Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرية أوكرانية تحررت لكن القوات الروسية المتراجعة تقصفها

نقطة توتر بالقرب من خاركيف التي لن تتخلى عنها قوات بوتين من دون قتال عنيف وطويل

روسكا لوزوفا تبعد مجرد ستة أميال عن خاركيف، وقد تمت استعادتها للتو من القوات الروسية (غيتي)

تنطلق إلى خارجها قذائف الهاون الأولى مستهدفة القوات الروسية المتمركزة وراء التلال. إلا أن القذائف التي تليها تكون مقبلة على هذه المنطقة، متجهة صوب المواقع الأوكرانية، وتسقط قرب القوات الموجودة في قاعدتها.

حصل ذلك التراشق بالقذائف في "روسكا لوزوفا"، وهي قرية وسط منطقة غابات ووديان وجداول وحقول، وقد تحررت رسمياً أواخر الشهر الماضي على يد قوات أوكرانية طردت قوات روسية كانت قد فرضت حصاراً على مدينة "خاركيف" القريبة.

 تقع القرية على بعد ستة أميال إلى الشمال من مدينة "خاركيف". ويوضح وجود القوات الروسية هنا مع الدبابات والدعم الجوي، مدى تشرذم خط المواجهة الأول في شمال شرقي أوكرانيا.

إن الطريق السريع الذي يربط هذه القرية مع "خاركيف" مملوء بالحفر جراء القصف المدفعي والجوي، وبقايا الذخيرة المستهلكة فضلاً عن أغلفة القذائف. وقد زرعت الألغام في الأعشاب الموجودة في شريط من الأرض بمحاذاة طرفي الطريق، بحيث يتعين على السائقين التأكد من عدم الابتعاد عن وسط الطريق.

وتوضيحاً، يتمثل الدافع وراء تصميم روسيا على التشبث بوجودها داخل هذه المنطقة، في محاولة ضمان بقاء خطوط إمداداتها مفتوحة إلى "إيزيوم"، وهي بلدة يدور القتال حولها في محاولة لعزل القوات الأوكرانية في إقليم "دونباس"، الذي يعتبر البؤرة الجديدة التي تركز عليها عمليات الكرملين العسكرية بعد فشل القوات الروسية في الاستيلاء على مدن كالعاصمة كييف و"خاركيف".

ويشير القائد الميداني للقوات الأوكرانية في "روسكا لوزوفا"، فاسيفولود كوجيمياكو، إلى أن "تلك [القذيفة] قريبة للغاية. إنهم ليسوا بعيدين جداً"، فيما سقطت قذيفة هاون أخرى بالقرب من مبنى صناعي مدمر اتخذته وحدته قاعدة لها.

ويضيف، "تعرضنا إلى قصف منظم هنا. لقد تمركز الروس بشكل جيد في مواقعهم، وهم يستميتون في منعنا من تحقيق اختراق. وإذا حققنا اختراقاً فستكون عندها خطوطهم الممتدة إلى بلدة "إيزيوم" في خطر، بالتالي ستتحول المعركة إلى قتال عنيف وطويل".

في أبريل (نيسان) 2022، استعادت كتيبة "خارتيا" المكونة من متطوعين قرية "روسكا لوزوفا"، بالتآزر مع مفرزة من الحرس الوطني الأوكراني. غير أن الروس لا يزالون هنا بقوة. وقد قتل ثلاثة جنود أوكرانيين الأسبوع الماضي فيما أصيب عدد آخر بجروح. وتكبد الروس عشرات الخسائر في الأرواح، بحسب الأوكرانيين.

في نقطة أخرى، هنالك قاعدة استخدمت من قبل الروس قبل أن ينتزع الأوكرانيون السيطرة على المنطقة منهم. ويلفت القائد كوجيمياكو إلى أنها "كانت قذرة للغاية. لقد اضطررنا حقاً إلى تنظيفها وتأمينها بشكل مناسب. وتمثل التحدي بعد ذلك في ضمان أنهم لن يأخذوها ثانية. إن مستوى الهجمات من البداية، يظهر كم كانوا يريدون أن يطردونا وكذلك مدى القيمة التي يولونها لهذا المكان".

وفي تطور متصل، امتد القتال مع القوات الروسية إلى المناطق المجاورة، ما أدى إلى دمار طاول أمكنة عدة بما فيها منشأة أبحاث في مجال الجينات النباتية تتمتع بشهرة عالمية في قرية "بيتومينك"، كانت تضم 160 ألف نوع من بذور النباتات. وقيل إنها تعرضت للإصابة بصاروخ روسي. وقد وصف مسؤولون أوكرانيون ما حصل بأنه "عمل تخريبي بيئي متعمد".

وقد سيطر الروس على الأرض المرتفعة فوق قاعدة عسكرية في "روسكا لوزوفا" التي توفر مواقع تشرف على ميدان القتال وتعتبر مؤثرة بالنسبة إلى عمليات القصف المدفعي. وتواصلت أيضاً الهجمات من الدبابات براً، والطائرات المسيرة والمروحيات الحربية من الجو. وقد نصب الأوكرانيون مدافع مضادة للطيران في القرية. وتحتفظ قاعدة "كتيبة خارتيا" بمخزون من الصواريخ المضادة للدبابات بما في ذلك صواريخ "أن- لاو" N-LAW التي زودتهم بها بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وقد نشرت أسلحة متطورة حول القرية من قبل الروس. وتفيد القوات الأوكرانية بأنها استولت الأسبوع الماضي على دبابة "تي- 90 أم" T-90M تنتمي إلى النوع الرئيس من دبابات القتال الروسية، إلى جانب أسلحة مدرعة أخرى. وتتواصل الغارات الجوية بواسطة طائرات حربية من دون طيار من طراز "أم آي- 28" Mi-28  المعروفة باسم "هافوك" Havoc، و"أورلان- 10" Orlan-10. كذلك يجري استخدام معدات الحرب الإلكترونية أيضاً، وتبقى القوات الأوكرانية في غاية الحذر، لأسباب وجيهة، من تعرض اتصالاتها للاختراق من قبل الروس.

في المقابل، يذكر الأوكرانيون أن قوات "جمهورية لوغانسك الشعبية" الانفصالية، ليست مسلحة بشكل جيد. وتبين أن بعضهم استخدم بنادق من نوع "موسين- ناغانت" التي تعمل بواسطة التلقيم اليدوي للطلقات، وقد صنعت للمرة الأولى في القرن الماضي. وكذلك تستعمل تلك القوات الانفصالية دروعاً واقية للجسم تكاد لا توفر لهم الحماية.

واستطراداً، يشير كوجيمياكو إلى أنهم "ليسوا أولاداً بل رجال يتمتعون بقدر جيد من الخبرة، إذ خاضوا معارك على امتداد الأعوام الثمانية الأخيرة، ولدى بعضهم أسلحة جيدة. في المقابل، ثمة آخرون من بينهم يستعملون بالفعل بنادق (موسين) العتيقة، صدق أو لا تصدق. وذكر كثيرون منهم أنهم جروا إلى الجيش جراً كي يأتوا ويقاتلوا، لكن ومن يدري إذا كانوا يقولون الحقيقة أم لا".

ويتابع، "يدفع الروس بالجنود إلى الأمام، ولا يبدو أنهم يكترثون بالخسائر. إنهم يعتمدون على القوة العددية. تجري التضحية بهؤلاء الأشخاص. إنهم يتعرضون للقتل. إنهم عبارة عن لحم يرمى به في المطحنة".

يسقط مزيد من قذائف الهاون في مكان قريب، ثم يسمع صفير صاروخ خافت قبل أن يتلاشى الأزيز في الحقول الخلفية ويسقط الصاروخ في مكان ما محدثاً صوت خبطة بعيدة.

وفي الأيام الأولى التي تلت استعادة الموقع، لم تتوقف هجمات كهذه. ويفيد كوجيمياكو بأنهم "كانوا يحاولون التعرف على المدى [المسافات التي تفصلهم عن الأهداف كي يوجهوا قذائفهم بدقة]، وكان القصف يأتي قريباً جداً منا، ثم يعود ليأتي من جديد إلى مكان قريب منا. كان الوضع مقلقاً للغاية".

وتشكل "كتيبة خارتيا" إحدى كتائب المتطوعين التي أثبتت قيمتها على الخط الأول في هذا الصراع. ومع أنهم يحصلون على الأسلحة من الحكومة، فإن القسط الأكبر من نشاطاتهم يجري تمويلها ذاتياً.

وقبل الحرب، كان كوجيمياكو رجل أعمال يعيش مع عائلته في الخارج. وقد تخلى عن عطلة للتزلج على الثلج بعد يومين من اندلاع الحرب كي يعود إلى بلاده.

وبحسب كلماته، "كنت قادماً إلى أوكرانيا في الوقت الذي كان آلاف الأشخاص يغادرونها، فقد أجبر المتقدمون في السن، والنساء اللاتي يرافقهن أطفال، والطلاب الأجانب الذين كانوا هنا، على الفرار، وكان المشهد مؤلماً للغاية. آمل ألا تسقط مدينتي خاركيف قبل أن أتمكن من الوصول إلى هناك".

وخلال الصراع الانفصالي [قبل هذه الحرب بسنوات]، أضحى كوجيمياكو وآخرون من مجتمع رجال الأعمال، على قناعة بأن حرباً واسعة النطاق ستندلع في أوكرانيا عاجلاً وليس آجلاً، وبدأوا في تدريب مواطنين متطوعين. ويشكل ذلك أحد أسباب الفاعلية القتالية للأوكرانيين، وفق تعبيرهم.

ويشدد القائد كوجيمياكو على أنه سيواصل القتال حتى "ينتهي الأمر". في رأيه، يعني ذلك الأمر مواصلة القتال حتى استعادة كل "الأراضي المحتلة"، بما في ذلك شبه جزيرة القرم وجمهوريتا "دونيتسك" و"لوغانسك" الانفصاليتان. ويرى أنه "إذا لم ننتهِ من ذلك الآن، فإن الروس سيبدأون حرباً جديدة في غضون سنوات قليلة. وبالتأكيد يدرك أصدقاؤنا في الغرب ذلك؟ لقد حذرونا من هذا الغزو وأتمنى لو أننا أخذنا الأمر بشكل أكثر جدية".

 ويبدو أن جنود الوحدة مصممون بصورة مماثلة على وجوب استمرار العمليات حتى تتحرر أوكرانيا بأكملها، وفق ما يرونها هم بأنفسهم. ويقول غاري، وهو تلميذ سابق في تكنولوجيا الطيران، "لقد شعرت منذ عام 2014 [بداية الحرب الانفصالية] أن روسيا ستغزو أوكرانيا ذات يوم. لقد حصل هذا الآن. واستطعنا أن نصدهم على جبهات عدة. ونحن في حاجة الآن للاستمرار، إذ إن التوقف سيكون خطأً كبيراً".

في تفصيل آخر، يضيف "دوك"، وهو مسعف قتالي، بحسب علامة النداء الخاصة به، "كانت هذه حرباً فرضت علينا. إننا ندافع عن بلدنا. ليس هناك من يريد أن يرى المعاناة، لكننا الآن نحرر الأشخاص الذين كانوا تحت الاحتلال، ولذا فالأمور ستبدأ بالتحسن".

 وقد وفر الجنود المعالجة الطبية للسكان المحليين الذين أصيبوا خلال القتال، وينقلون أصحاب الإصابات الأكثر خطورة إلى مستشفيات في "خاركيف".

 وقد أجلت القوات الأوكرانية معظم السكان بعد استعادة القرية. وقبل ذلك، جرى نهب عدد من البيوت، واعتقل الروس بعض الشباب وأخذوهم بعيداً.

 ويذكر أوليغ سوباريكا، وهو نائب قائد "فوج كراكن" الذي عمل على إخلاء القرويين، "يبدو أنهم قد نهبوا حتى البيوت الأكثر تواضعاً، آخذين معهم كل ما استطاعوا حمله. وقد أخذوا بعض الرجال بعيداً. لا نعرف ما الذي جرى لهم. كان هؤلاء الناس تحت الاحتلال منذ البداية. وكانوا في وضع سيئ".

ويتابع "بدأ الروس بالقصف أثناء عملنا على عملية الإجلاء. كانوا يعلمون أن المدنيين سيكونون في خطر، لكن، على غرار ما رأينا في أمكنة أخرى، لم يكن ذلك أمراً يكترثون به. وقد أصيبت اثنتان من آلياتنا، لكن لحسن الحظ لم يكن هناك خسائر خطيرة".

وعند وصولنا، بدت قرية "روسكا لوزوفا" خالية تقريباً من السكان. وأظهر عدد قليل من الناس تردداً قبل التحدث معنا.

وأفادت أولينا التي قررت البقاء حينما غادر معظم جيرانها أو جرى إجلاؤهم، "فقدنا إحساسنا بالزمن هنا، بالأيام والأسابيع. لم نكن نعرف ما إذا كنا سنبقى على قيد الحياة في نهاية كل هذا القتال".

 وتتابع، "بقينا في الداخل قدر الإمكان. لقد فتش الروس بعض البيوت واستجوبوا بعض الرجال، لكننا من المتقدمين في العمر، وقد تركونا وشأننا".

نادراً ما ابتعدت أولينا، 61 عاماً، وزوجها أوليغ، 67 عاماً، عن مزرعتهما خارج القرية. وتوضح، "كان هناك إطلاق نار وقصف طوال الوقت، ليلاً نهاراً. كان من الصعب للغاية أن ننام".

وتضيف مع هزة من رأسها، "ما زلنا نعثر على أجزاء من الصواريخ في الحقول، ونحن حالياً حذرون للغاية من الألغام. لقد عاش زوجي في روسيا، ولديَّ أقرباء هناك. لم نعتقد قط أن الأمر سينتهي بنا إلى وضع كهذا نقاتل فيه بعضنا بعضاً".

وتتابع أولينا، "إن الوضع غير آمن، والقتال لا يزال مستمراً. لم نرَ الروس أخيراً، إلا أنهم لا يزالون حولنا هنا. يمكننا أن نسمع أصوات القنابل. ونعلم أنهم حاولوا دخول خاركيف من هنا. لا أعرف إذا كانوا سيعودون ويحاولون ذلك من جديد. نشعر بأننا متوترون جداً".

وعلى الطريق المؤدي إلى "خاركيف"، هناك شاحنتان محروقتان أصيبتا بطلقات نارية، وتمثلان دليلاً على محاولات الروس دخول المدينة. ولقد حولتا إلى حواجز تفتيش من قبل الأوكرانيين.

 في منحى آخر، يورد شرطي، "كنا هنا حين حصل هذا القتال، بعد بدء الحرب بوقت قصير. لقد استخدم الروس شاحنات مدنية. وتنكروا في زي مدنيين. وحاولوا اقتحام هذا العائق [أي حاجز التفتيش] وكان علينا أن نفتح النار. وهم ردوا بالمثل. وقتلنا بعضهم. وهرب آخرون".

 ويواصل شرطي ثانٍ الحديث، "هاتان شاحنتان كبيرتان، ولذا اعتقدنا أنه يمكننا الاحتفاظ بهما على حاجز التفتيش".

 ويضيف، "نحن من هذه المنطقة، ونستطيع أن نعرف الغرباء. ولقد قبضنا على عدد غير قليل من الجواسيس والمخربين، ممن كانوا نشيطين جداً. ثمة رجل ادعى أنه كفيف فيما كان يعطي إشارات بواسطة مصباحه الكهربائي. وفي الواقع فقد اعتقلنا للتو عدداً من الأشخاص المشبوهين. ونعمل حالياً على التحقق منهم".

وبالفعل، اصطف ستة رجال قبالة الجدار وأيديهم مكبلة بقيود بلاستيكية، فيما وضعت أشرطة صفراء على أعينهم. ويدعون أنهم كانوا يأخذون الإمدادات إلى قرى تقطعت بها السبل. وإذ أفرج عن نصفهم بعد التحقق من أوراقهم، فقد أبقي الآخرون قيد الاعتقال.

 ووفق كلمات رجلي الشرطة، "نحن في حاجة إلى البقاء حذرين للغاية، إذ لا يزال الروس هنا. لا يمكننا أن نسترخي إلا بعد طردهم من بلادنا. وسيستغرق ذلك وقتاً طويلاً".

 

 نشر في "اندبندنت" بتاريخ 20 مايو 2022

© The Independent

المزيد من تقارير