيا أنها ستخفف الضغط عن الاضطرابات التي تشهدها التجارة بين إيرلندا الشمالية والبر الرئيس لبريطانيا، منذ البدء بتنفيذ "بريكست".

في هذا الوقت، طرحت تساؤلات حول زعم المدعية العامة البريطانية سويلا بريفرمان أن هذه الخطوة لا تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، لأنه اتضح أنها تستند إلى "مبدأ الضرورة"، الذي يسمح للدول بخرق الاتفاقات في ظروف محدودة جداً وملحة للغاية.

في ذلك الصدد، أشار أستاذ القانون في "جامعة كامبريدج" البروفيسور مارك إليوت، إلى أن "لجنة القانون الدولي" تؤكد أنه لا يمكن التذرع بمبدأ التوقع المشروع [بمعنى التوقع المرتبط بمبدأ الضرورة] إلا عندما تكون مصالح بلد ما أمام "خطر جسيم ووشيك"، ولأسباب لم يسهم فيها ذلك البلد بنفسه. واعتبر أن "من الصعب للغاية الجدال" في أن هذا الوضع ينطبق على "بروتوكول إيرلندا الشمالية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف البروفيسور إليوت، أن "الموقف يتمثل في أنه إذا أقر "مشروع قانون بروتوكول إيرلندا الشمالية" في شكله الراهن ودخل حيز التنفيذ، فمن المحتمل جداً بالفعل، أن يكون في وضع المنتهك للقانون الدولي، لجهة وضع المملكة المتحدة في حال خرق التزامات واضحة منصوص عليها في اتفاق مغادرة الكتلة الأوروبية، وبروتوكول إيرلندا الشمالية".

في سياق مغاير، أوضحت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس أن المملكة المتحدة تفضل إجراء تعديل على البروتوكول من خلال التفاوض مع الاتحاد الأوروبي، لكنها رأت أن هذا الإجراء مستحيل بعد رفض دول أعضاء في الاتحاد تعديل التفويض الممنوح إلى كبير المفاوضين الأوروبيين ماروس سيفكوفيتش.

في ذلك الصدد، اعتبر سيفكوفيتش أن الخطوة البريطانية الأحادية الجانب، "تضر بالثقة المتبادلة" بين الطرفين، ومن شأنها أن تقوض اتفاق التجارة والتعاون الذي يحكم العلاقات بين لندن وبروكسل بعد مغادرة "بريكست"، إضافة إلى رسم شكوك حول إمكان وصول شركات إيرلندا الشمالية إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.

وفي تأكيد من ذلك المسؤول الأوروبي على أن المفوضين سينظرون في اجتماع يعقد، الجمعة المقبل، في اتخاذ تدابير تتعلق بالانتهاك "الجديد" من جانب المملكة المتحدة، إضافة إلى وقف العمل بالتجميد الراهن للإجراءات القانونية، رأى سيفكوفيتش أن "إعادة التفاوض على البروتوكول خطوة غير واقعية، إذ لم يعثر على حل عملي بديل لهذا التوازن الدقيق الذي جرى التوصل إليه بعد مفاوضات تطلبت كثيراً من الوقت".

وكذلك رأى كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي أن "أي إعادة تفاوض ستؤدي ببساطة إلى مزيد من حال عدم اليقين القانونية للأفراد والشركات في إيرلندا الشمالية. ولمجمل هذه الأسباب، فإن الاتحاد الأوروبي لن يعاود التفاوض على البروتوكول".

تجدر الإشارة إلى أن إجراءات انتهاك القانون، يمكن أن تفضي إلى فرض عقوبات مالية على المملكة المتحدة، مع إبقاء سيف الحرب التجارية الشاملة مسلطاً على لندن كخطوة احتياطية، إلى حين تحويل الحكومة البريطانية مشروع قانونها الجديد إلى قانون نافذ، لكن هذا الخيار يبقى بعيد التحقيق، في ظل وجود مقاومة شديدة للمشروع في "مجلس اللوردات"، الذي يتوقع أن يؤخر تمريره في البرلمان.

وفي هذا الإطار، أكدت مصادر حكومية أن التشريع المطروح اليوم لن يؤدي بصورة تلقائية إلى إحداث تغييرات في الترتيبات المعمول بها على مستوى التجارة في إيرلندا الشمالية، ذلك أنه يقتصر على منح الحكومة صلاحية فعل ذلك في وقت غير محدد في المستقبل، مع بقاء قواعد البروتوكول سارية المفعول حتى تقرر الحكومة البريطانية عكس ذلك.

وفي حديث مع "اندبندنت"، رأى أحد النواب البارزين في حزب المحافظين من المشككين في أوروبا، أن القضية المهمة هي أن السيد جونسون ووزيرة خارجيته تراس، أبديا استعدادهما لاتخاذ إجراء منفرد. ورأى أنهما "ربما يأملان في تشجيع بروكسل على تعديل الولاية الممنوحة للسيد سيفوكوفيتش". وأضاف، "هذا هو جوهر اللعبة، لكنني أشك في استعداد الاتحاد الأوروبي للإقدام على خطوة من هذا النوع".

يشار إلى أن مشروع القانون الجديد، الذي جرى الانتهاء من صياغته في مفاوضات ساخنة أجريت في مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، سيمنح حكومة المملكة المتحدة سلطة إنشاء قنوات خضراء وحمراء منفصلة تنتقل من خلالها البضائع البريطانية إلى إيرلندا الشمالية، كي تكون مميزة عن تلك التي تمر فيها البضائع البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي عبر جمهورية إيرلندا، مع إجراء تدقيقات جمركية على البضائع الأخيرة وحدها [لكون جمهورية إيرلندا عضواً في الاتحاد الأوروبي].

أما دور "محكمة العدل الأوروبية" في مجال البت بالنزاعات المتعلقة بالحدود، فينحصر بالأحكام المرتبطة بالبنود الخاصة بقانون الاتحاد الأوروبي، بعد أن تحيلها إليها لجنة تحكيم.

وعلى نحو مماثل، تستطيع الحكومة البريطانية أن تجري تعديلات على الضرائب والإعانات الحكومية من جانب واحد في إيرلندا الشمالية، مثلاً من خلال تمديد العمل بالإعفاء من ضريبة القيمة المضافة على المنتجات التي توفر استهلاك الطاقة المتاحة في بقية مناطق المملكة المتحدة، على الرغم من أن تلك المنطقة [إيرلندا الشمالية] ما زالت تشكل جزءاً من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.

ويمنح "البند 15" المثير للجدل برلمان "ويستمنستر" سلطات واسعة النطاق في تطبيق مزيد من التغييرات في المستقبل، على الرغم من إصرار رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت" على أن البند ليس سوى شبكة أمان تمنح العاصمة البريطانية مرونة في التصرف إذا تغيرت الظروف.

 

في مسار متصل، أكد زعيم "الحزب الوحدوي الديمقراطي" في إيرلندا الشمالية السير جيفري دونالدسون، أن حزبه يريد أن يتحقق من أداء القانون في البرلمان، قبل أن يقرر إذا كان سيضع حداً لمقاطعته ترتيبات تقاسم السلطة، التي أعاقت إنشاء مجلس تنفيذي (حكومة) وجمعية جديدة (برلمان) في إيرلندا الشمالية بعد انتخابات الشهر الماضي.

وبحسب السير جيفري، "فإن نشر مشروع القانون لا يحقق أي شيء في حد ذاته، لكنه على الرغم من ذلك يعد خطوة مهمة. ونريد رؤية مشروع القانون يسجل تقدماً في البرلمان، ومع تقدمه على المستوى التشريعي، سننظر في ما يعنيه نقل السلطة (من لندن) إلى إيرلندا الشمالية".

في غضون ذلك، يلقى رئيس الحكومة البريطانية بوريسون جونسون مقاومة من طرفي التجاذب السياسي داخل حزبه، في وقت تسود فيه مخاوف في مقر رئاسة الوزراء في "10 داونينغ ستريت" من أن مشروع القانون يمكن أن يوفر فرصة مبكرة للتمرد من قبل النقاد الداخليين الذين صوتوا لإقالته كزعيم، الأسبوع الماضي.

ويتعين على أعضاء "رابطة الأبحاث المشككة في الاتحاد الأوروبي" Eurosceptic European Research Group (تضم نواباً محافظين في البرلمان) إعادة أحياء "ستار تشيمبر" Star Chamber [محكمة إنجليزية سابقة كان مقرها في القصر الملكي في ويستمنستر، ما بين أواخر القرن الخامس عشر ومنتصف القرن السابع عشر] الخاصة بها، من كبار المحامين، لمراجعة التشريع الجديد بتمحيص وتدقيق كبيرين، بغية تحديد إذا كان ممكناً أن يقدم حلاً للمخاوف المتعلقة بمعاملة إيرلندا الشمالية على نحو مختلف عن بقية البر الرئيس لبريطانيا.

وفي هذا الإطار، تعرض رئيس الوزراء لاستجواب قوي من نواب "رابطة الأبحاث المشككة في الاتحاد الأوروبي" في اجتماع خاص عقد الأسبوع الماضي، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تضع اللمسات الأخيرة على مشروع القانون.

أحد الأعضاء البارزين في "رابطة الأبحاث المشككة في أوروبا"، أعرب لـ"اندبندنت" عن اعتقاده أن مشروع القانون يعالج ما بين "70 و80 في المئة" من مخاوف المجموعة، لكن الإبقاء على أي دور لـ"محكمة العدل الأوروبية" في مجال الفصل في النزاعات المستقبلية، سيكون "موضوعاً إشكاليا".

في المقابل، أعرب التيار الوسطي في حزب المحافظين المعروف بتيار "الأمة الواحدة" One Nation Conservative [تجمع برلماني بريطاني لنواب في حزب المحافظين يشددون على بقاء إيرلندا الشمالية دوماً ضمن المملكة المتحدة)، أعرب عن قلقه من الضرر الذي قد يلحق بسمعة المملكة المتحدة على المستوى الدولي، نتيجة انتهاكها القانون الدولي.

في إطار متصل، حرص رئيس الوزراء جونسون على القول هذا الصباح، إن التدابير الواردة في مشروع القانون ليست سوى "تغييرات بيروقراطية"، لن تكون أكثر من "مجموعة بسيطة نسبياً من التعديلات ضمن المخطط الأوسع نطاقا".

في المقابل، رأى رئيس وزراء جمهورية إيرلندا مايكل مارتن، أن التشريع البريطاني الجديد "يمثل نقطة سلبية جديدة من شأنها أن تمس بسمعتنا، لأن التوقع الطبيعي من دول ديمقراطية مثلنا والمملكة المتحدة وجميع أنحاء أوروبا، يتمثل في أننا نحترم الاتفاقات الدولية التي نلتزمها".

في مسار مختلف، انتقد زعيم حزب العمال البريطاني المعارض السير كير ستارمر، الحكومة معتبراً أنها "تسلك المسار الخطأ" لجهة استخدام تشريعات أحادية الجانب، في تخطي معاهدة دولية. وأوضح أن "الرد على ذلك يكون بتقبل وجود بعض المشكلات في طريقة عمل [بروتوكول إيرلندا الشمالية]، لكن هذه المشكلات يمكن حلها من خلال الجلوس إلى طاولة مفاوضات، واعتماد الكفاءة والحنكة السياسية والثقة. وهذه الصفات لا تتوافر، ويا للأسف، لدى رئيس الوزراء البريطاني الراهن".

ومما جاء في الرسالة المشتركة التي بعث بها 52 نائباً من أصل 90 في "جمعية إيرلندا الشمالية" الكائنة في "ستورمونت" Stormont [مقر المباني الحكومية الرئيسة والبرلمان في إيرلندا الشمالية]، أن تمزيق البروتوكول "ينسجم والرغبات المعلنة من معظم الشركات، إضافة إلى معظم الناس في إيرلندا الشمالية".

وأضافت الرسالة أنه على الرغم من أن البروتوكول "لا يتسم بالمثالية"، فإنه في شكله الراهن "يمثل الحماية الوحيدة المتاحة لإيرلندا الشمالية من أسوأ آثار الخروج البريطاني من كتلة الاتحاد الأوروبي"، إذ يتيح للشركات إمكانية الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي والسوق الداخلية للمملكة المتحدة.

 

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 14 06 2022

© The Independent

المزيد من دوليات