Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحاكم في المغرب... طرائف واجتهادات قضائية

"جلسات كورونا عن بُعد" أثارت كثيراً من الكوميديا و"أحكام الأسرة" تتطور وسط الاعتراض الشعبي

تضج المحاكم المغربية بالعديد من الأحكام القضائية الحاسمة وسط بعض المواقف الكوميدية أثناء الجلسات  (أ ف ب)

تكسر ضحكات وابتسامات ومواقف كوميدية أحياناً "الجو الحازم والصارم"، الذي يسود عادة في قاعات المحاكم بالمغرب، التي يمنع فيها الضحك أو الهزل بالنظر إلى وقار هذه المنظومة، وهي مواقف أو تعليقات فكاهية تقع أحياناً سواء من طرف المتهمين أو الحاضرين للجلسات القضائية أو حتى من بعض القضاة أنفسهم وسط أحكام تتسم بالجرأة والحسم.

طرائف "محاكمات كورونا"

ولعل المفارقة التي تجذب فضول كثيرين إلى ما يقع في قاعات المحاكم من طرائف ووقائع مضحكة، كون هذه الفضاءات مؤطرة بحكم القانون بالجدية والحزم، وإبداء الاحترام الواجب والتوقير الكامل للمكان، حيث الضحك ممنوع والتصوير محظور.

وتضج صحف ووسائل التواصل الاجتماعي بحكايات وقصص عن طرائف ومواقف مضحكة وقعت في المحاكم، يشهدها القضاة والمحامون والشهود أو الحضور المعنيون بتلك الجلسات، وتتناقلها الألسن.

يروي الشرقاوي القاسمي، باحث في العلوم القانونية، موقفاً جرت وقائعه في إحدى المحاكم المغربية، خلال "محاكمة من بعد"، في ذروة جائحة كورونا التي استوجبت العمل بنظام المحاكمات الافتراضية، حيث يمكث المتهم داخل غرفته بالسجن، ويتم التواصل معه من طرف القاضي والمحامين عبر تقنية الفيديو. ووفق القاسمي، "انقطع الاتصال بالفيديو فجأة مع سجين متهم بارتكاب العنف ضد والديه، فلم يكن من القاضي إلا أن قال مستنكراً كيف لا ينقطع الاتصال، وهذه جريمة يهتز لها عرش الرحمن؟".

في السياق أوردت صحيفة محلية مغربية، "أنه بعد انتهاء بث محاكمة من بعد، استمر المتهم داخل غرفته التي يقبع فيها بالسجن في القيام بحركات بهلوانية، ظناً منه أن البث انتهى، ولم يكن يعلم أن حركاته المضحكة كان يشاهدها جميع من كانوا في الجلسة الافتراضية، ليوبخ القاضي المتهم وموظف السجن المشرف عليه".

القاضي و"طباخة القلوب"

يروي المحامي محمد قلدي، لـ"اندبندنت عربية" إحدى الطرائف القضائية التي كان شاهداً عليها. يقول، "إن شاباً متهماً بجنحة السرقة كان طيلة جلسة المحاكمة يذرف الدموع، ويقسم بأغلظ الأيمان أنه بريء من التهمة الموجهة إليه". يضيف، "تسرب الشك إلى عقل وقلب الشاب بسبب النظرات الثاقبة التي كان القاضي يصوبها نحوه، فضلاً عن طول مدة فحص الملف بين يدي رئيس المحكمة، لكن المفاجأة أن القاضي نطق بحكم البراءة، فما كان من الأخير إلا أن حاول الهرولة صوب القاضي لتقبيل رأسه ويده، لكن أيادي حراس الأمن منعته قبل أن يتورط في تهمة أخرى تتمثل في إثارة الضوضاء داخل جلسة المحكمة، بحسب الفصل 43 من القانون".

أما عبد الكريم، وهو شاب في الثلاثين من عمره، فيقول إن "قاضي الأسرة سأل خطيبة الشاب التي كان يعتزم الزواج منها، عن سبب إقبالها على الزواج وكانت تفصلها عن السن القانونية (18 عاماً) بضعة أسابيع، فأجابته أنها تحسن الطبخ وهو ما عقب عليه القاضي بأن أقرب طريق إلى قلب الزوج معدته. يضيف أن القاضي لمس من الفتاة سذاجة وطيبة، وأنه يمكن له أن يرخص بالزواج لها، بالنظر إلى أنها يتيمة واقتربت من تحقيق شرط السن المطلوبة في الزواج، وطلب من الشاب أن يحسن معاملة زوجته المستقبلية، لكونها تحسن (طبخ القلوب)".

اجتهادات قضائية جريئة

وفي وجه آخر للمحاكم المغربية، توالى عدد من الاجتهادات القضائية، اعتبرها مراقبون ومهتمون بأنها ثورة قضائية هادئة في البلاد، ففي سابقة من نوعها في المغرب، رفض قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية في مدينة الرباط، إجبار زوج زوجته على المعاشرة، بعد أن رفع الرجل شكاية قضائية ضدها بتهمة أنها ترفض معاشرته. وفي تعليل قرار المحكمة، جاء "أن الشرع الإسلامي لم يجعل الباءة مجرد غريزة وقضاء عابر للوطر، بل قرنها بآداب المعاشرة التي يجب التقيد بها من طرف الزوجين عند صفاء الجو بينهما، بالتالي إرغام المرأة على المعاشرة ينافي مقصد الزواج".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا القرار القضائي تحديداً أثار جملة من السجالات والتعليقات التي ذهب أغلبها نحو الإشادة والتثمين، ومنها ما اعتبره الباحث الإسلامي رفيقي أبو حفص من كون "القانون المغربي المبني على الفقه التقليدي لا يؤمن بـ(الاغتصاب الزوجي)، وأن هذا الحكم يعد دافعاً لإعادة النظر في هذا النوع من القضايا".

سابقة قضائية أخرى تتمثل في منح محكمة طنجة (شمال) حق الطفل المولود خارج مؤسسة الزواج في الانتساب إلى أبيه البيولوجي، وحق أمه في الحصول على تعويض عن الضرر الذي لحقها جراء إنجاب خارج مؤسسة الزواج.

أحكام الخيانة الزوجية

ومن القرارات القضائية المثيرة ما صدر عن محكمة النقض بالمغرب في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بشأن تبرئة قاصر متزوجة من جنحة الخيانة الزوجية. وفق "المذكرة القانونية"، فإن القصة وقعت في 2019 عندما اعتقلت الشرطة فتاة قاصراً متلبسة بالخيانة الزوجية، استناداً إلى شكاية الزوج، لتتابع النيابة العامة الفتاة بتهمة الخيانة الزوجية، قبل أن تحكم محكمة النقض بتبرئة المعنية بالأمر، لأن "القاصر لا يعتد بإرادتها في العلاقات الجنسية مع الغير ما دام المشرع اعتبرها ضحية غير مكتملة التمييز، وأضفى عليها حماية قانونية. واعتبر كل اتصال جنسي بها ولو بإرادتها يشكل جريمة هتك عرض قاصر".

وفي اجتهاد قضائي لافت آخر، أصدرت محكمة النقض بالمغرب قراراً باعتماد الدليل العلمي المتمثل في الخبرة الجينية لإثبات جرائم الخيانة الزوجية، زيادة على وسائل الإثبات المحددة حصراً بمقتضى الفصل 493 من القانون الجنائي.

ويحدد الفصل 493 وسائل إثبات جريمة الخيانة الزوجية في "محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس، أو بناءً على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي".

وفي اجتهاد لافت جديد من محكمة مغربية في مدينة ميسور (شرق)، تم الحكم بانتقال طفلين من مؤسسة تعليمية بناءً على طلب الأم، بسبب وجود خلاف مع زوجها، وفي التفاصيل، وفق المذكرة القانونية، اضطرت السيدة إلى مغادرة بيت الزوجية للاستقرار مع عائلتها، مصطحبة معها طفليها، اللذين يتابعان دراستهما. وحينما أرادت الحصول على شهادة المغادرة للطفلين من طرف إدارة المدرسة، لتسجيلهما في أخرى قريبة من محل إقامة عائلتها، تفاجأت برفض مدير المدرسة الذي اشترط ضرورة حضور النائب الشرعي وهو الأب".

ثورة قضائية هادئة

ويعلق الباحث القانوني والحقوقي عبد الإله الخضري على هذه الاجتهادات القضائية الصادرة بين الفينة والأخرى، بكونها ترقى إلى ما يشبه ثورة هادئة في وجه القوانين الرديئة، من لدن بعض القضاة، الذين ضاقوا ذرعاً بالتناقضات التي يجدون أنفسهم أمامها، بين ضرورة الاحتكام إلى منطوق القوانين، التي ترتكز على قواعد ومفاهيم لم يعد بعضها مناسباً لمستجدات العصر، والضمير الإنساني والحقوقي الذي يكون قناعة راسخة لدى عديد منهم".

ويكمل الخضري، في حديث خاص، "أن هذه الاجتهادات في الأحكام تعد تتويجاً طبيعياً لتشبع القضاة بثقافة حقوق الإنسان، التي تحفزهم على الأخذ بالاعتبارات الثقافية والاجتماعية والنفسية المحيطة بجوهر النزاعات، خلافاً لمبدأ التنفيذ المجرد للقوانين". ويرى أن "العلاقة الزوجية اليوم باتت تفرض على الطرفين مراعاة مبادئ حقوق الإنسان"، مبرزاً أنه "إذا كانت القيم الإنسانية السليمة تدعو إلى المعاشرة بالحسنى، فإن القضاة أصبحوا يشعرون بالتذمر إزاء محاصرة القوانين لقناعاتهم، وباتوا في صراع بين ترسانة قانونية غير منصفة ومشكلات ونزاعات تستدعي تعميق الرؤية ومراعاة الاتفاقات الدولية، بخاصة تلك المرتبطة بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان".

الصراع بين عقليتين

يسترسل الخضري شارحاً "إجبار الزوجة على المعاشرة أصبح أشبه بالاغتصاب الزوجي، بالتالي من حق القاضي أن يراعي إرادتها ورغبتها في إصدار حكمه، وبرفض القاضي الواقعة يكون القضاء المغربي قد حقق نقلة نوعية في معالجة قضية بلمسة حقوقية حققت الإنصاف المنشود لصالح الزوجة، الحال نفسه بالنسبة إلى حكم القاضي بإرجاع الزوج زوجته إلى منزلهما من دون إجبار الأخيرة".

أما بخصوص الأحكام الصادرة بشأن المواليد خارج مؤسسة الزواج (القانونية)، والقاضية بانتساب الابن إلى أبيه البيولوجي، فيصفها الباحث بأنها "منصفة ومنقذة للآلاف من الأبناء المولودين خارج المؤسسة الزوجية، بخاصة أن هذه الظاهرة باتت تشكل معضلة خطيرة، بسبب انسداد الأفق الاجتماعي لهؤلاء الأبناء، ونزوح عديد منهم إلى التشرد والإجرام، نتيجة شعورهم بكونهم لقطاء، بينما أصبح العلم والتكنولوجيا كفيلين للحسم في انتساب الابن لوالده البيولوجي". واستدرك "المعضلة تتجلى في أن هذه الأحكام، التي غالباً ما تصدر ابتدائياً، يتم إلغاؤها استئنافياً أو نقضها على مستوى محكمة النقض، الشيء الذي يدل على أن الصراع قائم بين عقليتين، إحداهما تقدمية ومتفاعلة إيجابياً مع مستجدات الواقع، والأخيرة محافظة ترفض الخروج عن منطوق النص القانوني".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير