Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يسير العالم على خطى أعلام القرن الماضي اليوم؟

كيسنجر وسوروس تجاوز كل منهما عتبة التسعين ولا يزالان يستقطبان الأنظار و"الأسماع" في محاولة للوقوف على رأيهما واستشراف مستقبل التوازنات الجيو- سياسية

أوكرانيا مسرح مواجهة تزعزع استقرار القارة الأوروبية وموازين قوى ما بعد الحرب الثانية (غيتي)

شارك كل من هنري كيسنجر، عراب السياسة الخارجية الأميركية، والملياردير جورج سوروس في منتدى دافوس الاقتصادي الأسبوع المنصرم. وأوجه التشابه بينهما كثيرة، فكل منهما تدور حوله نظريات المؤامرة ويعزى إلى واحدهما التآمر على شعوب العالم وربط مصيرها بقراراتهما. ففي العالم العربي، يذيع صيت كيسنجر وتدور الإشاعات حول دوره في بيع نفط الشرق الأوسط ومطامع الغرب في هذه الرقعة من العالم. أما سوروس فأكثر "شهرة" في أوروبا الشرقية، مسقط رأسه. فوسائل إعلامية ومنصات تواصل تدور في فلك الكرملين تعزو إليه المسؤولية عن "الثورات الملونة" والمخملية وآخرها الاحتجاجات في بيلاروس جراء دعمه منظمات غير حكومية.

 

 

 وهما أميركيان من المهاجرين الناجين من العهد النازي. ويحتفل هنري كيسنجر بعيده التاسع والتسعين في27  مايو (أيار)، وهو شارك في منتدى دافوس عن بعد. وحث واشنطن وأوروبا على الإحجام عن السعي إلى تهميش روسيا أو إلحاق هزيمة بها، ودعا الأوكرانيين إلى الصدوع بخسارة شطر من أراضيهم في 2014 (ضم روسيا شبه جزيرة القرم) في سبيل طي صفحة الحرب ووقفها. ولكن سوروس (91 سنة) ما لبث أن خالفه الرأي في دافوس حيث شارك في المنتدى حضورياً وليس "عبر أثير الفيديو" فور انتهاء كيسنجر من كلمته. ورأى سوروس أن إلحاق الهزيمة بروسيا البوتينية في الحرب هي فرض عين، إذا جاز القول، لا مفر منه في سبيل "إنقاذ الحضارة" الغربية، ودعا الغرب إلى تزويد الأوكرانيين بكل ما يحتاجون إليه لبلوغ هذا الهدف.

والتباين في المواقف بين كيسنجر وسوروس من الحرب، كبير. فالموقف الأول قد تنظر إليه الأجيال القادمة على أنه "سياسة مهادنة" من قبيل تلك التي أفضت إلى الحرب العالمية الثانية على ما أعلن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي. أما موقف سوروس، فيرى المحلل والتر راسيل ميد في "وول ستريت جورنال"، أنه قد يلقى مآل مغامرة جورج دبليو بوش في العراق، أي سيصبح قرينة في التاريخ على الإخفاق حين تسعى أميركا إلى فرض قيمها على أنظمة ديكتاتورية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم التباين هذا في الموقف من الحرب الأوكرانية، يُجمع الرجلان على أن روسيا هي مصدر خطر ثانوي تواجهه السياسة الخارجية الأميركية. فالعلاقات الأميركية - الصينية هي الوازنة أكثر على الأمد الطويل. وربما وراء هذه النظرة إعلان الرئيس جو بايدن عن استعداد بلاده للدفاع عن تايوان في مواجهة عدوان صيني، وهو ما أحجم عنه حين قرعت روسيا طبول الحرب في فبراير (شباط) المنصرم. وحينها، اكتفى الرئيس الأميركي بتحذير الأوروبيين والأوكرانيين من مساع عسكرية روسية وشيكة. ولكن الاتحاد الأوروبي لم يلقِ بالاً إلى هذه التحذيرات. فهل أخطأ الأوروبيون في اعتبار التحذيرات "البايدنية" شأن معلومات الـ"سي آي أي" عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي لم تكن مصيبة؟

وما يجمع كيسنجر وسوروس لا يقتصر على اعتبار الخطر الروسي ثانوي، فهما يريان أن الذود عن السلام في أوروبا هو في صدارة أولويات السياسة الخارجية الأميركية. ويخشى الرجلان من تبعات حرب طويلة الفصول. وقد يحسب المرء للوهلة الأولى أن وجهة نظر سوروس أقرب، إلى حد ما، إلى إدارة بايدن ومفادها أن المواجهة في العالم هي بين الديمقراطية والتوتاليتارية (الشمولية). ولكن موقف الإدارة الأميركية الأخير الداعم لتايوان قد يكون مرآة سياسة واقعية تخشى انتهاك بوتين للتوازنات الدولية و"الستاتو كو" أكثر مما يُعلي شأن المُثل والقيم الأميركية. وهذه الواقعية كيسنجرية إلى حد ما، أي تقر بمصالح الأنظمة المتباينة في العالم. فإرساء الديمقراطية ليس الغاية المرجوة.

ويرى مراقبون منهم راسيل ميد أن الحرب الأوكرانية ستصل لا شك إلى خواتيمها عاجلاً أم آجلاً. والغرب لا يستطيع مدها بمساعدات مالية واقتصادية عسكرية ضخمة إلى ما لا نهاية في وقت يلم التضخم باقتصادات الاتحاد الأوروبي وترتفع أسعار الطاقة على وقع طيف شح موارد الغذاء.

وسواء رجحت كفة رأي سوروس أو كيسنجر، فأركان النظام العالمي تهتز وتخشى واشنطن وأوروبا انهياره. وما أشبه عالم الأمس باليوم. وحسبان أن الإحتكام إلى القوة والعضلات العسكرية ولّى وأن "التاريخ انتهى" وركدت صفحته، في غير محله. فدروس الماضي لا غنى عنها اليوم في مواجهة حرب تقليدية، إلى حد كبير، من بنات القرن العشرين.

المزيد من تحلیل