Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الدين الداخلي لدول أفريقيا تتعقد مع حرب أوكرانيا

نصيب الأجانب من القروض السيادية يزيد معاناة الاقتصادات المحلية تأثراً باضطراب عالمي في الأسواق

زاد نصيب الأجانب من سوق الدين السيادي الداخلي في جنوب أفريقيا (رويترز)

من بين الآثار السلبية للحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، التي لا تحظى بتغطية إعلامية مناسبة، ارتفاع معدلات الدين السيادي لدول أفريقيا من حيث نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي في كثير من دول العالم تتجاوز 100 في المئة، فإن تلك النسبة كانت أقل في معظم دول أفريقيا قبل أزمة وباء كورونا في 2020. وأتت الحرب في أوكرانيا هذا العام لتزيد من تعقيد الدين السيادي لدول أفريقيا الذي أصبح في حدود تريليون دولار تقريباً.

لكن الأهم والأخطر، الذي يهدد قدرة الدول الأفريقية على ترحيل الدين العام سنوياً، هو الارتفاع الكبير في تكلفة خدمة الدين العام وما يمثله ذلك من ضغط على الميزانيات الحكومية. وغالباً ما تكون الدول التي يشكل فيها الدين الخارجي نسبة أكبر من الدين العام مقابل نسبة الدين المحلي أكثر تأثراً بالتغيرات الاقتصادية العالمية. لكن زيادة نسبة الدين الداخلي (عبر سندات بالعملة المحلية) لم تساعد في حماية الدول الأفريقية من تقلبات الاقتصاد العالمي بحسب تقرير لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني. وسبق أن أصدرت مؤسسة "فيتش"، وهي واحدة من أكبر ثلاث مؤسسات تصنيف ائتماني عالمية مع "ستاندرد أند بورز" و"موديز"، تقريراً قبل شهرين يحذر من أزمة الدين السيادي لدول أفريقيا ومن زيادة مدفوعات خدمة ذلك الدين التي تهدد التصنيف الائتماني المستقبلي لكثير من تلك الدول.

خروج الأجانب

يرى الباحثون في مؤسسة "ستاندرد أن بورز" في تقريرهم أن زيادة حصة الأجانب من الدين المحلي في أفريقيا من العوامل الرئيسة التي جعلت الدين السيادي لتلك الدول أكثر تأثراً بالتغيرات الاقتصادية في العالم، من ركود محتمل بسبب الحرب في أوكرانيا وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين إلى بدء البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة رفع أسعار الفائدة.

وعلى الرغم من أن مشتريات الأجانب من الدين الداخلي تسهم في توفر السيولة، لكونها تتم بالعملة المحلية، فإن حساسية المستثمر الأجنبي في أوراق الدين المحلي تكون عالية جداً للتغيرات الخارجية. وأدى خروج كثير من المستثمرين من أسواق الدين في أفريقيا إلى إضعاف قدرة الحكومات على إعادة تمويل الدين الداخلي أو ترحيله لما بعد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويذكر التقرير مثالاً واضحاً من دول مثل مصر وغانا وجنوب أفريقيا، حيث زاد نصيب الأجانب من سوق الدين السيادي الداخلي، لكن خروج هؤلاء المستثمرين في الأشهر الماضية فاقم مشكلة الدين السيادي في تلك الدول. ويزيد من تعقيد المشكلة أن السوق المالية في دول أفريقيا تظل هشة و"غير عميقة" على عكس الدول الآسيوية التي طورت أسواقها المالية المحلية في السنوات الماضية.

وتتوفر فرصة أفضل لمواجهة أي تغييرات كبيرة في سوق الدين الداخلي، مثل خروج المستثمرين الأجانب، لدى الدول التي توجد فيها مؤسسات مالية متطورة غير القطاع المصرفي. ويبدو ذلك واضحاً في جنوب أفريقيا، من بين 22 دول أفريقية شملها تقرير "ستاندرد أند بورز" في تحليل بياناتها وأرقامها. ويقصد بالقطاع المالي غير المصرفي مؤسسات مثل صناديق معاشات التقاعد والتأمين وغيرها. وفي دول مثل غانا وجنوب أفريقيا، يصل نصيب تلك المؤسسات المالية غير البنوك من الدين الداخلي إلى نحو 30 في المئة. لكن، لأن تلك الدول استقطبت مستثمرين أجانب لشراء ما بين 18 و20 في المئة من إصدارات أوراق الدين الداخلي بالعملات المحلية، فإنها الآن أكثر تأثراً بارتفاع أسعار الفائدة في العالم، ما أدى إلى خروج الأجانب من سوق الدين.

القطاع المصرفي

ومع عدم تطور المؤسسات المالية، غير البنوك، في معظم الدول الأفريقية، تعتمد الحكومات في الاقتراض الداخلي على القطاع المصرفي. ومشكلة القطاع المصرفي في معظم تلك الدول أنه إما مملوك في معظمه للدولة أو مرتبط بها. ومعدلات الادخار في المصارف في معظم الدول الأفريقية متدنية جداً مقارنة بمثيلاتها من الدول النامية في مناطق أخرى من العالم.

ويتباين حجم القطاع المصرفي في الدول الأفريقية، بما يجعل واضعي التقرير غير قادرين على التعميم واستخلاص النماذج لدول القارة كلها. فبينما يبلغ حجم القطاع المصرفي في جمهورية الكونغو مثلاً نسبة 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، يزيد حجم القطاع المصرفي في دول مثل مصر والمغرب وجنوب أفريقيا عن نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في مصر، مثلاً، يبلغ حجم الأصول المالية 136 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من أن ذلك يفيد الحكومة في تمويل إصدارات أوراق الدين الداخلي بالعملة المحلية، فإنه يزيد من أعباء الحكومة تجاه مطالبات القطاع المصرفي. وتبلغ مستحقات البنوك لدى الحكومة من تبعات مشتريات الدين العام نسبة 41 في المئة من إجمالي مستحقات خدمة الدين الداخلي، وهي النسبة الأعلى بين دول أفريقيا كلها.

ومشكلة هيمنة القطاع المصرفي على سوق الدين العام الداخلي أن ذلك يقلل من قدرة الحكومة على إعادة التمويل، حتى لو كانت البنوك تعمل بشكل مرتب بالدولة وبطريقة أقرب إلى أن "الحكومة تمول ديونها بنفسها بإلزام البنوك بشراء سندات الدين بما لديها من مدخرات".

وعلى الرغم من أن الدين الداخلي يبدو أقل خطراً على حسابات الحكومات، حيث يمكن للدولة تحديد نسب العائد بما لا يثقل كاهل حسابها الجاري وميزان مدفوعاتها، إلا أن التعويل بشكل كبير على الأصول المالية للقطاع المصرفي مع عدم وجود مؤسسات مالية غير مصرفية متطورة وخروج الأجانب من سوق الدين المحلية عوامل تجعل قدرة الحكومة على الاقتراض أكثر من البنوك أقل.