Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"من باريس إلى دمشق" قصة حمود شنتوت بين مدينتين

الرسام السوري استوحى الأيقونة والطبيعة الصامتة و"ألف ليلة وليلة" عبر خامات متنوعة

بحيرة كريتاي الفرنسية بريشة حمود شنتوف (اندبندنت عربية)

يحتفي الرسام السوري حمود شنتوت في معرضه الجديد "من باريس إلى دمشق" بالأمكنة كموضوعات لأربعٍ وعشرين لوحة (أكرليك ومواد مختلفة على قماش)، ناقلاً فضاءات مشتركة ومتباينة بين معالم العاصمتين الفرنسية والسورية، عبر قياسات متنوعة لأعماله التي تضمها صالة جورج كامل في دمشق. يقدم شنتوت في هذا المعرض خلاصة تجربته التي بدأها بمعرضه الفردي الأول في صالة الشعب في دمشق بعد عودته من دراسة الفن في أكاديمية البوزار في باريس عام 1985.

منذ ذلك الوقت اشتغل حمود شنتوت على موضوعات متعددة مثل الأيقونة، و"العشاء الأخير"، و"ألف ليلة وليلة"، والشجرة، والمرأة، وأشعار محمود درويش... وفيها جميعها تميز أسلوبه بدسامة ألوانه، واعتماده على تصنيع خامات خاصة به من الفحم والزيت والأكرليك، ورغبته في تحقيق تكنيك عالٍ في التجاور اللوني بين السميك والشفاف، وبين اليبوسة والرطوبة. ولاقى التأسيس لخلفية اللوحة لديه اهتماماً خاصاً، جنباً إلى جنب مع إبداع كيمياء في اللون ونفوره وفقاً للمساحات المضاءة من اللوحة، والتحكم بشدة السطوع المطلوبة فيها.

وفي معرضه الذي حمله معه من باريس حيث يقيم حالياً، ينقل شنتوت نماذج من الطبيعة الصامتة للربيع في باريس والبحيرة والأشجار والأبنية في ضاحية كريتاي الباريسية. وقد تجاورت هذه كلها مع لوحات نقل فيها مشاهد عمرانية من مدينة دمشق كحمّام الأرماني الأثري، والمسجد الأموي، وبساتين غوطة دمشق، إضافةً إلى شجرة النارنج الشامية، ومعالم البيت السوري، حيث تنداح درجات من الأخضر والأزرق مع الأصفر والذهبي في انسجام عالٍ مع أطياف ترابية من البني والبرتقالي والوردي على سطوح اللوحة. وقدم شنتوت هذه الرؤى بأسلوبية تعكس خبرة ابن مدينة حماة في توزيع عناصرها المتوازنة بصرياً، والعناية بتموضع شخصيات نسائية ذات هيئة طيفية ضمنها. ولطالما قدم شنتوت زاوية نظر مختلفة في رسمها كما في لوحته "ملاك يستريح بجانب جدار"، إذ خصص لها بحثاً طويلاً في مختبره التشكيلي، منذ تخرجه في قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1980.

تنويعات لونية

يولي شنتوت في معرضه هذا، أهمية قصوى للتكوين ضمن صيغة واقعية. وفي أعمال أخرى يتوضح تطوير هذا الفنان لأساليب عديدة في التصوير من دون أن يدخل في التكرار، سواء عبر الاشتغال على السطح والخلفية، أو حتى عبر الانتقال المستمر من جرأة اللون، إلى تنويعات الداكن والظليل، ومنها إلى نورانيات وشفافيات أقل سطوعاً. وحتى الآن لم يحقق شنتوت معرضاً واحداً اعتمد فيه موضوعاً أو تكنيكاً مفرداً، فمع كل مرحلة من مراحل عمله، كان هذا الرسّام يبتكر تكنيكاً مختلفاً كما في لوحته "آدم وحواء"، لينتقل منه إلى أسلوبٍ وموضوع آخرين، مما تطلب منه على الدوام شعوراً عميقاً وأصيلاً باللوحة، وتواصلاً مستمراً معها.

أما على صعيد التقنية، فقد عمل حمود حوالى نصف قرن من تجربته على خامات متعددة، فاشتغل على الخشب وعلى قماش بلا أساس، وقماش بأساس، وعلى الكانفس والورق والكرتون. كل ذلك وفقاً لطبيعة ألوانه ومواده الترابية التي مزجها مع الأكواريل، إلى جانب خامات كان يصنعها بنفسه للوصول إلى عجائن لونية خاصة به. وهذا ما كان بادياً منذ تحقيق أعماله الأولى التي استقى ألوانها من جدران الكلس والتراب والطحالب التي تنمو عليها، من آثار رشح الأمطار في بيت أهله القديم في حماة، كما استلهم من ألوان طمي نهر العاصي في أعماله، حيث نشأ هذا الفنان على ضفافه، وجاور أسماكه وأشجاره ومراكب صياديه مذ كان طفلاً صغيراً.

مدينة الهجرة

استغرق شنتوت حوالى ست سنوات لإنجاز أعمال معرضه، وكان يقضي ساعات طويلة من العمل في مرسمه الصغير في باريس كما يخبرنا، مستعيداً مشهديات من ذاكرته عن مراحل هجرته من بلاده عام 2012، ومنها إلى بيروت حيث أقام فيها أربع سنوات، وأقام فيها معارض عن الشجرة والمرأة، قبل أن يستقر به الحال في ضاحية من ضواحي العاصمة الفرنسية، ليتفرغ هناك للعمل بعيداً من زحام باريس وجلبتها. وعن هذا يقول: "لا استطيع أن أقيّم أعمالي، فالزمن هو الذي يفعل ذلك، دعني أستشهد هنا ببيت لمحمود درويش يصف فيه القصيدة وكأنه يصف اللوحة: "إن القصيدة هي رمية نرد على رقعة من ظلام تشع أو قد لا تشع". الزمن هو الذي يثبت أنها تشع أو لا، الزمن هو الوحيد الذي يفرز الأشياء الجيدة من الرديئة التي ستموت مع الزمن. فان غوخ مثلاً عاصره مئات الفنانين المشهورين وأصحاب الدخل الجيد، لكن كلهم قد تم نسيناهم، إلا أن صاحب "أكلة البطاطا"  صمد إلى الآن في الزمن، لكونه صنع فناً حقيقياً وعميقاً. كان فنسنت يقول دائماً: "لوحاتي صرخة أسى صادرة من أعماقي"، وأنا أقول كأنه كان يرسم بدمه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تختلف المواد التي يستخدمها شنتوت تبعاً لاختلاف الموضوع، وعن هذا يقول: "المواد التي أستخدمها لرسم الرقص غيرها في الأعمال التي أرسم فيها البيت الدمشقي. ليس الموضوع هو المهم، بل طريقة معالجتك لهذا الموضوع. لذلك كان هاجسي دائماً البحث عن مواد جديدة أعمل بها، والبحث عن أقمشة ومواد جديدة لأرسم عليها. فالفنان الناجح برأيي هو من يصيب في اختيار المادة المناسبة لموضوع دون آخر. ففي الطبيعة الصامتة قد أستخدم مواد غير التي أستخدمها لرسم "ألف ليلة"، والمادة هنا هي التي تساعد الفنان كثيراً على إيصال التعبير الصحيح وبدقة للمتلقي".

ويغرف شنتوت من معين البيئات السورية التي قدمها مراراً بعيداً عن الحس التسجيلي، لكن الأيقونة الذي تعلم رسمها في فرنسا ظلت الموضوع الأثير لديه، فأحبها كموضوع لأنها تمتلك حساً صوفياً وشرقيا،ً ويقول: "الطبيعة الصامتة ظلت هي معلمي الأكبر في الحياة. مثلما هو موضوع الغُرف، ومرسمي الذي أحببته ورسمته دائماً بحب وشغف. كما أنني اشتغلت على موضوع الجدار الجميل المتعب المبني من الكلس والتبن. كنت أرسمه بحب وصنعت له مواد خاصة على يدي، وشعرتُ أنه يعيني كثيراً وهو أقرب إلى شخصيتي".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة