Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفنادق الموصدة وهجرة العمال والكوادر... عقبات أمام السياحة التونسية

فقد القطاع 50 في المئة من اليد العاملة ويعاني نقص السيولة وتذبذب خدمات النقل

استقبلت تونس مليون سائح خلال الربع الأول من السنة الحالية (أ ف ب)

يسجل الموسم السياحي في تونس حالياً تحسناً على مستوى الإقبال، مما يشير إلى سيره نحو التعافي بعد سنتين من الركود بسبب الأزمة الصحية، إذ ارتفعت عائدات القطاع خلال النصف الأول من السنة بنحو 50 في المئة، مقارنة بالسنة المنقضية.

فعلاوة على الليالي المقضاة ومستوى الحجوزات حيث استقبلت تونس مليون سائح خلال الربع الأول من السنة الحالية، تسعى إلى استقبال نحو خمسة ملايين، أي ما يساوي 50 في المئة من السياح الذين استقبلتهم سنة 2019، وهي السنة المرجعية التي زار فيها تونس 9.4 مليون سائح.

لكن المؤشرات الحالية لا تعكس مستوى التطور المرجو بحكم مقارنتها بالسنة السابقة التي اتسمت بشبه توقف للنشاط، كما تواجه المؤسسات السياحية من فنادق ووكالات أسفار مصاعب لوجيستية عميقة تحول دون عودتها للنشاط بإمكاناتها السابقة، بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها بفعل أزمة كورونا والإجراءات التي رافقتها مما أفقدها جزءاً كبيراً من مقوماتها، إذ أغلقت فنادق وتم تسريح جزء كبير من اليد العاملة، مما حفز المسؤولين الذين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" إلى الدعوة لإنقاذ المؤسسات السياحية على المستوى القريب لتتمكن من استغلال الإقبال الذي تشهده الوجهة التونسية خلال النصف الثاني من 2022، ثم التأسيس لإصلاح هيكلي للقطاع يطور المنتج السياحي ونوعية الوافدين لرفع مستوى العائدات من العملات على المدى المتوسط والبعيد.

خسائر تاريخية

وكشف وزير السياحة محمد المعز بالحسين عن ارتفاع عدد الليالي المقضاة بـ 130 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 2021، وتصنيف تونس كرابع وجهة سياحية عالمية بالنسبة إلى الفرنسيين، وأول وجهة عربية وأفريقية لديهم، وارتفاع طلبات الاستثمار بالقطاع السياحي بنسبة 120 في المئة العام الحالي، وقال إن الاستثمارات بلغت 360 مليون دينار (120 مليون دولار) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2022.

لكن تونس تسعى إلى بلوغ المؤشرات السياحية الجيدة التي تم تسجيلها في القطاع السياحي خلال 2019 في الموسم المقبل، وأكد الوزير أن حجم الخسائر التي تكبدها القطاع بسبب الأزمة الصحية بلغت سبعة مليارات دينار (2.33 مليار دولار) سنتي 2020 و2021، واصفاً إياها بالتاريخية، وحتى إن زادت العائدات السياحية بنسبة 50 في المئة منذ بداية السنة الحالية فإنها لا تزال بعيدة من مؤشرات العام 2019 الذي حقق مداخيل بلغت 5.6 مليار دينار (1.86 مليار دولار) في مقابل 2.2 مليار دينار (733 مليون دولار) في 2020 و2.4 مليار دينار (800 مليون دولار) في 2021، علماً بأن قطاع السياحة يوفر 14 في المئة من الناتج المحلي ويمثل 12 في المئة من نسبة التشغيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي خطوة لاستعادة الأسواق التقليدية، اتفق كل من وزير السياحة ونظيره الجزائري على العمل من أجل رفع عدد الرحلات الجوية للخطوط غير المنتظمة (شارتر) بين البلدين من مختلف المطارات، فضلاً عن إرساء خط بحري لدعم التدفق السياحي وانسيابيته، وتسهيل النفاذ للمسافرين في الاتجاهين، علاوة على تدعيم سياحة الملاحة الدولية والرحلات السياحية البحرية للجزائر، انطلاقاً من ميناء حلق الوادي شمال تونس العاصمة.

وبخصوص انعكاسات الجائحة على مهنيي القطاع، بين بلحسين أن الدولة التونسية لم تبق مكتوفة الأيدي أمام تداعيات أزمة كورونا على القطاع السياحي والصناعات التقليدية، على الرغم من قلة الإمكانات المالية المتوافرة، واتخذت إجراءات اجتماعية واقتصادية هدفها المحافظة على مواطن الشغل واستدامة المؤسسات السياحية.

 وأكد أن إجراءات العفو الاجتماعي لطرح خطايا التأخير المتعلقة بمعاليم الضمان الاجتماعي تهدف إلى انخراط جميع الفاعلين في قطاع السياحة والصناعات التقليدية في العفو لدعم التوازن المالي للصناديق الاجتماعية.

نقائص لوجستية

رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار (هيئة نقابية مستقلة) أحمد بالطيب اعتبر أن ارتفاع مستوى الحجوزات وعودة الأسواق التقليدية غير كافيين لتأمين موسم سياحي ناجح بسبب النقائص الفادحة على مستوى البنية التحتية والجانب اللوجيستي، وذكر أن النقاط الإيجابية للموسم الحالي تتمثل في استرجاع تونس الأسواق الفرنسية والإيطالية والألمانية، وهي الكلاسيكية، وما يمكن اعتباره التعافي بعد الأزمة بسبب ارتفاع نسق الحجوزات، لكن في المقابل لم يتم الاستعداد الجيد لعودة النشاط على مستوى النقل الجوي، إذ تم الاكتفاء بالطائرات المعتمدة والرحلات العادية، وهي غير كافية ولم تجر إضافة رحلات غير منتظمة لمجاراة نسق الوافدين.

من جانب آخر، فقد القطاع جزءاً كبيراً من اليد العاملة بسبب تسريح 50 في المئة منهم بفعل توقف النشاط أثناء جائحة كورونا بعد أن أغلق عدد من الفنادق أبوابه ويتطلب استئناف عمله تمويلات ضخمة، وذكر بالطيب أنه من مجموع 1200 وكالة أسفار توقف 20 في المئة منها عن العمل، لكن العودة الحالية تشهد استثمارات جديدة في القطاع على الرغم من النقص الفادح في السيولة لتعويض خسائر السنتين الماضيتين.

ويؤثر تخلي عدد من المهنيين عن النشاط وتسريح العمال ونقص السيولة في جودة الخدمات التي تتطلب الكفاءة والخبرة والتمويل، ويعود ذلك إلى ضعف الإجراءات الاجتماعية المتخذة من قبل الحكومات لمعاضدة القطاع السياحي خلال الأزمة، إذ تم الاكتفاء بطرح خطايا التأخير لمعاليم الضمان الاجتماعي لستة أشهر فقط، وهي غير كافية لتغطية الخسائر الضخمة التي تكبدتها الفنادق ووكالات الأسفار، كما أنها غير كفيلة بإنقاذ قطاع يوفر 400 ألف موطن شغل، لكنه في الواقع يشغل نحو مليوني تونسي بصفة غير مباشرة.

تغييرات طارئة

الخبير والناشط في المجال السياحي محمد علي العنابي أشار إلى تأثير الغياب المدوي للسوق الجزائرية، إذ لم تفتح الحدود البرية بين البلدين لتنقل الأشخاص، وهي سوق كفيلة بتنشيط النقل البري والطيران ووكالات الأسفار والفنادق، بينما يتمثل الإشكال في التغيير الحاصل بنوعية الخدمات على مستوى السوق العالمية والمنافسين بعد الجائحة، إذ أضحت مرتبطة بنسب التحصين والخدمات الصحية ومستوى نظافة المسالك السياحية.

وعلى الرغم من تحقيق نسب عالية من التحصين في تونس، تسجل البلاد عدداً من النقائص على مستويات أخرى، أهمها هجرة الكوادر المتخصصة في السياحة إلى العمل بمجالات أخرى وفقدان اليد العاملة المؤهلة، كما يحتم استئناف النشاط واستعادة العملاء مراجعة هيكلية للقطاع مع تحسين الخدمات بالفنادق والمطارات التونسية، بخاصة التي أضحت مهترئة، ومنها مطار تونس قرطاج الذي يفتقر إلى رقمنة الخدمات للوافدين، مما يحتم اعتماد اللامركزية والاستعانة بمطارات أخرى حديثة في تونس.

أما المستثمر المتخصص في السياحة الصحراوية أحمد عبدالمولى فرأى أن الانعكاسات المتأتية من أزمة كورونا متواصلة على السياحة التونسية في المستقبل، على الرغم من المؤشرات الجيدة في بداية الموسم، بحكم طبيعة شريحة السياح الذين تستقطبهم السوق التونسية، وهم المتنقلون في رحلات جماعية، ولا تزال هذه الطائفة من الوافدين متذبذبة الإقبال بسبب الاحتياطات الصحية وارتفاع أسعار التذاكر والنقل في السوق العالمية. ومن الحلول المطروحة في القطاع تطوير السياحة البديلة المرتكزة على استقطاب الأفراد والسياح من نوعيات مختلفة، وتتمثل في السياحة البيئية الإيكولوجية والصحية والرياضية والثقافية، وقد انطلقت تونس فعلاً في تهيئة الأرض لتنويع المنتج السياحي وتحفيز المستثمرين في المجال على خلق هذا المنتج المتجدد بعائدات أعلى، لكن يجابه هذه النمط السياحي الجديد معضلة التمويل الغائب بحكم كلفة الخدمات المرتفعة، كما يصطدم بالبيروقراطية وتراكم الإجراءات والرخص.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي