Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستدرج طهران الخيار العسكري ضدها؟

عملية عسكرية محدودة تعيد طهران إلى طاولة المفاوضات

جنود إيرانيون في مضيق هرمز في "اليوم الوطني" في 30 أبريل 2019 (أ.ف.ب)

 عندما أراد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن يوصل رسالة طهران إلى الإدارة الأميركية الحالية، في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، اختار الحديث مع محطة "فوكس نيوز" المقربة والمحببة للرئيس دونالد ترمب، مستبعداً قناة CNN، لتكون المقابلة التي أجراها مع هذه المحطة بمثابة حوار غير مباشر مع البيت الأبيض ومخاطبته مباشرة عبر هذه الوسيلة الإعلامية.

ففي أول تعليق له على حادث تفجير الناقلتين في خليج عمان، قال الوزير الإيراني إن "الهجمات التي حدثت ضد ناقلات تعود لليابان، جاءت في وقت كان رئيس الوزراء شينزو آبي في لقاء مع آية الله خامنئي لإجراء مباحثات موسعة وحميمة، وإن وصف ما قد حدث صباح هذا اليوم بالمشكوك قد لا يكون كافياً، لذا فإن اقتراح إيران حول منتدى للحوار الإقليمي ضروري".

هذا الموقف لظريف يعيد إلى الذاكرة غير البعيدة الاقتراح الذي تقدم به بعد تفجيرات الفجيرة وينبع، والذي أعلنه من العاصمة العراقية بغداد، من أجل عقد اتفاقية عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج. والصيغة الجديدة في اقتراح ظريف بعد تفجيرات خليج عمان لإنشاء منتدى للحوار الإقليمي، هي لعب على الكلام وإعادة إخراج المقترح القديم بأسلوب مختلف، إلا أنه يحمل الأهداف نفسها التي تسعى طهران وراءها، للحصول على اعتراف إقليمي ودولي بنفوذها الإقليمي، وتوظيف هذا النفوذ في فرض نفسها كقوة مسيطرة على المنطقة، من خلال "نظام أمني للمنطقة" تكون أحد أركانه الأساسية.

الخارجية الإيرانية التي يديرها ويرأسها ظريف، سارعت إلى رفض ما جاء من اتهامات أميركية على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، بالوقوف وراء التفجيرات الأخيرة، واستعرض بومبيو ما تعتبره واشنطن "أعمالاً إرهابية قامت بها طهران خلال الأشهر الأخيرة"، أي أن الردود الإيرانية انحصرت في الإدارة الدبلوماسية، في ظل صمت القيادات العسكرية التي دأبت في الأشهر الأخيرة على استعراض ما في جعبتها من عضلات وقوة وتهديد، طالت الأساطيل الأميركية المنتشرة في مياه الخليج وبحر العرب، إضافة إلى القواعد العسكرية في المنطقة.

اعتماد الدبلوماسية الإيرانية وعلى رأسها ظريف لمبدأ "الشك المعقول" Reasonable doubt، الذي برعت وتبرع فيه الدبلوماسية الأميركية، في محاولة لإبعاد التهم عن إيران بالوقوف وراء التفجيرات الأخيرة، كما جاء في تغريدة وزير الخارجية، هي محاولة للعب في النصف الأميركي من الملعب، تكشفها الجملة الأخيرة التي ختم بها ظريف تغريدته بالدعوة إلى منتدى إقليمي. وتكشف أيضاً مساعي إيران لتوظيف هذه التفجيرات، إن كانت تقف وراءها أو لا تقف وراءها، من أجل إيصال رسالة لواشنطن ودول المنطقة، من خطورة ما ستؤول إليه الأمور إذا ما استمرت الضغوط على طهران واستهدافها من خلال الحصار والعقوبات الاقتصادية الخانقة.

ولعل البعد الأهم الذي ستحاول استغلاله طهران في هذه التفجيرات، هو الإيحاء بضرورة التوصل إلى حل سياسي مع حكومة روحاني، التي تبدي إيجابية عالية للحوار والتفاهم على مبدأ الاحترام المتبادل والعودة إلى الاتفاق النووي ووقف العقوبات الاقتصادية، لأن الأمور لن تكون بهذه السهولة في ظل الصراع الداخلي مع التيار المتشدد الرافض بشكل تام لأي حوار أو تفاهم، وأن التعنت الأميركي قد يؤدي إلى المزيد من هذه العمليات التي لن تكون في صالح الطرفين غير الراغبين في حصول مواجهة عسكرية بين البلدين.

حماية أميركية

رد الفعل الأولي على تفجيرات خليج عمان، قد تأتي من مجلس الأمن الدولي، الذي ستفسح له واشنطن المجال للدخول على خط أزمة هذه التفجيرات وتداعياتها، والدفع باتجاه تبنيه لقرار دولي، من المتوقع أن يكون بالإجماع، يضع أمن طرق إمدادات الطاقة العالمية تحت إشرافه ورعايته، بالتالي تحصل واشنطن على غطاء دولي واضح وصريح من هذه المنظمة الدولية، للرد على أي اعتداء قد تتعرض له عمليات نقل الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، مستغلة انتشارها ووجودها العسكري والبري والبحري في هذه المنطقة الحساسة، لتطبيق القرار الأممي في حال صدوره. بالتالي سيكون على طهران توقع تعرضها للرد على أي اعتداء قد يحصل في الممرات الدولية، حتى لو لم تكن هي التي تقف وراءه، وأن دائرة هذه المسؤولية لن تكون مقتصرة على مضيق هرمز وخليج عمان، بل ستشمل أيضاً مضيق باب المندب وبحر العرب، أي أن مشروعها الاستراتيجي الإقليمي سيدخل في منطقة الخطر الحقيقي في مواجهة المجتمع الدولي، الأمر الذي سيعقّد طموحاتها في إمكان التوصل مع واشنطن إلى تفاهم حول بناء "نظام إقليمي" تلعب فيه دوراً محورياً مستفيدة من امتداداتها ونفوذها في المنطقة.

وقد تعمد واشنطن لإعلان حمايتها لحركة الملاحة الدولية في مياه الخليج وخليج عمان، من خلال رفع العلم الأميركي على كل السفن والناقلات التي تمر عبر مضيق هرمز أو خليج عمان، في استعادة للدور الذي قامت به عام 1987، خلال الحرب العراقية- الإيرانية، وما تبعه من نشوب حرب الناقلات واستهداف المنصات النفطية الإيرانية، بالتالي تكون قد ردت بشكل مباشر على الخطوة التي قام بها المرشد الإيراني قبل حوالى شهر، عندما وضع صورة نادر مهدوي قائد عملية استهداف القطع البحرية الأميركية في الخليج عام 1987، خلال لقائه السنوي مع طلاب الجامعات. الأمر الذي سيجعل من الصعب على طهران وقوات حرس الثورة اللجوء إلى استراتيجيتهم القديمة في استهداف ناقلات النفط، لأنها ستكون في مواجهة مع القوات الأميركية حينها. بالتالي قد يبعد احتمالية إشعال حرب باستخدام هذا السلاح، إلا إذا كان هناك جماعات في إيران تسعى وتريد إشعالها لقطع الطريق على أي اتفاق أو تفاهم تعتقد أنه سيكون على حسابها ودورها وموقعها في اتخاذ القرارات.

ولن يكون بمقدور إيران استنساخ العملية التي قامت بها يوم 12 يناير (كانون الثاني) 2016 عندما قامت القوات البحرية في حرس الثورة باحتجاز زورقين أميركيين بالقرب من جزيرة فارسي في الخليج، على متنهما عشرة جنود من المارينز، وأبقتهم لمدة 15 ساعة، ثم عادت وأطلقت سراحهم بعد اتصالات متكررة أجراها وزير الخارجية جون كيري بنظيره وصديقه ظريف. العملية آنذاك جاءت بناء على معطيات داخلية إيرانية، على علاقة بالصراع الذي احتدم بين الحكومة برئاسة حسن روحاني ومؤسسة الحرس الثوري، لإفشال الجهود السياسية والدبلوماسية التي حققتها إدارة روحاني في توقيع الاتفاق النووي قبل أقل من ستة أشهر من هذه العملية. وأي عملية من هذا النوع في ظل الإدارة الحالية في البيت الأبيض، لن تكون بالسهولة التي كانت عليه في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بل من المحتمل أن تؤدي إلى اتخاذ قرار بالرد العسكري المباشر والقاسي.

ضربة جراحية 

قد يكون بات من المحرج للإدارة الأميركية السكوت على الأفعال التخريبية التي تتهم إيران بالقيام بها في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وقد تكون مجبرة على اللجوء إلى خيار توجيه رسالة بالنار إلى طهران، للحد من هذه الأعمال، وتكون بمثابة عملية جراحية "لتصويب المسارات"، تُجبر إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفتح كل الملفات المطروحة من قبل واشنطن للبحث وتحديد الأحجام فيها. إلا أن هذه الخطوة في حال قررت الإدارة الأميركية اللجوء إليها، لن تكون سريعة وخلال مدة زمنية قصيرة، فواشنطن ستعطي الجهود الدبلوماسية المزيد من الوقت والفرص للتوصل إلى إقناع طهران بالحوار. بالتزامن مع العودة إلى دراسة الخيار العسكري ووضع احتماليات واقعية لحجم العمل العسكري الذي ستقوم به، والمواقع المستهدفة وآلية وأسلوب هذا العمل، إضافة إلى دراسة رد الفعل الإيراني على أي ضربة من هذا النوع، وحتى لا تؤدي هذه العملية إلى حرب واسعة قد يصعب على الجانبين ضبطها أو السيطرة عليها. بما يتوافق مع الموقف الذي صدر عن الجيش الأميركي الذي أكد قائلاً "ليس لدينا مصلحة في خوض صراع جديد في الشرق الأوسط".

فواشنطن تسعى من وراء مثل هذه الضربة إلى أن تكون "المفتاح السري" الذي قد يدفع الجانب الإيراني للجلوس إلى طاولة المفاوضات، على شروط مختلفة من قبل الجانبين. شروط مفتوحة على كل أزمات وملفات المنطقة، وتؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الإقليم بكل أبعاده وقضاياه.

المزيد من الشرق الأوسط