Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

امتحانات بلا "غش"... ضرب من الخيال في مجتمعات "معتلة الضمير"

سيكولوجية الغشاش: طماع ومغامر وسيكوباتي وسلبي... والأهالي يساعدون الطلاب وآخر التقاليع "راوتر على السور"

استقطاب حوثي لطلاب اليمن عبر السماح لهم بالغش في الامتحانات (رويترز)

أن تغش باختلاس النظر في ورقة زميلك، فهذا معروف. وأن تستعين بإجابة يغششها زميل على يمينك لآخر على يسارك فتنال من الغش جانباً، فهذا أيضاً مفهوم. وأن يقرر مراقب أن "يرأف" بحال الطلاب والطالبات ويسمح بتداول المعلومات في ما بينهم بشرط السرعة، فذلك يحدث. وأن يتوجه مراقب رأساً إلى أحد الطلاب ليسأله إن كان يحتاج "مساعدة" في ما استعصى عليه من أسئلة أو تعثر معه من إجابة لأنه ابن فلان أو قريب علان، فهذا وارد.

الجذور التاريخية للامتحانات قديمة قدم التعليم. البعض يرجح أن تكون الصين هي أول من ابتكر الامتحانات. فهناك مراجع تاريخية تقول إن الصين أول دولة تطبق مفهوم "فحص معلومات" الطلاب على نطاق واسع. ففي عام 605 ميلادية، نظمت أسرة "سوي" الحاكمة اختبارات عرفت بـ"التقييم الوطني" وكان الغرض منها اختيار أشخاص لشغل مناصب رسمية.

"بر عنخ" من دون غش

وقبل الإمبراطورية الصينية، عرفت مصر القديمة التعليم الذي استمر آلاف السنوات وتوثقه جدران عديد من المعابد. ويعتقد أن "بر عنخ" أو "بيت الحياة" هي أول مدرسة ومكتبة في التاريخ. كما تتحدث الجدران والبرديات عن "عت سبا" أو "مكان العلم" (المدرسة) للتعليم الأساسي. وعلى الرغم من أن الجدران لا تشير إلى حالات غش جماعي أو فردي، أو توثق العثور على "برشامة" (ورقة صغيرة مطوية عليها أجزاء من المنهج مكتوبة بخط صغير للغاية بغرض الغش)، أو مرور كاهن على لجنة الامتحان ليعرض المساعدة في حل سؤال استعصى على ابن الفرعون.

جدران المعابد المصرية ومخطوطات الإمبراطورية الصينية وألواح الطين المدون عليها تفاصيل حضارة بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات) وغيرها لا توثق حالات غش بين صغار المتعلمين، لكن هذا لا يعني أن الحضارات القديمة كانت "زيرو غش".

"زيرو غش" ضرب من الخيال، لكن شيوع الغش لدرجة اعتبار خلو لجنة اختبارات منه أو مرور موسم امتحانات واحد من دون تسريب امتحان على مستوى الدولة إنجازاً مهيباً ونصراً عظيماً أيضاً يبدو خيالاً، لكنه حقيقة.

خيال كثيرين عجز عن استيعاب فكرة الاستعانة بـ"راوتر" على سور مدرسة لتيسير عملية غش الطلاب في لجنة من لجان امتحانات المرحلة الثانوية، حيث أبلغ مواطن في محافظة أسيوط (صعيد مصر) الشرطة بأن جسماً غريباً أسود اللون في كيس بلاستيكي موجود على سور مدرسة. فانتقلت الشرطة سريعاً خوفاً من أن يكون الجسم الغريب عملية إرهابية، لكن اتضح أن والد أحد الطلاب وضع الـ"راوتر" وتم توصيله بشقة سكنية خلف المدرسة لـ"مساعدة" الابن على حل الامتحان!

الغش برعاية الأهل يبدو غريباً، إذ ما زال البعض يعتقد أن من ضمن مهام الأهل تنشئة الصغار على أن الغش خطأ ومن يغش في الصغر يصبح "لصاً" في الكبر، لكن واقع الحال في مواسم الامتحانات يعكس قدراً أكبر من "المرونة" في مفاهيم الغش وقواعد السرقة مع وجود أمارات على اتساع المنطقة الرمادية، حيث ما كان بالأمس غشاً صريحاً وسلباً لا يصح لمجهود الغير أصبح اليوم تعاوناً وتشاركاً وشكلاً من أشكال التضامن وإنكار الذات.

ليست نكتة، بل حقيقة مدهشة. طالبة في المرحلة الثانوية تحكي أن طالباً يجلس وراءها في لجنة الامتحان غش منها إجابات ثمانية أسئلة من مجموع عشرة أسئلة. وبعد الامتحان، اكتشف الطالب "الغشاش" أن سؤالاً من الثمانية التي غشها إجابته خاطئة، فما كان منه إلا أن قال بصوت مرتفع أثناء مرور الطالبة التي غش منها "حسبي الله ونعم الوكيل فيك".

السياق "الروحاني" للغش

في السياق "الروحاني" ذاته، تبدو أخبار مصدرها معاهد وكليات دينية مثل "أربع حالات غش في مادة الفقه" و"إلغاء امتحان طالبة في مادة الشريعة بسبب استعانتها بوالدتها لتمليها الإجابات عبر هاتف محمول مخبأ في غطاء الرأس" و"20 محاولة غش في مادة التوحيد" وغيرها أقرب ما تكون إلى شر البلية ما يضحك.

فإمام المسجد أو رجل الدين أو الداعية الذي يقف أمام جموع المصلين ليخطب فيهم بعلو الصوت داعياً إياهم إلى الاستقامة والصدق والعمل وكل ما تحويه قوائم مكارم الأخلاق بينما يدين بنجاحه في الامتحان للغش، يعد دليلاً دامغاً على تحول الغش من حالات فردية تخضع للرقابة والترصد والعقاب إلى منظومة اكتسبت نوعاً من الرضا أو القبول أو عدم الممانعة المجتمعية.

المجتمع أصبح يعرف أن الغش وتسريب الامتحانات بغرض الغش باتا الوجه الآخر لكلمة "امتحان"، سواء أكان ذلك في مدرسة أو كلية دينية أو حكومية أو خاصة. مثل هذا الوقت من كل عام هو موسم "التسريب". والتسريب ظاهرة حديثة نسبياً في عالم التعليم والامتحانات. قبل عقود، كان التسريب فردياً ومحدوداً ومقتصراً على معلم هنا أو هناك وضع بنفسه أو اطلع على امتحان مادة ما، وغالباً تربطه صلة قرابة أو مصلحة لا سيما عبر الدروس الخصوصية، بطالب أو مجموعة طلاب، فيدربهم على الإجابة مسبقاً.

الغش منظومة

ويمكن ربط تحول الغش إلى منظومة متوحشة بتحول العملية التعليمية من منظومة معرفية تربوية في المدرسة إلى "سناتر" (مراكز للدروس الخصوصية) متناثرة وأخرى "أون لاين" وثالثة في البيوت. بدأ انهيار منظومة التربية والتعليم وتحولها من بناء المواطن معرفياً وتربوياً إلى حشوه بالمعلومات ليسكبها على ورق الامتحانات مع تفريغ جيب ولي الأمر ونقل المحتوى إلى جيب المعلم الخصوصي، حيث نمت ظاهرة الدروس الخصوصية وتوغلت فلم تعد مجرد دعم إضافي لشرح مادة عملية هنا أو تدريباً على ما استعصى فهمه هناك، بل احتلت مكانة المدرسة قلباً وقالباً.

المعلم الخصوصي لا يملك رفاهية وقت أو جهد مد الطلاب بالجانب التربوي. همه توفير الوقت وترشيد الجهد للدرس الذي يدر عليه دخلاً يعينه على متطلبات الحياة. والأهالي أذعنوا للتحول الذي طرأ على المنظومة، ثم تحول الإذعان إلى حماية لدرجة تذمر واعتراض البعض على جهود رسمية متناثرة لاحتواء الغش والتسريب.

الغش في الامتحانات خطأ، وفي أقوال أخرى حرام، لكنه في جميع الأحوال مستمر ومنتعش. جهود القط والفأر بين الحكومة وأجهزتها من جانب والغش والغشاشين من جانب آخر تنجح حيناً وتخفق أحياناً. فالغش لم يعد كلاسيكياً يحمل عبق الماضي حيث الوالدة تستأجر عربة يجرها حمار وتحمل مكبر صوت وتجول حول المدرسة مجيبة عن السؤال الأول ثم الثاني ثم الثالث بمساعدة عامل حصل على ورقة الامتحان ونقلها، ومعلم أجاب عن الأسئلة.

أدوات تعذيب

أسئلة وإجابات تقيس مهارة الطالب وذكاءه وقدرته على التحصيل تحولت إلى أدوات تعذيب تارة، حيث الحفظ مقياساً والقدرة على سكب المخزون في أقل وقت ممكن معياراً، ومن ثم تأتي الدرجات لتحدد مصائر ملايين الطلاب من دون شرط المعرفة أو قيد المهارة.

الغريب أن أولئك الذين باتوا متخصصين في عمليات البحث والتنقيب بغرض التسريب والغش يعتمدون على قدر لا يستهان به من المهارة والمعرفة، لكن القاعدة العريضة من المنتفعين الساعين الباحثين عن امتحان مسرب هنا أو إجابة عبر غش هناك تثير القلق وتدعو إلى التفكر والتدبر في مستقبل تهيمن عليه وتقوده.

طالبة في الصف الثاني الثانوي تقول دفاعاً عن الغش والغشاشين، وتدرأ عن نفسها وآخرين شبهة السطحية أو تدني المهارات أو شح الملكات، إن الغشاش يبذل جهداً ويهدر وقتاً ويقدح زناد فكره للوصول إلى أحسن طرق الغش وأذكاها وأكثرها تحقيقاً للهدف. وعلى الرغم من اعترافها بأن هذا الجهد لو تم استثماره في المذاكرة، فقد يؤتي ثماراً، فإنها أسهبت في الحديث عن عدم جدوى التعليم، وضبابية المستقبل حيث أوائل الخريجين يجدون صعوبة في العثور على وظيفة الأحلام. أما غاية المعرفة، وليس التعليم والتحصيل، فهي غائبة عن تفكيرها ولا مجال لها في أولوياتها.

قهقهة منع الغش

أولويات التعليم اختلفت بمرور الوقت. يكتب وزير التربية والتعليم المصري طارق شوقي على صفحته على "فيسبوك" إن الغرض الأساسي من التعليم يجب أن يتحول من تحصيل الدرجات إلى تراكم المعرفة، تتوالى الردود المنددة والتعليقات المعارضة. يكتب عن ضحالة الفكر الذي يعكسه المصرون على الغش في الامتحانات باعتباره وسيلة لتحقيق النجاح اليوم والفشل غداً، تتواتر "إيموجي" ضاحكة. يحذر الوزير في لقاء تلفزيوني من عقوبة الغش وما ينتظر الغشاشين فيهرع طلاب وآخرون إلى تحميل فيديو الحوار على منصات التواصل الاجتماعي بغرض التفكه والتنكيت. والأدهى من ذلك أن البعض من الطلاب يسرد تجاربه الثرية في عالم الغش مشاركاً زملاءه وزميلاته خبراته المعتبرة في سبل الغش والاستفادة من التسريب.

هذا التفاخر يبهر كثيرين من الطلاب، وعلى ما يبدو لا يثير حفيظة أو غضب أو قلق كثيرين من أولياء الأمور، لكنه يدفع شوقي إلى التأكيد مراراً وتكراراً على أن "الغش ليس مهارة نتفاخر بها" وأن "اشتراك أولياء الأمور وبعض العاملين في التربية والتعليم في الغش كارثة"، مؤكداً أن "تطبيق قانون الغش سيتم بكل صرامة".

عقوبة الغشاشين

ووفقاً لقانون "مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات"، يعاقب كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج بأية وسيلة امتحانات الثانوية العامة وإجاباتها. كما يعاقب من يخل بنظام الامتحانات في مراحل التعليم المختلفة المصرية والأجنبية بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات بالحبس مدة لا تقل عن عامين ولا تزيد على سبع سنوات وغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه (5378 دولاراً أميركياً) ولا تزيد على مئتي ألف جنيه (عشرة آلاف و756 دولاراً أميركياً). أما الشروع في الغش فعقوبته الحبس عاماً وغرامة تصل إلى 50 ألف جنيه مصري (2689 دولاراً أميركياً). ويحتوي "قانون الغش" على عديد من النصوص الخاصة بالشروع في ارتكاب الغش أو أي فعل يتصل بإحداث خلل في الامتحانات. وإضافة إلى ما سبق، فإن الطالب الذي يثبت قيامه أو ضلوعه في الغش يحرم من أداء الامتحانات في الدورين الأول والثاني، ويعتبر راسباً في كل المواد.

مواد القوانين وتصريحات المسؤولين وتحركات الأجهزة الرسمية لإحكام السيطرة على الغش والغشاشين قد تؤتي ثماراً متمثلة في إجهاض بضع محاولات، لكن تجذر المنظومة وتمكنها من الملايين من طلاب وأولياء أمور ومعلمين وقائمين على المنظومة التعليمية ومراقبين وغيرهم، إضافة إلى سبغ الغش بهالة من القبول ولصق نعوت مثل "الاضطرار" أو "أخف الأضرار" أو "جزء متنامي الصغر من فساد المجتمع" جديرة بالتأمل والدراسة والتحليل النفسي.

سيكولوجية القائمين على الغش

أستاذ الطب النفسي محمد المهدي يستعرض التركيبة النفسية للغش في الامتحانات في ورقة عنوانها "سيكولوجية الغش في الامتحانات" يشير فيها إلى أن من يقوم بفعل الغش يندرج تحت واحد أو مجموعة من الأنماط التالية: الطماع الذي يرغب في أخذ أكثر مما يستحق أو تسمح به ملكاته وقدراته، واللص الذي يسلب الآخرين ممتلكاتهم وحقوقهم بما فيها الفكرية، والمغامر الذي يجد في الغش مغامرة ومخاطرة يسعد بها لخروجها على المألوف ما يعطيه شعوراً بأنه قادر على القيام بأعمال استثنائية، والسيكوباتي الذي لا يعيش إلا لرغباته ومكاسبه ولا يحترم النظم أو القوانين أو المجتمع، والسلبي الاعتمادي الذي لا يميل إلى بذل الجهد في المذاكرة وتحصيل العلم ويفضل الاعتماد على جهود الآخرين، والانتهازي الذي لا يعتنق الغش أسلوباً لخوض الامتحانات بالضرورة لكنه لا يمانع في اللجوء إليه إذا اضطرته الظروف، والمتمرد الذي يجد في الغش طريقة في الخروج أو الاعتراض على السلطة المتمثلة في المدرسة أو المجتمع أو النظام، وكسر القوانين والاعتماد على الخداع وإلحاق الضرر بالجميع، وهو ما يعطيه شعوراً بالانتصار الثوري.

تسييس الغش

يشار إلى أن تفاقم ظاهرة الغش عبر تسريب الامتحانات قبل موعدها أو أثناء انعقادها تزامن وأحداث ما يسمى "الربيع العربي" في عام 2011 والسنوات التالية. هذه السنوات شهدت تسييساً للغش وتفاقماً لأسطورة "شاومينغ" (صفحات تسريب الامتحانات على منصات التواصل الاجتماعي) التي أصبح الجميع يعرفها باعتبارها "منظومة الغش الهاي تك" أو المتقدمة رقمياً. عشرات وربما مئات الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي تحمل اسم "شاومينغ" وتدعي أنها "شاومينغ" الأصلي الذي يسرب الامتحانات "المصيرية" مثل الثانوية العامة ويتيح إجاباتها. العجيب أن هذه الصفحات تعد بتقديم أفضل الإجابات التي يضعها أفضل المعلمين وتتاح للجميع "حتى يعم الخير". وتمددت خدمات هذه الصفحات لتشمل إمكانية تزوير الدرجات في الشهادات الرسمية عبر اختراق الكونترول أو إسقاط منصات الاختبارات الإلكترونية وغيرها.

مثل هذه الصفحات كثيراً ما تتلون بألوان السياسة. منها ما يدمج سم الطعن في نظام الحكم في سم الغش "لوجه الله". ومنها ما يدعي أن الغش على مستويات كبيرة هو السبيل الوحيد لإسقاط "هذا النظام" وغيرها كثير. وعلى مدى سنوات القلاقل السياسية والاضطرابات الأمنية، كان يتم الربط بين صفحات التسريب والغش وجماعات مناهضة للحكم في مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

لكن مرت السنوات، واستمرت جهود الغش مع خفوت نبرة التسييس. لذلك، سطع نجم نظرية أخرى تلمح إلى عوار واضح في الاقتناع بفكرة "دولة القانون" واحترامها. في عام 2016، كتب أستاذ العلوم السياسية مصطفى كامل السيد مقالاً عنوانه "الغش في الامتحانات وأزمة القانون في مصر". ربط السيد بين الغش المستشري في الامتحانات و"آفة كبرى في حياتنا في جميع جوانبها، ننخرط فيها جميعاً حكاماً ومحكومين، ألا وهي الاستهتار بالقانون". ويرى السيد أن القائمين بالغش والمتسترين عليه والمشجعين عليه يعرفون أنهم ينتهكون القانون الذي لا يسمح بالغش ويعاقب عليه، ومع ذلك لا يأبه أولئك بذلك.

ويرى السيد أن احترام الدستور والقانون ليس من السمات الظاهرة في الشخصية القومية المصرية، والسبب في ذلك برأيه "أننا لم نغادر المجتمع التقليدي الذي يسكن نفوسنا على الرغم من كل مظاهر الحداثة السطحية حولنا، ولكننا نتحرك وسط مظاهر الحداثة بقيمنا التقليدية وليس بقواعد القانون الحديث، حيث تغليب للعرف والمجاملات والوساطة بديلاً لمبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق وتجاهل لمبدأ الكفاءة الذي لا تقوم من دونه دولة حديثة".

أما الأسباب، فيقول إنها تتعلق بالاعتقاد -أو بالأحرى عدم الاعتقاد- في قيمة العلم وإدراك أهمية الوقت والتخطيط المسبق والسعي لمعرفة ما يدور في العالم. ويشير السيد إلى غلبة توريث الوظائف مثلاً، وهي ممارسة منافية للقانون، "لكننا نقبلها لأن روح القانون الحديث الذي يتألف من قواعد يفترض أنها موضوعية ومجردة وتهدف لتحقيق الصالح العام لم تتمكن منا بعد. ومن ثم لم يعد غالبية المواطنين المصريين يبالون بأن القانون يحظر الغش أو يعتبر الكفاءة وحدها هي معيار تولى الوظائف العامة.

أين يزدهر الغش؟

في السياق ذاته، يشرح أستاذ الطب النفسي محمد المهدي، طبيعة المجتمع الذي ينتشر فيه الغش. يراه مجتمعاً يعاني سقوطاً أو ضعف قيم، مثل الصدق والعدالة واحترام العمل الجاد، وهو مجتمع ضميره معتل، فلم يعد يستنكر مثل هذه الظواهر، بل يراها أموراً بسيطة لا تستدعى القلق، أو أنها مجرد شقاوة طلاب عادية. ومثل هذا المجتمع قد يقبل الرشوة والتزوير وغيرها من مظاهر الاعتلال.

ويرى المهدي أن الطالب الذي يعتاد الغش في الصغر يكتسب مهارات سيكوباتية تتراكم معه مع الزمن، حتى إذا كبر صار سيكوباتياً كبيراً يخدع الناس ويسطو على حقوقهم دون أن يتمكنوا من فضحه أو إيقافه.

على موقع "ويكي هاو" شروح مختلفة لأفضل وسائل الغش وسبل الوقاية من افتضاح الأمر، وهو موقع دشن فكرته أحد رواد مشروعات الإنترنت وهو جاك هيريك، ويقوم على شروح يقدمها مستخدمون عاديون عن كيفية تنفيذ مهام مختلفة.

باللغة العربية يشير مقال منشور، تحت عنوان أوجز فأنجز "كيف تغش في الامتحان؟"، "قد تضطر للجوء للغش لاجتياز اختبار. ربما تكون غير مستعد أو كسولاً أو لا تسمح لك قدراتك بالنجاح. لذلك، إليك بعض الخطوات والأفكار المفيدة لمساعدتك في تحقيق هدفك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويسرد المقال بالصور التوضيحية خطوات الغش الورقي والرقمي وكذلك عبر الكتابة على الجسد أو زجاجة المياه أو جدار القاعة أو أكمام القميص. وهناك كذلك طريقة "اختلاس النظر إلى ورقة الزميل"، أو الذهاب للحمام والبحث في كتاب أثناء دقائق الغياب، أو ادعاء المرض.

وفي نهاية المقال، وعلى الرغم من وجود فقرة تدعو الطلاب إلى حشو أدمغتهم بالمعلومات بدلاً من اللجوء للغش، مناشدة لمشاركة المقال "حتى تعم الفائدة".

وقد عمت الفائدة نحو 105 آلاف مشاركة للمقال من على موقع "ويكي هاو" وما خفي من مشاركات كان أعظم.

يشار إلى أن معلمة في محافظة الدقهلية تلقت وأسرتها تهديدات بالقتل والإيذاء من أولياء أمور طلاب المدرسة الإعدادية التي كانت مسؤولة عن المراقبة على طلابها أثناء تأدية امتحان منتصف العام للشهادة الإعدادية، وذلك لأنها منعت الغش تماماً في كل اللجان. وحين أصرت على موقفها الرافض للغش، اعتدى عليها أولياء الأمور بالضرب المبرح بعد أن انتظروها أثناء مغادرتها المدرسة، لذا فإن توحش منظومة الغش يصعب على القوانين مهمتها ويجعل محاولات التنفيذ أشبه بالنفخ في قربة مقطوعة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات