Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المزارعون البريطانيون في مأزق ومعهم الأمن الغذائي في المملكة المتحدة

"أدرك مدى شجاعة المزارعين البريطانيين ووسع حيلتهم ولكن ارتفاع التكاليف وغياب هيكلية التسعير العادل للمنتجات تكبدهم أضراراً جسيمة"

لدي حماس لتقليل هدر الطعام وتمكين الناس من دعم المنتجين المحليين (أ ف ب/غيتي)

يمتاز المزارعون البريطانيون بحزمهم وجرأتهم. فهم يواجهون العوامل المناخية القاسية، كما أنهم تمكنوا من تجاوز التحديات الاقتصادية العالمية والأمراض التي تصيب المواشي. بيد أن هذا القطاع عاش خلال العام الماضي كبوة صعبة خصوصاً منذ سبتمبر (أيلول) مع ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية بشكل مطرد.

يتوقع الخبراء حصول نقص وشيك في الغذاء ويقوم المزارعون في كافة أنحاء البلاد بخفض الإنتاج بشكل سريع، حتى أنهم يفكرون في الخروج من القطاع برمته نهائياً. وفي حين أن الحديث عن النقص في الغذاء قد يبدو مثيراً للهلع، من المهم أن نفهم ما الأسباب الكامنة وراء قلق المزارعين.

بحسب دراسة أجريت حديثاً، ارتفعت تكاليف الوقود والأسمدة وعلف الحيوانات بنسبة تفوق 25 في المئة لكل منها. وشهدت الأسمدة الزراعية الارتفاع الأبرز إذ سجلت زيادة ملحوظة بلغت 107.7 في المئة فيما بلغت نسبة ارتفاع أسعار الوقود حوالى 30 في المئة، ويواجه قطاع الزراعة في المملكة المتحدة تضخماً كبيراً تنعكس نسبته برقمين.

ففي حين لم تساعد الأحداث العالمية وخصوصاً النزاع القائم في أوكرانيا والإغلاق العام [الحجر] في الصين الذي رافق تفشي جائحة كورونا، فإن المشاكل كانت تختمر منذ مدة. وتشمل المشاكل الرئيسة غياب سلاسل توريد طويلة الأمد وموثوقة فضلاً عن علاقة متعثرة بين المزارعين والمصنعين والبائعين.

وكشفت دراسة حديثة أجريت بطلب من الاتحاد الوطني للمزارعين National Farming Union (NFU) وارتكزت على بيانات من شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2022 مدى صعوبة الوضع. فقد حددت تراجعاً بنسبة 10 في المئة في الإنتاج وسلطت الضوء على أن محاصيل تقدر قيمتها بحوالى 200 – 300 ألف جنيه إسترليني (249 – 374 ألف دولار أميركي) تترك من دون حصاد في الحقول. كما أشارت الدراسة إلى أنه في بعض الحالات الأقصى [الأكثر قسوة]، يدفع عبء التكاليف التي تشهد ارتفاعاً صاروخياً ببعض المزارعين إلى الخروج من القطاع برمته.

وفي وقت تملك الحكومة مساحة للتدخل ومد يد المساعدة التي يحتاج إليها مجتمع المزارعين، شدد مارتن إيميت رئيس مجلس إدارة البستنة وزراعة البطاطا في الاتحاد الوطني للمزارعين على أن الدعم الحقيقي قد يأتي حين "تأخذ باقي أجزاء سلسلة التوريد على عاتقها بعض ضغوط التكاليف وضمان حصول المزارعين على مكاسب عادلة".

وبحكم عملي السابق مع العديد من معامل الألبان والأجبان والمزارعين المستقلين، أدرك مدى شجاعة المزارعين البريطانيين ووسع حيلتهم. وهنالك رغبة حقيقية في الاستمرار في ملء رفوف المتاجر بأجود المنتجات البريطانية وأفضلها. ولكن ارتفاع التكاليف وغياب هيكلية التسعير العادل للمنتجات تكبدهم أضراراً جسيمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولأنني أتحدر من عائلة مزارعة، أعلم مدى صعوبة تحقيق الربح حتى في أفضل الفترات، ناهيك عن الأوقات التي تشهد ارتفاعاً صاروخياً في التكاليف. يود مجتمع المزارعين أن تكون المنتوجات في متناول العملاء مع التأكد أن يستمر المزارعون في الحصول على ثمن عادل مقابل محاصيلهم.

ولا يمكننا أن نتوقع من المستهلكين تحمل كافة التكاليف بمفردهم في وقت يواجهون فيه ارتفاعاً هائلاً في تكاليف المعيشة. حان الوقت لبائعي التجزئة الذين يعلنون عن أرباح قياسية حققوها بعد الوباء، أن يبادروا ويقوموا بالصواب ويدفعوا المزيد من المال للمزارعين. في أبريل (نيسان)، أعلنت تيسكو (Tesco) أن مكاسبها حققت أكثر من ثلاثة أضعاف، وتتوقع أن تبلغ أرباحها بين 2.4 مليار و2.6 مليار جنيه إسترليني (2.9 و3.2 مليار دولار أميركي) هذا العام، لا شك أن بائعي التجزئة يعيشون أوقاتاً أفضل من المزارعين.

بيد أن هناك مستهلكين مستعدين لدفع المزيد إذا عرفوا بأنهم سيحصلون على طعام من مصادر محلية تكون ذات معايير أخلاقية أعلى وأكثر استدامة، من خلال دعم المنتجين المحليين، يسهم الأشخاص في خفض تكاليف النقل، فمن شأن تقصير المسافة بين مصدر الغذاء والمستهلك النهائي تقليل فرصة تلفه أو فساده، ما يساعد على تقليل هدر الطعام الذي يشكل في حد ذاته سبباً رئيساً لانبعاثات غازات الدفيئة.

عام 2018، رمى الشعب البريطاني ما يناهز 9.5 مليون طن من الطعام. ولكن ليس المستهلكون وحدهم من يسهمون في هذا الكم الهائل من الطعام المهدور، إذ يتم إهدار أكثر من ثلاثة ملايين طن من الطعام قبل أن يبلغ رفوف المتاجر بسبب القواعد الصارمة التي تفرض على المزارعين. وتضع المتاجر الكبرى أنظمة ومواصفات صارمة متعلقة بتوافر المنتج ومطابقته، ويتم رمي نسبة تصل إلى 40 في المئة من الفاكهة والخضار المهدورة لأنها صغيرة للغاية أو لأنها لا تتناسب مع المتطلبات الجمالية لكي تعرضها المتاجر على رفوفها.

يشكل خفض هدر الطعام وتمكين الأشخاص من دعم المنتجين المحليين أمراً يثير حماستي وشغفي وهو من أبرز الأسباب التي دفعتني إلى تأسيس شركة "ذي مودرن ميلكمان" The Modern Milkman في عام 2018. تقوم شركتنا على تسليم المشروبات في عبوات زجاجية يمكن إعادتها فضلاً عن منتجات أخرى من خلال تغليف مستدام.

ومع كثرة الحديث عن مصادر الغذاء المستدامة والمنتجة بمعايير أخلاقية، من المهم أن يعيد بائعو التجزئة تقييم علاقتهم مع مجتمع المزارعين كون هذا الأخير هو المفتاح الرئيس للحفاظ على سلسلة غذائية عالية الجودة وقابلة للتتبع، ويجب على المزارعين البريطانيين إقناع الجميع ضمن سلسلة التوريد على تعديل طريقة تفكيرهم في ما يتعلق بالأسعار بهدف إرساء ركائز علاقة سليمة وطويلة الأمد والعمل على استقرار الأمن الغذائي في المملكة المتحدة.

* سايمون ميلين هو مؤسس "ذا موردن ميلكمان" ورئيسها التنفيذي وهي شركة تقوم على خفض الهدر وتقديم طريقة ملائمة للتسوق بشكل مستدام ولدعم الموردين المستقلين.

نشرت اندبندنت هذا المقال في 1 مايو 2022

© The Independent

المزيد من آراء