Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح الموت يخيم على قرية أوكرانية تحررت من قبضة القوات الروسية

شاهدت بأم العين بعض سكان بلدة فيلخيفكا وهم يدفنون جثث جنود بوتين مثلما فعلوا مع جثامين أسرهم وجيرانهم

فاسيليا كيريليف وزوجها سيعيشان في سقيفة الحيوانات التابعة لمنزلهما الذي دمره الروس ببلدة فيلخيفكا ريثما يتمكنان من إعادة بنائه (دميان شيفكو/اندبندنت)

لم يكد القتال أن يندلع حتى أصيبت لوبوف نوفيكوفا بذعر شديد، وأخذت تسارع الخطى للعودة إلى منزلها، وما إن وصلت إلى المدخل الأمامي حتى انهمرت النيران على المنطقة من إحدى الدبابات الروسية. سقطت القذيفة الأولى أمامها على الطريق مما أدى إلى طرحها أرضاً، وأجهزت القذيفة الثانية عليها في الحال.

تُركت هذه المرأة البالغة من العمر 78 عاماً والتي ولدت في مدينة كورسك الروسية جثة هامدة ملقاة على الطريق حوالى ست ساعات، لأنه كان من المستحيل سحب جثمانها بسبب عنف القصف، وفي نهاية المطاف حملها ابنها غينادي وصديقاه يفغيني شولومي وسلافا إيفانوف إلى أحد المنازل القريبة القليلة التي كانت ما زالت قائمة في شوارع البلدة ولم يدمرها القصف.

في صباح اليوم التالي عمل الرجال الثلاثة أيضاً على نقل جثمانها إلى مقبرة القرية، لكن صاروخاً سقط عليها أثناء عملية الدفن التي كانت تجرى على عجل، فقضى فيه يفغيني، في حين نقل سلافا إلى المنزل وهو ينزف بقوة بعدما تعرض لإصابات بشظايا، ثم ما لبث أن توفي مساء اليوم نفسه.

دار قتال شرس لمدة أشهر في فيلخيفكا القريبة من مدينة خاركيف، وجرى خلاله تبادل السيطرة عليها بين القوات الروسية والأوكرانية، وبالتالي سوّى ذلك القتال جزءاً كبيراً من القرية بالأرض، وفي شوارع عدة منها قصف كل منزل تقريباً، بينما جرى تدمير مدرسة البلدة وعيادتها الطبية، وتواصلت الانفجارات مع استمرار المناوشات في المناطق المجاورة لها، حيث حاول الروس استعادة مساحات فقدوها أخيراً.

في هذا الوقت بدأت في أوكرانيا محاكمات عناصر في القوات الروسية متهمة بارتكاب جرائم حرب، وقد جرت الأولى في كييف وتمحورت حول تهم بالاغتصاب والقتل، وقدم المدعون العامون في خاركيف لوائح اتهام تتعلق بموت مدنيين نتيجة القصف العشوائي، واعترف الجنديان الروسيان ألكسندر بوبيكين وألكسندر إيفانوف بذنبهما أمام محكمة عقدت بالقرب من المدينة، لجهة "انتهاك قواعد الحرب" أثناء خدمتهما ضمن وحدة الصواريخ. وإضافة إلى ذلك هناك جرائم حرب محتملة أخرى قيد التحقيق، بما فيها ترحيل مدنيين وارتكاب اعتداءات جنسية.

لقد أُجلي السكان قسراً من فيلخيفكا إلى روسيا، على غرار ما جرى في عدد من المناطق المحتلة، وتحدث الأهالي المحليون عن وقوع عدد من الاعتداءات الجنسية على نساء من جانب قوات روسية وقوات "جمهورية دونيتسك الشعبية" الانفصالية  Donetsk People's Republic (DNR) المتمركزة هناك.

دفعت تلك التهديدات، إضافة إلى جملة أخطار ناجمة عن المعارك المستمرة، بكثيرين من أهالي القرى إلى مغادرة مناطقهم، مما حال دون وقوع كثير من القتلى المدنيين، وذكرت القوات الأوكرانية أن حوالى 90 جندياً روسياً لقوا حتفهم خلال آخر عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على فيلخيفكا، ولم يعرف بعد عدد الضحايا الأوكرانيين.

وتحدث أهالي القرى عن وقوع كثير من الأضرار لدى اضطرار القوات الروسية وقوات "جمهورية دونيتسك الشعبية" الانفصالية إلى الانسحاب، ويروي يوري بيترينكو البالغ من العمر 46 عاماً، وهو أحد جيران المرأة الضحية لوبوف، "لقد أُرغمت تلك الوحدات على الانسحاب، إذ جاء اضطرارها إلى المغادرة بمثابة خسارة لها، الأمر الذي جعلها تفتح النيران على الناس والمنازل بصورة انتقامية، وهكذا قُتلت لوبوف".

وأضاف، "توقفت إحدى الدبابات عند أسفل هذا الشارع، وحينما رأت أن الاسم مكتوب بالأوكرانية أطلقت عليه قذيفة فدمرت اللافتة والمنزل الذي كانت معلقة عليه".

على بعد ثلاثة كيلومترات من المقبرة، وهي بقعة هادئة تقع على سفح تل مغطى بأزهار الربيع وأشجار الصنوبر مع ثقوب خلفتها القنابل، توجد خنادق روسية، وما زالت ترقد هناك بعض الجثث المتحللة، وفي إحدى الحفر يمكن العثور إلى جانب بعض الأشياء المبعثرة على غرار كيس نوم وبعض الحصص الغذائية وحقيبة يد زهرية وزجاجة براندي مكسورة، على نسخة مترجمة باللغة الروسية لكتاب "سيد الذباب"  Lord of the Flies للمؤلف ويليام غولدينغ.

ومن المفترض أن تتولى السلطات الأوكرانية نقل تلك الجثث إلى مشرحة خاركيف، لكن القرويين دفنوا بعضها كإجراء روتيني، وعثر أندريه دانيليوك على جثتي جنديين روسيين بحقله خلال عودته إلى منزله، بعد تمكنه من الفرار من أسوأ قصف مدفعي، وكان قد تبلغ بأنه سيكون هناك تأخير في جمع الجثث.

وبحسب السيد دانيليوك، "ظلت الجثث ملقاة هناك في العراء لأيام طويلة حتى إن الحيوانات أخذت تقتات منها، وفي ظل الطقس الحار الذي ساد آنذاك ساورني القلق من احتمال تفشي الأمراض". وأضاف، "القصف الذي قتل جنوداً قضى أيضاً على بعض من المواشي لدي، وقد ألقينا بالجميع في المقبرة نفسها، الروس والماشية معاً. ماذا كان يمكننا أن نفعل غير ذلك؟"

تفوح رائحة الموت النتنة من تحت الأنقاض في بعض أجزاء القرية، وما تعلمه فاسيليا كيريليف أن شيئاً ما أو شخصاً ما كان تحت ما كان يُعرف بأنه مطبخها، لكنها لا تعرف بالتحديد من أو ماذا، وبحسب كلماتها "أشكر الله لأنني أعلم أنه ليس فرداً من أسرتنا، لأننا تمكنا من الفرار أثناء الاحتلال".

يتعين الآن على السيدة كيريليف البالغة من العمر 55 عاماً وزوجها نيكولاي ابن الـ 62 عاماً إعادة بناء المنزل الذي عاشا فيه مدة 30 عاماً، لكنهما إلى حين إعادة تشييده ما زالا يبيتان في سقيفة وسط حديقتهما، خصصت في السابق للماعز والبط والدجاج.

يعمل الجيش الأوكراني على إجراء مسح للألغام والذخائر غير المنفجرة، وتورد السيدة كيريليف بينما تشير إلى أراض قريبة، "عدنا إلى زرع الحقول بدءاً من البقدونس والبصل والشعير الربيعي، لكننا نتوقف عند هذه النقطة، إذ إنه بعدها توجد قنابل غير منفجرة ويتعين البقاء بعيداً وعدم الاقتراب منها".

وتؤكد فاسيليا كيريليف أن المشكلات التي تحدث الآن يجب وضعها في سياقها من خلال المقارنة مع ما حصل من قبل. وتضيف، "لقد خشيت الفتيات والنساء الخروج، فقد سمعنا عن حالات اغتصاب، وكذلك غادرت الآن العائلات التي عانت من تلك الاعتداءات، وبعدها بدأوا ينقلون الناس إلى روسيا في حافلات وانتهى الأمر بإرسال بعضهم إلى سيبيريا، بحسب ما سمعنا".

وتتابع، "كان هناك جندي سابق خدم في أفغانستان مع الجيش السوفياتي. كان في أواخر الخمسينيات من عمره. أراد جنود جمهورية دونيتسك الانفصالية أن ينضم إليهم لكنه رفض، واقتيد إلى الحافلة على إثر الحادثة، وبعد ظهر اليوم نفسه ركبنا وأسرة أخرى السيارة وغادرنا المكان معا".

انتقل الزوجان إلى بلدة بولتافا حاملين معهما بعضاً من الحاجات الضرورية، ووفق السيد كيريليف فقد "كانت قريتنا جميلة ومجهزة بالماء والكهرباء وخدمة إنترنت جيدة، ولقد امتلكنا ما يكفي من الطعام وكنا ننعم بحياة سعيدة، ثم فجأة أصبحنا لاجئين، والآن لم يعد لدينا منزل ولا ماء ولا كهرباء وعلينا أن نبيت إلى جانب الحيوانات لدينا. هذا ما جلبته لنا هذه الحرب".

ولدى السؤال عما إذا كان القصف المدفعي والصاروخي على مناطق مدنيّة يجب أن يصنف ضمن الاتهامات بارتكاب جرائم حرب، أجابت السيدة كيريليف "إن ما نعرفه هو أن هناك أناساً يتحملون مسؤولية ما حدث، طبعاً يجب أن تكون هناك عدالة، لكن لا أعرف ماذا سيحصل، هل سيبقونهم داخل السجون أم ستجرى مبادلتهم بجنودنا الذين اعتقلهم الروس. إن أحداً لا يدري".

 نشر في "اندبندنت" بتاريخ 24 مايو 2022

© The Independent

المزيد من تقارير