Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقبل موسكو إعادة ما استولت عليه من الأراضي الأوكرانية؟

ميدفيديف يعلن: "لا نأبه بأي اعتراف أو رفض من جانب السبع الكبار"

أعلنت مجموعة الدول السبع عدم اعترافها بالحدود التي حاولت روسيا إعادة تشكيلها (أ ف ب)

تأكيداً لما سبق وأعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول "أن لروسيا حقاً في أراضي عدد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وعلى من قبل الهدايا من الأراضي الروسية أن يعيدها"، نقلت وكالة أنباء "تاس" ما كتبه الرئيس الروسي السابق والسكرتير الحالي لرئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف على صفحته عبر قناة "تيليغرام" حول "أن روسيا لا تهتم بأي اعتراف من جانب مجموعة السبع الكبار"، وذلك تصريح يأتي إضافة إلى ما كان الرئيس فلاديمير بوتين كشف عنه في مقالته الأكاديمية التي نشرها في يوليو (تموز) من العام الماضي، حول الأصول التاريخية المشتركة للشعبين الروسي والأوكراني، وعن موقف بلاده من الوضعية القانونية لهذه الأراضي.

الحدود القديمة

ومن هذا المنظور يعود المراقبون للتوقف طويلاً عند ما قاله بوتين مخاطباً الجمهوريات المعنية بالأمر وفي مقدمها أوكرانيا، "يمكنكم الخروج من الاتحاد السوفياتي في الحدود نفسها التي دخلتم بها". واستشهد بوتين بآراء عدد من الفقهاء الدستوريين ومنهم أستاذه السابق في كلية الحقوق بجامعة لينينغراد أناتولي سوبتشاك، أول عمدة لمدينة سان بيترسبرغ الذي قال العام 1992 أي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، "على الجمهوريات المؤسسة للاتحاد بعد أن الغت معاهدة الاتحاد لعام 1922 الالتزام بالعودة لحدودها التي كانت قائمة قبل انضمامها إلى الاتحاد السوفياتي، بما يعني ضرورة أن تخضع كل ما اكتسبته من أراض بعد ذلك إلى النقاش والمفاوضات، نظراً لانتفاء الأساس الذي استندت إليه في ضمها لهذه الأراضي". وفسر بوتين ما قاله سوبتشاك بأن ذلك يعني وببساطة أنه "يجب أن تخرج بما جئت به".

ما صدر وما يتوالى صدوره من تصريحات عن الكرملين حول قضية التفريط في الأراضي الروسية التاريخية، يقول ضمناً إن روسيا تنخرط مجدداً في جدل "متعدد الدلالات" حول ما سبق وشهدته الساحة الروسية من "تجاذبات سياسية" في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، في سياق إدانة ما وصفه بعض المراقبين بـ"تشدق" بعض الساسة وكبار القيادات الرسمية لعدد من بلدان الفضاء السوفياتي السابق حول "الإنجاز التاريخي الكبير"، الذي سمح بتفكك الاتحاد السوفياتي من دون إراقة نقطة دماء واحدة، على النقيض مما شهدته بلدان أخرى في شرق أوروبا ومنها يوغوسلافيا. وعلى الرغم مما يشوب هذه التقديرات من عوار شديد في الشكل والمضمون، فإن الواقع الراهن يقول إن موسكو تظل عند موقفها من التمسك بالـ "براغماتية" سبيلاً إلى تأكيد ثوابت سياساتها تجاه التعامل مع متغيرات الواقع الراهن، وذلك ما تكشف عنه تصريحات ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي حول "أن روسيا لا تهتم بما إذا كانت التغييرات في حدود أوكرانيا يمكن أن تحظى باعتراف دول مجموعة السبع، إذ إنها تبدو من حيث المنطوق والمدلول تأكيداً جديداً على ضرورة إيلاء أكبر قدر من الأهمية لما أعرب عنه "الناس الذين يعيشون في هذه المناطق من آراء ورغبات"، بل ولعلها تكون أيضاً تعبيراً عن توجه مغاير لطالما أغفلته قيادات ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، يفرض ضرورة التمعن فيما قاله ميدفيديف ونقلته وكالة أنباء "تاس" الروسية الرسمية:

"دعونا نقول الأمر بشكل معتدل، إن بلادنا لا تأبه بعدم الاعتراف بالحدود الجديدة لأوكرانيا من قبل مجموعة السبع، والإرادة الحقيقية للناس الذين يعيشون هناك مهمة. لا تنسوا سابقة كوسوفو أيها الأصدقاء الغربيون".

إعلان مجموعة السبع

وكان وزراء خارجية مجموعة الدول السبع (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا واليابان)، أعلنوا في بيانهم المشترك الصادر عن اجتماعهم الأخير، أن بلدان مجموعة السبع "لن تعترف أبداً بالحدود التي حاولت روسيا إعادة تشكيلها من خلال العدوان العسكري"، وأنها ستزود أوكرانيا "بالسلاح طالما كان ذلك ضرورياً".

وقد جاء ذلك كله في إطار توالي الاعترافات بخطأ ما ارتكبه الزعماء السابقون وفي مقدمهم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين الذي أقدم على التفريط بمساحات هائلة من الأراضي الروسية آل معظمها إلى أوكرانيا وكازاخستان، في إطار استرضاء زعيمي هاتين الجمهوريتين ليونيد كرافتشوك ونورسلطان نزاربايف، لتحقيق مآرب ذاتية كانت تتعلق بصراعه مع غريمه التاريخي ميخائيل غورباتشوف.

ولمزيد من تفسير ما قد يكون بعيداً من الأذهان، نستعيد بعضاً مما احتدم حوله الجدل وكاد يتسبب في أزمة دبلوماسية كبرى بين روسيا وكازاخستان نتيجة تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين حول أن "كازاخستان تدين لنور سلطان نزاربايف بفضل ظهورها كدولة للمرة الأولى في التاريخ"، في إشارة إلى عدم وجود كازاخستان كدولة مستقلة ذات سيادة قبل العام 1936.

وفي أحد لقاءاته مع شباب روسيا في "منتدى سيليجير-2014" في سبتمبر (أيلول) 2014، أي بعد سبعة أشهر فقط من تاريخ انفجار الأزمة الأوكرانية، ورداً على سؤال لإحدى طالبات جامعة الصداقة في موسكو حول مدى ما يمكن أن يعتري الرئيس الروسي من قلق تجاه احتمالات انفجار العداء للناطقين بالروسية في كازاخستان على غرار ما جرى ويجري في أوكرانيا في حال ترك الرئيس نورسلطان نزاربايف منصبه، قال بوتين ما أثار حفيظة وسخط وغضب واحتجاج أبناء كازاخستان، وفي الصدارة منهم الرئيس نزاربايف نفسه:

"إن الكازاخستانيين لم تكن لهم دولة على مر التاريخ. لقد أنشأها نور سلطان نزارباييف".

ومضي بوتين ليشير إلى "أن كازاخستان أقرب حليف وشريك استراتيجي لروسيا"، وأن نزارباييف هو من أنشأ "الدولة على أرض لم تكن فيها دولة قط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي عاد ليسهب في الإشادة بدور نزاربايف وما يتحلى به من قدرات وخبرات سياسية وتنظيمية لدرجة أنه اعتبره الأكفأ بين كل قيادات منظومة بلدان الـ "كومنولث" التي تضم روسيا مع عدد من بلدان الاتحاد الاتحاد السوفياتي السابق، إلا أن كازاخستان "قامت كلها عن بكرة أبيها ولم تقعد"، واضطر الكرملين إلى تقديم كثير من التفسيرات والإيضاحات التي كانت تحمل اعتذاراً ضمنياً عن سوء فهم ما كان يقصده بوتين.

ولعل ما جرى في كازاخستان مطلع يناير (كانون الثاني) من العام الحالي كان نتيجة طبيعية لتقصير القيادات الروسية والكازاخية معاً في معالجة ما أشارت إليه طالبة جامعة الصداقة الروسية من ظواهر وأحداث، أسفرت عما شهدته كازاخستان من صدامات دموية، ولهذه المناسبة نشير إلى أن كازاخستان لم تظهر كدولة مستقلة إلا في الـ 17 من ديسمبر (كانون الأول) 1936، وكانت قبل ذلك إحدى المحافظات التابعة لجمهورية قرغيزستان ذات الحكم الذاتي حتى العام 1920، قبل إعلانها كجمهورية كازاخستان ذات الحكم الذاتي في فبراير (شباط) 1936، ثم جمهورية كازاخستان السوفياتية الاشتراكية في العام 1936، كما أشرنا.

وتوالت الأحداث تباعاً ليس في كازاخستان وحسب، بل وفي مناطق مجاورة أخرى، حتى بلغت ما نشهده اليوم من صدامات يتسع نطاقها يوماً بعد يوم في مختلف أرجاء الفضاء السوفياتي السابق، مما يبدو مقدماً لتطورات جديدة ثمة من يقول إنها تدفع قيادات الكرملين إلى مزيد من الصراحة في تفسير ما كان يراودها من أفكار حول ضرورة "لملمة شتات الأمبراطورية"، إن جاز هذا القول.

توسعات موسكو المستمرة

وها هي موسكو تمضي تباعاً صوب مزيد من التوسعات في جنوب شرقي أوكرانيا لتبلغ مقاطعة خيرسون التي كشفت قياداتها الإدارية عن خطتها نحو التقدم بطلب الانضمام إلى روسيا، في إطار توجه مماثل لم تعلن عنه بعد قيادات جمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك" وعدد من المحافظات المجاورة، الأمر الذي يهدد بوضع ما كان حتى الأمس القريب في عداد الاحتمالات حول تقسيم أوكرانيا، حيز التنفيذ، على الرغم من كل احتجاجات السلطات الأوكرانية في كييف.

وفي هذا الصدد قال وزير خارجية أوكرانيا دميتري كوليبا إن بلاده على يقين من قدراتها على تحرير كامل الأراضي الأوكرانية، وإن مهمته تتركز اليوم في ضمان تدفق أكبر كمية ممكنة من الأسلحة والعتاد العسكري، وتحقيق فرض أقصى العقوبات ضد روسيا، ومساعدة أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين الذين أجبروا على الفرار إلى الخارج"، بحسب تصريحاته التي أدلى بها لمجلة "بيلد" الألمانية.

وعلى الرغم من أن تصريحات وزير الخارجية الأوكرانية تبدو على طرفي نقيض مما تطرحه موسكو من أفكار، يتجسد بعضها تباعاً في ما تحققه القوات الروسية من تقدم داخل الأراضي الأوكرانية، فإنها تأتي مواكبة لما يتوالى من تصعيد في سياسات الولايات المتحدة والـ "ناتو" ضد روسيا، ومنها ما أعلنته فنلندا والسويد من تصريحات حول التقدم رسمياً بطلبي الانضمام إلى الـ "ناتو" خلال الأيام القليلة المقبلة.

وخلافاً لما قاله الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو تعليقاً على مكالمته الهاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، من أن رد فعله إزاء فكرة انضمام فنلندا إلى الـ "(ناتو) كان أكثر تحفظاً عما كان متوقعاً"، وإنه لا يرى حالياً استعداداً لدى روسيا لأي رد عسكري"، فإن هناك دلالات ومؤشرات تقول بغير ذلك، ففيما سارع الجهاز الصحافي للكرملين إلى نقل ما وصف به بوتين تخلي فنلندا المحتمل عن سياستها التقليدية للحياد العسكري بالخطأ، مشيراً إلى أن مثل هذا التغيير في السياسة الخارجية لفنلندا قد يؤثر سلباً في العلاقات الثنائية، كشفت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" واسعة الانتشار عن توجه يقول بضرورة تغيير العقيدة العسكرية الروسية بما يتيح بوضوح استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، إذا ما انضمت فنلندا والسويد لحلف الـ "ناتو".

ونقلت الصحيفة الروسية عن إيغور كوروتشينكو رئيس تحرير مجلة "الدفاع الوطني" تصريحاته حول "أن نقل الرؤوس الحربية النووية التكتيكية إلى قوات المنطقة العسكرية الغربية وأسطول البلطيق سيكون الوسيلة الوحيدة التي لا بديل لها عملياً لاستعادة التكافؤ في هذه الحال". ومضى الخبير العسكري الروسي ليشير إلى احتمالات "تزويد صواريخ اسكندر المتمركزة في المنطقة العسكرية الغربية بها، وكذلك صواريخ "كاليبر" الموجودة على السفن والغواصات التابعة لأسطول البلطيق، وأن كلاً منها يجب أن يسلح برؤوس حربية نووية كرادع للحلف"، وهو ما يستدعي تغيير طبيعة العقيدة العسكرية الروسية التي يجب أن تتضمن بشكل أوضح استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

وذلك كله يأتي في سياق ما يتوالى صدوره من تصريحات ومنها ما كشف عنه الرئيس بوتين شخصياً في أكثر من مناسبة حول الحدود التاريخية للدولة الروسية، وما جرى اقتطاعه من أراضيها لدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. أما عن تقديرات الجانب الروسي ردود الفعل من جانب البلدان الغربية، فقد تمثل بعضها في ما قاله نائب رئيس مجلس الأمن القومي ميدفيديف من أن بلاده لم تعد تأبه بمثلها، وإنها ماضية إلى ما هو أبعد صوب تأكيد ثوابت استراتيجيتها وحتى المدى الذي يتناسب ومقتضيات أمنها ومصالحها.

المزيد من تقارير