Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحاكم الدولية إطار عالمي للمساءلة عن الجرائم

دول عدة ترحب بإنشائها كانتصار لحقوق المدنيين وأخرى تخشاها

مبنى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي (أ ف ب)

أُنشئت المحكمة الخاصة بلبنان ذات الطابع الدولي بقرار يحمل الرقم 1757 صدر عن مجلس الأمن عام 2007. وانطلقت أعمالها في مدينة لاهاي في 1 مارس (آذار) 2009، بعد انقسام سياسي كبير حولها في لبنان، حين رفضها فريق "8 آذار" المقرّب من النظام السوري، بحجّة أنها تعمل على تدويل القضاء اللبناني وتسمح بالتدخل الدولي في الأمور الداخلية للبلاد، علماً أنها ليست محكمة تابعة للأمم المتحدة ولا جزءًا من النظام القضائي اللبناني، إنما تتم محاكماتها بموجب قانون العقوبات اللبناني. حتى إنّ بعض الحجج التي سيقت لرفضها، أخذت عليها أنها سابقة قانونية دولية في اعتماد محكمة دولية بسبب اغتيال شخص. والصحيح أنها المحكمة الأولى من نوعها في تناول الإرهاب بوصفه جريمة قائمة بذاتها. ولكنها ليست الأولى في محاكمة أشخاص بعينهم لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.

التدخّل وفق الأمم المتحدة

تخوّل المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن سلطة استعمال شتى التدابير لتنفيذ القرارات الصادرة عنها. وينشئ المجلس بانتظام هيئات فرعية لدعم أو تنفيذ تلك التدابير ومنها المحاكم الدولية التي تحاكم مسؤولين عن جرائم خطيرة بموجب القانون الإنساني الدولي أو في قضايا طلبت الحكومات مساعدة المجلس في التحقيق فيها أو المحاكمة عليها.

وبحسب ما جاء في موقع الأمم المتحدة الإلكتروني تحت عنوان "المحاكم الجنائية والهيئات القضائية الدولية والمختلطة"، أن الدول الأعضاء أعلنت التزامها بعدم السماح بالإفلات من العقاب، للمسؤولين عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أو عن انتهاكات بحق القانون الإنساني الدولي والانتهاكات الجسيمة ضد قانون حقوق الإنسان. والتزمت الدول الأعضاء أيضاً التحقيق في هذه الانتهاكات على النحو الواجب وإنزال العقوبات المناسبة بمرتكبيها، بسُبل، منها تقديم مرتكبي أي من هذه الجرائم إلى العدالة عن طريق الآليات الوطنية أو عن طريق الآليات الإقليمية أو الدولية، وفق القانون الدولي.

وحقّقت الأمم المتحدة خطوات مهمّة في وضع إطار عالمي للمساءلة عن الجرائم الدولية الخطيرة. ومهّدت المحكمتان الجنائيتان الدوليتان الخاصتان، "المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة" و"المحكمة الجنائية الدولية لرواندا"، اللتان أنشأهما مجلس الأمن، الطريق لإنشاء "المحكمة الجنائية الدولية". وإلى جانب هذه المحكمة، نهضت الهيئات القضائية التابعة للأمم المتحدة والهيئات القضائية التي تساعدها الأمم المتحدة، مثل الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا والمحكمة الخاصة بلبنان ومحكمة سيراليون الخاصة، بصورة جماعية بقضايا المساءلة في مجموعة متنوّعة واسعة من المجالات.

لذا أنشأت الأمم المتحدة في دول كثيرة من العالم لجان تقصّي الحقائق ولجان تحقيق دولية، كما في الصومال ورواندا ويوغوسلافيا والعراق بعد حرب الخليج الثانية والسودان بعد الحروب في دارفور. وأحالت تلك اللجان زعماء وقادة ورؤساء دول شاركوا أو حرّضوا أو أهملوا التحقيق في الجرائم المرتكبة في بلادهم، وذلك وفقاً لمبدأ "حقّ التدخل الإنساني" الذي يسمح للأمم المتحدة بالتدخل بأي وسيلة، ومنها العسكرية للدفاع عن مدنيين مضطهَدين أو لإلقاء القبض على مرتكبي جرائم حرب أو جرائم تُصنَّف بأنها "ضد الإنسانية" وذلك من دون انتظار موافقة الدولة المعنية. وما حدث في شمال العراق عام 1991 وفي يوغوسلافيا عام 1993 وفي رواندا وكمبوديا خير مثال على هذا النوع من التدخّل الدولي من بوابة الأمم المتحدة وبواسطة محاكم دولية.

العراق ويوغوسلافيا ورواندا

في نهاية حرب الخليج الثانية، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 688 عام 1991 لحماية السكان في شمال العراق، وهو قرار ملزم طالب فيه بغداد بالسماح لمنظمات الإغاثة الدولية بالوصول إلى الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية، وذلك بعد حصول المجلس على تقارير من لجان متخصّصة تفيد بمدى سوء أوضاع الأكراد في شمال البلاد. واعتبر المجلس أن انتهاكات حقوق الإنسان التي أدّت الى نزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص من شمال العراق ومعظمهم من أصل كردي تُشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليَّيْن. ولكن هذا القرار لم يأذن صراحةً بالتدخل العسكري، لكنه أصرّ على أن يمكّن العراق المجتمع الدولي من الوصول إلى مَن هم بحاجة إلى مساعدة، وطالب كل الدول بتوفير الدعم لتلك الجهود. وكما جرت العادة، لقي هذا القرار اعتراضاً من قبل دول عدّة خوفاً من فتح الباب أمام تأويل "مبدأ التدخل الدولي"، إلّا أنّ كثيرين اعتبروه قراراً تاريخياً لأنه يمثّل حجر الزاوية للعمل الإنساني للأمم المتحدة لصالح المدنيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهة ثانية، كرّست محاكمة سلوبودان ميلوسوفيتش، رئيس يوغوسلافيا السابق، أبعاداً جديدة لمبدأ "حق التدخل الإنساني"، الذي يمنح الأمم المتحدة ومجلس الأمن صلاحية التدخل العسكري في أي منطقة من العالم ومن دون انتظار موافقة البلد الذي سيتم التدخل فيه.

من الناحية القانونية الشكلية حوكم ميلوسوفيتش ومجموعة كبيرة من الضباط والسياسيين الذين شاركوا في الحرب وارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، أمام "المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة" التي أُنشئت في مايو (أيار) 1993.

أما من الناحية التاريخية، فتُعتبر هذه المحكمة، الأولى التي تُشكّل من قبل الأمم المتحدة، على غرار محكمتَيْ نورنبرغ وطوكيو اللتين شكّلهما الحلفاء بعد هزيمة ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945 لمحاكمة المسؤولين النازيين واليابانيين الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولكن لم يسبق أن تعرّض رئيس دولة للمثول أمام هذه المحاكم.

أما المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، فأنشأها مجلس الأمن، بموجب القرار 955 عام 1994، لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن أعمال إبادة الأجناس الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة ضد القانون الدولي الإنساني. وأُجيز للمحكمة الدولية بموجب القرار المذكور أن تتولّى محاكمة المواطنين الروانديين المسؤولين عن ارتكاب أعمال إبادة الأجناس وغيرها من الانتهاكات المماثلة للقانون الدولي في أراضي دول مجاورة خلال  الفترة ذاتها. وانتهت الأعمال القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا وأغلقت أبوابها عام 2015.

المحاكم الدولية المختلطة

وهناك سوابق عدّة في العالم في مجال تشكيل محاكم دولية متخصصة في محاكمة مجرمين أو مرتكبين تحت إشراف دولي، منها المحكمة المختلطة في كمبوديا الخاصة بجرائم "الخمير الحمر" إبان الحرب الأهلية الكمبودية بين أعوام 1975 و1979. وصدر قرار عن الأمم المتحدة بتاريخ 13 مايو 2003 يتضمّن الموافقة على الاتفاق الموقَّع بينها والحكومة الكمبودية على شكل المحكمة وما يتعلّق بها من إجراءات. واللافت في هذه المحاكم صدور القرارات بالإجماع، وإذا تعذّر ذلك، فبالغالبية شرط وجود قاضٍ دولي بين مؤيّدي الحكم.

والسابقة الأخرى هي المحكمة المختلطة في سيراليون وفق قرار مجلس الأمن 1315 تاريخ 14 يوليو (تموز) 2000، وتألفت عام 2002 من قضاة سيراليونيين ودوليين للنظر في الجرائم التي وقعت عام 1996، مع لحظ بعض التعديلات أيضاً على القوانين الوطنية بما يتوافق والمعايير الدولية لإجراءات المحاكمة والأحكام.
أما المحكمة الثالثة، فهي التي تشكّلت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1272 عام 1999 للنظر في الجرائم التي وقعت في تيمور الشرقية، ووضع هذا القرار "تيمور" تحت إدارة انتقالية تابعة للأمم المتحدة، بهدف محاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ عام 1975. وعمدت الأمم المتحدة إلى إنشاء قضاء خاص من قضاة وطنيين وممثلين متخصّصين للأمم المتحدة عُيّنوا من قبلها. ونُظِّم هذا القضاء وفق قواعد القانون الدولي التي تحكم المحاكمات العادلة والنزيهة والمنصوص عليها، خصوصاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

المزيد من تقارير